أولًا: إنّ هذا الحديث لا يدل بحالٍ من الأحوال على أن عمر I أتى أهله في الدبر، بل هذا فهمٌ تفرد به علماء الرَّافضة؛ لجهلهم بلغة العرب ولسانهم، بل المراد أنه كان يأتي أهله في القبل، لكن من الخلف، من جهة الدبر.
قال ابن الأثير: «وفي حديث عمر: «حَوَّلْتُ رَحْلي البارحة»، كنى برحله عن زوجته، أراد به غشيانها في قبلها من جهة ظهرها؛ لأنّ المجامع يعلو المرأة ويركبها ممّا يلي وجهَهَا، فحيث ركبها من جهة ظهرها كنى عنه بتحويل رحله»[1].
وقال أبو موسى المديني: «في حديث ابن عبَّاس L قال: «جاء عمر I فقال: يا رسول الله، حوّلت رحلي البارحة...» وأراد به غشيانه امرأته من دبرها في قبلها؛ لأن المجامع يعلوها ويركبها، فلمَّا أتاها من غير مأتاها -فيما قيل- سمّاه تَحوِيلًا، كنى بالرّحل عن الغشيان»[2].
قال المباركفوري: «قوله: «حوَّلت رحلي اللّيلة» كنّى برحله عن زوجته أراد به غشيانها في قبلها من جهة ظهرها؛ لأنّ المجامع يعلو المرأة ويركبها ممّا يلي وجهها، فحيث ركبها من جهة ظهرها كنّى عنه بتحويل رحله، إمّا نقلًا من الرّحل بمعنى المنزل، أو من الرّحل بمعنى الكور، وهو للبعير كالسّرج للفرس، كذا في المجمع»[3].
فهذا هو المقصود من الحديث: إتيان المرأة في المكان المشروع في محل الحرث والنسل، لكن من خلفها من جهة ظهرها، لا أنه أتاها في نفس الدبر.
ثانيًا: مما يؤيد هذا أن النبيّ صلى الله عليه وسلم لم يغضب من فعله، مع أنه كان يغضب عند انتهاك حرمات الله، بل قال له: «أَقْبِلْ وَأَدْبِرْ...»[4] بشرط أن يكون في محل الولد، وفي غير وقت الحيض.
ثالثًا: قد يقول قائل: لماذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث: «وَاتَّقِ الدُّبُرَ»؟
فالجواب: أن هذا من باب جواب الحكيم، فهي إضافة من رسول الله صلى الله عليه وسلم من باب الفائدة، بقرينة قوله: «وَاتَّقِ الدُّبُرَ وَالحَيْضَةَ»، ومعلومٌ أنه لم يأت امرأته وهي حائض، ومع ذلك نهاه عن هذا الفعل، فمثله الوطء في الدبر.
وقد كان من عادة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يزيد السائل في جواب سؤاله مما يحتاج إليه، وذلك كما ورد في حديث البحر المشهور: «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ، الحِلُّ مَيْتَتُهُ».
فمع أن السائل سأله عن الطهارة بماء البحر فقط، إلا أنَّ النبيّ صلى الله عليه وسلم زاده أمرًا آخر، فبيَّن له حكم ميتته أيضًا؛ تتميمًا للفائدة، وللحاجة إلى هذه المسألة، وهو من محاسن الفتوى.
رابعــًا: لو سلمنا بأن عمر I فعل هذا الأمر، فيكون هذا تلبسًا بخطأٍ قبل العلم بحكمه الشرعي، وهذا ليس منقصة ولا مطعنًا في عمر I، بل إن بعض الصحابة وقع فيما هو أشدّ من هذا، بسبب عدم درايتهم بحكمه، ومع ذلك فقد علمهم النبيّ صلى الله عليه وسلم وأرشدهم.
خامسًا: إن علماء الرَّافضة ما اضطروا إلى هذا الزعم، وما حملوا الحديث على هذا المعنى الفاسد الذي لا يدل عليه سياق النص، إلا محاولةً منهم لتبرير قول علمائهم بجواز وطء المرأة في الدبر، كما هو مشهورٌ عندهم.
قال المجلسي: «قال السيد: جواز الوطء في الدبر مذهب الأكثر؛ كالشيخين، والمرتضى، وأتباعهم، ونقل عن ابن بابويه، وابن حمزة القول بالتحريم، استنادًا إلى أخبار ضعيفة، ولو صح سندها، وجب حملها على التقية؛ لأن أكثر العامة منعوا ذلك»[5].
وفي هذا النص تقرير كون جواز وطء المرأة في الدبر هو قول الأكثر من علماء الإمامية، وأن المخالف في ذلك اعتمد على روايات ضعيفة، وأنها لو صحت، فإنها تحمل على التقية؛ لموافقتها لأهل السُّنَّة القائلين بالتحريم.
بل ذهبوا إلى جواز هذا الفعل حتى حال حيض المرأة، فيجوز عندهم إتيانها من الدبر في تلك الحال.
قال الهمداني: «لكن لا يخفى عليك أن استفادة جواز الوطء في الدبر حال الحيض من هذه الروايات مبنية على القول بجوازه حال النقاء، كما هو الأشهر، بل المشهور عند الخاصة نصًّا وفتوى، عكس العامة»[6].
فلسان حال الرَّافضة كقول القائل: رمتني بدائها وانسلَّت.
[1] «النهاية في غريب الحديث والأثر»، ابن الأثير (2/209).
[2] «المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث»، أبو موسى المديني (1/746).
[3] «تحفة الأحوذي»، المباركفوري (8/258).
[4] «مسند أحمد» (4/435) برقم (2703)، «سنن الترمذي»، أبواب تفسير القرآن عن رسول الله، باب: ومن سورة البقرة (5/88) برقم (2980)، «السنن الكبرى»، كتاب: عشرة النساء، باب: تأويل قول الله: O N (8/189) برقم (8928).
[5] «مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول»، المجلسي (20/384).
[6] «مصباح الفقيه»، رضا الهمداني (1/287).