أولًا: إن جميع روايات هذه القصة أسانيدها باطلة.
- فأما رواية الخطيب البغدادي، فلا تصح؛ وآفتها إبراهيمُ بن مِهران بن رستم. قال ابن عدي: «ليس بمعروف، منكر الحديث عن الثقات»[1]، وقال الإمام العقيلي: «كثير الوهم»[2].
والقصة أخرجها الحاكم في «المستدرك»[3]، من غير ذكر كشف الساق والتقبيل، ومع ذلك فقد تعقبه الذهبي؛ لتصحيحه لإسنادها، على عادته في التساهل.
فقال الذهبي: «بل منقطع». يعني: بين علي بن الحسين، وعمر.
وأخرجها ابن إسحاق في «السير والمغازي»[4]، وعلته الانقطاع؛ فإن عمر ابن عاصم بن قتادة لم يدرك عمر بن الخطَّاب، وأخرجها أيضًا، عن بعض أهله، بإسنادٍ فيه راوٍ مجهول[5].
وأخرجه الطبراني في «المعجم الكبير»[6] وفيه الحسن بن سهل الحناط، ذكره السمعاني ولم يحك فيه جرحًا ولا تعديلًا، فبقي على الجهالة[7].
وأخرجه أيضًا من طريق آخر، عن يونس بن أبي يعفور، وهو صدوق يخطئ كثيرًا، كما قرره الحافظ[8].
وقد توبعت الرواية بمن لا يفرح بمثله، وهو سيف بن محمد.
قال الحافظ: «كذبوه»[9].
فهذه الرواية موضوعة؛ لأن سيفًا هذا كذاب.
(تنبيه وبيان):
وحتى لا يتقوّل علينا متقول، أو يتوهم واهمٌ أن القصة صحيحة، مغترًّا بأن الشيخ الألباني V أوردها في «السلسلة الصحيحة»[10]، نقول: إن الشيخ الألباني V وجزاه الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء، تراجع عن ذلك، فإنه أقر بخطئه في تصحيحه هذه الرواية، بناء على خطأ قلد فيه الحافظ ابن حجر، وتراجع عن ذلك في «سلسلة الأحاديث الضعيفة»[11]، وعليه، فجميع أسانيد الشبهة مكذوبة، ولا تصح.
ثانيًا: إن زواج عمر من أم كلثوم بنت علي، قد صح عند السُّنَّة والشيعة.
أما عند السُّنَّة فقد ثبت في «صحيح البخاري»[12]، وأما عند الشيعة فقد ثبت ذلك الزواج المبارك[13]، ولا ينكر هذا الزواج إلا جاهل ومعاند في الجملة، كما قال الشريف المرتضى في رسائله[14].
ثم إن هذا الزواج يستلزم إبطال جميع الروايات المختلفة التي وضعها الكذابون، والتي تحكي أن عمر بن الخطَّاب ضرب فاطمة J برجله حتى أسقط جنينها، وسائر المظلوميات الشيعية على أمير المؤمنين عمر بن الخطَّاب I.
كما يلزم من ذلك أن علي بن أبي طالب رضي دين عمر وأمانته، ففي «أمالي الطوسي»: عن علي بن أبي طالب S قال: قال النبي H : «إنما النكاح رقّ، فإذا أنكح أحدكم وليدةً فقد أرقّها، فلينظر أحدكم لمن يرقّ كريمته».
وبإسناده قال: قال رسول الله H : «إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ ترضَوْنَ دينَهُ وأمانتَهُ يخطُبُ إليكُمْ، فزوِّجُوهُ، إلَّا تفعَلُوا تكُنْ فتنَةٌ في الأرْضِ وفسَادٌ عَرِيضٌ»[15].
ثالثًا: إنّ كتب الشيعة حوت مثل ما ذكروه عن عمر وأشنع منه.
ففي كتاب «قرب الإسناد»: «عن ابن علوان، عن جعفرٍ، عن أبيه، عن عليٍّ S: أنَّه كان إذا أراد أن يبتاع الجارية يكشف عن ساقيها فينظر إليها»[16].
فهل يطعن الشيعة في علي I؛ لأنه يكشف عن ساق امرأة وينظر إليها؟!
وفي «الحدائق الناضرة»، و«تهذيب الأحكام»: «في الصحيح عن أبي عبدالله S عن الرجل ينكح الجارية من جواريه، ومعه في البيت من يرى ذلك ويسمع؟ قال: لا بأس»[17].
وقال محمد تقي المجلسي: «في الموثق، عن غياث بن إبراهيم، عن أبي عبد الله S: لا بأس أن ينام الرجل بين أمتين والحرتين، إنما نساؤكم بمنزلة اللعب»[18].
وفي «جامع المدارك» للخوانساري: «وأما جواز أن ينام بين أمتين فلمرسل ابن أبي نجران (أن أبا الحسن S كان ينام بين جاريتين)، والمشهور كراهته بين الحرتين، ولم يظهر وجهها، سوى الشهرة بين الأصحاب، مع أن في الخبر: (لا بأس أن ينام الرجل بين الأمتين والحرتين، إنما نساؤكم بمنزلة اللعب)»[19].
بل إن بعض علماء الشيعة أفتى بأن عورة المرأة الأجنبية كعورة الرجل عندهم، وهي القبل والدبر فقط، والدبر مستور بالإليتين كما هو معلوم في فقه الشيعة.
يقول ابن الجنيد: «الذي يجب ستره من البدن العورتان، وهما القبل والدبر من المرأة والرجل»[20].
فأين الحياء يا شيعة؟! وقد نسبتم إلى أهل البيت كل تلك الرذائل، وكأنهم يعيشون في ملاهٍ ليلية، لا دين ولا حياء!
رابعًا: إن هذه الرواية قبل أن تستلزم الطعن في عمر، فإنها تتضمن طعنًا في علي، رضي الله عن الجميع؛ إذ العرب -لا سيما صحابة رسول الله H - ذوو نخوةٍ وغيرةٍ، فكيف يقبل أمير المؤمنين أن تقبل ابنته ويكشف عن ساقها، من غير عقدٍ ولا نكاحٍ؟!
* أفيقبل الشيعة اتهام أمير المؤمنين علي I بالدياثة وقلة الغيرة؟!
[1] «الضعفاء والمتروكون»، ابن الجوزي (1/32).
[2] «الضعفاء الكبير» (1/52).
[3] «المستدرك على الصحيحين»، كتاب معرفة الصحابة (3/153) برقم (4684).
[4] «السير والمغازي» (ص248).
[6] «المعجم الكبير» (1/124/1).
[7] راجع «الفتاوى الحديثية»، أبو إسحاق الحويني (2/356)، الطبعة الأولى، دار التقوى.
[10] «السلسلة الصحيحة» (1/156 -158).
[11] «سلسلة الأحاديث الضعيفة» (3/433 - 434).
[12] «صحيح البخاري» (4/33) و (5/100)، وانظر: ابن حجر في «الإصابة» كتاب (الكنى)، وكتاب (النساء) (ص276)، والذهبي في «سير أعلام النبلاء» (2/525)، وابن الجوزي في «المنتظم» (4/131).
[13] انظر: الكليني في «الكافي» كتاب (النكاح) (5/346) باب: (تزويج أم كثوم)، و (الفروع من الكافي) (6/115-116)، وصحح المجلسي الروايتين اللتين في «الكافي» في كتابه «مرآة العقول» (21/197)، ورواه الطوسي في «الاستبصار» (3/352)، وفي «تهذيب الأحكام» (8/161-9/262)، والمجلسي في «بحار الأنوار» (38/88)، ورواه المرتضى في «الشافي» (ص116)، وفي كتابه «تنزيه الأنبياء» (ص141)، و«مناقب آل أبي طالب» (3/162) لابن شهر آشوب، و«كشف الغمة في معرفة الأئمة» للإربلي (ص10)، و«منتهى الآمال» (1/186) للقمي، و«تاريخ اليعقوبي» (2/149 و150)... إلخ.
[14] «رسائل المرتضى» (3/150).
[16] «قرب الإسناد» (1/103).
[17] «الحدائق الناضرة» (23/137)، و«تهذيب الأحكام» (8/208).
[18] «روضة المتقين» (8/449).
[19] «جامع المدارك»، الخوانساري (4/357).
[20] انظر: «مجموعة فتاوى ابن الجنيد»، التيجاني السماوي (1/52)، «مختلف الشيعة»، الحلي (2/97- 98)، «الحبل المتين»، البهائي العاملي (ص١٧١).