يقول الشريف المرتضى: «الإمامية: الذاهبون إلى النص الجلي على إمامة اثني عشر إمامًا من أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم».([1])
ويقول المفيد: «فأما السمة للمذهب بالإمامة ووصف الفريق من الشيعة بالإمامية فهو عَلَم على من دَانَ بوجوب الإمامة ووجودها في كل زمان، وأوجب النص الجلي والعصمة والكمال لكل إمام...».([2])
وهذه الآية كما ترى لا ذكر فيها للإمامة لا من قريب ولا من بعيد، فلا يخفاك غياب النص الجلي عنها، وانعدام شرائط الإمامية فيها للاستشهاد!
ولما أرادت الإمامية بيان مقصدها من النص الجلي على الإمام قالت: لا بد من النص على الإمام باسمه ونسبه.
يقول الحلي: «وإنما لطف الإمام يحصل ويتم بأمور، منها: خلق الإمام وتمكينه بالقدرة والعلوم، والنص عليه باسمه ونسبه، وهذا يجب عليه تعالى وقد فعله».([3])
قلت: إذا كان هذا هو المقصود بالنص الجلي، فوجود هذا النص في كتاب الله تعالى أو سنة نبيه H دونه خَرْطُ القَتَاد، وبه يسقط استدلالهم بهذه الآية.
يقول محمَّدٌ السند: «إذًا بيَّن (ص) أنَّ أنبياء الأمم السابقة؛ لأنهم بعثوا بالتصريح، فلا يكون لأممهم مهلة، فإنَّهم إمَّا أنْ يستجيبوا أو يَهْلِكوا في العذاب، وأنَّ الله تعالى عَلِمَ مِن نبيِّنا (ص) ومِنَ الحجج في الأرض، -أي: الأئمة Q أوصياء النبي ص- الصبرَ على ما لمْ يُطِق من تقدمهم من الأنبياء الصبر على مثله... فبعثه الله تعالى بالتعريض لا بالتصريح، وأثبت حجة الله تعريضًا لا تصريحًا... نمط الحجية التي كُلِّفَ سيد الأنبياء (ص) باتباعها في إبلاغ معارف الشريعة والدين هو التعريض فبعثه الله تعالى بالتعريض، أي: أثبت حجة الله تعريضًا لا بالتصريح، وعليه فنظام بيانات الحديث النبوي والمولوي والأئمة Q قائم على معرفةِ نظام الدلالة في باب التعريض».([4])
والتعريض نوع خفاء، فيدخل ضمن النص الخفي لا الجلي، وهذا ظاهر المعارضة لِما نقلناه في الوجه الأول والثاني من اشتراط التصريح.
أقر علماء الإمامية أن الآية داخلة في النص الخفي، يقول الطبرسي: «وأما النص الذي يسميه أصحابنا (النص الخفي) فهو ما لا يقطع على أن سامعيه علموا النص عليه بالإمامة منه ضرورة، وإن كان لا يمتنع أن يكونوا يعلمونه كذلك أو علموه استدلالًا؛ من حيث اعتبار دلالة اللفظ، أما نحن فلا نعلم ثبوته والمراد به إلا استدلالًا، وهذا النحْوُ من النص على ضربين: قرآني، وإخباري، فأما النص من القرآن فقوله تعالى [ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ] {المائدة:55}».([5])
والقول بأن النص هنا جلي يقتضي خروج الأمة عن الإسلام إلى الكفر، يقول محمد السند: «السيد المرتضى والشيخ الطوسي والشيخ المفيد قالوا: إنَّ النص تارة يكون نصًّا جليًّا، وتارة يكون نصًّا خفيًّا، والمنكِر للنَّص الجلي يخرج عن ظاهر الإسلام».([6])
وبالمقابل يعترف الإمامية بأن مخالفيهم مسلمون، وعليه يقتضي أن نص الآية ليس جليًّا، يقول جعفر السبحاني: «والمسلمون -بحمد الله- كلهم شيعيهم وسنيهم متظللون تحت ظلال الإسلام والإيمان».([7])
وقد اتفق الجميع على أن علي بن أبي طالب I عامَلَ مخالفيه، بل محاربيه على أنهم مسلمون لا كفار، وهو ما يهدم أسطورة النص الجلي على إمامته، فإذا أقروا أننا مسلمون -ولو تقيَّةً- فقد أقروا بأنه لا يوجد على الإمامة نص جلي.
ذَكَرَت الشيعةُ أن الآية لما نزلت لم يفهمها الصحابة، وهذا يعني أن عدم فهم العربي للآية يخرجها من الجلي إلى الخفي، كما يقول الطوسي شيخ الطائفة: «المحكم في القرآن هو ما علم ظاهره بغير قرينة تقترن به، ولا دلالة تدل على المراد به لوضوحه، والمتشابه هو ما لا يعلم المراد به حتى يقترن به ما يدل على المراد به».([8])
وإليك إقرارهم بعدم فهم الصحابة للآية لما نزلت:
روي الكليني في «الكافي» عن زرارة والفضيل بن يسار، وبكير بن أعين ومحمد بن مسلم وبريد بن معاوية وأبي الجارود، جميعًا عن أبي جعفر S قال: «أمر الله D رسوله بولاية علي وأنزل عليه: [ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ] {المائدة:55} وفرض ولاية أولي الأمر، فلم يدروا ما هي، فأمر الله محمدًا صلى الله عليه وآله وسلم أن يفسر لهم الولاية، كما فسر لهم الصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، فلما أتاه ذلك من الله، ضاق بذلك صدر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتخوف أن يرتدوا عن دينهم، وأن يكذبوه فضاق صدره وراجع ربه D فأوْحَى إليه: [ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ] {المائدة:67} فصدَع بأمر الله تعالى ذكره فقام بولاية علي S يوم غَدير خُم، فنادى: الصلاة جامعة، وأمر الناس أن يبلغ الشاهد الغائب -قال عمر بن أذينة: قالوا جميعًا غير أبي الجارود- وقال أبو جعفر S: وكانت الفريضة تنزل بعد الفريضة الأخرى وكانت الولاية آخر الفرائض، فأنزل الله D: [ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ] {المائدة:3}، قال أبو جعفر S: يقول الله D: لا أُنزل عليكم بعد هذه فريضة، قد أكملت لكم الفرائض».([9])
ولا يخفى على كل ذي لُبٍّ ما في هذه الرواية من التعريض بالنبي H في مسألة البلاغ المأمور به، وذلك في قوله: (فضاق صدره)، فمعنى هذا النص: أن النبي H يضيق صدره بإبلاغ التشريع المأمور بإبلاغه، ويتلكأ فيه، بل ويُراجع ربه فيه؛ تخوفًا من ردة الناس وعدم انصياعهم للتشريع الإلهي، ثم لا يلتزم النبي H بإبلاغ التشريع إلا بعد التهديد الإلهي له بقوله تعالى له: [ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ] {المائدة:67} وهذا فيه ما فيه من الطعن في جناب النبي H.
ثالثًا: استدلال الشيعة ليس بالتنزيل إنما هو بالتأويل.
إن الاستدلال بأسباب النزول يخرج الدليل من كونه قرآنيًّا إلى كونه حديثيًّا، أو بلفظ آخر يُخرجه من كونه دليلًا من التنزيل إلى كونه دليلًا من التأويل؛ لأنه خارج عن منطوق الآية بلا خلاف، فوجب تحول البحث من الآية إلى الرواية.
يقول علِيٌّ الميلاني: «هذه الآية المباركة تسمى في الكتب بـ«آية الولاية»، استدل بها الإمامية على إمامة أمير المؤمنين سلام الله عليه، وكما ذكرنا من قبل، لا بد من الرجوع إلى السنة لتعيين من نزلت فيه الآية المباركة، وبعبارة أخرى لمعرفة شأن نزول الآية».([10])
هذا فضلًا عن أن الاستدلال بسبب النزول في مقابل عموم اللفظ مما لا ينبغي التفوه به، ولا يوافقه كتاب ولا سنة ولا عقل سليم كما يقول الطباطبائي: «وأما الحكم بأن الوقائع المذكورة فيها تخصص عموم آية من الآيات القرآنية أو تقيد إطلاقها بحسب اللفظ فمما لا ينبغي التفوه به، ولا أن الظاهر المتفاهم يساعده، ولو تخصص أو تقيد ظاهر الآيات بخصوصية في سبب النزول غير مأخوذة في لفظ الآية لمات القرآن بموت من نزل فيهم، وانقطع الحجاج به في واقعة من الوقائع التي بعد عصر التنزيل، ولا يوافقه كتاب ولا سنة ولا عقل سليم».([11])
وعليه فمن العيب والعار على الإمامية الاستدلال بسبب النزول في مقابل عموم اللفظ، يقول محمد باقر الحكيم: «إذا نزلت الآية بسبب خاص وكان اللفظ فيها عامًّا، فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب».([12])
إن قوله تعالى: [ﮪ ﮫ ] لفظ عام يوجب استيعاب جميع أفراد المؤمنين، وتأخير بيان مثل ذلك اللفظ نوع من الإلغاز الذي ينزَّه عنه الشرع، كما أقر بذلك علماء الشيعة أنفسهم.
يقول المفيد: «والخاص: ما أفاد واحدًا دونما سواه؛ لأن أصل الخصوص التوحيد، وأصل العموم الاجتماع».([13]) فهذا تقرير أن لفظ [ﮉ ﮊ ] عامٌّ.
ثم قرر المفيد أن تأخير بيان العموم إذا أراد به ربُّنا التخصيص يعتبر من الألغاز التي يُنَزَّه عنها الشارع، فقال في نفس المصدر: «ولا يجوز تأخير بيان العموم؛ لأن العموم موجب بمجرده الاستيعاب، فمتى أطلقه الحكيم ومراده التخصيص ولم يبين ذلك، فقد أتى بألغاز».([14])
وقد ذكرنا آنفًا رواية «الكافي» التي أقرت أن بيان هذه الآية تأخر إلى يوم الغدير، وهذا إقرار بأن الآية فيها إلغاز لا بيان، فكيف يكلف الله الناس بألغاز على حد قول المفيد؟ لأنه أَخَّرَ بيان العموم الذي أراد به التخصيص، واتهام الله وكلامه بهذا كفر مجرد لا يماري فيه أحد.
قوله تعالى: [ﯦ ] يدخل تحت مسمى المشترك اللفظي، والمشترك اللفظي هو: اتحاد اللفظ وتعدد المعنى، أي أن لفظًا واحدًا يدل على معنيين أو أكثر في لغة واحدة، أو هو ما اتحدت صورته واختلف معناه.
قال العلامة الزبيدي: «الوَليُّ له مَعانٍ كَثِيرةٌ: فمنها: (الْمُحِبُّ)، وهو ضِدُّ العَدُوِّ، اسْمٌ مِن وَالاهُ إذا أَحَبَّه. ومنها: (الصَّدِيقُ). ومنها: (النَّصِيرُ) مِن وَالاهَ إذا نَصَرَهُ. ووَلِيَ الشَّيءَ، وَلِي عليه وِلايَةً ووَلايَة، بالكسر والفتح، أَو هي، أَي بالفَتْح، للمَصْدَرُ، وبالكَسْر الاسْمُ، مِثْلُ: الإِمارَةِ والنِّقابَةِ؛ لأنَّه اسْمٌ لِمَا تَوَلَّيْته وقُمْتَ به، فإذا أَرادُوا الْمَصْدَرَ فَتَحُوا؛ هذا نَصُّ سِيْبَوَيْه. وقيلَ: الوِلايَةُ بالكَسْر (الخُطَّةُ والإمارَةُ)؛ ونَصّ الْمُحْكم: كالإمارَةِ.
وقال ابنُ السِّكِّيت: الوِلايَة، بالكسْر، (السُّلْطانُ) قال ابنُ برِّي: وقُرِئَ قولُه تعالَى: [ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ] {الأنفال:72} بالفَتْح وبالكَسْر، بمعنَى النُّصْرةِ؛ قال أَبو الحَسَنِ: الكَسْرُ لُغَةٌ وليسَتْ بذلكَ.
وفي التهذيب: قالَ الفرَّاء: كَسْر الواو في الآيةِ أَعْجبُ إليَّ من فَتْحِها؛ لأنَّها إنَّما يُفْتح أَكْثَر ذلكَ إذا أُرِيد بها النُّصْرة، قالَ: وكان الكِسائي يَفْتحُها ويَذْهَبُ بها إلى النُّصْرةِ. قال الأزْهري: ولا أَظنُّه علم التَّفْسير.
وَرَوى ابنُ سلام عن يونس: أنَّ الْمَوْلَى في الدِّيْن هو الوَلِيُّ، وذلكَ قولهُ تعالى: [ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ] {محمد:11}، أَي: لا وَلِيَّ لهُم، ومنه الحديثُ: «مَنْ كُنْتُ مَوْلاهُ فعليٌّ مَوْلاهُ»، أَي مَنْ كنتُ وَلِيَّه؛ وقال الشافِعِيُّ: يحملُ على وَلاءِ الإسْلامِ.
وأَيْضًا: (الرَّبُّ) جلَّ وعَلا؛ لتَوَلِّيه أُمُورَ العالَمِ بتَدْبيرِه وقُدْرَتِه.
وأَيْضًا: (النَّاصِرُ)؛ نقلَهُ الجَوْهري؛ وبه فُسِّر أَيْضًا حديثُ: (مَنْ كُنْتُ مَوْلاهُ).
وأيضًا: المُنْعِم.
وأيضًا: المُنْعَم عليه.
وأيضًا: المحب، من والاه إذا أحبه.
وأيضًا: التابع.
وأيضًا: الصهر؛ وجد ذلك في بعض نسخ الصحاح، فهذه أحد وعشرون معنى للمولى، وأكثرها قد جاءت في الحديث، فيضاف كل واحد إلى ما يقتضيه الحديث الوارد فيه».([15])
فإذا تقرر هذا فإن الاشتراك ينفي الإحكام؛ لدخوله تحت عدة أمور:
1- المشترك لا يُعْرَف المراد منه إلا بقرينة.
يقول علِيٌّ الميلاني: «وعلى فرضِ كونِ المراد من الولاية المعنى المشترك بالاشتراك اللفظي، فيكون من معاني لفظ الولاية: الأحقية بالأمر، الأولوية بالأمر، فهذا يكونُ من جملة معاني لفظِ الولاية، وحينئذ لتعيين هذا المعنى نحتاج إلى قرينة معينة، كسائر الألفاظ المشتركة بالاشتراك اللفظي».([16])
2- المشترك يؤدي إلى كون اللفظ مجملًا لا مبينًا ومحكمًا.
يقول محمد باقر الصدر: «ومجرد كون الاشتراك مؤديًا إلى الإجمال وتردد السامع في المعنى المقصود لا يوجب فقدان الوضع المتعدد لحكمته؛ لأن حكمته إنما هي إيجاد ما يصلح للتفهيم في مقام الاستعمال ولو بضم القرينة».([17])
3- المشترك من باب المتشابه لا المحكم.
قال الفاضل التوني: «(المتشابه) ما لا ظاهر له، كالمشترك؛ لقوله تعالى: [ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ] {آل عمران:7} الآية؛ إذ اتباع المتشابه بالمعنى الذي ذكروه، غير معقول».([18])
4- المتشابه على خلاف الأصل.
يقول الحلي: «والمجاز والاشتراك على خلاف الأصل».([19])
5- المشترك نوع من المجاز.
يقول الحلي: «لا يجوز استعمال اللفظ المشترك في كلا معنييه، إلا على سبيل المجاز؛ لأنه غير موضوع للمجموع من حيث هو مجموع».([20])
وكل وجه من هذه الوجوه كافٍ لإبطال استدلال الإمامية بـ«آية الولاية»، فكيف إذا اجتمع الجميع؟!
سادسًا: كذب الإمامية على أهل السنة.
أما قول الإمامية: إن الآية نزلت في قصة تصدُّق علِيٍّ I بالخاتم، وأن هذا مروي في الصحاح الستة كما زعم الزنجاني، فهذا من أبطل الباطل، والرواية لا تصح لا من طرق أهل السُّنة ولا من طرق الشيعة.([21])
وقد ساق ابن كثير الآثار التي تُرْوى في أن هذه الآية نزلت في علي حين تصدق بخاتمه، وعقب عليها -بعد جمع الروايات في المسألة- بقوله: «وليس يصح شيء منها بالكلية؛ لضعف أسانيدها، وجهالة رجالها».([22])
بل وهذا الضعف محكي فيه الإجماع، قال شيخ الإسلام ابن تيمية V: «أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالنَّقْلِ عَلَى أَنَّهَا لَمْ تَنْزِلْ فِي عَلِيٍّ بِخُصُوصِهِ، وَأَنَّ عَلِيًّا لَمْ يَتَصَدَّقْ بِخَاتَمِهِ فِي الصَّلَاةِ، وَأَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ الْقِصَّةَ الْمَرْوِيَّةَ فِي ذَلِكَ مِنَ الْكَذِبِ الْمَوْضُوعِ»([23])، وعليه فجميع الروايات عند أهل السنة لا تصح.
بل ومما يُظهر كذب هذه الدعوى أنه قد رُوي كذلك أنها نزلت في عبادة ابن الصامت، قال ابن جرير الطبري: «وقيل: إن هذه الآية نزلت في عبادة بن الصامت، تُبَرِّئُهُ من ولاية يهود بني قينقاع وحِلفهم، إلى رسول الله H والمؤمنين»([24]) ثم ساق أسانيده في ذلك.
وأما عند الشيعة فكما يلي:
1. ضعف كل روايات التصدق بالخاتم.
اعترف محمد آصف محسني بضعف جميع روايات تصدق علِي بالخاتم فقال: «الباب4: في نزول آية [ﯥ ﯦ ﯧ] {المائدة:55} في شأنه (ع)، ليست في الباب رواية معتبرة سندًا من طريقنا».([25])
وحتى متن الروايات مضطربٌ، وهذا مسقط لها بالكلية، قال أحمد الحسيني: «المضطرب، وهو ما اختلف في متنه أو سنده، ووقع الاختلاف من رواة متعدِّدين أو واحد، أو من المؤلِّفين أو الكتاب كذلك؛ بحيث يشتبه الواقع منه فلا يعلم به».([26])
وقد جمع هذه التناقضات الشيخ سعدُ الحميِّد والشيخ عثمان الخميس في كتاب «الإمامة والنص» فقالَا: «من دلائل ضعف هذه القصة والاضطراب البين فيها الاختلافُ في رواياتها، ففي روايات: أن نزول هذه الآية إنما كان في بيته H، وفي أخرى: في مجلسه H مع اليهود، وأخرى: في مسجده H، بل ذكرت بعض الروايات أن نزولها إنما كان في المسجد الحرام؛ حيث دخل الأمير S يومًا إلى الكعبة يصلي، فلما ركع أتاه سائل فتصدق عليه بحلقة خاتمه، فأنزل الله الآية».([27])
أ. الاختلاف في المتصدق به: بين خاتم كما في أكثر الروايات، وبين حلة كما في رواية «الكافي»، ولم يتردد البعض في القول بأن القصة ربما تكررت، فمرة تصدق بخاتم وأخرى بحلة([28]).
الاختلاف أيضًا في الخاتم، بين كونه من فضة كما في بعض الروايات، وذهب كما في أخرى([29])، والاختلاف في نقشه أيضًا، بين: الملك لله([30])، وبين: سبحان من فخري بأني له عبد([31]).
ب. الاختلاف في الصلاة: بين تطوع الظهر، أو فريضته خلف النبي H([32]).
ج. وكذا دعاء السائل: بين السلام عليك يا ولي الله وأولى بالمؤمنين من أنفسهم، تصدق على مسكين، هكذا ابتداءً، وبين: اللهم أشهدك أني سألت في مسجد رسول الله، كما في أكثر الروايات.
د. والاختلاف في وقت نزول الآية: ففي بعض الروايات: أنها نزلت قبل القصة، وأخرى: بعد دعاء الرسول H.
هـ. الاختلاف في كيفية التصدق بالخاتم: بين نزع علي بن أبي طالب I للخاتم بنفسه، وبين نزع السائل له.
و. وكذا الاختلاف في وقت تبليغ الرسول H لقومه: بين إخبارهم فور نزول الآية، وبين إرجاء ذلك إلى يوم الغدير.([33])
ي. والاختلاف في سؤال السائل: ففي بعض الروايات أن السائل سأل رسول الله H التصدق عليه أولًا، وفي أخرى: أنه سأل أولًا في مسجد النبي ثم مرَّ به H وسؤال النبي له: هل تصدق عليك بشيء؟([34]) والتضارب في الروايات كثير([35])، ونكتفي بما أوردناه.
تناقض علماء الإمامية في ذكر مَن تصدَّقَ وهو راكع، فقال بعضهم: إن الأمة أجمعت على أنه لم يتصدق أحد وهو راكع إلا علِيٌّ I، كما قال الطوسي: «وأجمعت الأمة على أنه لم يُؤْتِ الزكاة في حال الركوع غير أمير المؤمنين (ع)»([36]).
وهذا كذب منقوض بما ذكرناه من نقل ابن جرير الطبري في ذكر نزولها في عبادة بن الصامت لا علي بن أبي طالب، إلا أن يكون الطوسي غير مُعْتَبِرٍ لنا من عموم الأمة، أو أنه يجهل بما في كتب بعض الأمة!
ثم جاءت رواية في «الكافي» تقول: «فَكُلُّ مَنْ بَلَغَ مِنْ أَوْلَادِهِ مَبْلَغَ الْإِمَامَةِ يَكُونُ بِهذِهِ الصِّفَةِ مِثْلَهُ، فَيَتَصَدَّقُونَ وهُمْ رَاكِعُونَ»([37]).
وهذه الرواية كانت ضروريةً لإدخال الأئمة في جميع الأوصاف المذكورة في الآية، ومنها التصدق أثناء الركوع -على زعمهم-، لكنَّ فرحتهم لم تكتمل؛ فقد جاء المجلسي ليحكم على الرواية بالضعف!([38])
لكننا سنسلم بأن الحصر -كما زعموا- في الآية إنما هو في الأوصاف كما قال مرتضى الحسيني الشيرازي: «الحصر بالصفات، فإننا نلاحظ أن الله تعالى في مقام جعل الولاية للأولياء، يبدأ بتضييق الدائرة شيئًا فشيئًا من خلال التقييد بالأوصاف، مما يرشدنا إلى إرادته مجموعةً محددةً تنطبق عليها المواصفات، فبداية تطرق إلى وصف الإيمان فقال: [ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ]، ثم أضيفت صفة أخرى: [ﯫ ﯬ ﯭ]، فإن إقامة الصلاة غير أداء الصلاة، فليس كل مصل بمقيم لها، وهي مرتبة أسمى وأعلى وأخص من الإتيان بالصلاة؛ ولذا ورد (أشهد أنك قد أقمْتَ الصلاة) ثم ضُيَّقت الدائرة أكثر فأكثر بـ [ﯮ ﯯ] ثم ضُيَّقت الدائرة أكثر بـ[ﯰ ﯱ].
إذًا ليس من المحتمل ولا من المعقول أن يكون المقصود: (وليكم كل المؤمنين أو كل المسلمين) أي: كلكم وليٌّ لكلكم؛ لوضوح أنه في الواقع الخارجي هناك من المؤمنين من لا تنطبق عليه المواصفات المذكورة».([39])
فهنا نقول للإمامية: طالما أن الإمامة تتحقق لمن يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة وهو راكع، واستُخدِم زمنُ المضارع في جميع الأفعال الواردة في نص الآية لفتح الباب لمن جاء بعد علِي I، فنستخلص من ذلك أن الأمر مفتوح لكل مجتهد أن يفعل هذه الصفات فيكون إمامًا، وهذا مقتضى فهم الرافضة لنص الآية، فماذا عساهم يقولون؟!
فسآتي أنا لأقول: أنا إمام معصوم؛ لأني فعلت كل هذه الأوصاف اليوم؟! وبه ينتقض فهم الشيعة للآية.
ولو ذكرنا العكس، من أنها أوصاف محددة لمن فعل ذلك وهو علي بن أبي طالب، فيسقط به إمامة من جاؤوا بعده من الأئمة المذكورين؛ لأن الآية لا تشملهم؛ إذ هي محدودةٌ في علِي بالتأويل، إضافة إلى أنهم لم يتصدقوا وهم راكعون، وبذلك يكون تعيين الإمامة فيهم ساقطًا.
مما يبين تلاعب الشيعة بالقرآن، وإسقاطهم لهذا الاستدلال ما قاله الخميني في رسائله من أن الولاية في الآية ليست خاصةً بالأئمة المعصومين، وإنما من يشابههم في الطريقة المنطبق عليه مفهوم الآية ومفادها، وهم الفقهاء العدول، أو العدول والفقهاء، فيقول: «قوله تعالى في سورة المائدة: [ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ] {المائدة:55}، فانظر إلى ما في ذيل هذه الآية من الآيات الأخر: [ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ] {المائدة:56-57} ولمكان وقوعها في سورة المائدة المصدرة بقوله: [ﭿ ﮀ ﮁ ] لا يختص الخطاب بطائفة الموجودين، ولأجل أن المخاطبين هم المؤمنون، والولي في الآية أيضًا يكون الله ورسوله والمؤمنين كافة، فلا بد من الأخذ بأن المؤمنين في الآية طائفة خاصة، وإلا يلزم ولاية كل أحد على كل أحد، وتلك الطائفة لا بد أن تكون الأئمة المعصومين، أو من يشابههم في الطريقة، المنطبق عليه مفهوم الآية ومفادها، وهم الفقهاء العدول، أو العدول، والفقهاء بالقدر المتيقن منها»([40]) فصارت بذلك الآية دليلًا على الولي الفقيه، وليست حاصرةً للمعصومين، كما يزعم الإمامية.
تاسعًا: مُبطلات فهم الإمامية للآية.
هناك مضامينُ كثيرةٌ تُبطل فهم الشيعة للآية، أذكر مثالين فقط اختصارًا:
1. لو سلمنا جدلًا أن عليًّا تصدق وهو راكع فقد نقصت صلاته، وهذا لا يقتضي المدح قطعًا، فقد جاء في كتاب «قرب الإسناد»: «وسألته عن الرجل يكون في الصلاة فيسمع الكلام أو غيره فينصت ليسمعه، ما عليه إِنْ فَعل ذلك؟ قال: هو نقص، وليس عليه شيء»([41]).
فانقلبت الرواية لنقصٍ وذمٍّ لا مدح؛ وإلا فهل يذم اللهُ الشيءَ ويمدحُه في آنٍ واحدٍ؟!
2. أن الجمع في لغة العرب إذا قُصِدَ به الواحد في الخطاب، فالمراد منه التعظيم وليس التكثير، فهل علي بن أبي طالب I أعظم من رب العالمين تبارك اسمه حتى يذكر الله نفسه الكريمة بالإفراد، ثم يذكر نبيه بالإفراد، ثم يذكر عليًّا بالجمع؟!
فأجاب بعض الشيعة: بأن هذا جائز في اللغة أن يخاطب الواحد بالجمع للتعظيم.
لكن رَدَّ هذا الكلام ردًّا قويًّا الشريفُ المرتضى فقال: «ومن أجاب عن هذا الوجه بأن العبارة بالجمع ها هنا كانت للتعظيم، كما قال تعالى: [ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ] {الحجر:9} غلط؛ لأن التعظيم على عادة أهل اللغة إنما هو في إدخال المخاطب النون في كلامه، وما جرت عادتهم بأن يخاطبوا واحدًا بخطاب الجمع على سبيل التعظيم؛ لأن الملك يقول: فعلنا، وقلنا، ولا يقال له: قلتم، وفعلتم، ولا يكنى عنه بفعلوا».([42])
فمن ذا الذي يكون أعظم من الله جل في علاه ليخاطبه الله بصيغة التعظيم، في الوقت الذي لا يذكر فيه نفسه بالعظمة؟!
وهنا ننقل كلام عالِمَين من أهل السنة يجمع شتات الرد على الإمامية في هذه الآية، مع ذكر فهم أهل السنة المنضبط مع سياق الآيات مع لغة العرب:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية V في رده على الحِلي: «وَقَدْ وَضَعَ بَعْضُ الْكَذَّابِينَ حَدِيثًا مُفْتَرًى أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي عَلِيٍّ لَمَّا تَصَدَّقَ بِخَاتَمِهِ فِي الصَّلَاةِ، وَهَذَا كَذِبٌ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالنَّقْلِ، وَكَذِبُهُ بَيِّنٌ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ:
مِنْهَا: أَنَّ قَوْلَهُ (الَّذِينَ) صِيغَةُ جَمْعٍ، وَعَلِيٌّ وَاحِدٌ.
وَمِنْهَا: أَنَّ (الْوَاوَ) لَيْسَتْ وَاوَ الْحَالِ؛ إِذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَ لَا يَسُوغُ أَنْ يَتَوَلَّى إِلَّا مَنْ أَعْطَى الزَّكَاةَ فِي حَالِ الرُّكُوعِ، فَلَا يَتَوَلَّى سَائِرُ الصَّحَابَةِ وَالْقَرَابَةِ.
وَمِنْهَا: أَنَّ الْمَدْحَ إِنَّمَا يَكُونُ بِعَمَلٍ وَاجِبٍ أَوْ مُسْتَحَبٍّ، وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ فِي نَفْسِ الصَّلَاةِ لَيْسَ وَاجِبًا وَلَا مُسْتَحَبًّا بِاتِّفَاقِ عُلَمَاءِ الْمِلَّةِ، فَإِنَّ فِي الصَّلَاةِ شُغْلًا.
وَمِنْهَا: أَنَّهُ لَوْ كَانَ إِيتَاؤُهَا فِي الصَّلَاةِ حَسَنًا، لَمْ يَكُنْ فَرْقٌ بَينَ حَالِ الرُّكُوعِ وَغَيْرِ حَالِ الرُّكُوعِ، بَلْ إِيتَاؤُهَا فِي الْقِيَامِ وَالْقُعُودِ أَمْكَنُ.
وَمِنْهَا: أَنَّ عَلِيًّا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ زَكَاةٌ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ H.
وَمِنْهَا: أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَيْضًا خَاتَمٌ، وَلَا كَانُوا يَلْبَسُونَ الْخَوَاتِمَ، حَتَّى كَتَبَ النَّبِيُّ H كِتَابًا إِلَى كِسْرَى، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّهُمْ لَا يَقْبَلُونَ كِتَابًا إِلَّا مَخْتُومًا، فَاتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ وَرِقٍ وَنَقَشَ فِيهَا: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ.
وَمِنْهَا: أَنَّ إِيتَاءَ غَيْرِ الْخَاتَمِ فِي الزَّكَاةِ خَيْرٌ مِنْ إِيتَاءِ الْخَاتَمِ، فَإِنَّ أَكْثَرَ الْفُقَهَاءِ يَقُولُونَ: لَا يُجْزِئُ إِخْرَاجُ الْخَاتَمِ فِي الزَّكَاةِ.
وَمِنْهَا: أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ فِيهِ أَنَّهُ أَعْطَاهُ السَّائِلَ، وَالْمَدْحُ فِي الزَّكَاةِ أَنْ يُخْرِجَهَا ابْتِدَاءً وَيُخْرِجَهَا عَلَى الْفَوْرِ، لَا يَنْتَظِرُ أَنْ يَسْأَلَهُ سَائِلٌ.
وَمِنْهَا: أَنَّ الْكَلَامَ فِي سِيَاقِ النَّهْيِ عَنْ مُوَالَاةِ الْكُفَّارِ، وَالْأَمْرِ بِمُوَالَاةِ الْمُؤْمِنِينَ، كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ سِيَاقُ الْكَلَامِ».([43])
وقال العلامة ابن عاشور V: «جُمْلَةُ [ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ] {المائدة:55} إِلَى آخِرِهَا مُتَّصِلَةٌ بِجُمْلَةِ [ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ] {المائدة:51} وَمَا تَفَرَّعَ عَلَيْهَا مِنْ قَوْلِهِ: [ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ] إِلَى قَوْلِهِ: [ﮙ ﮚ] {المائدة:52-53}، وَقَعَتْ جُمْلَةُ: [ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ] {المائدة:54} بَينَ الْآيَاتِ مُعْتَرِضَةً، ثُمَّ اتَّصَلَ الْكَلَامُ بِجُمْلَةِ: [ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ] {المائدة:55} فَمَوْقِعُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ مَوْقِعُ التَّعْلِيلِ لِلنَّهْيِ؛ لِأَنَّ وَلَايَتَهُمْ لِلهِ وَرَسُولِهِ مُقَرَّرَةٌ عِنْدَهُمْ، فَمَنْ كَانَ اللهُ وَلِيَّهُ لَا يَكُونُ أَعْدَاءُ اللهِ أَوْلِيَاءَهُ.
وَتُفِيدُ هَذِهِ الْجُمْلَةُ تَأْكِيدًا لِلنَّهْيِ عَنْ وَلَايَةِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَفِيهِ تَنْوِيهٌ بِالْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّهُمْ أَوْلِيَاءُ اللهِ وَرَسُولِهِ بِطَرِيقَةِ تَأْكِيدِ النَّفْيِ أَوِ النَّهْيِ بِالْأَمْرِ بِضِدِّهِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: [ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ] {المائدة:55} يَتَضَمَّنُ أَمْرًا بِتَقْرِيرِ هَذِهِ الْوَلَايَةِ وَدَوَامِهَا، فَهُوَ خَبَرٌ مُسْتَعْمَلٌ فِي مَعنَى الْأَمْرِ، وَالْقَصْرُ الْمُسْتَفَادُ مِنْ [ﯥ] قَصْرُ صِفَةٍ عَلَى مَوْصُوفٍ قَصْرًا حَقِيقِيًّا.
وَمَعنَى كَوْنِ الَّذِينَ آمَنُوا أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: [ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ] {التوبة:71}، وَإِجْرَاءُ صِفَتَيْ [ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ] {المائدة:55} عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا لِلثَّنَاءِ عَلَيْهِمْ، وَكَذَلِكَ جُمْلَةُ: [ﯰ ﯱ] وَقَوْلُهُ: [ﯰ ﯱ] مَعْطُوف على الصّفة، وَظَاهِرُ مَعنَى هَذِهِ الْجُمْلَةِ أَنَّهَا عَيْنُ مَعنَى قَوْلِهِ: [ﯬ ﯭ]؛ إِذِ الْمُرَادُ بِـ [ﯱ] مُصَلُّونَ لَا آتُونَ بِالْجُزْءِ مِنَ الصَّلَاةِ الْمُسَمَّى بِالرُّكُوعِ، فَوُجِّهَ هَذَا الْعَطْفُ: إِمَّا بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالرُّكُوعِ رُكُوعُ النَّوَافِلِ، أَيِ: الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ الْمَفْرُوضَةَ وَيَتَقَرَّبُونَ بِالنَّوَافِلِ، وَإِمَّا الْمُرَادُ بِهِ مَا تَدُلُّ عَلَيْهِ الْجُمْلَةُ الِاسْمِيَّةُ مِنَ الدَّوَامِ وَالثَّبَاتِ، أَيِ الَّذِينَ يُدِيمُونَ إِقَامَةَ الصَّلَاةِ، وَعَقَّبَهُ بِأَنَّهُمْ يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ مُبَادَرَةً بِالتَّنْوِيهِ بِالزَّكَاةِ، كَمَا هُوَ دَأْبُ الْقُرْآنِ، وَهُوَ الَّذِي اسْتَنْبَطَهُ أَبُو بَكْرٍ I؛ إِذْ قَالَ: «لَأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَينَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ»، ثُمَّ أَثنَى اللهُ عَلَيْهِمْ بِأَنَّهُمْ لَا يَتَخَلَّفُونَ عَنْ أَدَاءِ الصَّلَاةِ، فَالْوَاوُ عَاطِفَةُ صِفَةٍ عَلَى صِفَةٍ، وَيَجُوزُ أَنْ تُجْعَلَ الْجُمْلَةُ حَالًا، وَيُرَادُ بِالرُّكُوعِ الْخُشُوعُ».([44])
_ _ _
([1]) «رسائل المرتضى» (2/264).
([2]) «أوائل المقالات» (ص38).
([4]) «تفسير أمومة الولاية والمحكمات للقرآن الكريم» محمد السند (ص282).
([5]) «إعلام الورى» (1/324).
([6]) «بحوث معاصرة في الساحة الدولية» (ص263).
([7]) «رسائل ومقالات» جعفر السبحاني (ص400).
([9]) «الكافي» (1/289). وقال المجلسي في مرآة العقول: «حسن» (3/250).
([10]) «آية الولاية» الميلاني (ص 7).
([11]) «تفسير الميزان» الطباطبائي (5/370).
([12]) «علوم القرآن» (ص42).
([13]) «التذكرة بأصول الفقه» المفيد (ص33).
([14]) المصدر السابق (ص 39- 40).
([15]) «تاج العروس» الزبيدي (40/245- 246).
([16]) «آية الولاية» علي الميلاني (ص21- 22).
([17]) «دروس في علم الأصول» محمد باقر الصدر (1/193).
([18]) «الوافية في أصول الفقه» التوني (ص138).
([19]) «مبادئ الأصول» الحلي (ص93).
([20]) المصدر السابق (ص70).
([21]) يقول الدكتور ناصر القفاري: «وقوله: إنها مذكورة في «الصحاح الستة» كذب؛ إذ لا وجود لهذه الرواية في الكتب الستة» «أصول مذهب الشيعة الإمامية الاثني عشرية ـ عرض ونقد» (2/679).
([22]) «تفسير ابن كثير» (3/139).
([23]) «منهاج السنة النبوية» (7/11).
([24]) «تفسير ابن جرير» (10/ 424).
([25]) «مشرعة بحار الأنوار» محمد آصف محسني (2/85).
([26]) «تلامذة العلامة المجلسي والمجازون منه» أحمد الحسيني (33/15).
([27]) «بحار الأنوار» (37/128).
([28]) «تفسير الصافي» (2/46).
([29]) «البرهان» (1/484)، «البحار» (35/187- 196).
([30]) «البحار» (35/203)، «سعد السعود» (97).
([31]) «تفسير فرات» (1/128).
([32]) «البحار» (35/190).
([33]) «البرهان» (1/480، 483، 484، 489)، «البحار» (35/188) (37/156)، «العياشي» (1/360)، «الكافي» (1/289).
([34]) «تفسير فرات» (1/125، 126).
([35]) «الإمامة والنص» (1/390).
([36]) «التبيان» (3/561).
([37]) «الكافي» الكليني (2/12)
([38]) «مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول» المجلسي (3/250).
([39]) «لمن الولاية العظمى» مرتضى الحسيني الشيرازي (1/8).
([40]) «ثلاث رسائل، «ولاية الفقيه» مصطفى الخميني (ص21- 22).
([41]) «قرب الإسناد» (ص203).
([42]) «الذريعة» المرتضى (1/231).
([43]) «منهاج السنة النبوية» ابن تيمية (2/30- 32).
([44]) «التحرير والتنوير» الطاهر بن عاشور (6/240).