فالدليل الذي يستدل به الشيعة صَار استدلالًا بالرواية لا بنص الكتاب كما يحاول الشيعةُ تصديرَه، فليس في نص الآية ذكر لعلي بن أبي طالب ولا لإمامة أحد، إنما هو خطاب واضح للنبي H، وتقريره أن الله جَعَل لكل قوم هاديًا، وبذلك يخرج هذا النص من كونه محكمًا إلى كونه متشابهًا لاحتماله التأويل، والإمامية لا تعتمد –كما قرر علماؤها- في إثبات الإمامة إلا على النص الجلي لا الخفي، وهذا أقل أحواله أن يقال فيه: إنه دليل متشابه لا محكم، ومعلوم أنكم ألزمتم أنفسكم بالنص الجلي على الإمامة، كما قال الشريف المرتضى: «الإمامية: الذاهبون إلى النص الجلي على إمامة اثني عشر إمامًا من أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله».([1])
والنص الجلي لا يحتاج إلى بيان، كما يقول الطوسي شيخ الطائفة: «المحكم في القرآن: هو ما علم ظاهره بغير قرينة تقترن إليه، ولا دلالة تدل على المراد به لوضوحه، والمتشابه: هو ما لا يعلم المراد به حتى يقترن به ما يدل على المراد به».([2])
إذا جاز للشيعة الاستدلال بمثل هذا العموم جاز إذًا لأتباع كل ملة وطائفة القول بأن متبوعهم هو ذلك الهادي المقصود في الآية، فليست دعوى الإمامية بأولى في القبول من دعوى غيرهم؛ إذ النص ليس فيه ما ذهبوا إليه.
الرواية التي استدل بها الزنجانيُّ لا تصحُّ، وقد بيَّن ضعفَها أهلُ العلم في مواضعَ كثيرةٍ، وحكم عليها علماء كثيرون بالنكارة، كالذهبي، -وأقره ابن حجر- وابن كثير، والشوكاني([3])، بل هي موضوعة كما قال الشيخ الألباني: «حديث: «أنا المنذر، وعلي الهادي، بك يا علي يهتدي المهتدون [بعدي]([4])»([5]) إذًا فحتى الدليل الروائي الذي اعتمدوا عليه ساقط، وبذلك يسقط ما بُني عليه بالتبعية.
احتج بعض الإمامية بتحسين الحافظ ابن حجر لسند الرواية، وهذا فاسد.
قال الحافظ ابن حجر V: «وَالْمُسْتَغْرَبُ مَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ بِإِسنَادٍ حَسَنٍ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابن عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ وَضَعَ رَسُولُ اللهِ H يَدَهُ عَلَى صَدْرِهِ وَقَالَ: أَنَا الْمُنْذِرُ، وَأَوْمَأَ إِلَى عَلِيٍّ وَقَالَ: أَنْتَ الْهَادِي، بِكَ يَهْتَدِي الْمُهْتَدُونَ بَعْدِي، فَإِنْ ثَبَتَ هَذَا فَالْمُرَادُ بِالْقَوْمِ أَخَصُّ مِنَ الَّذِي قَبْلَهُ أَيْ بَنِي هَاشِمٍ مَثَلًا. وَأخرجَ ابنُ أَبِي حَاتِمٍ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ فِي (زِيَادَاتِ الْمُسنَدِ) وابن مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ السُّدِّيِّ عَنْ عَبْدِ خَيْرٍ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: الْهَادِي رَجُلٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ، قَالَ بَعْضُ رُوَاتِهِ: هُوَ عَلِيٌّ، وَكَأَنَّهُ أَخَذَهُ مِنَ الْحَدِيثِ الَّذِي قَبْلَهُ، وَفِي إِسنَادِ كُلٍّ مِنْهُمَا بَعْضُ الشِّيعَةِ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ ثَابِتًا مَا تَخَالَفَتْ رُوَاتُهُ».([6])
فقد صَدَّرَ الحافظُ ابن حجر كلامه مستغرِبًا ما أخرجه الطبري بسند حسن، ثم استبعد ذلك بقوله: «فإن ثبت» ومن المعلوم أن هذه الصيغة تفيد التشكيك بالثبوت، ثم أنهى كلامه بقوله: «ولو كان ثابتًا ما تخالفت رواته».
فنقول: كلام الحافظ محمول على تحسين الإسناد، ومن المعروف أن تحسين الإسناد وَحده لا يفيد صحة الخبر، بل يُفهم منه إعلاله؛ لعدم توفر الشروط الأخرى للثبوت كالسلامة من الشذوذ والعلة، ولهذا نجد العبارات التي ذكرها الحافظ V تدل دلالة واضحة على عدم اعتبار الرواية.
قال الحافظ أبو عمرو بن الصلاح: «قَوْلُهُمْ: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسنَادِ، أَوْ حَسَنُ الْإِسنَادِ» دُونَ قَوْلِهِمْ: «هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَوْ حَدِيثٌ حَسَنٌ»؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُقَالُ: «هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسنَادِ» وَلَا يَصِحُّ؛ لِكَوْنِهِ شَاذًّا أَوْ مُعَلَّلًا، غَيْرَ أَنَّ الْمُصَنَّفَ الْمُعْتَمَدَ مِنْهُمْ إِذَا اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ: إِنَّهُ صَحِيحُ الْإِسنَادِ، وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُ عِلَّةً، وَلَمْ يَقْدَحْ فِيهِ، فَالظَّاهِرُ مِنْهُ الْحُكْمُ لَهُ بِأَنَّهُ صَحِيحٌ فِي نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْعِلَّةِ وَالْقَادِحِ هُوَ الْأَصْلُ وَالظَّاهِرُ، وَاللهُ أَعْلَمُ».([7])
ثم وجدنا أن الحافظ ذكر الرواية في «اللسان»، ونقل رَدَّ الذهبي لها، ووافقه على حكمه، فقال: «وقال ابن الأعرابي: حدثنا الفضل ابن يوسف الجعفي، ثنا الحسن بن الحسين الأنصاري في مسجد حبة العرني، ثنا معاذ بن مسلم، عن عطاء بن السائب، عن سعيد، عن ابن عباس: [ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ] {الرعد:7} قال النبي H: «أنا المنذر، وعلي الهادي، بك يا علي يهتدي المهتدون» رواه ابن جرير في تفسيره عن أحمد بن يحيى، عن الحسن، عن معاذ، ومعاذٌ نكرةٌ، فلعل الآفة منه».([8])
والتأويل الصحيح للآية الموافق للتنزيل الحكيم ذكره العلامة القرآني محمد الأمين الشنقيطي: «أَظْهَرُ الْأَقْوَالِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَوْمِ الْأُمَّةُ، وَالْمُرَادَ بِالْهَادِي الرَّسُولُ، كَمَا يَدُلُّ لَهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: [ﮏ ﮐ ﮑ] {يونس:47}، وَقَوْلُهُ: [ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ] {فاطر:24}، وَقَوْلُهُ: [ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ] {النحل:36}».([9])
واعتُرِضَ عليه بأن «القوم» أخصُّ من «الأمة» فقال: «وَكَثِيرًا مَا يُطْلَقُ فِي الْقُرْآنِ اسْمُ الْقَوْمِ عَلَى الْأُمَّةِ، كَقَوْلِهِ: [ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ] {هود:25}، وَقَوْلِهِ: [ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ] {الأعراف:65}، وَقَوْلِهِ: [ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ] {الأعراف:73}، وَنَحْوِ ذَلِكَ.
وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ: فَالْمُرَادُ بِالْقَوْمِ فِي قَوْلِهِ: [ﭶ ﭷ ﭸ] أَعَمُّ مِنْ مُطْلَقِ مَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْقَوْمِ لُغَةً، وَمِمَّا يُوَضِّحُ ذَلِكَ حَدِيثُ مُعَاوِيَةَ بْنِ حَيْدَةَ الْقُشَيْرِيِّ I فِي السُّنَنِ وَالْمَسَانِيدِ: «أَنْتُمْ تُوَفُّونَ سَبْعِينَ أُمَّةً» الْحَدِيثَ.
وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْقَوْمِ لُغَةً أَكْثَرُ مِنْ سَبْعِينَ بِأَضْعَافٍ، وَحَاصِلُ هَذَا الْوَجْهِ الرَّابِعِ أَنَّ الْآيَةَ كَقَوْلِهِ: [ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ] {فاطر:24}، وَقَوْلِهِ: [ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ] {يونس:47}، وَهَذَا لَا إِشْكَالَ فِيهِ لِحَصْرِ الْأُمَمِ فِي سَبْعِينَ، كَمَا بَيَّنَ فِي الْحَدِيثِ، فَآبَاءُ الْقَوْمِ الَّذِينَ لَمْ يُنْذَرُوا مَثَلًا الْمَذْكُورُونَ فِي قَوْلِهِ: [ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ] {يس:6} لَيْسُوا أُمَّةً مُسْتَقِلَّةً حَتَّى يَرِدَ الْإِشْكَالُ فِي عَدَمِ إِنْذَارِهِمْ، مَعَ قَوْلِهِ: [ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ] بَلْ هُمْ بَعْضُ أُمَّةٍ».([10])
إذا فسر الإمامية قوله تعالى: [ﭶ ﭷ ﭸ] بأن المقصود هو علي ابن أبي طالب I، فهذا فيه نفي صفة الهُدَى عن النبي H، ويلزم منه أن عليًّا هو المكلف بالدعوة، وأنه نبي هذه الأمة الذي يهديها، سواء كان ذلك في زمن النبي H أو بعده إلى قيام الساعة.
إذا أثبت الإماميةُ الإمامةَ بهذا اللفظ من الآية، فقد نفوها عن النبي H بنفس هذا الإثبات، بل ونفوها عن الأئمة من بعده؛ طالما أنه هو الهادي المقصود في الآية، ولذلك كان أظهر عندنا أن الهادي هو النبي H نفسه لا غير، وهذا موافق لأدلة القرآن الكريم ظاهرًا ولفظًا، فقد وُصِفَ النبيُ H أنه يهدي إلى الصراط المستقيم في الكتاب الحكيم، فكيف يحيدُ الحائد عن ذلك الوصف الثابت له إلى غيره؟! يقول شيخ الإسلام ابن تيميَّة V: «إِنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ جَعَلَ مُحَمَّدًا H هَادِيًا فَقَالَ: [ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ] {الشورى:52} فَكَيْفَ يُجْعَلُ الْهَادِي مَنْ لَمْ يُوصَفْ بِذَلِكَ دُونَ مَنْ وُصِفَ بِهِ؟!».([11])
لا عَلاقة بين الهداية والإمامة، فقد يهتدي الشخص برجلٍ ولا يكون خليفة ولا إمامًا؛ إذ لو كان هذا مستلزمًا لذاك، لما ثبت لأحد هدى بعد غياب الإمام الثاني عشر عند الإمامية منذ أكثر من ألف عام، فيكون عموم الإمامية على الضلالة إلى يومنا هذا، يقول شيخ الإسلام V: «ذَلِكَ أَنَّ الِاهْتِدَاءَ بِالشَّخْصِ قَدْ يَكُونُ بِغَيْرِ تَأْمِيرِهِ عَلَيْهِمْ، كَمَا يُهْتَدَى بِالْعَالِمِ»([12])
علماء الإمامية يعدون رواةَ الحديث عن الأئمة تقوم بهم الحجة على الخلق، فالهدى بذلك قد تم بدون هذا الهادي! وكذلك في عدم وجود رواة أحاديث الأئمة، فالهدى حاصل بعلماء الإمامية والناسُ يوم الحشر يأتمون بهم، وفي هذا يقول محمد آصف محسني: «مقتضى إطلاق قوله تعالى: [ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ] {الإسراء:71}، أن الله D يدعو في المحشر كل جماعة من الناس بإمامهم الذي ائتمُوا به، عادلًا كان أو فاجرًا كفرعون: [ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ] {هود:98}، فالملاك في جمعية الأناس هو الاقتداء بإمام واحد، فإذا تعددت الأئمة ولو في عصر واحد يُدْعَونَ جماعةً جماعةً.
ففي زمان غيبة المهدي يمكن أن يقال: يُدْعى المؤمنون مع علمائهم أو حكامهم وكذا غيرهم ظاهرًا، لا معه ابتداءً، فإنه إمام واجب الطاعة ويجب الاعتقاد به، لكنه ليس إمامًا بالفعل، فإن المؤمنين إنما يأتمون بعلمائهم حكمًا وفتوى لا به؛ إذ لا حكم له ولا فتوى إلَّا نادرًا، ولا تدبير له بين عموم الناس، فتأمل، وعلى كلٍّ يؤيد ظاهر الْآية روايات الباب».([13])
فإذا كان هداة الشيعة هم العلماء، وكل من اهتُدِيَ به على تفسيرهم للآية يكون إمامًا معصومًا لزم منه أن علماءهم أئمة معصومون!
تاسعًا: معارضة كلام الزنجاني لكتاب الله D.
قوله: «إن هذا فيه دليل على أن الأرض لا تخلو من إمام حجة»، فهذا لا يصح لا في دين الإسلام ولا في دين الشيعة، قال الله تعالى: [ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ] {السجدة:3} فهؤلاء من كان الحجة عليهم؟!
بل جاء في كتب الإمامية أن الأرض قد خلت من ذلك الإمام المعصوم، ففي كتاب «التوحيد» للصدوق وغيره، عن زرارة، عن أبي جعفر قال: «إذا كان يوم القيامة احتج الله D على سبعة: على الطفل، والذي مات بين النبيين...»([14]).
قلْنا: فلو كان الأئمةُ أو الأوصياءُ حجةً، وأن الأرض لا تخلو منهم، فلماذا يحتجُّ من مات بين نبيين على الله تعالى بأن الحجة لم تقم عليه فيقبل الله تعالى حجته؟!
وكذلك فإن هذا الادعاء الذي ادعاه الزنجاني وغيره من علماء الإمامية بموجب بعض الموروث الروائي في كتاب الكافي وغيره –أن الأرض لا تخلو من حجة- كَذَّبه كذلك الموروث الروائي عن الأئمة، كما روى زيد النرسي عن محمَّد بن عليّ الحلبي عن أبي عبد الله أنه قال: «قلت له: كانت الدنيا منذ كانت وليس في الأرض حجَّة، قال: قد كانت الأرض وليس فيها رسول ولا نبيٌّ ولا حجَّة، وذلك بين آدم ونوحٍ في الفترة، ولو سألت هؤلاء عن هذا لقالوا: لن تخلو الأرض من الحجَّة وكَذَبوا، إنَّما ذلك شيء بدَا لله D فيه: [ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ] {البقرة:213} وقد كان بين عيسى ومحمَّد صلى الله عليه وآله فترة من الزمان لم يكن في الأرض نبيٌّ ولا رسول ولا عالم، فبعث الله محمّدًا صلى الله عليه وآله بشيرًا ونذيرًا وداعيًا».([15])
وهل الذين آمنوا بالنبي S حصل لهم الهدى بمجرد الإيمان بنبوته والتسليم له، أم لزمهم أن يهتدوا بعلي ليثبت لهم الهدى والإيمان؟
وكذلك الذين ءامنوا بالنبي S وماتوا قبل نزول هذه الآية، هل ثبت لهم الهدى والإيمان، أم أنهم ماتوا على غير هدى وإيمان؟
_ _ _
([1]) «رسائل المرتضى» (2/264).
([2]) «التبيان» للطوسي (2/394).
([3]) وقد ساق الذهبي في ترجمته هذا الحديث من مناكيره من رواية ابن الأعرابي بإسناده عنه، وقال: «ومعاذ نكرة، فلعل الآفة منه»، وأقره الحافظ في «اللسان»، وقال الحافظ ابن كثير في «تفسيره» (4/499): «وهذا الحديث فيه نكارة شديدة»، وأقره الشوكاني في «فتح القدير» (3/66)، وسكت عنه الطبري الشيعي في «تفسيره» (3/427). ينظر: «سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة» الألباني (10/539).
([4]) موضوع: أخرجه ابن جرير الطبري في «تفسيره» (13/7)، والديلمي (1/310 - 311) «زهر الفردوس»، وابن عساكر (12/154/1) من طريق الحسن بن الحسين الأنصاري: أخبرنا معاذ بن مسلم عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: لما نزلت [ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ] {الرعد:7}؛ قال النبي H... فذكره.
قال الألباني: «قلت: وهذا إسناد مظلم؛ وله ثلاث علل:
الأولــى: اختلاط عطاء بن السائب.
الثانية: معاذ بن مسلم؛ قال الذهبي في ترجمته: «مجهول». روى عن شرحبيل بن السمط؛ مجهول. وله عن عطاء بن السائب خبر باطل سقناه في (الحسن بن الحسين)».
الثالثة: الحسن بن الحسين الأنصاري وهو العرني وهو متهم، وقد تقدم شيء من أقوال الأئمة فيه تحت الحديث (4885)؛ فلا داعٍ للإعادة.
([5]) قلت: وقد روي موقوفًا: رواه حسين بن حسن الأشقر: حدثنا منصور بن أبي الأسود، عن الأعمش، عن المنهال بن عمرو، عن عباد بن عبد الله الأسدي عن علي: «[ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ] قال علي: رسول الله H المنذر، وأنا الهادي». أخرجه الحاكم (3/129 -130)، وابن عساكر (12/154/1) عن عبد الرحمن بن محمد بن منصور الحارثي عنه، وقال الحاكم: «صحيح الإسناد» ورده الذهبي بقوله: «قلت: بل كذب، قبح الله واضعه».
قلت: ولم يسم واضعه، وهو عندي حسين الأشقر، فإنه متروك، كما تقدم بيانه تحت الحديث (358)، وقد قال الذهبي فيه في حديث بعد هذا في «التلخيص»: «قلت: الأشقر وثق، وقد اتهمه ابن عدي».
والحارثي الراوي عنه، قال ابن عدي: «حدث بأشياء لم يتابَع عليها»، وقال الدارقطني وغيره: «ليس بالقوي».
ومما يؤيد نكارة الحديث: أن عبد خير رواه عن علي في قوله... فذكر الآية؛ قال رسول الله H: «المنذر والهادي: رجل من بني هاشم»، أخرجه عبد الله ابن أحمد في «زوائد المسند» (1/126)، ومن طريقه ابن عساكر: حدثني عثمان ابن أبي شيبة، حدثنا مطلب بن زياد عن السدي عنه. وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات.
وقد رواه ابن عساكر من غير طريق عبد الله فأفسده، قال: أخبرنا أبو العز بن كادش، أنبأنا أبو الطيب طاهر بن عبد الله، أنبأنا علي بن عمر ابن محمد الحربي، أنبأنا أحمد بن الحسن بن عبد الجبار، أخبرنا عثمان ابن أبي شيبة... فساقه مختصرًا بلفظ: «والهادي علي». وهو بهذا الاختصار منكر، ولعله من أبي العز بن كادش واسمه أحمد بن عبيد الله شيخ ابن عساكر؛ فقد قال ابن النجار: «كان مخلطًا كذابًا، لا يحتج بمثله، وللأئمة فيه مقال، وتوفي سنة ست وعشرين وخمس مئة، ووقع في «اللسان»: «ست وخمسين...»! وهو خطأ، والتصحيح من «الشذرات». وعلي بن عمر الحربي فيه كلام أيضًا؛ ولكنه يسير، فراجعه إن شئت في «اللسان».
والحديث مما تلهج به الشيعة؛ ويتداولونه في كتبهم، فهذا إمامهم ابن مطهر الحلي قد أورده في كتابه الذي أسماه «منهاج الكرامة في إثبات الإمامة» (ص8182) من رواية «الفردوس»؛ قال: «ونحوه أبو نعيم، وهو صريح في ثبوت الإمامة والولاية له».
وقلده عبد الحسين، ثم الخميني في «كشف الأسرار»؛ وزاد عليهما في الكذب والافتراء أنه قال: «وردت في ذلك سبعة أحاديث عند أهل السُّنة»، ثم لم يذكر إلا حديثًا واحدًا زعم أنه أسنده إبراهيم الحموي إلى أبي هريرة. ينظر المراجعات (ص 55)، كشف الأسرار (161).
فمَنْ إبراهيم الحموي هذا؟ والله لا أدري، ولا أظن الخميني نفسه يدري! فإن صح قوله: إنه من أهل السنة؛ فيحتمل أن يكون إبراهيم بن سليمان الحموي، المترجم في «الدرر الكامنة»، و«شذرات الذهب»، و«الفوائد البهية»، و«الأعلام» للزركلي، فإن يكن هو؛ فهو من علماء الحنفية، متوفى سنة (732هـ)، فإن كان هو الذي عناه الخميني، وكان صادقًا في عزوه إليه، فإنه لم يذكر الكتاب الذي أسند الحديث فيه، فقوله عنه: «أسند» كذب مكشوف؛ إذ كيف يسند من كان في القرن الثامن، فبينه وبين أبي هريرة مفاوز؟!
ولو فرضنا أنه أسنده فعلًا فما قيمة مثل هذا الإسناد النازل الكثير الرواة؟! فإن مثله قلما يسلم من علة، كما هو معلوم عند العارفين بهذا العلم الشريف، والعبرة من هذا العزو ونحوه مما تقدم عن هؤلاء الشيعة أنهم كالغرقى يتعلقون ولو بخيوط القمر، فلقد ساق السيوطي في «الدر المنثور» في تفسير هذه الآية عدة روايات، وليس فيها حديث الخميني عن أبي هريرة. وأما حديث ابن عباس الذي احتج به ابن المطهر الحلي فقد عرفت ما فيه من العلل، التي تدل بعضها على بطلانه، فكيف بها مجتمعة؟!» «سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة» الألباني (10/539).
([6]) «فتح الباري» ابن حجر (8/376).
([7]) «مقدمة ابن الصلاح» (ص38).
([8]) «لسان الميزان» ابن حجر (2/199).
([9]) «أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن» الشنقيطي (٢٢٣٢).
([10]) «دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب» الشنقيطي (ص١٢٦).
([11]) «منهاج السنة النبوية» ابن تيمية (١٤٠/٧).
([12]) «منهاج السنة النبوية» (١٤٢).
([13]) «مشرعة بحار الأنوار» (2/204).
([14]) «التوحيد» (ص392- 393)، و«الخصال» (ص283)، و«من لا يحضره الفقيه» (3/492)
([15]) «الأصول الستة عشر من الأصول الأولية» ضياء الدين المحمودي (1/197).