استدلال الشيعة بـآية البلاغ على الإمامة

الشبهة:

استدل الإمامية بقوله تعالى: [ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ] {المائدة:67} على إمامة علي بن أبي طالب I.

فقد قرر البهبهانيُّ في هذه الآية ثلاثة أمور فقال: «ينبغي التكلم هنا في أمور ثلاثة: الأول: في أن الآية الكريمة إنما نزلت في ولاية مولانا أمير المؤمنين S في غَدير خُم، والثاني: فيما بلغه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من الله تعالى في هذا المكان، في شأن مولانا أمير المؤمنين S، والثالث: في أن ما بلغه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في شأنه S صريح في الإمامة والخلافة».([1])

 

([1]) «مصباح الهدایة في تحقيق الولایة» علي البهبهاني (ص327).

الرد علي الشبهة:

أولًا: استشهادُ الشيعة بالتأويل وليس التنزيل.

الاستشهاد بالآية على ما ذهب إليه البهبهاني ليس في موضعه؛ لأنه استشهد بتأويل الآية لا بتنزيلها، والإمامة لا تثبت بالتأويل إنما بنص محكم، فتنزيلها ليس فيه ما ذهب إليه ألبتة، فنزاعنا معهم ليس في تنزيل الكتاب الحكيم، إنما في تأويلهم للتنزيل الحكيم.

ثانيًا: سياق الآية يخالف ما ذهب إليه البهبهاني وغيره.

زَعْمُ البهبهاني أن الآية قد نزلت في ولاية علي بن أبي طالب باطل، فالآية لا تتكلم عن أحد قط، لا من الأئمة ولا من غيرهم، إنما هي أمرٌ إلهي للنبي H بإبلاغ كافة الدين الذي أوحاه الله سبحانه وتعالى إليه هذا مجملًا وسيأتي تفصيله في رابعًا- وأنه سبحانه يعصمه من الناس في حال البلاغ، فالخطاب من مبدأه إلى منتهاه للنبي H، فليس في سياق الآية ولا في مضمونها ما يفيد ما ذهب إليه هو أو غيره من علماء الإمامية.

ثالثًا: تفسيرهم للآيات مخالف لسياقها.

زعمه أن ما بلَّغه النبي H بموجب هذه الآية كان في شأن علي بن أبي طالب باطل كذلك، وهذا واضح صريح من سياق الآيات، فسياق الآيات قبل هذه الآية يتكلم عن أهل الكتاب وعقائدهم في الرب تبارك وتعالى، قال الله: [ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ] {المائدة: 64 -66}

فهذه هي الآيات قبل آية العصمة تتكلم عن أهل الكتاب، ثم بعدها جاءت آية الأمر بالبلاغ والعصمة من الناس، ثم أعقبها الرب تبارك وتعالى بقوله: [ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ] {المائدة:68} فهذا هو الذي أُمِرَ النبيُ H ببلاغه ولا يخاف فيه لومة لائم ولا أذى الناس، وليس ما ذهبت إليه الإمامية من أنها في شأن ولاية وإمامة علي بن أبي طالب.

رابعًا: تأويل الإمامية قادحٌ في النبي H وفي رب العزة تبارك وتعالى.

تأويل الإمامية لهذه الآية يهدِمُ أصولهم؛ فإنهم يزعمون أنَّ النبيَّ H خاف وتردَّد في الإبلاغ أول الأمر، وضاق صدره، حتى جاءه هذا التهديد الإلهي، وضَمِن له ربُّه العصمة من الناس، وبعدها بلغ بالإمامة.

وقد روى الكليني بسندٍ صحيحٍ عن أبي جعفر S قال: «أمر الله D رسوله بولاية علِي، وأنزل عليه: [ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ] {المائدة:55} وفرض ولاية أولي الأمر، فلم يدروا ما هي، فأمر الله محمدًا صلى الله عليه وآله وسلم أن يفسر لهم الولاية، كما فسر لهم الصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، فلما أتاه ذلك من الله ضاق بذلك صدر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وتخوف أن يرتدوا عن دينهم، وأن يكذبوه، فضاق صدره وراجع ربه D، فأوحى الله D إليه: [ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ] {المائدة:67} فصدع بأمر الله تعالى ذكره، فقام بولاية علي S يوم غَدِير خُم، فنادى: الصلاة جامعة، وأمر الناس أن يبلغ الشاهد الغائب».([1])

وفي هذا الخبر من البلايا ما الله به عليم، وبيانها كالتالي:

أولًا: قدح الخبر في النبي H.

المعنى الْمُتَحَصَّل من هذه الرواية أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد راجع ربه تبارك وتعالى! فلا يخفى على ذي لُب أن هذا فيه ما فيه من اتهام النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالكفر؛ إذ إن اعتقاد الإمامية منعقدٌ على أن الراد على الإمام كالراد على الله سبحانه وتعالى، وهذا كفر لا شك.

روى ابن قولويه القمي بسنده، عن عبدالرَّحمن بن مسلم قال: «دخلت على الكاظم S فقلت له: أيُّهما أفضل: زيارة الحسين بن عليٍّ، أو أمير المؤمنين R؟ أو الفلان وفلان، وسمَّيت الأئمَّة واحدًا واحدًا؟ فقال لي: يا عبد الرَّحمن، مَن زار أوَّلنا فقد زارَ آخرنا، ومَن زارَ آخرنا فقد زارَ أوَّلنا، ومَن تولَّى أوَّلنا فقد تولَّى آخرنا، ومَن تولَّى آخرنا فقد تولَّى أوَّلنا، ومن قضى حاجةً لأحدٍ من أوليائنا فكأنما قضاها لأجمعنا، يا عبد الرَّحمن، أحبَّنا وأحبَّ مَن يُحبّنا، وأحبَّ فينا، واحبب لنا، وتولّنا وتولَّ مَن يتولَّانا، وأبغض مَن يبغضنا، ألا وإنَّ الرَّادَّ علينا كالرَّادّ على رسول الله جدِّنا، ومَن رَدَّ على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقد رَدَّ على اللهِ، ألا يا عبد الرَّحمن، ومَن أبغضنا فقد أبغض محمّدًا، ومَن أبغض محمّدًا فقد أبغض الله، ومن أبغض الله D كان حقًّا على الله أن يصليه النار وماله مِن نصير».([2])

 بل وهو شرك كذلك كما وردت بذلك الروايات عند الإمامية، قال المجلسي في بحاره «الاحتجاج: عن عمر بن حنظلة، قال: سألت أبا عبد الله S عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث، فتحاكما إلى السلطان وإلى القضاة، أيحل ذلك؟ قال S: من تحاكم إليهم في حق أو باطل فإنما تحاكم إلى الجبت والطاغوت المنهي عنهما، وما حكم له به فإنما يأخذ سُحْتًا وإن كان حقه ثابتًا له؛ لأنه أخذه بحكم الطاغوت، وقد أمر الله D أن يُكفر به، قال الله D: [ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ] {النساء:60} قلت: فكيف يصنعان وقد اختلفا؟ قال: ينظران من كان منكم ممن قد روى حديثنا، وعرف حلالنا وحرامنا، وعرف أحكامنا فليرضوا به حَكَمًا، فإني قد جعلته عليكم حاكمًا، فإذا حكم بحكم ولم يقبله منه فإنما بحكم الله استخف، وعلينا رد، والراد علينا كالراد على الله، وهو على حد الشرك بالله... ».([3])

فهذا الخبر قد أفاد أن الرد على من حكم من علماء الإمامية فهو رد على الأئمة وعلى النبي S وعلى الله تبارك وتعالى، وكل هذا على حد الشرك بالله سبحانه، والآن الإمامية تنسب إلى النبي H أنه قد راجع ربه سبحانه وتعالى فيما أمره به!

ثم انظر إلى هذه البلية التي رواها الطبرسي في الاحتجاج تحت تبويب بعنوان: «احتجاج النبي (ص) يوم الغدير على الخلق كلهم، وفي غيره من الأيام، بولاية علي بن أبي طالب (ع) ومن بعده من ولده من الأئمة المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين» وساق بسنده عن أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ ابْنِ عَلِيٍّ (ع) أَنَّهُ قَالَ: «حَجَّ رَسُولُ اللهِ (ص) مِنَ الْمَدِينَةِ وَقَدْ بَلَّغَ جَمِيعَ الشَّرَائِعِ قَوْمَهُ غَيْرَ الْحَجِّ وَالْوَلَايَةِ، فَأَتَاهُ جَبْرَئِيلُ (ع) فَقَالَ لَهُ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّ اللهَ جَلَّ اسْمُهُ يُقْرئُكَ السَّلَامَ، وَيَقُولُ لَكَ: إِنِّي لَمْ أَقْبِضْ نَبِيًّا مِنْ أَنْبِيَائِي وَلَا رَسُولًا مِنْ رُسُلِي إِلَّا بَعْدَ إِكْمَالِ دِينِي وَتَأْكِيدِ حُجَّتِي، وَقَدْ بَقِيَ عَلَيْكَ مِنْ ذَاكَ فَرِيضَتَانِ مِمَّا تَحْتَاجُ أَنْ تُبَلِّغَهُمَا قَوْمَكَ، فَرِيضَةُ الْحَجِّ وَفَرِيضَةُ الْوَلَايَةِ وَالْخِلَافَةِ مِنْ بَعْدِكَ...

لَمَّا وَقَفَ بِالْمَوْقِفِ أَتَاهُ جَبْرَئِيلُ (ع) عَنِ اللهِ D فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّ اللهَ D يُقْرِئُكَ السَّلَامَ وَيَقُولُ لَكَ: إِنَّهُ قَدْ دَنَا أَجَلُكَ وَمُدَّتُكَ، وَأَنَا مُسْتَقْدِمُكَ عَلَى مَا لَا بُدَّ مِنْهُ وَلَا عَنْهُ مَحِيصٌ، فَاعْهَدْ عَهْدَكَ وَقَدِّمْ وَصِيَّتَكَ، وَاعْمِدْ إِلَى مَا عِنْدَكَ مِنَ الْعِلْمِ وَمِيرَاثِ عُلُومِ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِكَ وَالسِّلَاحِ وَالتَّابُوتِ وَجَمِيعِ مَا عِنْدَكَ مِنْ آيَاتِ الْأَنْبِيَاءِ، فَسَلِّمْهُ إِلَى وَصِيِّكَ وَخَلِيفَتِكَ مِنْ بَعْدِكَ، حُجَّتِيَ الْبَالِغَةِ عَلَى خَلْقِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ع، فَأَقِمْهُ لِلنَّاسِ عَلَمًا وَجَدِّدْ عَهْدَهُ وَمِيثَاقَهُ وَبَيْعَتَهُ، وَذَكِّرْهُمْ مَا أَخَذْتُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْعَتِي وَمِيثَاقِيَ الَّذِي وَاثَقْتُهُمْ وَعَهْدِيَ الَّذِي عَهِدْتُ إِلَيْهِمْ مِنْ وَلَايَةِ وَلِيِّي وَمَوْلَاهُمْ وَمَوْلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (ع)...

فَخَشِيَ رَسُولُ اللهِ (ص) مِنْ قَوْمِهِ وَأَهْلِ النِّفَاقِ وَالشِّقَاقِ أَنْ يَتَفَرَّقُوا وَيَرْجِعُوا إِلَى الْجَاهِلِيَّةِ؛ لِمَا عَرَفَ مِنْ عَدَاوَتِهِمْ، وَلِمَا يَنْطَوِي عَلَيْهِ أَنْفُسُهُمْ لِعَلِيٍّ مِنَ الْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ، وَسَأَلَ جَبْرَئِيلَ أَنْ يَسْأَلَ رَبَّهُ الْعِصْمَةَ مِنَ النَّاسِ، وَانْتَظَرَ أَنْ يَأْتِيَهُ جَبْرَئِيلُ بِالْعِصْمَةِ مِنَ النَّاسِ عَنِ اللهِ جَلَّ اسْمُهُ، فَأَخَّرَ ذَلِكَ إِلَى أَنْ بَلَغَ مَسْجِدَ الْخَيْفِ، فَأَتَاهُ جَبْرَئِيلُ (ع) فِي مَسْجِدِ الْخَيْفِ، فَأَمَرَهُ بِأَنْ يَعْهَدَ عَهْدَهُ وَيُقِيمَ عَلِيًّا عَلَمًا لِلنَّاسِ يَهْتَدُونَ بِهِ، وَلَمْ يَأْتِهِ بِالْعِصْمَةِ مِنَ اللهِ جَلَّ جَلَالُهُ بِالَّذِي أَرَادَ حَتَّى بَلَغَ كُرَاعَ الْغَمِيمِ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، فَأَتَاهُ جَبْرَئِيلُ وَأَمَرَهُ بِالَّذِي أَتَاهُ فِيهِ مِنْ قِبَلِ اللهِ، وَلَمْ يَأْتِهِ بِالْعِصْمَةِ فَقَالَ: يَا جَبْرَئِيلُ إِنِّي أَخْشَى قَوْمِي أَنْ يُكَذِّبُونِي وَلَا يَقْبَلُوا قَوْلِي فِي عَلِيٍّ (ع)، فَرَحَلَ، فَلَمَّا بَلَغَ غَدِيرَ خُمٍ قَبْلَ الْجُحْفَةِ بِثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ أَتَاهُ جَبْرَئِيلُ (ع) عَلَى خَمْسِ سَاعَاتٍ مَضَتْ مِنَ النَّهَارِ بِالزَّجْرِ وَالِانْتِهَارِ وَالْعِصْمَةِ مِنَ النَّاسِ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّ اللهَ D يُقْرِئُكَ السَّلَامَ وَيَقُولُ لَكَ: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ فِي عَلِيٍ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ...» الخبر.([4])

فهذه عقيدة الإمامية في النبي H أنه يماطل في بلاغ الأمر الإلهي، ويتلكأ فيه؛ خوفًا من الناس لا من رب الناس! فانظر إلى المفاسد التي جرتهم إليها عقيدة الإمامة:

المفسدة الأولى: النبي H يسير بأصحابه من المدينة إلى حرم الله وهو متهم بعدم إبلاغ التشريع كاملًا بالحج والولاية المزعومة! فلأي شيءٍ كان يسير بهم إذًا؟!

المفسدة الثانية: يأمره جبريل S في المرة الأولى بإبلاغ فريضة الحج وفريضة الولاية، ومع هذا فهو S يمتنع عن تنفيذ الأمر الإلهي، فيخفي هاتين الفريضتين طيلة مسيره إلى عرفات الله، وزد على هذا أن مماطلته للوحي الإلهي كان خوفًا من الناس!

المفسدة الثالثة: تستمر هذه الرواية الرافضية في إظهار النبي H في صورة المخادع لأمته؛ إذ يبلغهم فريضة الحج فيؤدي النسك ولا يبلغ الناس بفريضة الإمامة! فيأتيه جبريل S للمرة الثانية فيذكره بالموت قائلًا: «وَيَقُولُ لَكَ: إِنَّهُ قَدْ دَنَا أَجَلُكَ وَمُدَّتُكَ، وَأَنَا مُسْتَقْدِمُكَ عَلَى مَا لَا بُدَّ مِنْهُ، وَلَا عَنْهُ مَحِيصٌ» وهذا مقام تهديد للنبي H؛ إذ يُذَّكِّرُه جبريل بأنه لم يؤد الرسالة التي أُمر بأدائها، فبقي عليه تأدية فرض الإمامة التي أُمر بأدائه، فقال له: «فَاعْهَدْ عَهْدَكَ وَقَدِّمْ وَصِيَّتَكَ» وذلك لأنه امتنع عن أدائها بعد الأمر الأول!

المفسدة الرابعة: بالرغم من هذا ترى النبيَّ H في هذه الرواية السقيمة لا يأتمر بالأمر الإلهي ولا ينزجر بزاجر الموت، فلا يؤدي ما أُمر به للمرة الثانية، بل خاف من قومه وخاف من أهل النفاق والشقاق! «فَخَشِيَ رَسُولُ اللهِ (ص) مِنْ قَوْمِهِ وَأَهْلِ النِّفَاقِ وَالشِّقَاقِ» فكتم عنهم تتمة التشريع حتى لا يتفرقوا ويرجعوا إلى الجاهلية «أَنْ يَتَفَرَّقُوا وَيَرْجِعُوا إِلَى الْجَاهِلِيَّةِ» فأي جاهلية يخشاها عليهم النبي H وهم أهل نفاق وشقاق!

أليس النفاق والشقاق هو عين الجاهلية، بل هو عين الكفر؟!

ثم أليس علي بن أبي طالب I من جملة هؤلاء؟!

فهل كان من أهل النفاق والشقاق أيضًا؟! أم كان من قومه الذين يخشى عليهم أن يتفرقوا ويرجعوا إلى الجاهلية؟!

المفسدة الخامسة: ادعت الرواية أن علة خوف النبي H هي معرفته بما في قلوبهم من العداوة والبغضاء لعلي «لِمَا عَرَفَ مِنْ عَدَاوَتِهِمْ وَلِمَا يَنْطَوِي عَلَيْهِ أَنْفُسُهُمْ لِعَلِيٍّ مِنَ الْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ» فجعلت الرواية من النبي H أول المخالفين لكتاب الله D الذي ورد فيه الثناء على أصحابه M فقال: [ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ   ] {الفتح:29}، وهذه الآية من أشد الآيات التي فضحت عقائد الشيعة الرافضة، فجعل علامة الكفر هو بغض أصحاب النبي H، فإذا ذُكروا اغتاظت قلوبهم وتمايزت من الغيظ. 

المفسدة السادسة: ولأن النبي H كان خائفًا من هؤلاء كما زعمت الرواية- امتنع عن إبلاغ الأمر الإلهي وهو عائد إلى المدينة! حتى أنه طلب العصمة «وَسَأَلَ جَبْرَئِيلَ أَنْ يَسْأَلَ رَبَّهُ الْعِصْمَةَ مِنَ النَّاسِ، وَانْتَظَرَ أَنْ يَأْتِيَهُ جَبْرَئِيلُ بِالْعِصْمَةِ مِنَ النَّاسِ عَنِ اللهِ جَلَّ اسْمُهُ، فَأَخَّرَ ذَلِكَ إِلَى أَنْ بَلَغَ مَسْجِدَ الْخَيْفِ».

فأي عصمة طلبها النبي H وهو نبي معصوم عند الإمامية من لحظة الميلاد وحتى الممات؟ وهذه العصمة ادَّعى المجلسي عليها إجماع الإمامية، فقال: «تبيين: اعلم بعدما أحطت خُبْرًا بما أسلفناه من الأخبار والأقوال أنا قد قدمنا القول في عصمة الأنبياء صلوات الله عليهم في كتاب النبوة، وذكرت هناك أن أصحابنا الإمامية أجمعوا على عصمة الأنبياء والأئمة صلوات الله عليهم من الذنوب الصغيرة والكبيرة عمدًا وخطأً ونسيانًا قبل النبوة والإمامة وبعدهما، بل من وقت ولادتهم إلى أن يلقوا الله سبحانه».([5])

فإن كان الأمر كذلك، فيصير قوله في الرواية: «وَسَأَلَ جَبْرَئِيلَ أَنْ يَسْأَلَ رَبَّهُ الْعِصْمَةَ مِنَ النَّاسِ، وَانْتَظَرَ أَنْ يَأْتِيَهُ جَبْرَئِيلُ بِالْعِصْمَةِ مِنَ النَّاسِ عَنِ اللهِ جَلَّ اسْمُهُ» قول باطل حتمًا لا محالة، أو أن زعم الإمامية بأن الأنبياء معصومون من الميلاد وحتى الممات فاسد كاسد، وإجماعهم كاذب، أو أن هذه الرواية مجرد كذب واختراع.

المفسدة السابعة: يأتيه الوحي للمرة الثالثة ويأمره بالبلاغ «فَأَتَاهُ جَبْرَئِيلُ (ع) فِي مَسْجِدِ الْخَيْفِ، فَأَمَرَهُ بِأَنْ يَعْهَدَ عَهْدَهُ وَيُقِيمَ عَلِيًّا عَلَمًا لِلنَّاسِ يَهْتَدُونَ بِهِ» إلا أنه لم يأته بالعصمة التي أرادها، فكأنه H عَلَّق بلاغ الدين بتحقق العصمة التي زعمت الإمامية أنها في الأصل متحققة فيه! فكانت كل هذه مجرد مماطلات من النبي H لربه ومراجعة له في أمره، فلا هو يأتمر بأمره ولا ينصاع لقوله!

ولم يأتمر النبي H كذلك في المرة الثالثة للأمر الإلهي حتى انطلق من مسجد الخيف! «وَلَمْ يَأْتِهِ بِالْعِصْمَةِ مِنَ اللهِ جَلَّ جَلَالُهُ بِالَّذِي أَرَادَ حَتَّى بَلَغَ كُرَاعَ الْغَمِيمِ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ».

المفسدة الثامنة: وتستمر هذه الأكذوبة الرافضية في إثبات المعصية والمخالفة للنبي H وامتناعه عن البلاغ بعدما أُمر ثلاث مرات! حتى بلغ كُراع الغميم بغير عصمة ولا بلاغ «حَتَّى بَلَغَ كُرَاعَ الْغَمِيمِ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ» فأتاه جبريل للمرة الرابعة يأمره بالبلاغ! وكذلك لم يأته بالعصمة التي أرادها! «وَأَمَرَهُ بِالَّذِي أَتَاهُ فِيهِ مِنْ قِبَلِ اللهِ وَلَمْ يَأْتِهِ بِالْعِصْمَةِ فَقَالَ: يَا جَبْرَئِيلُ، إِنِّي أَخْشَى قَوْمِي أَنْ يُكَذِّبُونِي وَلَا يَقْبَلُوا قَوْلِي فِي عَلِيٍّ (ع)، فَرَحَلَ» وكل هذا والنبي H في هذه الرواية الرافضية يماطل الوحي الإلهي ولا يستجيب له، فالله D يأمره أربع مرات بالبلاغ والنبي H يمتنع من البلاغ!

المفسدة التاسعة: انطلق النبي H من كراع الغميم حتى بلغ غدير خم وهو لم يبلغ الأمر الإلهي، وهنا يأتيه جبريل S للمرة الخامسة، ولكن في هذه المرة يأتيه بالزجر والانتهار والعصمة! فهذه العصمة لم تأت النبي H إلا بعد زجره ونهره! «فَلَمَّا بَلَغَ غَدِيرَ خُمٍ قَبْلَ الْجُحْفَةِ بِثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ أَتَاهُ جَبْرَئِيلُ (ع) عَلَى خَمْسِ سَاعَاتٍ مَضَتْ مِنَ النَّهَارِ بِالزَّجْرِ وَالِانْتِهَارِ وَالْعِصْمَةِ مِنَ النَّاسِ» والعجيب الغريب ذِكْرُ الرواية أنَّه في نفس الوقت الذي زُجر فيه وانتُهِر يخبره جبريل S أن الله يُقرِئُه السلام! فكيف يستقيمان معًا، يزجره وينهره ويقرئه السلام! «فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّ اللهَ D يُقْرِئُكَ السَّلَامَ» ويأمره للمرة الخامسة أن يقوم بالبلاغ «وَيَقُولُ لَكَ: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ فِي عَلِيٍ، وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ».

وهنا يستجيب النبي H للأمر الإلهي بعد أربع محاولات!

فبئس القوم وبئس اعتقادهم، فإن الإمامية أرادت أن تدس عقيدة الإمامة فطعنت في النبي H بشكل مباشر صريح! فأظهرته في صورة نبيٍّ يُماطل ربه ويشترط عليه، ويرفض البلاغ حتى يتم تنفيذ شروطه!

بل ويخاف أن يُبلغ الناس الرسالة الموكَلَة إليه خشية أن يرتدوا عن دينهم! فصوروه H في صورة المداهن للناس على حساب دينه، فيبلغهم ما تهواه أنفسهم وتحبه، ويحجب عنهم ما لا تحبه أنفسهم وتبغضه بزعم الرافضة- فيتلكأ في إبلاغه ويُراجع ربه في أمره، ويظل في هذه المماطلة حتى يزجره ربه وينتهره، وإن شئت فقل: يهدده!

فكل ما رأيت من إساءات لجناب النبي H فقط ليثبت الرافضة عقيدة الإمامة والنص الإلهي!

ثانيًا: سقوط دلالة الخبر بالمعارضة.

بحسب هذه الرواية، فقد تحصل أمران:

  • o أحدهما: أن هناك محذورين خشيهما النبيّ H وكانا سببًا في تأخير إبلاغه بإمامة عليّ I:

المحذور الأول: خشيته H من ردة أصحابه.

وهذا المحذور قد نصت عليه رواية «الكافي»، ولفظها: «وتخوف أن يرتدوا» واستمسك بذلك علماؤهم، قال الفتال النيسابوري: «فخشي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قومه وأهل النفاق والشقاق أن يتفرقوا، ويرجعوا جاهلية؛ لِمَا عرف من عداوتهم وما يبطنون عليه في أنفسهم لعلي S من البغضاء».([6])

المحذور الثاني: خشيته H أن يكذبوه ويطعنوا به.

وهذا المحذور قد نصت عليه رواية «الكافي»، ولفظها: «وأن يكذبوه»، وعليه كان تعويل علمائهم، قال ابن بابويه القمي: «فكره أن يحدث الناس بشيء كراهية أن يتهموه؛ لأنهم كانوا حديثي عهد بالجاهلية... فإن يتهموني ويكذبوني... مخافة أن تتهموني وتكذبوني».([7])

وزاد المازندراني سببًا آخر لتأخر النبي H في البلاغ فقال: «وأما وجوب إظهار الولاية فقد كان وقته موسعًا، وإنما لم يبادر في أول أوقات إمكانه؛ لأنه كان مترقِّبًا للعصمة من الله تعالى».([8])

فهذه أمور ثلاث قد منعت النبي H من البلاغ أو جعلته يتأخر في البلاغ.

1. مخافته من ردة أصحابه.

2. مخافته من تكذيبهم إياه.

3. انتظاره للعصمة.

وقد جاء في رواية الاحتجاج للطبرسي([9]) زيادة مفادها أن النبي H لم يبلغ ما أمره ربه ببلاغه للناس من أمر إمامة علي بن أبي طالب I إلا بعد أن جاءه جبريل S ثلاث مرات، وفي المرة الثالثة جاءه بالزجر والانتهار! فجاء فيها: «فَلَمَّا بَلَغَ غَدِيرَ خُمٍ قَبْلَ الْجُحْفَةِ بِثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ أَتَاهُ جَبْرَئِيلُ (ع) عَلَى خَمْسِ سَاعَاتٍ مَضَتْ مِنَ النَّهَارِ بِالزَّجْرِ وَالِانْتِهَارِ([10]) وَالْعِصْمَةِ مِنَ النَّاسِ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّ اللَّهَ D يُقْرِئُكَ السَّلَامَ وَيَقُولُ لَكَ: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ فِي عَلِيٍ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) وَكَانَ أَوَائِلُهُمْ قَرِيبًا مِنَ الْجُحْفَةِ، فَأَمَرَ بِأَنْ يُرَدَّ مَنْ تَقَدَّمَ مِنْهُمْ وَيُحْبَسَ مَنْ تَأَخَّرَ عَنْهُمْ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ؛ لِيُقِيمَ عَلِيًّا عَلَمًا لِلنَّاسِ وَيُبَلِّغَهُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي عَلِيٍّ، وَأَخْبَرَهُ بِأَنَّ اللَّهَ D قَدْ عَصَمَهُ مِنَ النَّاسِ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ عِنْدَ مَا جَاءَتْهُ الْعِصْمَةُ مُنَادِيًا يُنَادِي فِي النَّاسِ...».

1. فساد محذور المازندراني.

ونبدأ بالتعليل العليل الذي ذكره المازندراني، فإن تعليل المازندراني تأخير النبي H للإبلاغ لعلة انتظاره S العصمة من الله تعالى فاسدٌ، وذلك لأن الإمامية تنص على أن عصمة الأنبياء من الميلاد إلى الممات، أي أنها قبل النبوة ومتحققة بالإجماع.

قال المجلسي: «تبيين: اعلم بعدما أحطت خُبرًا بما أسلفناه من الأخبار والأقوال أنا قد قدمنا القول في عصمة الأنبياء صلوات الله عليهم في كتاب النبوة، وذكرت هناك أن أصحابنا الإمامية أجمعوا على عصمة الأنبياء والأئمة صلوات الله عليهم من الذنوب الصغيرة والكبيرة عمدًا وخطأً ونسيانًا قبل النبوة والإمامة وبعدهما، بل من وقت ولادتهم إلى أن يلقوا الله سبحانه، ولم يخالف فيه إلا الصدوق محمد بن بابويه وشيخه ابن الوليد قدَّس الله روحهما، فجوَّزا الإسهاء من الله تعالى، لا السهو الذي يكون من الشيطان، ولعل خروجهما لا يخل بالإجماع، لكونهما معروفي النسب، وأما السهو في غير ما يتعلق بالواجبات والمحرمات كالمباحات والمكروهات فظاهر أكثر أصحابنا أيضًا الإجماع على عدم صدوره عنهم».([11])

وهذا يعني أنه على عقيدتهم كانت عصمته H متحققةً أصلًا قبل النبوة، فأيُّ عصمة يزعمها المازندراني كان ينتظرها النبي H؟! وبذلك يصير تعليله هباءً منثورًا.

فما بقيَ لنا الآن إلا العلتان المنصوص عليهما في رواية الكليني، وهما الخوف من الردة، والخوف من التكذيب، وهاتان العلتان فاسدتان كاسدتان.

2. فساد العلة الأولى: الخوف من ردتهم.

ردة أصحاب النبي H -إلا النَّزَرَ اليسير- تطفح به كتبهم، ومنه ما رواه الكليني بسنده عن حمران بن أعين قال: «قلت لأبي جعفر S: جُعِلْتُ فِداك، ما أقلنا! لو اجتمعنا على شاة ما أفنيناها، فقال: ألا أحدثك بأعجب من ذلك؟ المهاجرون والأنصار ذهبوا إلَّا -وأشار بيده- ثلاثة، قال حمران: فقلت: جعلت فداك، ما حال عمار؟ قال: رحم الله عمارًا أبا اليقظان بايع وقتل شهيدًا، فقلت: في نفسي ما شيء أفضل من الشهادة، فنظر إليَّ فقال: لعلك ترى أنه مثل الثلاثة، أيهات أيهات».([12])

فهذه الآية تدل على ردة كل أصحاب النبي S إلا ثلاثة نفر!

وروى الكليني أيضًا بسنده عن أبي جعفر S قال: «كان الناس أهل رِدَّةٍ بعد النبي صلى الله عليه وآله إلا ثلاثةً، فقلت: ومَن الثلاثة؟ فقال: المقداد بن الأسود، وأبو ذر الغفاري، وسلمان الفارسي رحمة الله وبركاته عليهم، ثم عرف أناس بعد يسير».([13])

فالمحذور الأول الذي نصت عليه رواية الكُليني قد وقع بنص روايته أيضًا! فهل تحقَّق وعد الله تبارك وتعالى؛ بحيث لم يحدث ما خشيه النبيُّ H؟

3. فساد العلة الثانية: الخوف من تكذيبه واتهامه.

وكذلك قد وقع المحذور الثاني، روى الكليني بسند صحيح عن حسان الجمال قال: «حملت أبا عبد الله S من المدينة إلى مكة، فلما انتهينا إلى مسجد الغدير نظَر إلى ميسرة المسجد فقال: ذلك موضع قدم رسول الله صلى الله عليه وآله؛ حيث قال: من كنت مولاه فعلي مولاه، ثم نظر إلى الجانب الآخر فقال: ذلك موضع فُسطاط أبي فلان وفلان وسالم مولى أبي حذيفة وأبي عبيدة الجراح، فلما أن رأوه رافعًا يديه قال بعضهم لبعض: انظروا إلى عينيه تدور كأنهما عينا مجنون، فنزل جبرائيل S بهذه الآية: [ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ] { القلم:51-52}».([14])

المعنى المفهوم من رواية الكليني أن الله سبحانه وتعالى قد وعده بالعصمة، ومعنى هذا أنه قد أمَّنه من أن يقع ما كان يحذره صلى الله عليه وآله وسلم، وعلى الرغم من هذا فقد وقع ما كان يحذره S، فالإمامية قد أثبتت ردة الناس إلا ثلاثة، وقد أثبتت أنهم قد كذبوه، فلزمهم بذلك أن يقولوا إن الوعد الإلهي قد تخلف عن التحقق، وذلك فيه ما فيه من القدح في الذات الإلهية، فبهذا يكون ما خشيه النبيُّ H من تكذيب قومه له قد حصل بالفعل، مع أن الله وعده وطمأنه بعدم حصوله!

فتأمل كيف أرادوا إثبات إمامتهم المزعومة بتلك الآية، فإذا بهم يتوجهون بالطعن إلى الله تعالى بإخلافه ما وعد به نبيه S من الضمان والتأمين بعدم وقوع المحاذير والمخاوف التي كان يخشاها فيما لو بلغ الإمامة بالغدير!([15])

خامسًا: معارضة الآية لعقيدة الكتمان.

كتمان المرويات عن آل بيت النبوة هو ما يدين به الإمامية على مدار حياتهم، فكيف يوفقون بين هذا وبين أمر الله D بالجهر بهذه العقيدة؟!

قال أبو جعفر: «ولاية الله أسرَّها إلى جبرئيل S، وأسرَّها جبرئيل إلى محمد H، وأسرَّها محمد إلى علي S، وأسرَّها علي إلى من شاء الله، ثم أنتم تذيعون ذلك»([16]) وعن أبي عبد الله: «ما قتلنا من أذاع حديثنا قتل خطأ، ولكن قتلنا قتل عمد».([17])

سادسًا: دعوى تحريف الآية.

ولما لم تجدِ الإماميةُ دليلًا واضحًا على نزولها في عليٍّ I ولا حتى دلالة تروي العليل أو تشفي الغليل في إثبات الإمامة بها، فادَّعَوْا أن الصحابة M قاموا بتحريفها، وهذا هو أسهل السُبل عند الإمامية، فإذا لم يجدوا ما يفيد ما ذهبوا إليه في التنزيل كانت أسهل طرقهم هي الطعن في التنزيل!

قال القمي: «وأما ما هو محرف منه فهو قوله: (لكن الله يشهد بما أنزل إليك في عليٍّ أنزله بعلمه والملائكة يشهدون) وقوله: (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك في عليٍّ فإن لم تفعل فما بلغت رسالته».([18])

وهكذا القوم كلما أفلسوا من الحجج، ولم يجدوا في كتاب الله ما يدعمون به باطلهم، ادعوا تحريفه وتغييره.

 

_ _ _

 

([1]) «الكافي» الكليني (1/289)، قال المجلسي: «الحديث الرابع: حسن» مرآة العقول (3/250)، وقال هادي النجفي: «الرواية صحيحة الإسناد» موسوعة أحاديث أهل البيت (8/415).

([2]) كامل الزيارات ص350.

([3]) بحار الأنوار 101/261-262-263 ولفظ الخبر بتمامه « عن عمر بن حنظلة قال: سألت أبا عبد الله S عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث فتحاكما إلى السلطان وإلى القضاة أيحل ذلك؟ قال S: من تحاكم إليهم في حق أو باطل فإنما تحاكم إلى الجبت والطاغوت المنهي عنه، وما حكم له به فإنما يأخذ سحتًا، وإن كان حقه ثابتا له، لأنه أخذه بحكم الطاغوت وقد أمر الله D أن يكفر به، قال الله D: [ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ] قلت: فكيف يصنعان وقد اختلفا؟ قال: ينظران من كان منكم ممن قد روى حديثنا و عرف حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا فليرضوا به حكمًا، فإني قد جعلته عليكم حاكما، فإذا حكم بحكم ولم يقبله منه فإنما بحكم الله استخف، وعلينا رد، والراد علينا كالراد على الله، وهو على حد الشرك بالله، قلت: فإن كان كل واحد منهما اختار رجلًا من أصحابنا فرضيًّا أن يكونا الناظرين في حقهما، فاختلفا فيما حكمًا فإن الحكمين اختلفا في حديثكم؟ قال: إن الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما وأصدقهما في الحديث وأورعهما، ولا يلتفت إلى ما يحكم به الآخر، قلت: فإنهما عدلان مرضيان عرفًا بذلك لا يفضل أحدهما صاحبه، قال: ينظر إلى ما كان من روايتهما عنا في ذلك الذي حكما المجمع عليه بين أصحابك فيؤخذ به من حكمهما، ويترك الشاذ الذي ليس بمشهور عند أصحابك، فإن المجمع عليه لا ريب فيه، فإنما الأمور ثلاثة: أمر بين رشده فيتبع، وأمر بين غيه فيجتنب، وأمر مشكل يرد حكمه إلى الله D وإلى رسوله صلى الله عليه وآله، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله: حلال بين، وحرام بين، وشبهات تترد بين ذلك، فمن ترك الشبهات نجا من المحرمات، ومن أخذ بالشبهات ارتكب المحرمات وهلك من حيث لا يعلم، قلت: فإن كان الخبران عنكما مشهورين قد رواهما الثقات عنكم؟ قال: ينظر ما وافق حكمه حكم الكتاب و السنة وخالف العامة فيؤخذ به، ويترك ما خالف حكمه حكم الكتاب والسنة ووافق العامة، قلت: جعلت فداك أرأيت إن كان الفقيهان عرفًا حكمه من الكتاب والسنة، ثم وجدنا أحد الخبرين يوافق العامة والآخر يخالف بأيهما نأخذ من الخبرين؟ قال: ينظر إلى ما هم إليه يميلون فإن ما خالف العامة ففيه الرشاد، قلت: جعلت فداك فإن وافقهم الخبران جميعا قال: انظروا إلى ما يميل إليه حكامهم وقضاتهم فاتركوه جانبًا وخذوا بغيره، قلت: فإن وافق حكامهم الخبرين جميعًا؟ قال: إذا كان كذلك فارجه وقف عنده حتى تلقى إمامك؛ فإن الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلكات، والله المرشد »

([4]) الاحتجاج للطبرسي 1/55 حتى 58

([5]) مرآة العقول 17/108 ط. دار إحياء التراث.

([6]) «روضة الواعظين» (ص90).

([7]) «الأمالي» (ص436).

([8]) «شرح أصول الكافي» محمد صالح المازندراني (6/124).

([9]) الاحتجاج، الطبرسي (1/57).

([10]) ولا يخفاك ما في ذلك من الطعن الصريح في النبي H؛ حيث فأظهرته الشيعة بصورة المتمرد على الأوامر الإلهية، فيُراجع ربه في أمره الذي أمر به، ثم لا يُبلغ هذا الأمر الإلهي للناس إلا بعد أن يزجره ربه وينتهره! فكأن النبي H لا يُبلغ أمر ربه إلا بعد التهديد! وهذه من أقبح التهم التي وجهتها روايات الإمامية للنبي H.

([11]) مرآة العقول (17/108) ط. دار إحياء التراث، وقد بيَّنا بإسهابٍ وإطنابٍ كذب المجلسي وجهالته في ذلك في كتابنا عقيدة الكليني في ضوء كتابه الكافي في مبحث العصمة.

([12]) «الكافي» الكليني (2/244).

([13]) المصدر السابق (8/254). قال المجلسي: «الحديث الحادي والأربعون والثلاثمائة: حسن أو موثق، قوله S: (أهل رِدَّة) بالكسر، أي: ارتداد». «مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول» المجلسي (26/213).

([14]) «الكافي» الكليني (4/567). قال المجلسي: «الحديث الثاني صحيح على الأظهر» «مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول» المجلسي (18/283).

([15]) انظر: مقال الشيخ عبد الملك الشافعي: هل أمَّن الله نبيه من مخاوفه جرّاء تبليغه للإمامة بالغدير؟!

https://www.ddsunnah.net/forum/showthread.php?t184236

([16]) الكافي، كتاب الإيمان والكفر، باب الكتمان (2/178).

([17]) الكافي، كتاب الإيمان والكفر، باب الإذاعة (2/275).

([18]) «تفسير القمي» علي بن إبراهيم القمي (1/10).