والجواب عن هذا من وجوه:
أولًا: إن هذا الأثر ضعيف، وفيه ثلاث علل:
العلة الأولى: ضعف عاصم بن عبيد الله.
قال ابن الجوزي: «عاصم بن عبيد الله بن عاصم بن عمر بن الخطَّاب يروي عن أبيه، عن عبد الله بن عامر بن ربيعة، وعبيد الله بن عمر؛ سمع منه الثّوريّ وشعبة ومالك، وضعفه مالك، وقال يحيى: ضعيف لا يحتج بحديثه، قال ابن حبان: كان سيء الحفظ، كثير الوهم، فاحش الخطأ فيترك. قال المصنّف: قلت: ثمَّ آخران يقال لهما عاصم بن عبيد الله لم يقدح فيهما»[1].
وقال الإمام الذهبي: «ضعفه ابن معين، وقال البخاري وغيره: منكر الحديث»[2].
وقال ابن حجر: «ضعيف من الرابعة»[3].
بل إن ابن سعد صاحب «الطبقات» قال: «لا يحتج به»[4].
العلة الثانية: الانقطاع بينه وبين عمر.
- فإنه لم يسمع من عمر، وقد مات في أول خلافة أبي العباس[5].
- وقد تولى أبو العباس السفاح الخلافة سنة 132هـ، وبقي إلى سنة 136هـ.
العلة الثالثة: مخالفته للثابت عن عمر I.
ثانيًا: روى ابن أبي شيبة بسنده، عن ابن عمر L قال: «كان عمر بن الخطَّاب يؤتى بخبزه، ولحمه، ولبنه، وزيته، وبقله، وخلّه، فيأكل، ثمَّ يمصّ أصابعه ويقول هكذا، فيمسح يديه بيديه، ويقول: هذه مناديل آل عمر»[6].
«ولعلَّ ذلك كان من عمر I عند فقد الماء أو المناديل، وربما كان الطعام الذي يأكله ليس له زفر أو غمر، كما نص على ذلك أهل العلم»[7].
ولعلَّ بعض الشيعة يستنكر ذلك جهلًا منه، فنقول: إن هذا قد ورد عندكم أيضًا.
فعن أبي عبد الله S، عن أبيه قال: «كان رسول الله H إذا فرغ من طعامه لعق أصابعه في فيه فمصها»[8].
وبوب الحر العاملي في «الوسائل» باب [78]: «استحباب لحس الأصابع من المأدوم»[9].
ثالثًا: على فرض صحة هذا الأثر، فهل يكون هذا موجبًا للطعن في صحابي جليل من أصحاب رسول الله H ، له من الفضائل والمحاسن ما لا يمكن تسطيره في كتاب؟!
بل إن هذا يعد من فضائله بلا شك، سيما وقد ذكرنا أن ذلك كان لعدم وجود منديل أو ماء، وقد كان طعامه I -في الغالب- الخبز والزيت، بل كان يشترط على عامله ألا يركب برذونًا، ولا يأكل نقيًّا، ولا يلبس رقيقًا، ولا يغلق بابه دون ذوي الحاجات.
وهذا الأثر -لو قلنا بصحته تنزلًا- فإنه يمكن أن يستدلّ به على الزهد في الدنيا، والتقلل منها، والبذاذة -وهي من الإيمان- والبعد عن الترف والبذخ، سيما إذا عرفنا أن المناديل عند العرب أدنى الثياب؛ ولذلك فإن النبي H لما أهدي له جبّة سندسٍ، وكان ينهى عن الحرير، فعجب النَّاس منها، قال: «وَالَّذي نَفْسُ محمّدٍ بيدِه، لمنَادِيلُ سعدِ بْنِ معاذٍ في الْجَنَّةِ أحسَنُ مِنْ هَذَا»[10] فذكر المناديل؛ لأنها أقل الثياب وأردؤها.
رابعًا: ورد في كتب الشيعة أنفسهم ما هو أشنع من ذلك.
فقد روى القمّي «أن أبا جعفر الباقر S دخل الخلاء، فوجد لقمة خبز في القذر، فأخذها وغسلها ودفعها إلى مملوك كان معه، فقال: تكون معك لآكلها إذا خرجت، فلما خرج S قال للمملوك: أين اللقمة؟ قال: أكلتها
يا ابن رسول الله، فقال: إنها ما استقرّت في جوف أحد إلا وجبت له الجنة، فاذهب، أنت حر، فإني أكره أن أستخدم رجلًا من أهل الجنة»[11].
وبوب الحر العاملي باب: [أن من وجد كسرة أو تمرة استحب له رفعها وأكلها، وإن كانت في قذر استحب له غسلها وأكلها][12].
فالمعصوم يأمر الشيعة بأكل اللقمة التي وقعت في القذارة وفي الخلاء!
خامسًا: ورد في كتب الرَّافضة أن عليًّا I وحاشاه، كان أذل من النعل، ففي «بحار الأنوار»: «فلما أطاع القوم الذين ولوا الأمر وصار أذل لهم من الحذاء، تركوه وسكتوا عنه»[13].
فإذا كان عمر قد مسح يده في النعل، فقد مسح يده في شيء أجلّ من معصوم الشيعة الأول -عياذًا بالله من هذا الكفر البواح-!
[1] «الضعفاء والمتروكون»، عبد الرحمن بن علي بن الجوزي (2/70).
[2] «الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة»، الذهبي (1/520).
[3] «تقريب التهذيب»، ابن حجر (1/285).
[4] انظر: «تهذيب الكمال في أسماء الرجال»، المِزِّي (13/405).
[6] «مصنف ابن أبي شيبة» (7/97).
[7] «دراسة نقدية في المرويات الواردة في شخصية عمر بن الخطَّاب وسياسته الإدارية I»،
عبد السلام بن محسن آل عيسى، وقد صحح المؤلف هذا الأثر (1/276).
[8] «وسائل الشيعة» (16/496).
[9] «وسائل الشيعة» (16/504).
[10] «صحيح البخاري»، باب: قبول الهدية من المشركين (3/163) برقم (٢٦١٥)، «صحيح مسلم»، باب: فضائل سعد بن معاذ I (4/1916) برقم (٢٤٦٨).
[11] «من لا يحضره الفقيه الصدوق» (1/27).
[12] «وسائل الشيعة» (16/503).
[13] «بحار الأنوار»، المجلسي (29/187).