استدلال الشيعة بآية الابتلاء على الإمامة

الشبهة:

 استدلت الشيعة بقوله تعالى: [ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ] {البقرة:124}.

فقالوا: إن العهد الذي وعد الله به إبراهيم هو الإمامة، وهي منصب إلهي يكون بجعل من الله، لا يعطيه إلا لمعصوم لم يقع منه ظلم أبدًا، وبما أن عليًّا هو هذا المعصوم دون غيره من الصحابة، فهو إذًا الإمام، وبطلت إمامة غيره من الخلفاء الذين سبقوه أو لحقوه من غير الاثني عشر.([1])

 

([1]) انظر على سبيل المثال لا الحصر: أصول الكافي (1/175)، بحار الأنوار (25/206)، الاختصاص (ص 22).

الرد علي الشبهة:

إثبات الإمامة يفتقر إلى النص الجلي، وفي ذلك يقول محمد جواد مغنية: «والإمام بمعنى النبي يفتقر إلى النص من الله بواسطة الروح الأمين، وبمعنى الوصي لا بد فيه من النص من الله سبحانه على لسان نبيه الكريم، وشرط هذا النص أن يكون بالاسم والشخص لا بالصفات وصيغة العموم فقط كما هي الحال في المجتهد والحاكم الشرعي، بل بالنص الخاص الذي لا يقبل التأويل ولا التخصيص، ولا مجال فيه إطلاقًا للبس أو احتمال العكس».([1])

فإذا كانت الشيعة قد اشترطت في إثبات هذه العقيدة أن يكون هناك نصٌّ جليٌّ، فهذه الآية بنصِّ كلام علمائهم قد نزلت في إبراهيم لا غير، فأين إذًا هذا النص الجلي الذي يستدلون به على إمامة عليٍّ أو غيره من الاثني عشر في هذه الآية أو غيرها؟!

فإذا كانت الإمامة لا تثبت إلا بنص جلي، فهو حتمًا نص محكم، فهل هذه الآية محكمة، ونصها جلي في إثبات الإمامة لعلي والأئمة من بعده؟!

لنعرف الجواب عن هذا السؤال لا بد من النظر لتعريف الإمامية للمحكم: يقول الطوسي: «المحكم هو ما علم المراد بظاهره من غير قرينة تقترن إليه، ولا دلالة تدل على المراد به لوضوحه، نحو قوله: [ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ] {يونس:44}، وقوله: [ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ] {النساء:40}؛ لأنه لا يحتاج في معرفة المراد به إلى دليل».([2])

ومن هذا التعريف نجد أن المحكم عند الشيعة يتصف بالصفات التالية:

1. هو ما عُلِم المرادُ بظاهره، من غير قرينة تقترن إليه.

2. ولا دلالة تدل على المراد به لوضوحه.

3. ولا يحتاج في معرفة المراد به إلى دليل.

والسؤال الآن: هل يستطيع الشيعي أن يثبت أن هذه الآية محكمة في إمامة الاثني عشر مع تطبيق شروط الطوسي في تعريفه للمحكم؟

لو كانت الإمامة لا تثبت إلا بالنص الجلي، فلا يجوز آنذاك لأحد أن يسأل الله الإمامة، كما لا يجوز لأحد أن يسأله النبوة، فالنبوة اصطفاء من الله واختيار، وقد جعلت الشيعةُ الإمامةَ مثلَها وأعلى منها، وبذلك لا يجوز أن تُطلب الإمامة منه سبحانه وتعالى؛ لأنها كذلك اختيار واصطفاء ونص كالنبوة تمامًا، إلا أن القرآن الكريم يدحض ذلك وينفيه ويهدمه على أم رأسه؛ إذ جوز الله سبحانه وتعالى أن نطلب منه الإمامة، فقال سبحانه: [ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ] {الفرقان:74}.

الإمامة التي نالها إبراهيم S ليست منصبًا إلهيًّا جديدًا كما يزعم الشيعة، بل لا تحتمل إلا النبوة أو القدوة، والإمامة بمعنى الاقتداء ثابتة لكل الأنبياء بلا شك، فكل نبي إمام متبوع فيمن بُعث فيهم، وآمنوا به.

فمعنى قوله تعالى: [ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ] ليس ابتداءً لإمامة إبراهيم S؛ لأنه لم يقل: إني جاعلك إمامًا؛ ليُفهم منه ابتداء الإمامة له، إنما قال: [ﮭ ﮮ ﮯ ]، فلفظة (الناس) دلت على أن هذا الجعل إنما هو تعميم للإمامة المخصوصة له عند من آمن به من قومه، التي كانت ثابتة له بنبوته قبل ذلك الجعل، فتكون إمامته لكل الناس وليس لقومه خاصة، ومصداقُ ذلك قوله تبارك وتعالى: [ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ] {الممتحنة:4}، وقوله: [ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ] {آل عمران:95}، وقوله: [ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ] {النساء:125}، ومسك الختام قوله تعالى: [ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ] {النحل:123}.

قوله تعالى لإبراهيم S: [ﮭ ﮮ ] ولم يقل له: إني جعلتك؟! وصيغة [] تفيد المستقبل عند كل عربي([3]) فإبراهيم S بالاتفاق كان إمامًا لقومهِ بالنبوة والرسالة، ثم صار إمامًا للناس جميعًا إلى يوم القيامة، أي: متبوعًا وقدوةً، فمعناه أن إمامته كانت ثابتة قبل هذا الخطاب، فما بقي إلا أن المراد هو الجعل في المستقبل، وهذا الجعل هو التعميم للإمامة لا جعل ابتداء الإمامة بعينها، ولذلك قيدها بعدها بقوله: (لِلنَّاسِ).

ويمكن أن يقال: هي إمامة القدوة في العمل الصالح على وجه العموم، وهذا التقرير ذكَرَه علماء الشيعة.

قال الطبرسي: «وقوله: [ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ] معناه: قال الله تعالى: إني جاعلك إمامًا يقتدَى بك في أفعالك وأقوالك».([4])

إذا كانت الإمامة التي نالها إبراهيم S منصبًا إلهيًّا -كما تزعم الشيعة- فلا بد أن يكون لها واقع عملي، لكن عند سَبْرِ المسألة لا تجد إلا خيَالًا في العقل الشيعي لا أكثر، فإبراهيم S قبل الإمامة كان معصومًا، وكان مفترضَ الطاعة، وكانت له معجزات، وكانت له شريعة من الله، وكان يوحى إليه، وكان إمامًا يجب الائتمام به كسائر الأنبياء والمرسلين، فإذا سألنا الشيعي: ما الشيء العملي الذي ناله إبراهيم ولم يكن موجودًا معه قبل الإمامة؟! فمن المحال أن تجد جوابًا غير ما ذكرناه آنفًا.

قالت الشيعة: إن الإمامة التي نالها إبراهيم لم ينلْهَا جميع الأنبياء، وإنما أولو العزم الخمسة، قال المجلسي: «والإمام من تكون له الرياسة العامة ويتبعه كل من يأتي بعده إلى أن تنسخ شريعته، وهذا المعنى شامل لأولي العزم ولجميع أئمتنا صلوات الله عليهم».([5])

فإذا كانت هذه الإمامة لم ينلها إلا خمسة من الرسل، وبتمسككم بقوله تعالى: [ﯘ ﯙ ﯚ ﯛفانعدام الظلم مشروط في حصول الإمامة، فهل تقولون: إن بقية الأنبياء كانوا ظالمين فحرموا لذلك الإمامةَ؟!

وكون الإمامة لم تحصل إلا في خمسة فقط مُعارَضٌ بآيات الكتاب التي دلت إمامة غيرهم صراحةً، ومن ذلك قوله تعالى: [ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ] { الأنبياء: 72- 73}

وإسحاق ويعقوب لم ينالا الإمامة عند الشيعة بلا خلاف، إذًا فيلزمهم إما أن يجحدوا الآية ومدلولها، أو أن يقروا بها ويجحدوا تقرير حصر الإمامة في الخمسة المنصوص عليهم عندهم.

طَلَبَ الخليلُ إبراهيم S الإمامة التي هي بمعنى النبوة في ذريته، وقد تحققت تلك الإمامة في ذرية إبراهيم واستمرت، ومصداقها كل نبي جاء من ذرية إبراهيم، كما قال الله: [ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ] {العنكبوت:27}. 

وهذه الإمامة -التي هي القدوة في الصلاح- مستمرةٌ قطعًا في كل عبدٍ صالحٍ، فضلًا عن كونها في الأنبياء أصالةً، فلما تحققت فيهم دلَّ على عدم كونها الإمامة بالمعنى الشيعي؛ لكونهم لا يثبتونها لكل الأنبياء.

تعتقد الإمامية أن الإمامة منصب أعلى من منصب النبوة، فروى الكليني عن أبي عبد الله أنه قال: «إن الله اتخذ إبراهيم نبيًّا قبل أن يتخذه رسولًا، وإن الله اتخذه رسولًا قبل أن يتخذه خليلًا، وإن الله اتخذه خليلًا قبل أن يجعله إمامًا، فلما جمع له الأشياء قال: [ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ] فمِن عِظَمِها في عين إبراهيم قال: [ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ] قال: لا يكون السفيهُ إمامَ التقي».([6])

وجوهُ فساد تقرير عِظَم قدر الإمامة على قدر النبوة.

قرر علماء الإمامية أن الإمامة أعلى وأعظم من النبوة، فيقول المازندراني: «فالإمامة أرفع منزلة وأعلى مرتبة من النبوة والخلة»([7]) وهذا باطل من وجوه:

الأول: عدم اتفاق الشيعة الإمامية على هذا المعنى.

لم تتفق الإمامية على هذه القاعدة، قال ابن طاووس: «وذكرنا في كتاب الإقبال أنه راجع الله D في تأخير خلافة علِي (ع) والنص عليه، كما راجع موسى في النبوة، وهي أعظم من الإمامة، وقال: [ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ] {القصص:33}».([8])

الثاني: منةُ الله على نبيه كانت النبوة لا الإمامة.

اعترفت الإمامية بأن الله تعالى لما امْتَنَّ على نبيه وأمره أن يحدث الناس بتلك المنة، كانت هي النبوة لا الإمامة التي يزعمونها، قال ابن شهر آشوب: «قوله: [ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ] أي بما جاءك من النبوة»([9])، ثم ذكر أن العرب كانت تحسده على النبوة، فقال: «العرب قاطبة الذين يحسدونه على ما آتاه الله من النبوة».([10])

فلو كانت العرب تعرف شيئًا عن تلك الإمامة لحسدوه على الأعلى لا الأدنى، وقد نص الملقب عندهم بالشهيد الثاني على أن النبي مرفوع الرتبة على غيره من الخلق، فقال: «النبي مرفوع الرتبة على غيره من الخلق، وهو إنسان أوحي إليه بشرع وإن لم يؤمر بتبليغه، فإن أمر بذلك فرسول أيضًا، فهارون رسول على الأول دون الثاني، ويوشع غير رسول عليهما».([11])

الثالث: لفظة الإمامة نفسها ليست منصبًا مقدسًا.

لو كانت الإمامة منصبًا أعلى من مقام النبوة لما جاز أن يكون هناك إمامٌ يدعو إلى النار، قال تعالى: [ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ] {القصص:41} فهل يصح أن يكون المعنى: (وجعلناهم أنبياء يدعون إلى النار)؟! قطعًا لا؛ لأن النبوة منصب مقدس، أما الإمامة فليست كذلك، فلو كانت الإمامة أقدس وأعلى من النبوة، فما لا يجوز في النبوة بالأصالة لا يجوز في الإمامة بطريق الأولى، وانتفاء المعنى في الآية في مقام النبوة، يلزم منه انتفاؤه في مقام الإمامة، أو انتفاء القدسية المزعومة في مقام الإمامة.

اشتراطُ الإمامية العصمة المطلقة فيمن ينال تلك الإمامة انتزاعًا من قوله تعالى: [ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ] بقولهم: «فلا ينالها الظالم، وإن تاب فيما بعد»([12]) اشتراطٌ باطل من وجوه:

الوجه الأول: التائب لا يُسمى ظالمًا ولا يوصف بالظلم بعد التوبة.

إن الظالم إذا تاب من ظلمِه فإنه لا يصدق عليه وصف الظالم، كما إذا أسلم الكافر فلا يجوز أن يطلق عليه لفظ كافر، وقد ذكرت الشيعة الزيدية ذلك في سياق الرد على الشيعة الإمامية، ونقضوا عليهم استدلالهم  بهذه الآية بقولهم: «احتج الرافضة بالآية على أن الإمامة لا يستحقها من ظلم مرة، ورام الطعن في إمامة أبي بكر وعمر، وهذا لا يصح؛ لأن العهد إن حمل على النبوة فلا حجة، وإن حمل على الإمامة فمن تاب من الظلم لا يوصف بأنه ظالم، ولم يمنعه تعالى من نيل العهد إلا حال كونه ظالمًا».([13])

الوجه الثاني: وقوع الظلم من الأنبياء، وهو معصومون منذ ولادتهم في عقيدة الشيعة.

ذكر الله تعالى في القرآن الكريم صدور بعض الأخطاء من الأنبياء صلوات الله عليهم، فقال: [ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ] {الأعراف:23} ففي هذه الآية الكريمة يعترف آدم S بالظلم.

 وقال تعالى: [ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ] { طه: 121-122} وفي هذه الآيات أثبت الله تعالى معصية آدم S، وأنه تاب عليه.

 فهذا نبي الله آدم S الذي اصطفاه الله سبحانه وتعالى بقوله: [ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ] {آل عمران:33}. 

وقد وردت روايات الإمامية تقر وتصرح بوقوع آدم S في الذنب والمعصية، منها ما رواه الصدوق عن فرات بن الأخنف، عن أبي جعفر الباقر قال: «لولا أن آدم أذنب ما أذنب مؤمن أبدًا، ولولا أن الله D تاب على آدم ما تاب على مذنب أبدًا».([14])

فهل ستقول الإمامية: إن آدم S لم يكن إمامًا؟!

* فإن كان الجواب أنه كان إمامًا، بطل اشتراطهم العصمة.

* وإن كان الجواب أنه لم يكن إمامًا، فيلزمهم جحود قول الإمام: (الأرض لا تخلو من إمام أو حجة)([15])، كما يلزمهم معارضة الاستخلاف بالجعل الإلهي في قوله تبار وتعالى: [ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ] {البقرة:30}.

وعليه فيلزمهم أن يعيِّنوا الإمام في زمان آدم S.

أضف إلى ذلك أن الخليل إبراهيم S نفسه قد وقع في المعصية؛ حيث قال الله D على لسانه S: [ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ] {الشعراء:82}.

فهل ستنكر الإمامية إمامة من استدلوا بإمامته على إمامة أئمتهم؟!

ولقد ورد في القرآن الكريم نسبة الظلم لبعض الأنبياء Q، ومنهم من صرحت الإمامية بإمامته، قال تعالى حكاية عن موسى S: [ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ] {القصص:16} فهذا موسى S كليم الله وهو إمام عند الإمامية، ومع ذلك فقد اعترف بالظلم.

ومثله ذو النون في قوله تعالى: [ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ] {الأنبياء:87}، وظلم الأنبياء هو من باب ظلم العبد لنفسه، وليس متعديا إلى غيره.

الوجه الثالث: عدم الاتفاق على دلالة الآية على العصمة.

انتزاع دلالة العصمة من الآية مُتنازع فيه عند الشيعة أنفسهم؛ لذا قال بعضهم: إن الْمُتَيَقَّنَ من الآية العدالة لا العصمة، قال محمد آصف محسني: «أحدهما: قوله تعالى: [ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ] {البقرة:124} وتقريب الاستدلال طويل مذكور في «صراط الحق»([16]) لكن القدر المتيقن منها ثبوت العدالة للإمام دون العصمة فراجعْه».([17])

يقول محمد آصف مُحسني في معرض حديثه عن إمامة إبراهيم S: «لكن في الروايات الواردة في حق الإمام أنه يسمع الصوت ولا يرى الشخص([18]) والرسول يرى الشخص، فإعطاء الإمامة بهذا المعنى لا يمكن للرسول، وهذا السؤال ذكرناه في الجزء الثالث من (صراط الحق) الذي ألَّفناه في أيام شبابنا في النجف الأشرف ولم أفز على جوابه إلى الآن، وما أوتينا من العلم إلا أقل من القليل».([19])

لم يظفر محسني بإجابة عن ذلك الإشكال طَوَال عمره؛ لأن الآية -على فهمهم- تقتضي أن يفوق الإمامُ الرسولَ، لكن هناك رواية جعلت الإمام محرومًا من رؤية الملك، وبمضمونها يستحيل أن ينال أي نبي أو رسول الإمامة؛ لأنه إن نالها فستنزع عنه خصيصة رؤية الملك، ولا قائل بهذا لا من الإمامية ولا من غيرهم.

فهذا إشكال مُسْقِطُ لفهم الإمامية للآية بلا شك، ومن العجيب أننا عندما نطالبهم بدليل على إمامة أئمتهم من القرآن الكريم يستدلون بإمامة إبراهيم S لا بإمامة أحد من أئمتهم!!

وفي الأخير: هل يعقل أن تكون هذه الآية المحتملة لهذه الوجوه التي لا تحصى من الاختلافات حجةً على العباد في أصل من أصول الدين، يتوقف على ثبوته الإيمان، ويلزم من إنكاره الكفر؟! وهل يعقل أن نطالبكم بدليل محكم على إمامة أئمتكم فتأتون بآية تتحدث عن إمامة نبي الله إبراهيم S؟!

_ _ _

 

([1]) التفسير الكاشف (1/197).

([2]) التبيان (2/394).

([3]) فمثلًا روى الطوسي أنَّ عبد الرحمن بن أبي ليلى قام إلى أمير المؤمنين S فقال: «يا أمير المؤمنين، إني سائلك لآخذ عنك، وقد انتظرنا أن تقول من أمرك شيئًا فلم تقله، ألا تحدثْنا عن أمرك هذا؟ أكان بعهد من رسول الله صلى الله عليه وآله...». «الأمالي» (ص8).

فهو هنا قال: «إني سائلك» ثم بعد ذلك سأله، فكل من: (إن الله مبتليكم)، و(آتيكم به)، و(إني جاعل) ألفاظٌ تفيد المستقبل قطعًا، وإبراهيم لم ينل هذه الإمامة العامة عند خطاب الله له؛ لأن الإمامة العامة هنا خبر عن المستقبل، أي أن الله سيجعل إبراهيم متبوعًا إلى يوم القيامة؛ ولذلك فالأمم كلها تزعم أنها على ملة إبراهيم.

([4]) تفسير مجمع البيان، الطبرسي (1/376).

([5]) «مرآة العقول» (2/283).

([6]) «الكافي» الكليني (1/175).

([7]) شرح أصول الكافي (5/201).

([8]) سعد السعود، ابن طاووس (ص69).

قال المجلسي: «والإمامة وخلافة الرسول هي أعلى منازل الدين بعد النبوة، فمن كان أجل قدرًا في الدين وأفضل وأشرف على اليقين وأثبت قدمًا وأوفر حظًّا فيه فهو أولى بها» بحار الأنوار (38/191).

قال نعمة الله الجزائري: «(أقول:) يعني الإمامة الرياسة العامة لجميع المخلوقات، فهي أفضل من النبوة وأشرف منها» «قصص الأنبياء» (ص9).

قال كمال الحيدري: «من خلال هذه الشواهد يتضح لنا أن الإمامة مقام يختلف عن مقام النبوة والرسالة، بل هي أسمى منها وأرفع» العصمة بحث تحليلي في ضوء المنهج القرآني (ص36).

([9]) «مناقب آل أبي طالب» (ص40).

([10]) «مناقب آل أبي طالب» (ص34).

([11]) «روض الجنان» الشهيد الثاني (ص7).

([12]) جزء من كلام الطبرسي وتمامه: «واستدل أصحابنا بهذه الآية على أن الإمام لا يكون إلا معصومًا عن القبائح؛ لأن الله سبحانه نفى أن ينال عهده الذي هو الإمامة ظالم، ومن ليس بمعصوم، فقد يكون ظالِمًا إما لنفسه وإما لغيره. فإن قيل: إنما نفى أن يناله ظالم في حال ظلمه، فإذا تاب لا يسمى ظالِمًا، فيصح أن يناله؟ فالجواب: إن الظالم، وإن تاب، فلا يخرج من أن تكون الآية قد تناولته في حال كونه ظالما، فإذا نفى أن يناله، فقد حكم عليه بأنه لا ينالها.

والآية مطلقة غير مقيدة بوقت دون وقت، فيجب أن تكون محمولة على الأوقات كلها، فلا ينالها الظالم، وإن تاب فيما بعد» مجمع البيان (1/377- 378) ونقله عنه المجلسي في البحار (25/191).

([13]) «الثمرات اليانعة» يوسف بن أحمد الزيدي (الورقة 60) مخطوط.

([14]) «علل الشرائع» الصدوق (1/84).

([15]) «الكافي»، الكليني (١/١٧٨).

([16]) «صراط الحق» (3/94- 96).

([17]) «مشرعة بحار الأنوار» محمد آصف محسني (1/451).

([18]) والرواية التي يقصدها آصف محسني واردة في «الكافي»: «عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن إسماعيل بن مرار قال: كتب الحسن بن العباس المعروفي إلى الرضا S: جعلت فداك، أخبرني ما الفرق بين الرسول والنبي والإمام؟ قال: فكتب أو قال: الفرق بين الرسول والنبي والإمام؛ أن الرسول الذي ينزل عليه جبرائيل فيراه ويسمع كلامه وينزل عليه الوحي، وربما رأى في منامه نحو رؤيا إبراهيم S، والنبي ربما سمع الكلام وربما رأى الشخص ولم يسمع، والإمام هو الذي يسمع الكلام ولا يرى الشخص» «الكافي» الكليني (1/176). قال جعفر السبحاني: «فالحديث وإن لم يكن صحيحًا لكنه معتبر»، «مفاهيم القرآن» (4/394). وقال المظفَّر: «الحديث صحيح إسناده» «الشافي شرح أصول الكافي» (4/29).

([19]) «مشرعة بحار الأنوار» محمد آصف محسني (1/271).