أولًا: موافقة عنصر الماء لعمر بن الخطَّاب I:
وتشتمل على قصتين:
1- قصة النيل: قال شمس الدين السفيري: «وأما موافقة عنصر الماء له، ففي قصة النيل...»[1].
والرد من وجوه:
أولًا: ضعف الرواية؛ لعلتين:
العلة الأولـى: عبد الله بن لهيعة.
قال الإمام النسائي: «ضعيف»[2].
وقال ابن الجوزي: «قَالَ يحيى بن سعيد: قَالَ لي بشر بن السّري لَو رَأَيْت ابْن لَهِيعَة لم تحمل عَنهُ حرفًا، وَكَانَ يحيى بن سعيد لَا يرَاهُ شَيْئًا، وَقَالَ يحيى بن معِين: أنكر أهل مصر احتراق كتب ابْن لَهِيعَة وَالسَّمَاع مِنْهُ وَأخذ الْقَدِيم والحَدِيث هُوَ ضَعِيف قبل أن تحترق كتبه وَبعد احتراقها. وَقَالَ عَمْرو بن عَليّ: من كتب عَنهُ قبل احتراقها بِمثل ابْن المُبَارك والمقري أصح مِمَّن كتب بعد احتراقها، وَهُوَ ضَعِيف الحَدِيث. وَقَالَ أَبُو زرْعَة: سَماع الْأَوَائِل والأواخر مِنْهُ سَوَاء إِلَّا ابْن المُبَارك وَابْن وهب كَانَا يتبعان أُصُوله وَلَيْسَ مِمَّن يحْتَج به. وَقَالَ السَّعْدِيّ: لَا يَنْبَغِي أَن يحْتَج بروايته وَلَا يعْتد بهَا. وَقَالَ ابْن وهب: كَانَ ابْن لَهِيعَة صَادِقًا. وَقَالَ أَبُو حَاتِم ابْن حبَان: سبرت أَخْبَار ابْن لَهِيعَة فرأيته يُدَلس عَن أَقوام ضعفاء على أَقوام ثِقَات قد رَآهُمْ، ثمَّ كَانَ لَا يُبَالِي مَا دفع إِلَيْهِ قَرَأَهُ سَوَاء كَانَ من حَدِيثه أَو لم يكن من حَدِيثه؛ فَوَجَبَ التنكب عَن رِوَايَة المُتَقَدِّمين عَنهُ قبل احتراق كتبه لما فِيهَا من الْأَخْبَار المدلسة عَن المتروكين، وَوَجَب ترك الاحتجاج بِرِوَايَة المُتَأَخِّرين بعد احتراق كتبه لما فِيهَا مِمَّا لَيْسَ من حَدِيثه»[3].
العلة الثانيـة: عدم معرفة الواسطة بين قيس بن الحجاج والصحابة، قال الحافظ ابن حجر: «ولا يقبل حديث المبهم ما لم يسمّ؛ لأنَّ شرط قبول الخبر عدالة راويه، ومن أبهم اسمه لا تعرف عينه، فكيف تعرف عدالته؟!»[4].
وقيس بن الحجاج من الطبقة السادسة كما قال الحافظ في «التقريب»[5]. وهذه الطبقة لم يثبت لهم لقاء أحد من الصحابة. قال الحافظ ابن حجر: «السادسة: طبقة عاصروا الخامسة لكن لم يثبت لهم لقاء أحد من الصحابة»[6].
وعليه؛ فقيس بن الحجاج لم ير عمرو بن العاص، ولم ير عمر بن الخطَّاب، وروى القصة عنهما عن طريق مبهم لم يسم، وبه تبطل القصة إسنادًا.
ثانيًا: لو ثبتت القصة فهي من باب دعاء الله بما هو مشروع؛ للتخلص من شرك وكفر كان يقع فيه هؤلاء، وتكون من باب استجابة الله لدعاء أوليائه، وهذا حاصل كثيرًا، ولا إشكال في ذلك.
ثالثًا: جاء عند الشيعة نسبة فعل ذلك إلى المعصوم لكن بالطلاسم، وقد ذكره ابن حمزة الطوسي في (الثاقب في المناقب) عن أبي عبد الله S أنه قال: «مد الفرات عندكم على عهد أمير المؤمنين S، فأقبل إليه الناس فقالوا: يا أمير المؤمنين، نحن نخاف الغرق؛ لأن الفرات قد جاء بشيء من الماء لم نر مثله قط، وقد امتلأت جنبتاه، الله الله! فركب أمير المؤمنين S، والناس حوله يمينًا وشمالًا، حتى انتهى إلى الفرات وهو يزجر بأمواجه، فوقف الناس ينظرون، فتكلم بكلام خفي عبراني ليس بعربي، ثم إنه قرع الفرات قرعة واحدة؛ فنقص الفرات ذراعًا، وأقبل الناس»، وفي رواية أخرى فقال لهم: «هل يكفيكم ذلك؟ فقالوا: زدنا يا أمير المؤمنين. فقرع قرعة أخرى، فنقص ذراعًا آخر، فقالوا: يكفينا، فقال: لو أردت لقرعته حتى لا يبقى فيه شيء من الماء»[7].
ونحن نُبَرئُ سيدنا عليًّا I من ذلك، لكن العجب كيف ينسب هؤلاء مثل هذا الكلام الذي يشبه كلام الكهان لعلي I؟! ثم هم ينكرون على من
دعا الله بكلام واضح موافق للكتاب والسُّنَّة!
2- قصة شط دجلة: قال شمس الدين السفيري: «ووافقه عنصر الماء مرة أخرى، وذلك أنه بعث جيشًا إلى مدائن كسرى، وأمّر عليهم سعد بن أبي وقاص، وجعل قائد الجيش خالد بن الوليد، فلما بلغوا شط دجلة ولم يجدوا سفينة، تقدم سعد وخالد فقالا: يا بحر، إنك تجري بأمر الله، فبحرمة محمد H وبعدل عمر خليفة رسول الله إلا ما خليتنا والعبور، فعبر الجيش بخيله وحماله ورجاله إلى المدائن ولم تبتل حوافرها»[8].
والرد من وجوه:
أولًا: هذه الحكاية لا سند لها، فلا يحتج بها.
ثانيًا: لو صحت لكانت من باب الكرامة لأولياء الله، وهذا أمر لا ننكره، ولا علاقة له بالولاية التكوينية التي يثبتها الشيعة للأئمة.
ثالثًا: ورد في كتب الشيعة ما هو أعظم من هذا، فقد سقط الإمام الباقر في بئر وهو صغير ولم يبتل بالماء، ولم يحدث له شيء.
قال هاشم البحراني: «روي أنَّه كان قائمًا في صلاته، حتَّى زحف ابنه محمّد، وهو طفل إلى بئرٍ كانت في داره بعيدة القعر، فسقط فيها فنظرت إليه أمّه فصرخت، فأقبلت تضرب بنفسها من حوالي البيت وتستغيث به، وتقول له:
يا بن رسول الله، غرق، والله، ابنك محمّد، وهو يسمع قولها، ولا ينثني عن صلاته، وهي تسمع اضطراب ابنها في قعر البئر في الماء فتشتدّ، فلمَّا طال عليها ذلك قالت له جزعًا على ابنها: ما أقسى قلوبكم يا أهل بيت النبوة! فأقبل على صلاته، ولم يخرج عنها إلَّا بعد كمالها وتمامها، ثم أقبل عليها، فجلس على رأس البئر ومدّ يده إلى قعرها، وكانت لا تنال إلَّا برشاء طويل، فأخرج ابنه محمّدًا، وهو يناغيه ويضحك ولم يبتلّ له ثوب ولا جسد بالماء»[9].
ثانيًا: موافقة عنصر الهواء لعمر بن الخطَّاب I:
قال شمس الدين السفيري: «وأما موافقة عنصر الهواء، فذلك أنه أرسل جيشًا وأمَّر عليهم شخصًا يقال له: سارية، فلما قربوا من العدو كمنوا لهم وراء جبل، وكانت نجاتهم في الصعود على الجبل، وكان نهار جمعة، فلما صعد المنبر للخطبة، أطلعه الله على جيشه الذي أرسله، وعلى الكمين، وكشف له الحجب من مسافة بعيدة، فبينما هو في الخطبة نادى: يا سارية، الجبل، مرتين أو ثلاثًا، فاحتمل الهواء صوته حتى بلغ سارية، فصعد الجبل، وسلموا من العدو...»[10].
والرد من وجوه:
( أ ) هذه القصة في ثبوتها خلاف بين المحدثين، بعضهم يرى ثبوتها، كما قال الحافظ ابن كثير: «وهذا إسنادٌ جيّدٌ حسنٌ»[11].
ويرى البعض عدم ثبوتها، لعدم صحة طرقها وأسانيدها[12].
(ب) هذا إلهام من الله سبحانه، وكرامة لعمر I، وهو المحدَّث الملْهَم كما ثبت عن النبي H ، وليس في الأثر أنه I كشف له عن الجيش، وأنه رآه رأي العين إلى غير ذلك من الروايات الضعيفة التي يتعلق بها غلاة المتصوفة في الكشف، واطلاع المخلوقين على الغيب، وهذا باطل؛ لأن الاطلاع على الغيب من صفات الله D.
(جـ) الرَّافضة كعادتهم حرفوا القصة، وجعلوها من كرامات علي بن أبي طالب I.
قال هاشم البحراني: «الثامن والثلاثون ومائتان -يعني من معجزات علي: أنَّه أرى عمر بن الخطَّاب الجيوش التي في نهاوند مع سارية، وأن يبلغ صوته إليهم...» ثم ساق الرواية[13].
ثالثًا: موافقة عنصر التراب لعمر بن الخطَّاب:
قال: «وأما موافقة عنصر التراب له فذلك أن الأرض زلزلت في أيامه واضطربت، فضربها برجله، وقيل: بِدرَّتِه، وقال: أتزلزلين وأنا أعدل عليك؟! فما زلزلت في حياته بعد تلك المرة قط»[14].
الرد من وجهين:
( أ ) القصة لا سند لها، فلا يحتج بها.
(ب) أين هذا مما رواه الرَّافضة في كتبهم من أن الإمام هو رب الأرض؟!
قال علي النمازي: «قوله تعالى: ﴿ وَأَشۡرَقَتِ ٱلۡأَرۡضُ بِنُورِ رَبِّهَا ﴾ [الزُّمَر: 69] تفسير علي بن إبراهيم: عن الصادق في هذه الآية قال: رب الأرض إمام الأرض»[15].
وورد في رواياتهم أنه لا يكون شيء في الأرض إلا بإذن الإمام، حتى الرعد والبرق.
روى المفيد بسنده عن سماعة بن مهران قال: «كنت عند أبي عبد الله S فأرعدت السماء وأبرقت، فقال أبو عبد الله: أما إنه ما كان من هذا الرعد، ومن هذا البرق فإنه من أمر صاحبكم. قلت: من صاحبنا؟ قال: أمير المؤمنين»[16].
رابعًا: موافقة عنصر النار لعمر بن الخطَّاب:
وقد أورد صاحب الكتاب قصتين:
القصة الأولى: قال: «وأما موافقة عنصر النار، فقد قال السبكي: إن نارًا كانت تخرج من كهف في جبل فتحرق ما أصابت، فخرجت في زمن عمر، فأمر أبا موسى الأشعري، أو تميمًا الداري، أن يدخلها الكهف، فجعل يحبسها بردائه، حتى أدخلها الكهف فلم تخرج بعد»[17].
والرد على هذا:
( أ ) الأثر لا سند له، قال محمد رشيد رضا: «لا أعرف لهذا الأثر سندًا قويًّا ولا ضعيفًا، ولا يخلو خروج هذه النار من أن يكون بسبب أو بغير سبب، فإن كان الثاني فهو خارقة من الخوارق، فكيف وقعت تلك الخارقة؟ وهل كانت كرامة لصحابي أو ولي آخر غير معروف، ثم زالت بكرامة آخر، أم تقع الخوارق بنفسها؟ وإن كانت بسبب، فما هو ذلك السبب؟ وأين ذلك الكهف؟ وهل لتلك النار من أثر فيه؟ إذا وقفنا على أجوبة صحيحة لهذه الأسئلة نتكلم عنها، ومن الحماقة إضاعة الوقت في إيراد الاحتمالات الخيالية والخوض فيها مع الخائضين»[18].
(ب) هل تعلم أن الذي يتحكم في النار، ولا تصيبه بأي شيء هو الإمام عند الرَّافضة؟!
قال هاشم البحراني: «وفي «ثاقب المناقب»: أنَّه لمَّا أمر الدوانيقي الحسن ابن زيد- وهو واليه على المدينة- بإحراق دار أبي عبد الله بأهلها فأضرم فيها النار وقويت، خرج من البيت ودخل النار ووقف ساعة في معظمها، ثمَّ خرج منها وقال: «أنا ابن أعراق الثرى» وعرق الثرى: لقب إبراهيم»[19].
القصة الثانية: وقال أيضًا: «وورد في الموطأ عن مالك بن أنس أن أمير المؤمنين عمر بن الخطَّاب I سأل رجلًا عن اسمه، فقال: جمرة، فقال عمر: ابن من؟ قال: ابن شهاب. فقال: ممن؟ قال: من الحرقة، فقال: وأين مسكنك؟ فقال: بحرة النار، فقال: بأيها؟ قال: بذات لظى، فقال: أدرك أهلك فقد احترقوا، فكان الأمر كما قال عمر I. فقد وافقه عنصر النار في هذه أيضًا»[20].
الرد من وجوه:
( أ ) أن هذا من باب الإلهام، وقد ثبت وصح عندنا أن عمر I كان محدَّثًا وملهمًا.
قال الحافظ ابن عبد البر: «لا أدري ما أقول في هذا، إلا أنه قد ثبت عن النبي H أنه قال: «سيكون بعدي محدّثون، فإن يكن فعمر»[21]، وقد يوجد هذا في من دون عمر من الذكاء وحسن الظن حتى لا يكاد يخطئه ظنه، والله D أعلم، في احتراق أهل المخبر، وكأنه من نحو ما روي من قوله H : «البلاء موكّلٌ بالمنطق»[22]، فصادف قوله قدرًا سبق في علم الله D»[23].
والإلهام يثبته الشيعة لغير الأئمة، كسلمان الفارسي[24].
(ب) قيل: إنَّ هذا من باب الفراسة، وهي أمر ثابت في الشريعة لا ينكره إلا جاهل.
قال ابن العربي: «اختلف في هذا الحديث، فمنهم من قال: إن عمر أدركه إلهام من الله تعالى ألقاه في روعه، كما قال النبيّ H : «إنّ في كل أمة محدثين، وإن عمر منهم»، وقيل: إنما ذلك فراسة واستدلالًا بظاهرٍ على باطنٍ وإنفاذ قضاء سابق بسبب حاصلٍ، والحكمة التي استدل بها عمر وتفرّسها اجتماع النار عليه من كل وجهٍ فيه، وفي أبيه، وفي جهته، ومحله، ومسكنه فأخرجها عمر له في الدنيا رجاء أن يعصمه الله تعالى منها في الآخرة، وكان ذلك تعليمًا لتحسين الأسماء»[25].
(جـ) هذا الأمر ليس من باب الولاية التكوينية في شيء، بخلاف ما يثبته الرَّافضة للأئمة.
قال المفيد: «إن الأئمة من آل محمد H قد كانوا يعرفون ضمائر بعض العباد ويعرفون ما يكون قبل كونه»[26].
فهل بعدما سبق من تفنيد الأدلة ودحض هذه الشبهة يبقى للشيعة قول في الولاية التكوينية؟ إن يكن فبلا دليل أو حجة معتبرة، وإن سكتوا فالقول ما أثبتناه من نفيها.
[2] «الضعفاء والمتروكين»، النسائي (1/203).
[3] «الضعفاء والمتروكون»، ابن الجوزي (2/137).
[4] «نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر»، ابن حجر (ص101).
[5] «تقريب التهذيب»، ابن حجر (٢/٣٢).
[6] مقدمة «طبقات المدلسين تعريف أهل التقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس»، ابن حجر (ص9).
وانظر: مقدمة عاصم القريوتي لكتاب «طبقات المدلسين» (ص9).
[7] «الثاقب في المناقب»، ابن حمزة الطوسي (ص155 -156).
[8] «المجالس الوعظية في شرح أحاديث خير البرية»، شمس الدين السفيري الشافعي (1/97).
[9] «مدينة معاجز الأئمة الاثني عشر ودلائل الحجج على البشر»، هاشم البحراني (4/254).
[10] «المجالس الوعظية في شرح أحاديث خير البرية»، شمس الدين السفيري الشافعي (1/97-98).
[11] «البداية والنهاية»، ابن كثير (7/131).
[12] قال محمد بن درويش الحوت في كتابه «أسنى المطالب» روى قصته الواحدي، والبيهقي، بسند ضعيف، وهم في المناقب يتوسعون. انظر: «أسنى المطالب» (ص٣٣٢).
[13] «مدينة معاجز الأئمة الإثني عشر ودلائل الحجج على البشر»، هاشم البحراني (2/14-18).
[14] «المجالس الوعظية في شرح أحاديث خير البرية»، شمس الدين السفيري الشافعي (1/98).
[15] «مستدرك سفينة البحار»، علي النمازي (4/47).
[16] «الاختصاص»، المفيد (ص327).
[17] «المجالس الوعظية في شرح أحاديث خير البرية»، شمس الدين السفيري الشافعي (1/99).
[18] «مجلة المنار»، محمد رشيد رضا (2/658).
[19] «مدينة معاجز الأئمة الاثني عشر ودلائل الحجج على البشر»، هاشم البحراني (5/296).
[20] «المجالس الوعظية في شرح أحاديث خير البرية»، شمس الدين السفيري الشافعي (1/99).
[21] انظر: «صحيح البخاري»، كتاب فضائل الصحابة، باب: مناقب عمر I (5/12) برقم (3689).
[22] أخرجه القضاعي (1/161) برقم (227).
[23] «الاستذكار»، ابن عبد البر (8/514).
[24] راجع «موسوعة الغدير» (5/45)، وسنزيد الأمر تفصيلًا في «شبهة موافقات عمر».
[25] «القبس في شرح موطأ مالك بن أنس»، ابن العربي (3/1149- 1150)
[26] «أوائل المقالات في المذاهب والمختارات»، المفيد (ص67).