مِنْ تدليس علماء الإمامية زعمُهم أن هذه الآية المسماة آية التطهير نزلت مستقلة عما قبلها، فقال الطباطبائي: «فإن قيل: هذا مدفوع بنص الكتاب على شمولها لهن، كوقوع الآية في سياق خطابهن، قلنا: إنما الشأن كل الشأن في اتصال الآية بما قبلها من الآيات، فهذه الأحاديث على كثرتها البالغة ناصَّة في نزول الآية وحْدَهَا، ولم يرِدْ حتى في رواية واحدة نزول هذه الآية في ضمن آيات نساء النبي ولا ذكره أحد».([1])
واستدلوا على زعمهم، بقول أم سلمة J: «في بيتي نزلت هذه الآية...»:
قال الإربلي: «فإِنْ سأل سائل فقال: إنما أنزلت هذه في أزواج النبي صلى الله عليه وآله؛ لأن قبلها (يا نساء النبيِّ)، فقل: ذلك غلط رواية ودراية، أما الرواية فحديث أم سلمة، وفي بيتها نزلت هذه الآية».([2])
قول الراوي: «نزلت هذه الآية» لا يعني هذا بحال أن ما سوف يتلوه بعد هذه العبارة آية مستقلة ولا كاملة، وهذا له شواهد كثيرة في كتب السنة:
مثاله: ما أخرجه البخاري في صحيحه عن عائشة J قالت: «نزلت هذه الآية: [ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ] في الدعاء»([3]) والآية تقول: [ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ] {الإسراء:110}.
فهل يُقال: إن ما قالته أم المؤمنين عائشة هو آية مستقلة؟! الجواب: لا، إنما هو جزء من الآية، ولا يُفهم من قولها أن الآية قد نزلت مستقلة عن غيرها من الآيات.
الوجه الثاني: ترتيب الآيات توقيفي وليس اجتهاديًّا.
اعترف علماء الإمامية أن ترتيب الآيات توقيفي، وهذا يبطل القول باستقلالية ما يسمى بآية التطهير عما قبلها:
قال مير محمدي زرندي: «فقد ظهر من كل ما تقدم أن الألفاظ القرآنية وترتيبها كان من الله D، لا من النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا من جبرائيل، وهذا مما دلت عليه الآيات الكثيرة والروايات المعتبرة»([4]).
سياق الآيات القرآنية دالٌّ على أن المخاطب أصالة هنَّ نساء النبيِّ H، ومما يدلُّ على قوة السياق، أن بعض علماء الإمامية لم يجد مخرجًا سوى ادِّعاء تحريف الترتيب والنظم، وأن الآية ليست في مكانها، وإنما أُقحمت في هذا الموضع إقحامًا، طَمْسًا لهذه الفضيلة عن أهل البيت -حسب زعمهم-، قال المجلسي: «فلعل آية التطهير أيضًا وضعوها في موضع زعموا أنها تناسبه، أو أدخلوها في سياق مخاطبة الزوجات لبعض مصالحهم الدنيوية، وقد ظهر من الأخبار عدم ارتباطها بقصتهن، فالاعتماد في هذا الباب على النظم والترتيب ظاهر البطلان».([5])
ويقول البحراني: «وليس بالبعيد أن هذه القراءة كغيرها من المحدثات في القرآن العزيز؛ لثبوت التغيير والتبديل فيه عندنا زيادةً ونقصانًا، وإن كان بعض أصحابنا ادعى الإجماع على نفي الأول، إلا أن في أخبارنا ما يردُّه... ويقرب بالبال -كما ذكره أيضًا بعض علمائنا الأبدال- إن توسيط آية [ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ] {الأحزاب:33} الآية، في خطاب الأزواج من ذلك القبيل».([6])
فلو لم يكنِ السياقُ واضحَ الدلالة بأن المراد في الخطاب الزوجات، فلماذا طعن المجلسي والبحراني في ترتيب الآيات، ووضع الآية في غير مكانها المناسب؟!
ومما يدلُّ على أن المرادَ بالآية أصالةً هنَّ أزواج النبي H أن لفظ (أَهْل) يطلق على الزوجة لغةً وشرعًا.
فمن جهة اللغة قال ابن منظور: «وأَهْلُ الرَّجُلِ وأَهلته: زَوْجُه، وأَهَلَ الرجلُ يَأْهِلُ ويَأْهُلُ أَهْلًا وأُهُولًا، وتَأَهَّلَ: تَزَوَّج. وأَهَلَ فُلَانٌ امرأَة يَأْهُلُ إِذا تَزَوَّجَهَا، فَهِيَ مَأْهُولَة. والتَأَهُّلُ: التَّزَوُّجُ».([7])
وأما شرعًا فقد جاء الاستعمال والإطلاق -الأهل تعني الزوجة أصالة- في كتاب الله وسنة رسوله H.
أما القرآنُ فمنْه قوله تعالى: [ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ] {هود:73} والمراد بها سارة زوج إبراهيم S بلا خلاف ولا إشكال.
وهذا الاستعمال أقره علماء الإمامية، قال البحراني: «المراد من لفظ الأهل في الأخبار إنما هو الزوجة، ويؤيد ذلك ما في كتاب المصباح المنير قال: وَأهَلَ الرجل يأهل أهولًا إذا تزوج، وتأهل كذلك فيطلق الأهل على الزوجة».([8])
وقال الگلپايگاني: «لأنا نقول: إن المراد بالأهل هنا ليس هو العائلة والأقرباء، بل المراد هو الزوجة».([9])
أما استدلال الشيعة بحديث الكِساء على أن الآية خاصة بالخمسة ومحصورة فيهم فهو استدلال باطل، يقول جعفر مرتضى العاملي: «ولو سلمنا اختصاص الآية بالزوجات فمعنى ذلك أن يكون تصريح النبي H في حديث الكساء باختصاص الآية بأهل الكساء غير سديد، فكيف ونحن نجده H يصرُّ في أكثر من مرة -على الظاهر- على خروج نسائه عن مفاد الآية الشريفة؟!».([10])
وهذا الفهم لحديث الكساء سَقِيمٌ، وبيان سقمه ما رواه الإمام مسلم في صحيحه عن أم المؤمنين عائشة J أنها قالت: «خرج النبي H غداةً وعليه مِرْطٌ مُرَحَّلٌ من شَعر أسود، فجاء الحسن بن علي فأدخله، ثم جاء الحسين فدخل معه، ثم جاءت فاطمة فأدخلها، ثم جاء علي فأدخله، ثم قال: [ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ] {الأحزاب:33}».([11])
أي: أن النبي H قرأ هذه الآية عليهم لا أنها نزلت فيهم خاصة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «مضمون هذا الحديث: أن النبي H دعا الله لهم بأن يذهب عنهم الرجس ويطهرهم تطهيرًا، وغاية ذلك أن يكون دعا لهم بأن يكونوا من المتقين الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم، واجتناب الرجس واجب على المؤمنين».([12])
وإن سلَّمنا جدلًا وتنزلًا أن الآية خاصة بالخمسة أصحاب الكساء، فكيف دخل التسعة الباقون من أولاد الحسين في دلالة الآية؟
فإن لم يدخلوا بها سقط الاستدلال بالآية على عصمة الأئمة جميعًا، وإن أدخلوهم بغيرها دلَّ هذا على أن حديث الكساء ليس حصرًا.
خامسًا: معنى الإرادة في الآية يُبطل العصمة.
فالإرادة الواردة في الآية إما أن يُقال إنها إرادة كونية أو إرادة شرعية.
فالقول بالإرادة الكونية في الآية يلزمه الجبر.
ويذهب كثير من علماء الشيعة إلى أن الإرادة في الآية كونيَّة، وهذا باطل جزمًا، فلو قلنا بهذا فلا يكون لأهل البيت مزيةٌ ولا فضيلةٌ؛ إذ يلزم منه أنهم مجبورون على العصمة، ولا يدَ لهم فيها.
قال جعفر مرتضى العاملي: «أما لو كانت الإرادة تكوينية وقد تعلقت بإذهاب الرجس عنهم؛ فإنها لا تدل على عظيم فضلهم عنده؛ إذ لو فرضنا أن إرادة التكوين قد تعلقت بخلق شيء بعينه؛ فإن ذلك لا يدل على عظمة ذلك المخلوق.... بل قد يقال: لو كانت الإرادة في الآيةِ تكوينيةً تتعلق بإزالة الرجس عنهم؛ فإن ذلك قد يكون على العجز والضعف أدل؛ لدلالتها على الحاجة إلى التدخل الإلهي للمساعدة، وهذا التدخل كما يمكن أن يكون للتكريم، كذلك يمكن أن يكون لظهور الحاجة والضعف».([13])
والصَّحيحُ أن الإرادةَ في الآية شرعيةٌ لا كونية.
يقول العاملي: «وقد اتضح مما تقدم: أن الإرادة الملحوظة في الآيات لم تتعلق بإزالة الرجس مباشرة لكي تكون إرادة كونية، بل هي إرادة شرعية تعلقت بأوامر وزواجر موجهة إلى زوجات الرسول الأكرم H، وهي إرادة منبثقة عن إرادة أخرى -سيأتي الحديث عنها إن شاء الله- تعلقت بإذهاب الرجس عن أهل البيت، وتطهيرهم إلى درجة العصمة، والإرادة الأُولى دلت عليها الآية صراحة، أما الإرادة الثانية فقد دُلَّ عليها بمفهوم الموافقة، والأولوية القطعية.
الإرادة الشرعية أَوْلى وأَدَل: ولا شك أن الإرادة الشرعية أشد وَآكد، وأكثر رسوخًا وجديةً من إرادة التكوين، في دلالتها على عظيم فضل أهل البيت Q، وذلك لأن الله سبحانه وهو في مقام جلاله وعزته يهتم بألا يلحق بيت النبوة -لا العشيرة ولا بيت السكنى- وهم الخمسةُ أصحابُ الكساء أدنى شيء يوجب حزازة وإساءة إليهم، ولو من طرْف خفي، ولو بالانتساب المجازي إليهم، بل هو يضع أحكامًا إلزاميةً يُلزم بها أناسًا آخرين ليسوا منهم، ولو لهم بهم عَلاقة عَرَضية بسبب مصاهرة توجِب الاختلاط بهم، فيأمر أولئك الأغيار وينهاهم ثم يعاقبهم على مخالفة أوامره وزواجره، فذلك يكشف عن درجة الاهتمام بأولئك الناس الذين يريد الحفاظ عليهم.
أما لو كانت الإرادة تكوينية وتعلقت بإذهاب الرجس عنهم؛ فإنها لا تدل على عَظيم فضلهم عنده؛ إذ لو فرضنا أن إرادة التكوين قد تعلقت بخلق شيء بعينه؛ فإن ذلك لا يدل على عظمة ذلك المخلوق.
وإرادة خلق الذباب لا تدل على عظمة الذباب، بل تدل على الحاجة إليه، كما أن حاجتنا إلى سائق سيارة لا تدل على عظمة ذلك السائق ولا على قداسته، نعم قد يكون لذلك السائق قداسته لأسباب أخرى غير مجرد كونه سائقًا».([14])
وذهب بعض علماء الإمامية إلى أن الإرادة في الآية لا تكوينية ولا تشريعية، واخترع قسمًا ثالثًا جديدًا ولم يدر ما يسميها به فجعلها معنىً!
قال كاظم الحائري: «وقد يُستشهد لما أفاده أستاذنا الشهيد، من أنَّ الإرادة هنا ليست تشريعيَّة ولا تكوينيَّة، بل هي بالمعنى الثالث الذي شرحناه، بأنَّه لو أريدت بها الإرادة التكوينيَّة لزم الجبر وهو باطل»([15])، وهذا الاختراع محاولة منه للفرار من لوازم القول بالإرادة التكوينية في الآية.
استدلت الشيعة بتغير الضَّمير في الآية وكونه دلالة على تغيُّر المخاطب، قال الطوسي: «لو كانت الآية فيهنَّ خاصةً لَكَنَّى عنهن بكنايَةِ المؤنث، كما فعل في جميع ما تقدم من الآيات نحو قوله: [ﭶ ﭷ ﭸ] [ﭹ ﭺ] [ﮃ ﮄ] [ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ] فذكر جميع ذلك بكناية المؤنث، فكان يجب أن يقول: إنما يريد الله ليذهب عنكنَّ الرجس أهل البيت ويطهركن، فلما كنا بكناية المذكر دل على أن النساء لا مدخل لهن فيها».([16])
وما ذلك إلا لجهل القوم بلغة العرب، فكتاب الله D وهو أفصح الكلام لم يذكر الأهل إلا مذكرًا، وإن دلت على النَّساء.
قال الله تعالى في شأن زوج إبراهيم S: [ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ] {هود:73}، وقال الله D عن موسى وخطابه لأهله: [ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ] {طه:10}، وقال تعالى: [ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ] {النمل:7}، وقال تعالى: [ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ] {القصص:29}، والآيات موجهة إلى زوج موسى S.
ومخاطبةُ المرأة بصيغة المذكر جائزةٌ في اللغة، وبه أقر علماء الإمامية، قال الطريحي: «نقل بعض شراح المغني أنه قد تُخَاطَبُ المرأة الواحدة بخطاب الجماعة الذكور، يقول الرجل عن أهله: فعلوا كذا؛ مبالغةً في شرها، وقد يكون ذلك للتعظيم».([17])
سابعًا: معنى الرجس ينقض العصمة.
جاء في كتب الإمامية تفسير الرجس الوارد في الآية بالشك أو الشرك، وهذا المعنى لا يثبت العصمةَ المطلقةَ التي يدعيها القوم في الأئمة، بل ينفيها.
روى الكليني بسنده عن زرارة، عن أبي جعفر S قال: «سمعته يقول: إن الله D لا يوصف، وكيف يوصف، وقال في كتابه: [ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ] فلا يوصف بقدر إلا كان أعظم من ذلك، وإن النبي صلى الله عليه وآله لا يوصف، وكيف يوصف عبدٌ احتجب الله D بسبع، وجعل طاعته في الأرض كطاعته في السماء فقال: [ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ] {الحشر:7} ومن أطاع هذا فقد أطاعني ومن عصاه فقد عصاني، وفوض إليه؟ وإنا لا نوصف، وكيف يوصف قوم رفع الله عنهم الرجس، وهو الشك؟».([18])
لكن تفسير الإمام -كما في الخبر- لَمَّا كان مصادمًا لما يدعيه مراجع الرافضة لم يقبلوه، بل قالوا: إن هذا التفسير مخالف لظاهر القرآن!
قال السبحاني: «وقد اتَّضح من هذا البيان أنَّه لا أساس لنظرية بعض المفسِّرين الذين ذهبوا إلى أنَّ المراد من (الرِّجْس) المنفي في الآية هو الشرك أو الذنوب الكبيرة؛ لأنَّ هذا التفسير ينافي ظاهر الآية، وذلك لأنَّ الرجس ليس معناه الشرك أو الذنوب الكبيرة، بل للرجس معنًى أوسعُ وأشملُ».([19])
ونحن سنسلم للسبحاني وسنرد معنى الرجس أنه الشك، ونقول كقوله: إن الرجس له معنى أوسع وأشمل، فهل سيقولون: إن منها النجاسة كما قال المرتضى؟!
قال الشريف المرتضى في «الانتصار في انفرادات الإمامية»([20]): «ودللنا على نجاسة المني بقوله تعالى: [ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ] {الأنفال:11} وروي في التفسير أنه جل ثناؤه أراد بذلك أثر الاحتلام، والآية دالة من وجهين على نجاسة المني:
أحدهما: يوجب أن الرجز والرجس والنجس بمعنًى واحدٍ، بدلالة قوله جل ثناؤه: [ﯙ ﯚ ﯛ ] {المدثر:5} وأراد عبادة الأوثان، وفي موضع آخر: [ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ] {الحج:30}.
والوجه الثاني: أنه تعالى أطلق عليه اسم التطهير، والتطهير لا يطلق في الشرع إلا لإزالة النجاسة أو غسل الأعضاء الأربعة».
وقال: «فأما الخبر الذي تضمن أنها رجس فالرجس والرجز والنجس واحد في الشريعة».([21])
أم سيقولون: إن معناه الخبث والنجاسة والحرام كقول الطوسي: «ثم قال: [ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ] {المائدة:90} فسماها رجسًا، والرجس الخبيث، والرجس النجس والحرام»؟([22])
فصح -بناء على هذا- أن يُقال: إنه بمجرد وقوع المرجع الشيعي في الخطأ والسهو والنسيان أن يقال عنه: إنه نجس خبيث.
فإنه إذا قالت الإمامية: إن نفي كلمة (الرجس) تعني العصمة المطلقة، حتى من الخطأ والنسيان، لزم أن يخرجوا لنا من لغة العرب شمول تلك اللفظة لكل تلك المعاني من ناحية اللغة، فإذا نسي الإنسان صح أن تقول عنه العرب: هذا وقع في الرجس أو أن عليه رجسًا، وقل مثل ذلك في السهو والنسيان، ويلزم من هذا أن المراجع والفقهاء وعلماء الشيعة كلهم يقعون في الرجس بمجرد الخطأ والسهو والنسيان، فيكون كل مراجع الشيعة أرجاسًا أنجاسًا خبثاء كما قرروا هم في معنى كلمة (الرجس).
ثامنًا: استحالة عصمة الأئمة مع الاعتقاد بعدم خلق أفعال العباد.
نقول: إن عصمة الأئمة محال وقوعها عند الشيعة الإمامية؛ لعقيدتهم في خلق أفعال العباد، وأن الله تعالى لا يتدخل في أفعال عباده؛ لأنهم خالقون لأفعالهم.
قال الحر العاملي في كتابه «الفصول المهمة»: «أقول: مذهب الإمامية والمعتزلة أن أفعال العباد صادرة عنهم، وهم خالقون لها».([23])
وقال نصير الدين الطوسي: «إنَّ الإنسان هو الذي يخلق أفعاله بالقدرة التي منحها الله تعالى له، والضرورة قاضية بإسناد الأفعال إلينا».([24])
وفي الرسائل: «[أفعال العباد غير مخلوقة]: سئل الشريف (أحسن الله توفيقه) فقال: ما القول في أفعال العباد، هل هي مخلوقة أم لا؟ وما معنى قول الصادق S: أفعال العباد مخلوقة خلق تقدير لا خلق تكوين، أمر بين أمرين لا جبر ولا تفويض؟
الجواب وبالله التوفيق: أما أفعال العباد فليست مخلوقة لله D، وكيف تكون خلقًا له وهي مضافة إلى العباد إضافة الفعلية؟ ولو كانت مخلوقة لكانت من فعله، ولو كانت فعلًا له لما توجه الذم والمدح على قبحها وحسنها إلى العباد».([25])
كل هذه النقولات تثبت أن الإرادة التكوينية لا يمكن أن تتعلق بأفعال العباد، سواء كانت خيرًا أو شرًّا، والعصمة إنما تتعلق بأفعال المعصوم خيرًا بالفعل أو شرًّا بالمنع، وعقيدة الشيعة تأبى كل ذلك، فاستحالت العصمة لأحد من البشر بناء على هذه العقيدة، والحمد لله رب العالمين.
1. إذا كانت آية العصمة المزعومة قد نزلت في بعض آل البيت الذين تزعم الإمامية إمامتهم! فلماذا يدعو رسول الله H ويقول: اللهم هؤلاء أهل بيتي، فأذهب عنهم الرجس وطهرهم؟
2. قال تعالى: [ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ] {الأنفال:11} فهل سيقولون: إنَّ التطهير كان في هذه الآية للصحابة كما سبق في آية التطهير، وعندها ستثبت الإمامية العصمة لعموم الصحابة كما أثبتته للأئمة؟
3. هل يعقل أن يخاطب الله D عليًّا أو الحسن أو الحسين فيقول: [ﭶ ﭷ ﭸ ]، أو يقول لهم: [ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ]، أو يقول: [ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ]...؟!
وآية التطهير جزء من آية وليست آيةً مستقلةً، وقد وردت في سيـاق سبع آيات كلهـا في نساء النبي، أولها: [ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ] واستمر السياق يخاطب زوجات النبي إلى أن قال تعالى: [ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ] [الأحزاب: 28-33] كيف يقتطع جزء من آية تخاطب زوجات النبي والآية ضمن آيات تخاطبهن ويزعم أنَّها لا تخاطبهن؟!
4. إذا زعمت الإمامية أنَّ قوله: «يريد» في آية «التطهير» قد وقع مرادها سألناهم: هل قوله تعالى: «يريد» وقع في هذه الآية أم في كل آية من آيات القرآن؟!
فإن قالوا: في هذه الآية فقط سألناهم: ما الدليل على ما تقولون؟ فليس هناك دليل على قصر هذه الدلالة على الكلمة في مكانٍ ونفيها عنها في مكانٍ آخر، ثمَّ نقول: قال تعالى خطابًا للصحابة: [ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ] {النساء: 26-27} وقال تعالى: [ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ] {المائدة:6}.
فهذه الآيات فيها خطاب للصحابة أنَّ الله أخبرهم أنَّه يريد: (أن يتوب عليكم)، وأنَّه: (يريد ليطهركم)، فما الفرق بين الإرادة هنا والإرادة في قوله تعالى: [ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ...] {الأحزاب:33}؟ فإن كانت في التطهير فقد وقعت للصحابة كذلك؛ إذ لا فرق بينهما، وإن لم تقع هناك فهي لم تقع هنا.
5. الحديث يقرِّرُ أنَّ الآية نزلت قبل دعاء النبي H، فلو كانت الآيةُ تخبر عن حصولِ ارتفـاع الـرجس والتطهير، فكيف يدعو النبي بعد أن أخبره الله حسب زعمكم، فيقول: (اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرًا)؟!
وإن قلتم: إنها من باب الخبر في صورة الطلب لزمكم أن تقولوا: إن النبي H كان يخبر ربه تبارك وتعالى بمن لم يعلمهم في الآية، فهو سبحانه قضى بتطهير من لا يعلم، والنبي S أعلمه إياهم بعد ذلك بحديث الكساء!
_ _ _
([1]) «الميزان في تفسير القرآن» الطباطبائي (16/311).
([2]) «كشف الغمة» ابن أبي الفتح الإربلي (1/47).
([3]) «صحيح البخاري» باب: قوله تعالى: [ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ...] {الملك:13} (6/2737) برقم (7526).
([4]) «بحوث في تاريخ القرآن» مير محمدي زرندي (ص91).
([5]) «بحار الأنوار» المجلسي (35/234).
([6]) «الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة» يوسف البحراني (2/289- 290).
([7]) «لسان العرب» ابن منظور (11/30).
([8]) «الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة» يوسف البحراني (23/155).
([9]) «الدر المنضود» محمد رضا الگلپايگاني (1/325).
([10]) «أهل البيت (ع) في آية التطهير» جعفر مرتضى العاملي (ص113).
([11]) «صحيح مسلم» باب: فضائل أهل بيت النبي H (4/1883) برقم (2081).
([12]) «منهاج السنة النبوية» ابن تيمية (5/14).
([13]) «الصحيح من سيرة الإمام علي S» جعفر مرتضى العاملي (8/154).
([14]) «أهل البيت (ع) في آية التطهير» جعفر مرتضى العاملي (ص7576).
([15]) «الإمامة وقيادة المجتمع» کاظم الحائري (ص91).
([16]) «التبيان في تفسير القرآن» الطوسي (8/340).
([17]) «مجمع البحرين» فخر الدين الطريحي (4/218).
([18]) «الكافي» الكليني (2/182)، ط. الإسلامية.
([19]) «الفكر الخالد في بيان العقائد» جعفر السبحاني (1/398).
([20]) «الانتصار في انفرادات الإمامية» (ص96- 97).
([21]) المصدر السابق (ص412).
([23]) «الفصول المهمة» (1/257).
([24]) «تجريد الاعتقاد» (ص199).
([25]) في «رسائل المرتضى» (1/135).