استدلال الشيعة بقوله تعالى: [ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ] {القدر:4} على نزول الوحي على الأئمة

الشبهة:

قامت الإمامية بتشريك أئمتهم المزعومين مع النبي H في وحي السماء، فادعت أن وحي السماء ينزل على الأئمة! وأن الوحي ليس محصورًا على النبي H ولا أنه انقطع بموته، فقال شيخهم محمد فاضل المسعودي: «قوله تعالى: [ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ] {القدر: 3-4} عن عبد الله بن عجلان السكونيِّ قال: سمعت أبا جعفر S يقول: بيت عليٍّ وفاطمة من حجرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وسقف بيتهم عرش ربِّ العالمين، وفي قعر بيوتهم فرجة مكشوطة إلى العرش معراج الوحي، والملائكة تنزل عليهم بالوحي صباحًا ومساءً، وفي كلِّ ساعة وطرفة عين، والملائكة لا ينقطع فوجهم، فوج ينزل وفوج يصعد».([1])

وقال مالك مهدي خلصان: «الإمامة توصل إلى طاعة الله في الأُمور الدينية والشؤون المالية والقضايا السياسية والعسكرية والتشريعية، وفي كل الأُمور، قال تعالى: [ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ] {القدر: 4-5} ففي كل سنة يتنزَّل البرنامج السنوي الذي يتضمَّن كل أمر من الله على الإمام في ليلة القدر».([2])

 

([1]) «الأسرار الفاطميّة» (1/160).

([2]) «الذات الإلهية» (1/261).

الرد علي الشبهة:

أولًا: اتفاق الأمة على انقطاع وحي التشريع بموته H.

اتفقتِ الأمة على أن الوحي قد انقطع بموت رسول الله H، وأن من قال بنزول الوحي (وحي التشريع) على أحد بعد النبي H فقد كفر؛ لأنه ادعى نبوة بعد النبي H.

قال ابن حزم: «ولسنا ننكر رفع آياتٍ في عهد رسول الله H من الصدور جملة؛ لقوله تعالى: [ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ] {البقرة:106} ولا نجيز ذلك بعد موته؛ لقوله تعالى: [ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ] {البقرة:106} فإنما اشترط الله تعالى لنا رفعها معلقًا بأن يأتينا بخير منها أو مثلها، وهذا ما لا سبيل إليه بعد وفاةِ رسولِ الله H؛ لأن الإتيان بآية بعده لا سبيل إليه؛ إذ قد انقطع الوحي بموته، ومن أجاز ذلك فقد أجاز كون النبوة بعده، ومن أجاز ذلك فقد كفر وحل دمه وماله».([1])

وجاء في صحيح مسلم عَنْ أَنَسٍ I أنه قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ I بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللهِ H لِعُمَرَ: «انْطَلِقْ بِنَا إِلَى أُمِّ أَيْمَنَ نَزُورُهَا كَمَا كَانَ رَسُولُ اللهِ H يَزُورُهَا، فَلَمَّا انْتَهَينَا إِلَيْهَا بَكَتْ، فَقَالَا لَهَا: مَا يُبْكِيكِ؟ مَا عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ لِرَسُولِهِ H. فَقَالَتْ: مَا أَبْكِي أَنْ لَا أَكُونَ أَعْلَمُ أَنَّ مَا عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ لِرَسُولِهِ H، وَلَكِنْ أَبْكِي أَنَّ الْوَحْيَ قَدِ انْقَطَعَ مِنَ السَّمَاءِ، فَهَيَّجَتْهُمَا عَلَى الْبُكَاءِ، فَجَعَلَا يَبْكِيَانِ مَعَهَا».([2])

وأما أن الملائكة تنزل إلى الأرض لوظائف أخرى غير وحي التشريع، فهذا مما لا خلاف فيه؛ إذ قد تنزل الملائكة لتثبيت المؤمنين في الجهاد، أو لحضور حلق الذكر، وتنزل بالبركات على بيوت أهل الإيمان، ومن هذا الباب تتنزل الملائكة بكثرة كثيرة في ليلة القدر، فتحل البركات على أهل الإسلام، وتكثر الخيرات.

قال ابن كثير: «وقوله تعالى: [ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ] {القدر:4} أَيْ يَكْثُرُ تَنَزُّلُ الْمَلَائِكَةِ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ لِكَثْرَةِ بَرَكَتِهَا، وَالْمَلَائِكَةُ يَتَنَزَّلُونَ مَعَ تَنَزُّلِ الْبَرَكَةِ وَالرَّحْمَةِ كَمَا يَتَنَزَّلُونَ عِنْدَ تِلَاوَةِ الْقُرْآنِ، وَيُحِيطُونَ بِحِلَقِ الذِّكْرِ، وَيَضَعُونَ أَجْنِحَتَهُمْ لِطَالِبِ الْعِلْمِ بِصِدْقٍ تَعْظِيمًا لَهُ، وَأَمَّا الرُّوحُ فَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهِ هَا هُنَا جِبْرِيلُ S، فَيَكُونُ مِنْ بَابِ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ، وَقِيلَ: هُمْ ضَرْبٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ النَّبَأِ، وَاللهُ أَعْلَمُ».([3])

ثانيًا: تضارب أقوال الإمامية في نزول الوحي على الأئمة.

تناقَضَ الشيعةُ تناقضًا عظيمًا في تقريرِ مسألةِ نزولِ الوحي على أئمتهم، وإن كان جميعهم عمليًّا يؤمن بأن للإمام المعصوم بعد النبي H أن ينسخ الآية القرآنية والحديث النبوي! وقد انقسموا في هذه المسألة إلى قولين:

القول الأول: انقطاع الوحي.

يرى طائفة من علماء الإمامية أن الوحي قد انقطع بموت النبي H، لكنهم في نفس الوقت يُقررون أن للإمام المعصوم كل ما للنبي H من تقرير وتشريع للأحكام، وإليك بعض كلامهم في ذلك:

جاء في «نهج البلاغة»: «ومِنْ كَلَامٍ لَه S قَالَه وهُوَ يَلِي غُسْلَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وآله وسلم وتَجْهِيزَه: بِأَبِي أَنْتَ وأُمِّي يَا رَسُولَ الله، لَقَدِ انْقَطَعَ بِمَوْتِكَ مَا لَمْ يَنْقَطِعْ بِمَوْتِ غَيْرِكَ مِنَ النُّبُوَّةِ والإِنْبَاءِ وأَخْبَارِ السَّمَاءِ».([4])

يقول جعفر السبحاني معلقًا: «وقد أُوصِد برحيله بابُ الوحي، وأُقفل بموته باب التشريع، فلا وحي ولا تشريع بعد ذهابه، وقد وقفت على كلام الإمام أمير المؤمنين عليّ S عند تغسيل النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وتجهيزه فلا نعيد».([5])

وقال المحقق السبزواري: «المعروف من أحوال الأئمة (ع) أنهم خزنة العلم وحفظة الشرع، يحكمون فيه بما استودعهم الرسول وأطلعهم عليه، وأنهم لا يغيرون الأحكام بعد انقطاع الوحي وانسداد باب النسخ».([6])([7])

قال المفيد: «إنَّ العقل لا يمنع من نزول الوحي إليهم -يعني إلى الأئمة (ع)- وإن كانوا أئمة غير أنبياء، وإنَّما منع من نزول الوحي إليهم والإيحاء بالأشياء إليهم للإجماع على المنع من ذلك، والاتفاق على أنه من يزعم أنَّ أحدًا بعد نبيِّنا (ص) يوحَى إليه فقد أخطأ وكفر، ولحصول العلم بذلك من دين النّبي (ص)... والإمامية جميعًا على ما ذكرت..».([8])

1. الغلط.

يدعي المفيد أن العقول لا تمنع من نزول الوحي إليهم، وهذا غلطه بَيِّنٌ، فإن العقول لا يمكنها أصلًا أن تصل استقلالًا بلا مرجحٍ خارجيٍ لإثبات ما يسمى بالوحي، فضلًا عن إثباتها لنزوله على أحد!

2. التناقض.

ثم تراهُ بعد ذلك يتناقض تناقضًا بَيِّنًا فاضحًا، فتجده يذكر أن المنع علته الإجماع، ثم بعد ذلك يذكر أن المنع والإكفار معلوم من دينه S!

فأنا لا أدري: هل علة المنع عنده هو حصول ذلك العلم من دينه S كما قال، أم الإجماع الذي زعمه؟!

3. الكذب.

وكذلك تراه يذكر أن الإمامية جميعًا على ذلك! كيف وقد ذكرنا كلام مَن قال صراحة بنزول الوحي عليهم! فإما أن يكون هؤلاء كذبوا، أو أن المفيد هو الذي كذب على المذهب!

وقد يقول قائل: إن هؤلاء إنما أتوا بعد المفيد فلا عبرة بكلامهم، ويكون كلامه على من كان في زمانه، فكلامه هو الأوثق إذًا.

فنقول: إن هذا يصح إذا كان النقل فقط عن هؤلاء المتأخرين أو المعاصرين، ولكن ماذا نفعل بكلام المتقدمين على المفيد كابن بابويه القمي كما سيأتي بيانه في القول الثاني؟! فقول القمي معارض لقول المفيد؛ إذ يقول صراحة أن الأئمة لا تنطق إلا عن الله عن وحي!

حاول هذا الفريق الذي قال بانقطاع الوحي بعد النبي H أن يقف في برزخ بين عقيدة المسلمين وعقيدة الإمامية القائلة عمليًّا بنزول وحي التشريع على الأئمة، فقالوا: إن الأئمة ينزل عليهم وحي، لكن ليس وحي النبوة!!

فقال محمد السند: «في صحيحة زياد بن سوقة، عن الحكم بن عتيبة -من فقهاء العامّة- قال: دخلت علَى عليِّ بن الحسين S يومًا فقال: يا حكم، هل تدري الآية التي كان عليُّ بن أبي طالب S يعرف قاتله بها، ويعرف بها الأمور العظام التي كان يحدِّث بها النَّاس؟ قال الحكم: فقلت في نفسي: قد وقعت على علم من علم عليِّ بن الحسين، أعلم بذلك تلك الأمور العظام قال: فقلت: لا والله لا أعلم. قال: ثمَّ قلت: الآية تخبرني بها يا بن رسول الله؟ قال: هو والله قول الله D: (وَمَا أَرْسَلنَا مِنْ قَبْلِك مِنْ رَسول وَلَا نَبِيٍّ وَلَا مُحَدَّثٍ)([9])، وكان عليُّ بن أبي طالب محدَّثًا، فقال له رجل يقال له عبد الله بن زيد -كان أخَا عليٍّ لأمِّه-: سبحان الله، محدَّثًا؟! كأنَّه ينكر ذلك! فأقبل علينا أبو جعفر فقال: أما والله إنَّ ابن أمِّك بعدُ قد كان يعرف ذلك، قال: فلمَّا قال ذلك سكت الرجل، فقال: هي التي هلك فيها أبو الخطَّاب، فلم يدر ما تأويل المحدّث والنبيِّ.

وفي موثَّقة حمران قال: قال أبو جعفر S: إنَّ عليًّا S كان محدَّثًا، فخرجت إلى أصحابي فقلت: جئتكم بعجيبة. فقالوا: ما هي؟ فقلت: سمعت أبا جعفر S يقول: كان عليًّا محدَّثًا. فقالوا: ما صنعت شيئًا، ألا سألته: مَن كان يحدِّثه؟ فرجعت إليه فقلت: إنِّي حدَّثت أصحابي بما حدَّثتني فقالوا: ما صنعت شيئًا، ألا سألته: مَن كان يحدّثه؟ فقال لي: يحدِّثه ملك. قلت: نقول إنَّه نبيٌّ؟ قال: فحرَّك يده -هكذا-: أو كصاحب سليمان، أو كصاحب موسى، أو كذي القرنين، أو ما بلغكم أنَّه قال: وفيكم مثله».([10])

فكما ترى في هذه الرواية المنقولة عن أبي جعفر من موثقة حمران، الإمام فيها لم يعترض على قول حمران عندما سأله نقول: إنه نبي؟ بل حرك يده وقال: أو كصحاب سليمان أو موسى، فما هذا إلا تجويز للقول بنبوة علي I! أو أقل ما فيه نفي الإكفار عن قائليه.

وقال الجواهري: «كما أن ما فيه أيضًا -من أن الإمام S لو شرط لهم أن يقرهم ما أقرهم الله لم يجز؛ لانقطاع الوحي بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم- واضح المنع ضرورة تظافر النصوص، بل لعله من قطعيات المذهب في إمكان معرفة ذلك لهم S بطرق متعددة، كما أنها تظافرت في أنه ينكت في قلوبهم، وأن لهم مَلَكًا يقال له: الروح، أعظم من جبرائيل يأتي لهم، وانقطاع الوحي بعد النبي S إنما يراد منه ما يتعلق بالنبوة لا مطلقًا».([11])

كلامهما نقض لمسألة العصمة، فالعصمة لا تكون إلا بالوحي، فالوحي هو الذي يسددهم، وهما قد أثبتا أن غير المعصوم قد يكون محدَّثًا! كما مر في رواية أبي جعفر بضرب المثل بصاحب سليمان أو صاحب موسى، وغيرهما، وهذا هو الثابت عن طائفة من علماء الإمامية بغير قصد منهم، فلا مزية للأئمة إذًا!

ووجود هذا النوع من المحدَّثِين لم يكن مقتصرًا على من سبقهم من الأمم، بل وفي هذه الأمة كذلك، يقول الأميني: «أَصْفَقَتِ([12]) الأمةُ الإسلامية على أن في هذه الأمة لِدَةَ الأمم السابقة أناسٌ محدَّثون -على صيغة المفعول-، وقد أخبر بذلك النبي الأعظم، كما ورد في الصحاح والمسانيد من طرق الفريقين «العامة والخاصة»، والمحدث: مَن تكلمه الملائكة بلا نبوة ولا رؤية صورة، أو يلهم له ويلقى في رُوعِهِ شيء من العلم على وجه الإلهام والمكاشفة من المبدأ الأعلى، أو ينكت له في قلبه من حقائق تخفى على غيره، أو غير ذلك من المعاني التي يمكن أن يراد منه، فوجود من هذا شأنه من رجالات هذه الأمة مطبق عليه بين فرق الإسلام».([13])

وقال أيضًا بعدما ساق روايات الشيعة: «هذه جملة من أخبار الشيعة في الباب، وهي كثيرة مبثوثة في كتبهم وهذه رؤوسها، ومؤدى هذه الأحاديث هو الرأي العام عند الشيعة سلَفًا وخلَفًا، وفذْلَكَتُه: أنَّ في هذه الأمة أناسًا محدَّثين كما كان في الأمم الماضية، وأمير المؤمنين وأولاده الأئمة الطاهرون علماء محدثون وليسوا بأنبياء، وهذا الوصف ليس من خاصة منصبهم ولا ينحصر بهم، بل كانت الصديقة كريمة النبي الأعظم محدَّثَة، وسلمان الفارسي محدَّثًا».([14])

فإذا كان الأمر كذلك أن غير الأئمة يكون محدَّثًا بتحديث ملك أو خلافه- فلا مزية للأئمة قط على أحد من عموم هؤلاء المحدثين! وقد يقع للمحدثين من العصمة ما يقع للأئمة إذًا.

ادَّعى بعض علماء الإمامية عدم قول أحد من الإمامية بنزول وحي على الأئمة كما كان ينزل على النبي محمد H، منهم:

محمد علي صالح الذي قال: «ونعتقد أيضًا أن الوحي لا ينزل على الأئمة كما ينزل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقد كذب هذا الكاتب في نسبة ذلك إلى الشيعة، وليته ذكر مصدرًا من مصادر الشيعة قالوا فيه بذلك».([15])

وآصف محسني الذي قال: «ومن هذا الكلام يفهم بطلان افتراء من ادعى أن الإمامية يعتقدون بنبوة الأئمة (ع) ونزول الوحي إليهم، فإن الإمامية عن بكرة أبيهم لم يقولوا به؛ إذ لا وحي بعد النبي الأكرم (ص)، بل لا وحي في زمان حياته إلَّا إليه (ص)، [ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ] {الشعراء:227}».([16])

الجواب:

قال علماء الإمامية صراحة بنزول الوحي على أئمتهم، وأن هذا الوحي هو جبريل، وأنه ينزل عليهم بوحي التشريع كما كان ينزل على الأنبياء.

1. ابن بابويه القمي.

قال القمي في كتابه «الاعتقادات»، تحت عنوان: (باب الاعتقاد في عدد الأنبياء والأوصياء Q): «...ونعتقد..: أنهم Q لم ينطقوا إلا عن الله تعالى وعن وحيه».([17])

ووجه الاستدلال هو أن الذي ذكره القمي إنما قاله الله تعالى في نبيه محمد H: [ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ] {النجم: 3-4} وهذا الوحي الذي كان يأتيه S هو جبريل.

2. الوحي الذي كان يأتي الأئمة هو جبريل S.

عن أبي الحسن الأول موسى S قال: «مبلغ علمنا على ثلاثة وجوه: ماض، وغابر، وحادث، فأما الماضي فمفسر، وأما الغابر فمزبور، وأما الحادث فقذف في القلوب ونقر في الأسماع، وهو أفضل علمنا، ولا نبي بعد نبينا».([18])

وعن عمار الساباطي قال: «قلت لأبي عبد الله S: بم تحكمون إذا حكمتم؟ قال: بحكم الله وحكم داود، فإذا ورد علينا الشيء الذي ليس عندنا تلقانا به روح القدس».([19])

مَنْ روح القدس هذا الذي ينزل على الأئمة؟

روح القدس هذا هو الذي كان ينزل على الأنبياء بإقرار جعفر السبحاني فقال: «الظاهر أن المرادَ من الملك في هاتيك الروايات هو جبرائيل».([20])

ويقول صدر الدين الشيرازي في كتابه «الحجة» بأن جبريل هو روح القدس: «وذلك جبرائيل هو المسمى بروح القدس»([21])، ثم أثبت أن الإمام يسمع كلام الله تعالى بواسطة روح القدس أي: بواسطة جبريل فقال: «قوله: والإمام هو الذي يسمع الكلام ولا يرى الشخص أي: يسمع كلام الله بواسطة الروح القدسي سماعًا في اليقظة لكن بصورة الألفاظ، ولا يرى الواسطة متمثلةً متشخصة لا في اليقظة ولا في النوم أيضًا».([22])

3. الميرزا حبيب الله الهاشمي الخوئي

أما الميرزا الخوئي فقد سوَّى بين الإمام والرسول في سماع الملك ورؤيته، فقال: «ما أشار إليه بقوله: (إِنَّكَ تَسمع ما أسمع، وترى ما أرى) ظاهر هذا الكلام يفيد أن الإمام يسمع صوت الملك ويعاينه كالرسول».([23])

4. انتقال روح القدس من الأنبياء إلى الأئمة.

عن المفضل بن عمر، عن أبي عبد الله S قال: «سألته عن علم الإمام بما في أقطار الأرض وهو في بيته مُرْخًى عليه ستره، فقال: يا مفضل، إن الله تبارك وتعالى جعل في النبي S خمسة أرواح: روح الحياة، فبه دب ودرج، وروح القوة، فبه نهض وجاهد، وروح الشهوة، فبه أكل وشرب وأتى النساء من الحلال، وروح الايمان، فبه آمن وعدل، وروح القدس، فبه حمل النبوة، فإذا قبض النبي S انتقل روح القدس فصار إلى الإمام، وروح القدس لا ينام ولا يغفل ولا يلهو ولا يزهو، والأربعة الأرواح تنام وتغفل وتزهو وتلهو، وروح القدس كان يرى به».([24])

فهذه الرواية تقرر اعتقادهم أن روح القدس الذي حمل به الأنبياء النبوة ينتقل بعد موت النبي H إلى الأئمة، فإن لم يكن هذا تقريرًا للنبوة، فما تكون النبوة إذًا؟

قالت الإمامية: إن روح القدس هذا ملك أعظم من جبرائيل! فعن أبي بصير قال: «سألت أبا عبد الله S عن قول الله D: [ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ] {الإسراء:85} فقال: خَلق أعظم من جبرائيل وميكائيل، كان مع رسول الله ص، وهو مع الأئمة، وهو من الملكوت».([25])

فإن سلَّمنا للإمامية بهذا جدلًا فهو تفضيل منهم لأئمتهم على الأنبياء.

5. الأئمة لهم سنة تشريعية.

وقد اتفقت الإمامية على أن لأئمتهم سنةً تشريعيةً، وهذا لازمه اعتقاد نزول وحي التشريع على الأئمة!

جاء في كتاب «حصر الاجتهاد» لآقا بزرگ الطهراني: «وكان مصدر التشريع عند الشيعة آنذاك الكتاب والسنة، ويعنون بالسنة قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أو الإمام (ع)، أو فعلهما أو تقريرهما».([26])

فصار الإمام مصدرًا للتشريع، وله سنة تشريعية، ودونك كلام السيستاني في هذا الباب:

6. قول الإمام ينسخ القرآن الكريم والسنة النبوية.

قال السيستاني: «١- النسخ: وتحدثنا فيه عن إمكان صدور النسخ من قبل أهل البيت Q للآية القرآنية والحديث النبوي والحديث المعصومي السابق، وأقسام النسخ من النسخ التبليغي الذي يعني: كون الناسخ مودعًا عندهم Q من قبل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، لكنهم يقومون بتبليغه في وقته، والنسخ التشريعي، وهو عبارة عن صدور النسخ منهم ابتداءً، وهذا يبتني على ثبوت حق التشريع لهم Q كما كان ثابتًا للرسول صلى لله عليه وآله وسلم».([27])

وقرر الخوئي أن للإمام حقَّ النسخ للقرآن والسنة، فقال: «إن الحكم الثابت بالقرآن ينسخ بالسنة المتواترة، أو بالإجماع القطعي الكاشف عن صدور النسخ عن المعصوم عله السلام».([28])

فكيف يمكن للإمام إذًا أن ينسخهما بدون وحي التشريع؟ فلا حق للإمام في الاجتهاد، بل حركاته وسكناته بوحي، فلا اجتهاد له مع التشريع، إنما يفعل ما يُؤمر به، فكيف ينسخ الدين بغير وحي تشريعي؟!

ويلزم من هذا أن أئمة الشيعة أنبياء بأسماء أئمة، وهذا ما أقره المجلسي لما قال: «ولا نعرف سببًا لعدم اتصافهم بالنبوة إلا رعاية جلالة خاتم الأنبياء S، ولا تصل عقولنا إلى فرق بَيِّن بيْن النبوة والإمامة».([29])

وهذا يُثبت أن هؤلاء أنبياء لا مجرد أئمة؛ ولذلك قال علِي الميلاني: «كان عليٌّ شريكًا لرسول الله في رسالته».([30])

وبعد كل هذا التخبط الذي لا يؤدي بصاحبه إلا إلى خروجه من ملة الإسلام، فهل لا يزال هناك من يقول بقول الشيعة بنزول الوحي على الأئمة؟!

فالأمر لا يعدو برمته سوى تفضيل للأئمة على الرسول، ورفعهم فوق مقام الرسالة، وكل ذلك خَرْقٌ لثوب العقيدة وتمزيق لأصل الدين، نربأ بكل مسلم أن يعتقد به، أو يسير في غيه وضلاله.

 

_ _ _

 

 

([1]) «الإحكام في أصول الأحكام» ابن حزم (4/455).

([2]) «صحيح مسلم» باب: من فضائل أم أيمن J (4/١٩٠٧) برقم (2454).

([3]) «تفسير ابن كثير» ط. العلمية (٤٢٧/٨).

([4]) «نهج البلاغة» (1/355).

([5]) «مع الشيعة الإمامية في عقائدهم» (1/229).

([6]) وهذا يعارضه قول السيستاني والخوئي القائلَيْن بجواز نسخ الإمام للقرآن والسنة كما سيأتي بيانه.

([7]) «ذخيرة المعاد في شرح الإرشاد» (3/480).

([8]) «أوائل المقالات» (ص39).

([9]) هذه الآية لا وجود لها في كتاب الله D، إنما هي من تحريفات الإمامية لكتاب الله، فالآية في كتاب الله [ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ   ] {الأنبياء:25}

([10])   «الوراثة الاصطفائية لفاطمة الزهراء P» (1/256).

([11])   «جواهر الكلام» محمد حسن النجفي الجواهري (21/300).

([12])   أَصْفَقَ الْقَوْمُ عَلَى الْأَمْرِ: إِذَا اجْتَمَعُوا عَلَيْهِ، «مقاييس اللغة» (3/290).

([13])   «موسوعة الغدير» (٥/٤٢).

([14])   المصدر السابق (٥/49).

([15])   «الحقيقة المظلومة» (١/٩٣).

([16])   «العقائد الإسلامية للمتوسطين من المحصلين للعلوم الدينية» محمد آصف محسني (1/117).

([17])   «الاعتقادات في دين الإمامية» ابن بابويه القمي (ص92).

([18])   «الكافي» (1/264)، وقال المجلسي في «مرآة العقول» (3/136): «صحيح على الظاهر».

([19])   «الكافي» (1/398)، وقال المجلسي في «مرآة العقول» (4/303): «موثق».

([20])   «مفاهيم القرآن» (4/390).

([21])   «الحجة» (ص91).

([22])   المصدر السابق (ص93).

([23])   «منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة» (12/42- 43).

([24])   «الكافي» (1/272).

([25])   «الكافي» (1/273)، وقال المجلسي في «مرآة العقول» (3/171): «صحيح».

([26])   «حصر الاجتهاد» لآقا بزرگ الطهراني (ص 34).

([27])   «الرافد في علم الأصول» تقرير بحث السيستاني، السيد منير (ص26).

([28])   «البيان في تفسير القرآن» (ص 286).

([29])   «مرآة العقول» (2/290).

([30])   «محاضرات في الاعتقاد» (1/49).