قول الزنجاني: إن هذه الرواية في الصحيحين ومسند أحمد هو من الكذب البين، والرواية التي ساقها لا تصح عن النبي H».([1])
قال الزنجاني: «ووجوب المودة يستلزم وجوب الإطاعة؛ لأن المودة إنما تجب مع العصمة؛ إذ مع وقوع الخطأ يجب ترك مودتهم كما قال تعالى: [ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ] {المجادلة:22} وغيرهم Q ليس بمعصوم اتفاقًا، فثبت مودة علي وولده».
فنقول: إن انتزاعه للعصمة من المودة والطاعة باطل، وذلك لانفكاك الجهة، فنحن نطيع الأكبر سنًّا والأكثر علمًا وحكمةً، ومن الناس من يطيع السلطان على ظلمه، بل وعامة الشيعة يطيعون علماءهم، فهل كل هذا مثبت لعصمتهم؟!
بل قد أمر الله ببر الوالدين والإحسان إليهما وطاعتهما في غير آية من القرآن الكريم، وحرم مجرد التأفف منهما، قال تعالى: [ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ] { الإسراء: 23-24}.
فأيهما أشد طاعة؛ المودة أم تحريم مجرد التأفف منهما؟ لا شك أن التحريم في التأفف آكد، فهل ستقول الإمامية الآن بوجوب عصمة الأبوين؟!
وقال تعالى: [ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ] {النساء:73} فالآية نص في أن المؤمنين تكون بينهم مودةٌ لبعضهم، ولا علاقة للأمر بطاعةٍ مطلقةٍ ولا بعصمةٍ.
- قال تعالى: [ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ] {المائدة:82} فأخبر الله عن مودة من قالوا: إنا نصارى للمؤمنين إذا سمعوا منهم الحق.
- وقال تعالى: [ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ] {العنكبوت:25} يعني: أنتم اجتمعتم على محبة الأصنام فصنعت بينكم مودةً زائلةً.
- وقال تعالى: [ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ] {الروم:21}، تُرَى من الذي صار إمامًا معصومًا من الزوجين حتى تصير بينهم مودة؟!
- وقال تعالى: [ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ] {الممتحنة:7} فهل هناك أمل بأن يكون هناك إمامٌ معصومٌ من الكفار؟!
(ج) معنى المودة ليس الطاعة، بل الإحسان والإكرام والصلة.
وتوجيهه لكلمة المودة بالطاعة باطل لا دليل عليه لغةً ولا شرعًا، قال ابن كثير: «وَالْحَقُّ تفسيرُ الآية بِمَا فَسَّرَهَا بِهِ الْإِمَامُ حَبرُ الْأُمَّةِ، وَتُرْجُمَانُ الْقُرْآنِ، عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبَّاسٍ، كَمَا رَوَاهُ عَنْهُ الْبُخَارِيُّ V وَلَا تُنْكَرُ الْوَصَاةُ بِأَهْلِ الْبَيْتِ، وَالْأَمْرُ بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهِمْ، وَاحْتِرَامِهِمْ وَإِكْرَامِهِمْ، فَإِنَّهُمْ مِنْ ذُرِّيَّةٍ طَاهِرَةٍ، مِنْ أَشْرَفِ بَيْتٍ وُجِدَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، فَخْرًا وَحَسَبًا وَنَسَبًا، وَلَاسِيَّمَا إِذَا كَانُوا مُتَّبِعِينَ لِلسُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ الصَّحِيحَةِ الْوَاضِحَةِ الْجَلِيَّةِ، كَمَا كَانَ عَلَيْهِ سَلَفُهُمْ، كَالْعَبَّاسِ وَبَنِيهِ، وَعَلِيٍّ وَأَهْلِ بَيْتِهِ وَذُرِّيَّتِهِ، رَضِيَ اللهُ تعالى عنهُم أجمعِين».([2])
حصر الإمامية قرابة النبي H في علي بن أبي طالب I وبنيه، وهذا باطل فقرابته S أوسع من ذلك وأشمل، وهذا التخصيص لا يوجد عليه دليل شرعي قط.
فكلمة (القربى) في لغة العرب تدل على معنى ذهني، يعني القرب في النسب، وليست ذاتًا أو شخصًا، مثلها مثل كلمة الشجاعة والعلم، فكلمة الشجاعة لا تدل إلا على معنى ذهني، وكذلك كلمة العلم، ولا تدل -بأي حال من الأحوال- على شخص أو ذات خارج الذهن، فإذا أريد التعبير بهذه الألفاظ عن الشخص، فإما أن تضاف إلى كلمة (ذي) فيقال: ذُو قربى وذُو شجاعة وذُو علم، وإمَّا أن يتغير بناؤها الصرفي فيقال: قريب أو أقارب، وشجاع وعالم، وإلا بقيت معانِيَ ذهنيةً لا علاقة لها بالتعبير عن الأشخاص أو الذوات.
قال في «مختار الصحاح»: «وَ(الْقَرَابَةُ) وَ(الْقُرْبَى) الْقُرْبُ فِي الرَّحِمِ، وَهُوَ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرٌ. تَقُولُ: بَينَهُمَا (قَرَابَةٌ) وَ(قُرْبٌ) وَ(قُرْبَى) وَ(مَقْرَبَةٌ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَضَمِّهَا وَ(قُرْبَةٌ) بِسُكُونِ الرَّاءِ وَ(قُرُبَةٌ) بِضَمِّ الرَّاءِ، وَهُوَ قَرِيبِي وَذُو (قَرَابَتِي) وَهُمْ (أَقْرِبَائِي) وَ(أَقَارِبِي)، وَالْعَامَّةُ تَقُولُ: هُوَ قَرَابَتِي وَهُمْ قَرَابَاتِي».([3])
وعليه فلو كانت الآية تتكلم عن أشخاص بأعينهم لأضيفت كلمة «ذي أو أولي أو ما شابه» كما في قوله تعالى: [ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ] {الأنفال:41} ولم يقل: (والقربى).
ومثلُه قولُه: [ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ] {البقرة:83}، وقولُه: [ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ] {البقرة:177}، وقولُه: [ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ] {الإسراء:26}.
وقد تضاف هذه الكلمة (القربى) إلى (أولوا)، بدل (ذوي) و(ذي)، كما في قوله تعالى: [ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ] {النساء:8} وقوله: [ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ] {التوبة:113} ولم يقل: (قربى).
قال الطبري: «وأَوْلَى الأقوال في ذلك بالصواب، وأشبهها بظاهر التنزيل قول من قال: معناه: قل لا أسألكم عليه أجرًا يا معشر قريش، إلا أن تَوَدُّوني في قرابتي منكم، وتصلوا الرحم التي بيني وبينكم، وإنما قلت: هذا التأويل أولى بتأويل الآية؛ لدخول «في» في قوله: [ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ] {الشورى:23} ولو كان معنى ذلك على ما قاله من قال: إلا أن تودوا قرابتي، أو تتقربوا إلى الله، لم يكن لدخول «في» في الكلام في هذا الموضع وجه معروف، ولكان التنزيل: إلا مودَّة القُربى إن عُنِي به الأمر بمودَّة قرابة رسول الله H، أو إلا المودَّة بالقُرْبَى، أو ذا القربى إن عُنِي به التودُّد والتقرب، وفي دخول «في» في الكلام أوضح الدليل على أن معناه: إلا مودَّتي في قرابتي منكم، وأن الألف واللام في المودَّة أُدْخِلَتا بدلًا من الإضافة، كما قيل: [ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ] {النازعات:41} وقوله: «إلا» في هذا الموضع استثناء منقطع، ومعنى الكلام: قل لَا أسألكم عليه أجرًا، لكني أسألكم المودَّة في القُربى، فالمودَّة منصوبة على المعنى الذي ذكرت، وقد كان بعض نحويي البصرة يقول: هي منصوبة بمضمر من الفعل، بمعنى: إلا أن أذكر مودَّة قرابتي».([4])
وعليه فالاستثناء هنا منقطع غير متصل، وهو الذي لا يكون المستثنى داخلًا ضمن المستثنى منه، كقوله تعالى: [ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ] {مريم:62} والسلام -وهو المستثنى- لا يدخل ضمن المستثنى منه -وهو اللغو-، فيكون معنى الآية: لا يسمعون فيها لغوًا، لكن يسمعون سلامًا.
وكذلك (المودة) لا تدخل ضمن الأجر، ومعنى الآية: لا أسألكم عليه أجرًا، لكن أسألكم المودة في القربى؛ لأن النبي لا يسأل على الدعوة أجرًا.
الآية مكية والمخاطب بها هم المشركون، وهؤلاء لم يؤمنوا بالنبوة أصلًا، فكيف يأمرهم بالإمامة وطاعة المعصوم، وهي فرع عن الأصل وهو الإيمان بالنبي H؟!
وقد ذكر الحافظ ابن حجر في الفتح الرواية التي تقول: إن الآية نزلت بالمدينة وضَعَّفها، فقال: «فَأخْرج الطَّبَرِيُّ وابن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ قَيْسِ بْنِ الرَّبِيعِ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، مَنْ قَرَابَتُكَ الَّذِينَ وَجَبَتْ عَلَينَا مَوَدَّتُهُمْ؟ الْحَدِيثَ.. وَإِسنَادُهُ ضَعِيفٌ، وَهُوَ سَاقِطٌ لِمُخَالَفَتِهِ هَذَا الْحَدِيثَ الصَّحِيحَ، وَالْمَعنَى: إِلَّا أَنْ تَوَدُّونِي لِقَرَابَتِي فَتَحْفَظُونِي، وَالْخِطَابُ لِقُرَيْشٍ خَاصَّةً وَالْقُرْبَى قَرَابَةُ الْعُصُوبَةِ وَالرَّحِمِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: احْفَظُونِي لِلْقَرَابَةِ إِنْ لَمْ تَتَّبِعُونِي لِلنُّبُوَّةِ، ثُمَّ ذَكَرَ مَا تَقَدَّمَ عَنْ عِكْرِمَة فِي سَبَب نزُولها، وَقَدْ جَزَمَ بِهَذَا التَّفْسِيرِ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ واستندوا إِلَى مَا ذكرته عَن ابن عَبَّاس من الطَّبَرَانِيّ وابن أَبِي حَاتِمٍ، وَإِسنَادُهُ وَاهٍ؛ فِيهِ ضَعِيفٌ وَرَافِضِيٌّ، وَذَكَرَ الزَّمَخْشَرِيُّ هُنَا أَحَادِيثَ ظَاهِرٌ وَضْعُهَا، وَرَدَّهُ الزّجاج بِمَا صَحَّ عَن ابن عَبَّاسٍ مِنْ رِوَايَةِ طَاوُوسٍ فِي حَدِيثِ الْبَابِ، وَبِمَا نَقَلَهُ الشَّعْبِيُّ عَنْهُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَجَزَمَ بِأَنَّ الِاسْتِثنَاءَ مُنْقَطِعٌ.
وَفِي سَبَبِ نُزُولِهَا قَوْلٌ آخر ذَكَرَهُ الواحِدِيُّ عَن ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ H الْمَدِينَةَ كَانَتْ تَنُوبُهُ نَوَائِبُ وَلَيْسَ بِيَدِهِ شَيْء فَجَمَعَ لَهُ الْأَنْصَارُ مَالًا، فَقَالُوا: يَا رَسُول الله، إِنَّكَ ابْنُ أُخْتِنَا، وَقَدْ هَدَانَا اللهُ بِكَ وَتَنُوبُكَ النَّوَائِبُ وَحُقُوقٌ وَلَيْسَ لَكَ سَعَةٌ فَجَمَعنَا لَكَ مِنْ أَمْوَالِنَا مَا تَسْتَعِينُ بِهِ عَلَينَا، فَنَزَلَتْ، وَهَذِهِ مِنْ رِوَايَةِ الْكَلْبِيِّ وَنَحْوِهِ مِنَ الضُّعَفَاءِ، وَأَخْرَجَ من طَرِيق مِقْسَمٍ عَنِ ابن عَبَّاسٍ أَيْضًا قَالَ: بَلَغَ النَّبِيَّ H عَنِ الْأَنْصَارِ شَيْءٌ، فَخَطَبَ فَقَالَ: أَلَمْ تَكُونُوا ضُلَّالًا فَهَدَاكُمُ اللهُ بِي؟ الْحَدِيثَ.. وَفِيهِ فَجَثَوْا عَلَى الرُّكَبِ، وَقَالُوا: أَنْفُسُنَا وَأَمْوَالُنَا لَكَ، فَنَزَلَتْ.. وَهَذَا أَيْضًا ضَعِيفٌ، وَيُبْطِلُهُ أَنَّ الْآيَةَ مَكِّيَّةٌ.
وَالْأَقْوَى فِي سَبَبِ نُزُولِهَا عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: قَالَ الْمُشْرِكُونَ: لَعَلَّ مُحَمَّدًا يَطْلُبُ أَجْرًا عَلَى مَا يَتَعَاطَاهُ، فَنَزَلَتْ.. وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مَنْسُوخَةٌ، وَرَدَّهُ الثَّعْلَبِيُّ بِأَنَّ الْآيَةَ دَالَّةٌ عَلَى الْأَمْرِ بِالتَّوَدُّدِ إِلَى اللهِ بِطَاعَتِهِ أَوْ بِاتِّبَاعِ نَبِيِّهِ أَوْ صِلَةِ رَحِمِهِ بِتَرْكِ أَذِيَّتِهِ أَوْ صِلَةِ أَقَارِبِهِ مِنْ أَجْلِهِ، وَكُلُّ ذَلِكَ مُسْتَمِرُّ الْحُكْمِ غَيْرُ مَنْسُوخٍ».([5])
فأشد الناس طعنًا في قرابة رسول الله H هم الإمامية، والأمثلة على ذلك كثيرة، ومنها:
(أ) قولهم في ابن عباس إنه منحرف لص شقي مرتد، وحاشاه:
قال الهالك المجلسي في قول الصادق: «إن الله D خلَقَ خلقًا للإيمان لا زوال له، وخلق خلقًا للكفر لا زوال له، وخلق خلقًا بين ذلك واستودع بعضهم الإيمان، فإن يشأ أن يتمه لهم أتمه، وإن يشأ أن يسلبهم إياه سلبهم، وكان فلان منهم معارًا.
قال: يحتمل أن يكون -وكان فلان منهم- كناية عن ابن عباس، فإنه قد انحرف عن أمير المؤمنين S وذهب بأموال البصرة إلى الحجاز، ووقع بينه S وبينه مكاتبات تدل على شقاوته وارتداده.
وقيل: فلان كناية عن عثمان، والضمير للخلفاء الثلاثة، والظرف حال عن فلان، ومعارًا خبر كان، ولا يخفى بعده لفظًا ومعنى، فإن الثلاثة كانوا كفرة لم يؤمنوا قط»([6]).
(ب) طعنهم في العباس I.
حتى العباس I لم يسلم من طعنهم؛ قال الخوئي: «إن العباس لم يثبت له مدح، ورواية «الكافي» الواردة في ذمه صحيحة السند، ويكفي هذا منقصة له؛ حيث لم يهتمَّ بأمر علي بن أبي طالب S، ولا بأمر الصدِّيقة الطاهرة في قضية فَدَكَ، معشار ما اهتم به في أمر ميزابه»([7])، ولو حكمنا هذا المبدأ لكان أولى به علي بن أبي طالب، فقد آلت له الإمارة والحكم والسلطة، فكان معه ما لم يكن مع العباس، ولم يهتم بفدك!
روى الكلينيُّ عن الحسين بن أبي العلاء قال: «سمعت أبا عبد الله S يقول: إن عندي الجفرَ الأبيض، قال: قلت: فأي شيء فيه؟ قال: زبور داود، وتوراة موسى، وإنجيل عيسى، وصحف إبراهيم S، والحلال والحرام، ومصحف فاطمة، ما أزعم أن فيه قرآنًا، وفيه ما يحتاج الناس إلينا ولا نحتاج إلى أحد حتى فيه الجلدة، ونصف الجلدة، وربع الجلدة، وأرش الخدش، وعندي الجفر الأحمر، قال: قلت: وأي شيء في الجفر الأحمر؟ قال: السلاح، وذلك إنما يفتح للدم يفتحه صاحب السيف للقتل، فقال له عبد الله بن أبي يعفور: أصلحك الله، أيعرف هذا بنو الحسن؟ فقال: إي والله، كما يعرفون الليل أنه ليل والنهار أنه نهار، ولكنهم يحملهم الحسد وطلب الدنيا على الجحود والإنكار، ولو طلبوا الحق بالحق لكان خيرًا لهم».([8])
قال المازندراني: «قوله: (ولو طلبوا الحق لكان خيرًا لهم) وهم طلبوا الباطل، أعني: الدنيا بالباطل، الذي هو الحسد وإنكار الإمام وأهل الحق، فيعود عليهم النكال في الدنيا والوبال في الآخرة، ولو طلبوا الحق أعني: الآخرة، وما يوجب رفع الدرجة فيها بالحق الذي هو محبة الإمام والإذعان له ومتابعته لكان خيرًا لهم في الدنيا والآخرة».([9])
وطَعْنُ الشيعةِ في أهل بيت رسول الله H، وعلى رأسهم أزواجه Iن، كل هذا مشهور شهرة واسعة، بل إن الطعن في أصحاب النبي H -ومنهم ذوو قرابته- هو السمة الأعلى لدين الرافضة.
_ _ _
([1]) قال الشيخ الألباني: «لما نزلت: [ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ] {الشورى:23} قالوا: يا رسول الله! ومَن قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم؟ قال: علي، وفاطمة، وابناهما». باطل أخرجه الطبراني (1/124/2)، والقطيعي في زياداته على «الفضائل» (2/669) عن حرب بن حسن الطحان: أخبرنا حسين الأشقر، عن قيس بن الربيع، عن الأعمش، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس L قال:... فذكره.
قلت: وهذا إسناد مظلم، مسلسل بالعلل:
الأولى: قيس بن الربيع ضعيف؛ لسوء حفظه.
الثانية: حسين الأشقر؛ قال الحافظ: «صدوق يهمـ ويغلو في التشيع».
الثالثة: حرب بن حسن الطحان؛ قال في «الميزان»: «ليس حديثه بذاك، قاله الأزدي».
وأما ابن حبان؛ فذكره في «الثقات»؛ كما في «اللسان»!
قلت: فأحد هؤلاء الثلاثة هو العلة؛ فإن الحديث منكر ظاهر النكارة؛ بل هو باطل، وذلك من وجهين:
الوجه الأول: أن الثابت عن ابن عباس في تفسير الآية خلاف هذا، بل صح عنه إنكاره على سعيد بن جبير ذلك؛ فقد روى شعبة: أنبأني عبد الملك قال: سمعت طاووسًا يقول: سأل رجل ابن عباس المعنى عن قوله تعالى: [ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ] فقال سعيد بن جبير: قرابة محمد H، قال ابن عباس: عَجِلْتَ؛ إن رسول الله H لم يكن بطنٌ من قريش إلا لرسول الله H فيهم قرابة، فنزلت: ([ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ]: «إِلَّا أَنْ تَصِلُوا قرَابَةَ مَا بَيْنِي وبينَكُم». أخرجه البخاري (6/386 و8/433)، وأحمد (1/229،286)، والطبري في «تفسيره» (25/15)، وأخرجه الحاكم (2/444) من طريقين آخرين عن ابن عباس نحوه، وأحدهما عند الطبري، وقال الحاكم في أحدهما: صحيح على شرط البخاري. وفي الآخر: صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي.
الوجه الثاني: أن الآية مكية؛ كما جزم بذلك غير واحد من الحفاظ، كابن كثير وابن حجر وغيرهما، فكيف يأمر الله بمودة أبناء عليٍّ وفاطمة وهما لم يتزوجا بعد؟! ولهذا قال الحافظ في «الفتح» (8/433) بعد أن ساق حديث الترجمة: وإسناده واهٍ، فيه ضعيف ورافضي، وهو ساقط لمخالفته هذا الحديث الصحيح، وذكر الزمخشري هنا أحاديث ظاهر وضعها، ورده الزجاج بما صح عن ابن عباس من رواية طاووس في حديث الباب، وبما نقله الشعبي عنه، وهو المعتمد... ويؤيد ذلك أن السورة مكية، والحديث أورده الهيثمي في «المجمع» (9/168)، وقال: رواه الطبراني، وفيه جماعة ضعفاء، وقد وثقوا.
قلت: وذكره ابن كثير في «تفسيره» (7/365) من رواية ابن أبي حاتم: حدثنا علي ابن الحسين: حدثنا رجل سماه، حدثنا حسين الأشقر... فذكره نحو ما تقدم من رواية الطبراني، ثم قال ابن كثير: وهذا إسناد ضعيف؛ فيه مبهم لا يعرف.
قلت: قد عرف الحديث من رواية الطبراني كما تقدم، عن شيعي محترق، وهو حسين الأشقر، ولا يقبل خبره في هذا المحل، وذكر نزول الآية بعيد؛ فإنها مكية، ولم يكن إذ ذاك لفاطمة J أولاد بالكلية؛ فإنها لم تتزوج بعلي I إلا بعد بَدْرٍ من السنة الثانية من الهجرة.
(تنبيهان):
التنبيه الأول: عزا حديث الترجمة ابن حجر الهيتمي في «الصواعق» (ص101) لأحمد أيضًا والحاكم، وهذا وهم فاحش؛ فإنما أخرج أحمد والحاكم عن ابن عباس ما يبطله؛ كما سبق بيانه.
التنبيه الثاني: أن عبد الحسين الشيعي في كتابه «المراجعات» (ص33) فسر الآية المذكورة بما دل عليه هذا الحديث الباطل؛ غير ملتفت إلى أن الآية مكية، وأن ابن عباس فسرها على نقيضه». «سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة» الألباني (10/723- 726).
([2]) «تفسير ابن كثير» (7/201).
([3]) «مختار الصحاح» (ص250).
([4]) «تفسير الطبري»، «جامع البيان» (21/530).
([5]) «فتح الباري» ابن حجر (8/564).
([6]) «مرآة العقول» المجلسي (11/244).
([7]) «معجم رجال الحديث» الخوئي (10/254).
([8]) «الكافي» الكليني (1/240). حسنه المجلسي في «مرآة العقول» (3/57)
([9]) «شرح أصول الكافي» المازندراني (5/340).