أولًا: التأمين في الصلاة ثابت عندنا في عدة أحاديث عن النبيّ H من قوله وفعله، من غير طريق عمر، ومنها عن أبي هريرة I قال: قال النبي H : «إِذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ فَأَمِّنُوا»، قال ابن شهابٍ: «وكان
رسول الله H يقول: آمين»[1].
روى ابن ماجه بسنده عن أبي هريرة I قال: «تَرَكَ النَّاسُ التَّأْمِينَ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ H إِذَا قَالَ: ﴿ غَيۡرِ ٱلۡمَغۡضُوبِ عَلَيۡهِمۡ وَلَا ٱلضَّآلِّينَ ٧ ﴾ [الفَاتِحَةِ: 7] رفع صوته فقال: آمِينَ»[2].
وعن وائل بن حُجْرٍ قال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ H قَرَأَ: ﴿ غَيۡرِ ٱلۡمَغۡضُوبِ عَلَيۡهِمۡ وَلَا ٱلضَّآلِّينَ ٧ ﴾ [الفَاتِحَةِ: 7] فَقَالَ: «آمِينَ» وَمَدَّ بِهَا صَوْتَهُ[3]. قال النووي: «إسناده حسن»[4].
ثانيًا: وردت روايات في كتب الرَّافضة تدل على مشروعية التأمين، وإن تخبط علماؤهم في توجيهها.
فقد روى الطوسي بسنده عن جميل قال: «سألت أبا عبد الله عن قول الناس في الصلاة جماعة حين تقرأ فاتحة الكتاب: «آمين»، قال: ما أحسنها! وأَخْفِضِ الصوتَ بها.
ثم قال: ولو صح هذا الخبر لكان محمولًا على التقية»[5].
وحمل الرواية على التقية غير ممكن؛ كما صرح بذلك علماء الشيعة أنفسهم.
فقد قال المجلسي عن الحديث: «الحديث الخامس والأربعون: صحيح... قوله: لكان محمولًا ربما يقال: قوله: «أَخْفِضْ» كما قرأه الشيخ ينافي الحمل على التقية، نظرًا إلى أنهم لا يخفضون الصوت بها»[6].
وقال البهبهاني: «وفيه خلاف التقيَّة، فكيف يأمره بذلك؟ والعامّة يجهرون غاية الإجهار»[7].
وعليه فالحمل على التقية باطل؛ لأن أهل السُّنَّة لا يخفضون الصوت بها.
ولذا فقد حاول علماء الرَّافضة إيجاد مخارج أخرى لهذه الرواية، فقال بعضهم: إن قول الصادق «ما أُحْسِنُهَا» أن «ما» نافية، أي: أنه لا يُحْسِنُها، ولا يعرفها.
قال الخوئي: «وأما بناء على كون الكلمة نافية، وأن قوله: «وأخْفض... إلخ» من كلام السائل، أراد به أن الإمام S أخفض صوته عند الجواب تقية؛ فهي إذا مطابقة للنصوص المتقدمة، وتخرج عن المعارضة إلى المعاضدة»[8].
وهذا التأويل لا شك في بطلانه، ومخالفته لظاهر النص وسياقه.
قال محسن الحكيم: «نعم قد يعارضها صحيح جميل: «سألت أبا عبد الله S عن قول الناس في الصلاة جماعة حين يقرأ فاتحة الكتاب: «آمين». قال S: ما أحسنها، واخْفِضِ الصوتَ بها»، لكنه يتوقف على قراءة: «ما أحسنها!» بصيغة التعجب، لا بصيغة النفي، ولا بصيغة الاستفهام.
وإن كان قد ينفي الأخيرين الأمر في الذيل بخفض الصوت بها، واحتمال كونه من كلام الراوي -يعني: أنه S حين قال: «ما أحسنه» خَفَضَ صوته- بعيد؛ لأن خفض الصوت ثلاثي، وما في النسخة رباعي»[9].
ثالثًا: ذهب بعض علماء الرَّافضة إلى جواز التأمين بعد الفاتحة استدلالًا بهذه الرواية، قال الميرزا أبو القاسم القمي: «ونقل عن ابن الجنيد الجواز عقيب الحمد وغيرها، وقوَّاه بعض المتأخِّرين؛ لصحيحة جميل قال: سألت
أبا عبد الله عن قول الناس في الصلاة جماعة حين يقرأ فاتحة الكتاب: «آمين»، قال: «ما أحسنها! واخْفِضِ الصوت»[10].
وقال البحراني: «ونقل عن ابن الجنيد أنه يجوز التأمين عقيب الحمد وغيرها، ومال إليه المحقق في (المعتبر)، ونقله في المدارك عن شيخه المعاصر، والظاهر أنه المحقق الأردبيلي كما عبر عنه في غير موضع من الكتاب بذلك»[11].
* فهل ابن الجنيد ومن وافقه من علماء الشيعة يسيرون على سنة عمر بن الخطَّاب؟! أم فاتهم أن التأمين كلمة سريانية يهودية؟!
[1] «صحيح البخاري»، كتاب الأذان، باب: جهر الإمام بالتأمين (1/156) برقم (780)؛ «صحيح مسلم»، كتاب الصلاة، باب: التسميع والتحميد والتأمين (1/306) برقم (410).
[2] «سنن ابن ماجه»، كتاب إقامة الصلاة، باب: الجهر بالتأمين (1/278) برقم (853)، وقد صححه الشيخ الألباني، فقال: «معناه صحيح، فإن له شاهدًا من حديث وائل بن حجر بسند صحيح»، انظر: «سلسلة الأحاديث الضعيفة» للألباني (2/368).
[3] «سنن الترمذي»، أبواب الصلاة، باب: ما جاء في التأمين (2/27) برقم (248). وقال: حديث حسن.
[4] «المجموع شرح المهذب»، النووي (3/369).
[5] «تهذيب الأحكام»، الطوسي (2/75).
[6] «ملاذ الأخيار في فهم تهذيب الأخبار»، المجلسي (3/525).
[7] «مصابيح الظلام في شرح مفاتيح الشرائع»، الوحيد البهبهاني (7/246).
[8] «كتاب الصلاة»، الخوئي (4/541).
[9] «مستمسك العروة الوثقى»، محسن الحكيم (6/590).
[10] «غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام»، أبو القاسم القمّي (2/507).
[11] «الحدائق الناضرة»، المحقق البحراني (8/196).