إنكار عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه موت رسول الله صلى الله عليه وسلم
الشبهة:
من الوقائع المشهورة أن عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه لما سمع خبر وفاة النبيّ صلى الله عليه وسلم أنكر ذلك في بادئ الأمر من شدة الهول والصدمة، وقال: إن
رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يمت، وإنه سيعود، إلى أن هدَّأ من روعه الصديق أبو بكر رضي الله عنه مذكرًا إياه بالآية المباركة التي صرحت بأنه سيموت.
وقد جعل الرَّافضة هذا من المطاعن في الفاروق عمر رضي الله عنه على عادتهم في التعامل مع النصوص، وقلب مدلولاتها، وتحميلها أكثر مما تحتمل، وجعلوا موقفه هذا كاشفًا عن عدم علمه بالقرآن الكريم.
قال محمد الشيرازي: «اتفق أصحاب الحديث والتاريخ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لما توفّي أنكر عمر موته، وكان يحلف بأنّ النبي صلى الله عليه وسلم ما مات ولا يموت، فلو كان عمر يحفظ القرآن أو يتفكر فيه، ما أنكر موت رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لقوله تعالى: ﴿إِنَّكَ مَیِّتࣱ وَإِنَّهُم مَّیِّتُونَ ﴾ [الزُّمَر: 30] ، وقوله سبحانه: ﴿ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ ۚ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ ۚ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا ۗ وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ ﴾ [أل عمران: 144.]
فإذا كان عمر تاليًا لكتاب الله العزيز آناء الليل وأطراف النهار، عارفًا لرموز القرآن وتعاليمه؛ ما أنكر موت النبي صلى الله عليه وسلم جازمًا بحيث يحلف عليه ويهدّد من خالفه في معتقده بالسيف!» .
الرد علي الشبهة:
أولًا: إن هذا كان من شدة دهشته لموت الرسول، وكمال محبته له H ، حتى كأنه لم يبق له في ذلك الحين شعورٌ بشيء، وكثيرًا ما يعتري الإنسان ذهولٌ بسبب تفاقم المصائب وتراكم الشدائد؛ لأن النسيان والذهول من اللوازم البشرية.
ألا ترى أن يوشع -مع كونه نبيًّا معصومًا- نسي أن يخبر موسى بفقد الحوت مع المكتل، بل إن موسى S مع كونه من أولي العزم، قد نسي معاهدته مع الخضر على عدم السؤال ثلاث مرات.
وقال تعالى في حق آدم: ﴿ وَلَقَدۡ عَهِدۡنَآ إِلَىٰٓ ءَادَمَ مِن قَبۡلُ فَنَسِيَ وَلَمۡ نَجِدۡ لَهُۥ عَزۡمٗا ١١٥ ﴾ [طه: 115] .
فأي ذنبٍ يعاب به ابن الخطَّاب لدهشته من هذا الأمر العظيم؟! وأي طعن عليه بسبب ما اعتراه جرّاء فقد محبوبه H ؟![1].
ثانيًا: إن عمر I قد تراجع عن هذا بعد أن ذكّره أبو بكر I بالآيات القرآنية الدالة على موته H كما سائر البشر، ولم يصر على قوله السابق، مما يدل أنه كان وقّافًا عند النصوص الشرعية، متبعًا للأدلة، مقدمًا لها على رأيه، فيعدّ هذا من فضائله ومناقبه.
ثالثًا: إن الإنسان قد يذهل في المواقف العظيمة، ويفقد تركيزه، ويتشتت فكره، وهذا مما يقرر ثبوته الرَّافضة، حتى للنبيّ H ، فما بالك بمن هو دونه؟!
قال محمد حسن النجفي: «وفي خبر المعراج المروي عن العلل بسند جيد»... إلى أن قال: «فنظرت إلى شيء ذهب منه عقلي، فاستقبلت الأرض بوجهي ويدي، فألهمت أن قلت: سبحان ربي الأعلى وبحمده؛ لعلو ما رأيت، فقلتها سبعًا، فرجعت إليّ نفسي كلما قلت واحدة منها تجلى عني الغشي، فقعدت فصار السجود فيه سبحان ربي الأعلى وبحمده، وصارت القعدة بين السجدتين استراحة من الغشي وعلو ما رأيت، فألهمني ربي D وطالبتني نفسي أن أرفع رأسي، فرفعت فنظرت إلى ذلك العلو فغشي علي، فخررت لوجهي واستقبلت الأرض بوجهي ويدي، وقلت: سبحان ربي الأعلى وبحمده سبعًا»[2].
رابعًا: إن الرَّافضة قد نسبوا لفاطمة J أنها تجاوزت في حق علي بن أبي طالب I -وحاشاهما- وخاطبته بكلامٍ قاسٍ؛ لأنه قصّر في الدفاع عنها، والوقوف معها في قضية فدك، واعتذروا لها بأن ذلك اليوم كان يومًا عظيمًا، فلا تلام على كلامها.
قال الحائري: «ولا تلام من يوم دخلت على أمير المؤمنين I ونادت: يا بن أبي طالب، اشتملت شملة الجنين، وقعدت حجرة الظنين، نقضت قادمة الأجدل، فخانك ريش الأعزل، هذا ابن أبي... إلخ؛ لأن ذلك اليوم يوم عظيم، ولا يخفي على البصير عظم ذلك اليوم»[3].
فإذا كان عظم ذلك اليوم عذرًا لفاطمة J، مع تجاوزها في حق أمير المؤمنين، وهو المعصوم عندكم، فكذلك يقال: إن يوم موت رسول الله H أعظم منه، فلا يلام عمر بن الخطَّاب I على موقفه.
[1] «مختصر التحفة الإثني عشرية»، محمود شكري الآلوسي (ص252).
[2] «جواهر الكلام»، محمّد حسن النّجفي (10/184).
[3] «شجرة طوبى»، محمد مهدي الحائري المازندراني (2/270).