أولًا: إن هذا الأثر لا يصح؛ حيث فيه علتان:
1- محمد بن حميد الرازي: وهو ضعيف.
قال الذهبي: «محمد بن حميد الرازي الحافظ، عن يعقوب العمي، وجرير، وابن المبارك: ضعيف لا من قبل الحفظ. قال يعقوب بن شيبة: كثير المناكير، وقال البخاري: فيه نظر، وقال أبو زرعة: يكذب، وقال النسائي: ليس بثقة، وقال صالح جزرة: ما رأيت أحذق بالكذب منه ومِن ابن الشاذكوني»[1]، وقال الحافظ ابن حجر: «حافظ ضعيف»[2].
2- محمد بن إسحاق: مدلس، وقد عنعن.
قال الحافظ ابن حجر: «محمد بن إسحاق بن يسار المطلبي المدني، صاحب المغازي: صدوق، مشهور بالتدليس عن الضعفاء والمجهولين، وعن شر منهم، وصفه بذلك أحمد والدارقطني وغيرهما»[3].
وذكره الحافظ في المرتبة الرابعة في المدلسين، وقد قال عن هذه المرتبة: «الرابعة: من اتفق على أنه لا يحتج بشيء من حديثهم إلا بما صرحوا فيه بالسماع؛ لكثرة تدليسهم على الضعفاء والمجاهيل، كبقية بن الوليد»[4].
ثانيًا: إنَّ هذا طعن عظيم في إيمان أصحاب النبي H الذين زكاهم الله في كتابه، وذكر أنهم المؤمنون حقًّا: ﴿ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَٰهَدُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ ءَاوَواْ وَّ نَصَرُوٓاْ أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ حَقّٗاۚ لَّهُم مَّغۡفِرَةٞ وَرِزۡقٞ كَرِيمٞ ٧٤ ﴾ [الأَنفَال: 74] .
وروى المجلسي في «بحار الأنوار»: «قال رسول الله H ذات يوم: يا ليتني قد لقيت إخواني، فقال له أبو بكر وعمر: أولسنا إخوانك؟ آمنا بك وهاجرنا معك، قال: قد آمنتم وهاجرتم، ويا ليتني قد لقيت إخواني، فأعادا القول، فقال رسول الله H : أنتم أصحابي، ولكن إخواني الذين يأتون من بعدكم، يؤمنون بي ويحبونني وينصرونني ويصدقونني، وما رأوني، فيا ليتني قد لقيت إخواني»[5].
فالنبي H يقول لأبي بكر وعمر خاصة، وللصحابة عامة: «قد آمنتم وهاجرتم»، والله قال: ﴿ أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ حَقّٗا ﴾ [الأَنفَال: 4] ، ثم يأتي من يعرِّض بأصحاب النبيِّ H ويتهمهم أنهم ما آمنوا إلا كرهًا.
ثالثًا: تذكر الروايات الشيعية أنَّ الذي كره جمع النبوة والخلافة هو الله، وأنه تعالى لم يرض بذلك، ثم علي بن أبي طالب.
في «بحار الأنوار»: «عن جابر قال: قرأت عند أبي جعفر ﴿ لَيۡسَ لَكَ مِنَ ٱلۡأَمۡرِ شَيۡءٌ ﴾ [آل عِمۡرَان: 128] ، قال: فقال أبو جعفر: بلى، والله لقد كان له من الأمر شيء وشيء، فقلت له: جعلت فداك، فما تأويل قوله: ﴿ لَيۡسَ لَكَ مِنَ ٱلۡأَمۡرِ شَيۡءٌ ﴾ [آل عِمۡرَان: 128] ؟ قال: إن رسول الله حرص على أن يكون الأمر لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب من بعده، فأبى الله»[6].
فالذي كره أن يجمع النبوة والخلافة عند الشيعة هو الله.
وأيضًا قد جاء في «نهج البلاغة» أن الذي كره الخلافة هو علي بن أبي طالب I.
يقول أحمد الكاتب في كتابه «تطور الفكر السياسي من الشورى إلى ولاية الفقيه»[7]: «وإذا ألقينا بنظرة على هذه الروايات التي يذكرها أقطاب الشيعة الإمامية، كالكليني، والمفيد، والمرتضى، فإننا نرى أنها تكشف عن عدم وصية رسول الله للإمام علي بالخلافة والإمامة وترك الأمر شورى، وهو ما يفسر إحجام الإمام علي عن المبادرة إلى أخذ البيعة لنفسه بعد وفاة رسول الله H بالرغم من إلحاح العباس بن عبد المطلب عليه بذلك؛ حيث قال له: امدد يدك أبايعك، وآتيك بهذا الشيخ من قريش -يعني أبا سفيان- فيقال: إنّ عم رسول الله بايع ابن عمه، فلا يختلف عليك من قريش أحد، والناس تبع لقريش، فرفض الإمام علي ذلك»[8].
ويقول علي بن أبي طالب I: «والله ما كانت لي في الخلافة رغبةٌ ولا في الولاية إربةٌ، ولكنكم دعوتموني إليها، وحملتموني عليها»[9].
وقال أيضًا: «دعوني والتمسوا غيري، فإنَّا مستقبلون أمرًا، له وجوه وألوانٌ، لا تقوم له القلوب، ولا تثبت عليه العقول، وإنَّ الآفاق قد أغامت، والمحجة قد تنكرت، واعلموا أني إن أجبتكم ركبت بكم ما أعلم، ولم أصغ إلى قول القائل وعتب العاتب، وإن تركتموني فأنا كأحدكم، ولعلي أسمعكم وأطوعكم لمن وليتموه أمركم، وأنا لكم وزيرًا خيرٌ لكم مني أميرًا»[10].
فهذا علي I في كتب الشيعة، يرفض الخلافة التي كلفه الله، ويأمر الناس بمبايعة غيره!
[1] «المغني في الضعفاء»، الذهبي (2/573).
[2] «تقريب التهذيب»، ابن حجر (1/475).
[3] «طبقات المدلسين»، ابن حجر (1/51).
[5] «بحار الأنوار» (٥٢/١٣٢).
[7] «تطور الفكر السياسي من الشورى إلى ولاية الفقيه» (ص54).
[8] «الشافي في الإمامة» (3/237)، وكذلك (2/149).
[9] «نهج البلاغة» (1/322).