استدلال الشيعة بقوله تعالى: [ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ] {النساء:64} على جواز الاستغاثة بغير الله تعالى

الشبهة:

استدل الشيعة على جواز الاستغاثة بغير الله وحده بهذه الآية، وأن هذا كان بابًا للرحمة ظل مفتوحًا بعد موته S لم ينقطع.

قال جعفر السبحاني: «أثبتت البحوثُ السابقة أنَّ سيرةَ المسلمين كانت قائمةً على التوسُّل بدعاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حال حياته، وأنَّه كانت أبواب الرحمة مفتحةً أمام المذنبين والعاصين منهم؛ انطلاقًا من قوله تعالى: [ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ] فقد كانت السبيل أمامهم مشرعة للمجيء إلى الرسول صلى الله عليه وآله وطلب الاستغفار منه....

وهنا يطرح السؤال التالي نفسه: صحيح أنَّ باب الرحمة والفيض الإلهي كان مفتوحًا في حياة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، ولكن بعد رحيله صلى الله عليه وآله وسلم ولحوقه بالرفيق الأعلى: هل بقي هذا الباب على ما هو عليه؛ بحيث يحقُّ للمسلمين التوسُّل بدعائه والوقوف في حضرته وطلب الاستغفار منه [ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ]، أم أنَّ الباب أُوصِدَ برحيله صلى الله عليه وآله وسلم؟

والجواب: لا ريب أنَّ سيرة المسلمين قاطبة -من عصر الصحابة والتابعين وحتى عصرنا الحاضر- قائمةٌ على التوسُّل بدعائه صلى الله عليه وآله وسلم بعد رحيله ولحوقه بالرفيق الأعلى، وما كانوا يرون فرقًا بين الحياتين»([1]).

 

([1]) «الوهابية بين المباني الفكرية والنتائج العملية» جعفر السبحاني (ص296- 297).

الرد علي الشبهة:

أولًا: الآية نزلت في المنافقين لا المسلمين!

هذه الآية لم تنزل لهذا الغرض مطلقًا، وإنما نزلت في المنافقين الذين كانوا يصُدون الناس عن متابعة الرسول H، ويتحاكمون إلى الطاغوت، فهؤلاء لو جاءوا النبيَّ تائبين واستغفروا الله من نفاقهم في مجلسِه، وسألوه أن يعقِّب على استغفارهم لأنفسهم، بأن يستغفر لهم؛ عندها يجدون اللهَ توابًا رحيمًا، ولكن لم يجيئوا ولم يستغفروا، ولم يستغفر لهم الرسول H، ومن تتبع سياق الآيات ثبت له ذلك، قال الله تبارك وتعالى: [ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ] {النساء: 60 65}. 

فسياق الآيات كلُّه يتكلم عن المنافقين، فجعلتها الشيعة في المؤمنين! وهذا الذي ذكرنا أقر به بعض علماء الإمامية.

قال الفيض الكاشاني: «[ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ] {النساء:64} نبَّه به على أن الذي لم يرض بحكمِه كافر وإن أظهر الإسلام: [ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ] بالنفاق [] تائبين شفيعًا [ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ] لعلموه قابلًا لتوبتهم متفضلًا عليهم بالرحمة».([1])

ثانيًا: فعل الصحابة موافقٌ للمعنى المذكور في الآية.

فلم يثبت أن أحدًا من الصحابة حين أذنب فعل ذلك، بل ثبت تَرْكُ التوسلِ بالنبيّ ِH بعد موته حين توسل عمر بدعاء العباس I والصحابة حضور شهود.

ثالثًا: خطأ الاعتماد على عموم اللفظ في الآية؛ لأنها واقعة عين.

لا يقال هنا: إنَّ العبرة بعمومِ اللفظ لا بخصوص السبب؛ لأن الله تعالى قال: [ﮭ ﮮ] و(إذ) ظرفٌ لما مضى لا للمستقبل، فلم يقل: (إذا ظلموا) فالآية تتكلم عن واقعةِ عَين، ووقائع العين لا عموم لها.

قال ابن عثيمين V: «وإِذْ هذه ظرف لما مضى، وليست ظرفًا للمستقبل لم يقل الله: «ولو أنهم إذا ظلموا»، بل قال: [ﮭ ﮮ]، فالآية تتحدث عن أمر وقع في حياة الرسول H، واستغفار الرسول H بعد مماته أمر متعذر؛ لأنه «إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُه إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ» كما قال الرسول H: «صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ»([2]) فلا يمكن لإنسان بعد موته أن يستغفر لأحد، بل ولا يستغفر لنفسه أيضًا؛ لأن العمل انقطع».([3])

والاستغفار مِنَ النبيِّ H من جملة أعماله التي انقطعت بموته، وهو H لم يستثن نفسه من قوله: «إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ»([4]).

فإن قالت الإمامية: إن المجيءَ إليه لا ينقطع بموته.

قلنا: ما الدليل؟ فإن أعمال النبيِّ H الأخرى انقطعت، كالإمامة الصغرى والكبرى، والجهاد، وتحريض المؤمنين، والصلاة، والصيام، وغيرها.

فإن قالوا: هو حيٌّ في قبره.

قلنا: ما معنى انقطاعه بعد الموت؟ وهل الحياةُ البرزخيةُ مساويةٌ للحياةِ الدنيويةِ في كل الأحكام؟ فإن قالوا: نعم فهو بدهي البطلان، وإن قالوا: لا فقد أبطلوا استدلالهم بالآية، وهو حاصلٌ بإقرارهم ببطلان المجيء إليه للإمامة في الصلاة وتدبير الجهاد وغيره.

 إن قالت الإمامية بعموم العلة وتمسكت بها، وهي الوقوع في الذنب قلنا: نطبق عموم العلة التي وردت في الآية، فمن أذنب نفس الذنب بالتحاكم إلى الطاغوت، يذهب للرسول صلى الله عليه وآله وسلم في حياته، ويستغفر له وليس كل عاص، أما المؤمن الذي عصى فجاء القبر فليس مشمولًا بالآية أصلًا.

رابعًا: استحالة الاستغفار لأحد بعد الموت.

السياق يدل على أن المجيء للرسول صلى الله عليه وآله وسلم في حياته؛ لأن الاستغفار منه لا يكون إلا في حياته، قال صديق حسن خان: «وهذا المجيء يختص بزمان حياته صلى الله عليه وآله وسلم، وليس المجيء إليه يعني إلى مرقده المنوَّر بعد وفاته صلى الله عليه وآله وسلم مما تدل عليه هذه الآية، كما قرره في (الصارم الْمُنْكِي)؛ ولهذا لم يذهب إلى هذا الاحتمال البعيد أحد من سلف الأمة وأئمتها، لا من الصحابة ولا من التابعين ولا ممن تبعهم بالإحسان».([5])

المتوسل به H بعد موته لا بد أن يناديه من وراء الحجرات، وقد ذم الله ذلك الفعل بقوله: [ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ] {الحجرات:4}.

خامسًا: إن جاز عليه أن يستغفر بعد موته جاز عليه غيره.

لو جاز هذا الاستدلال بهذه الآية على المجيء إلى قبره بعد موته ليستغفر لنا، لجاز الاستدلال على بيعته بعد موته بقول الله تعالى: [ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ] {الممتحنة:12} ولا قائل بهذا.

سادسًا: دعوى للمذنبين لإقامة أعيادهم عند قبره S.

 هذا القول فيه مصادَمَة لقول النبيِّ H: «لَا تَجْعَلُوا قَبْرِي عِيدًا»([6]) لأنه حينئذ سيكون عيدًا للمذنبين كلما أذنبوا، وفيه دعوة للخلق أن يذنبوا ولا ضير في ذلك، فيحدث عيد عند القبر واستغفار لا ينقطع! قال ابن عبد الهادي: «يوضح ذلك أنه قال: «لَا تَجْعَلُوا قَبْرِي عِيدًا» ولو كان يشرع لكل مذنب أن يأتي إلى قبره ليستغفر له، لكان القبر أعظم أعياد المذنبين، وهذه مضادة صريحة لدينه وما جاء به».([7])

سادسًا: بطلان الدليل الروائي في هذا المعنى.

يستدل الإمامية ومن وافقهم في المسألة برواية مذكورة في بعض كتب التفسير، ومفادها جواز إتيان قبر النبيِّ H والاستشفاع به، وقد أورد الحكاية ابن كثير في تفسيره عن العتبي قال: «كنت جالسًا عند قبر النبيِّ H فجاء أعرابي فقال: السلام عليك يا رسول الله، سمعت الله يقول: [ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ] {النساء:64} وقد جئتك مستغفرًا لذنبي، مستشفعًا بك إلى ربي، ثم أنشأ يقول:

يا خيرَ من دُفِنتْ بالقاعِ أعظُمُه
 

\

 فطاب مِن طِيبِهنّ القاعُ والأكَمُ
 

نفسي الفداءُ لقبرٍ أنت ساكنُه
 

\

 فيه العفافُ وفيه الجودُ والكرَمُ
 

ثم انصرف الأعرابي فغلبتني عيني، فرأيت النبيَّ H في النوم فقال: يا عتبي، الْحَق الأعرابي فبشره أن الله قد غفر له».([8])

وممن استدل بها محمد السند؛ حيث يقول: «ونضيف هنا أن النداء للرسول والأئمة Q ذكر عبادي متواتر في الزيارات المأثورة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم عند الفريقين، والمتواتر من زيارات أئمة أهل البيت Q، فأما من طرق العامة فقد جاء في كتاب «المغني»: ويروى عن العتبي قال: كنت جالسًا عند قبر النبي H...».([9])

والجواب على هذا من ثلاثة وجوه:

الأول: هذه القصة ضعيفة لم يثبتها أحد ممن أوردها، بل صنيع بعضهم يدل على ضعفها:

قال ابن كثير في «تفسيره»: «ذكر جماعة منهم: الشيخ أبو منصور الصباغ في كتابه الشامل الحكاية المشهورة عن العتبي».([10])

وحكاها ابن قدامة في «المغني» بصيغة التمريض وهي تفيد التضعيف، فقال: «ويُرْوَى عن العتبي...»([11]) وحكم عليها الألباني بأنها من أبطل الباطل.([12])

الثاني: على فرض صحة تلك الحكاية، فمنذ متى كانت الأحلام والرؤى مصدرًا من مصادر التشريع؟!

الثالث: العجيب أن الإمامية يقررون في المعتبر المعتمد عدم حجية المنامات في الأحكام الشرعية، قال محسن الأمين: «والاستناد إلى الرؤيا التي رآها الشيخ موسى العجمي فيه ما لا يخفى؛ إذ الأحكام الشرعية لا تثبت بالرؤيا على الأصح، والله أعلم»([13]) وقال محمد الشيرازي: «القول في الرؤيا: الرؤيا ليست حجةً على المشهور، بل ادعى بعضهم الإجماع عليه، بل لو اعتمد على الرؤيا لَزِمَ دين جديد».([14])

فليت شعري، ما هذا التناقض الذي يقع فيه القوم، والذي لا ينم إلا عن عدم وعي بما يقولون أو يشرعون؟! أو فقط أنهم لا يجدون في الأدلة الصحيحة السالمة عن المعارضة ما يقوي مذهبهم، فيعمدون إلى كل منخنقة ومتردية ونطيحة.

قال تعالى: [ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ   ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ   ] {النساء: 64-65}.

فإن كانت الأولى (الذهاب إلى شخصه وطلب الاستغفار منه) في حياته وبعد مماته لزمكم جعل الثانية (التحاكم إلى شخصه) أيضًا في حياته وبعد مماته، فليزم من ذلك أن يذهب كل شيعي إلى شخص النبي H في قبره ليتحاكم إليه، وهذا ممتنع عقلًا وشرعًا؛ إذ إن معرفة حكمه H بعد موته لا تكون إلا بالذهاب إلى شرعه، لا إلى شخصه باتفاق، فكذلك طلب الحوائج، ومنها الاستغفار، غير معلوم منه بعد وفاته فوجب إسقاطه، فكما أسقطتم الثانية وجب إسقاط الأولى عقلًا وشرعًا.

 

_ _ _

 

([1]) «التفسير الصافي» الفيض الكاشاني (1/467).

([2]) «صحيح مسلم» باب: ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته (2/1255) برقم (1631).

([3]) «مجموع فتاوى ورسائل العثيمين» ابن عثيمين (2/345).

([4]) سبق تخريجه.

([5]) «فتح البيان في مقاصد القرآن» صديق حسن خان (3/166).

([6]) «صحيح مسلم» صلاة المسافرين وقصرها (780).

([7]) «الصارم الْمُنْكِي في الرد على السبكي» ابن عبد الهادي (ص319).

([8]) «تفسير ابن كثير» (2/306).

([9]) «الإمامة الإلهية» محمد السند (5/164).

([10])   «تفسير ابن كثير» (2/306).

([11])   «المغني» ابن قدامة المقدسي (3/478).

([12])   «سلسلة الأحاديث الصحيحة» الألباني (6/1033 - 1034).

 قال الألباني V: «أورد البيهقي في «الشُعَب» بإسناده، عن أبي يزيد الرقاشي، عن محمد بن روح بن يزيد البصري: حدثني أيوب الهلالي قال: «حج أعرابي، فلما جاء إلى باب مسجد رسول الله H أناخ راحلته فعقلها، ثم دخل المسجد حتى أتى القبر ووقف بحذاء وجه رسول الله H فقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، جئتك مُثْقَلًا بالذنوب والخطايا أستشفع بك إلى ربك؛ لأنه قال في محكم كتابه: [ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ] {النساء:64} ثم أقبل في عرض الناس وهو يقول:

يا خيرَ من دُفِنتْ بالقاعِ أعظُمُه
 

\

 فطاب مِن طِيبِهنّ القاعُ والأكَمُ
 

نفسي الفداءُ لقبرٍ أنت ساكنُه
 

\

 فيه العفافُ وفيه الجودُ والكرَمُ
 

قلت (الألباني): وهذا إسناد ضعيف مظلم، لم أعرف أيوب الهلالي ولا من دونه، وأبو يزيد الرقاشي أورده الذهبي في «المقتنى في سرد الكنى» (2/155)، ولم يُسَمِّه وأشار إلى أنه لا يُعرَف بقوله: «حكى شيئًا». وأرى أنه يشير إلى هذه الحكاية، وهي منكرة ظاهرة النكارة، وحسبك أنها تعود إلى أعرابي مجهول الهوية! وهي في (ابن كثير) غير معزوة لأحد من المعروفين من أهل الحديث، بل علَّقها على (العتبي)... وهو غير معروف إلا في هذه الحكاية ويمكن أن يكون هو أيوب الهلالي في إسناد البيهقي، وهي حكاية مستنكرة، بل باطلة لمخالفتها الكتاب والسُّنة، ولذلك يلهج بها المبتدعة؛ لأنها تجيز الاستغاثة بالنبي H وطلب الشفاعة منه بعد وفاته، وهذا من أبطل الباطل كما هو معلوم».

قال الحافظ ابن عبد الهادي: «وهذه الحكاية التي ذكرها بعضهم يرويها عن العتبي بلا إسناد، وبعضهم يرويها عن محمد بن حرب الهلالي، وبعضهم يرويها عن محمد بن حرب عن أبي الحسن الزعفراني، عن الأعرابي، وقد ذكرها البيهقي في كتاب «شعب الإيمان» بإسناد مظلم عن محمد بن روح بن يزيد بن البصري، حدثني أبو حرب الهلالي قال: حج أعرابي فلما جاء إلى باب مسجد رسول الله H أناخ راحلته فعقلها، ثم دخل المسجد حتى أتى القبر، ثم ذكر نحو ما تقدم، وقد وضع لها بعض الكذابين إسنادًا إلى علي بن أبي طالب I كما سيأتي ذكره.

وفي الجملة: ليست هذه الحكاية المنكرة عن الأعرابي مما تقوم بها حجة، وإسنادها مظلم مختلف، ولفظها مختلف أيضًا، ولو كانت ثابتة لم يكن فيها حجة على مطلوب المعترض، ولا يصلح الاحتجاج بمثل هذه الحكاية، ولا الاعتماد على مثلها عند أهل العلم، وبالله التوفيق».

وقال أيضًا: «وأما حكاية العتبي التي أشار إليها فإنها حكاية ذكرها بعض الفقهاء والمحدثين، وليست بصحيحة ولا ثابتة إلى العتبي، وقد رويت عن غيره بإسناد مظلم كما بينا ذلك فيما تقدم، وهي في الجملة حكاية لا يثبت بها حكم شرعي، لاسيما في مثل هذا الأمر الذي لو كان مشروعًا مندوبًا لكان الصحابة والتابعون أعلمَ به وأعملَ به من غيرهم، وبالله التوفيق».

([13])   «أعيان الشيعة» محسن الأمين (7/153).

([14])   «الفقه» محمد الشيرازي (ص63).