تلك المحاولات اليائسة البائسة لإثبات شيء متوهم في أذهان الإمامية فقط دائمًا ما تبوء بالفشل؛ ذلك أن عقيدة الإمامة بالنظرية الشيعية إنما هي محض خيال اخترعها علماؤهم، ولا وجود لها في الكتاب الكريم بحال من الأحوال، فهم يعمدون إلى أدلة -آيات- لا عَلاقة لها بالمدَّعى -الإمامة- ويحملونها على غير معانيها، ويخرجونها عن سياقاتها لتوافق هواهم؛ تحريفًا وتزويرًا لمدلولها، فهذه الآية لو رجعنا إلى سياقها، لاستبان أن المراد هنا مُعَيَّن لا يخرج عنه إلى غيره؛ لأنه تعيين إلهي، فالآية تتكلم عن إمامة الأنبياء Q.
قال تعالى: [ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ] {الأنبياء: 69-75}.
فالآيات تتكلم عن إبراهيم وإسحاق ويعقوب، وقد أخبر الله تعالى أنهم أئمة هَادُونَ للحقِّ والخير، فما دخل الأئمة الاثني عشر؟ إلا إذا كان الحلي يعتقد أن أئمته أحد هؤلاء الثلاثة!
ولما كان معنى الآية في منتهى الوضوح وصراحة الدلالة أنها في الأنبياء السابقين، اعترف بذلك علماء الإمامية في تفسيرهم لها، فقال حسين علي المنتظري: «وليست الزكاة من مخترعات الإسلام، بل كانت ثابتة في الشرائع السالفة أيضًا مثل الصلاة؛ فالقرآن يذكر الأنبياء السالفين فيقول: [ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ] {الأنبياء:73} ».([1])
ثالثًا: الإمامة هنا هي إمامة الاتباع والقدوة.
المراد بالإمامة في الآية هي إمامة الاقتداء والاتباع، لا الإمامة بالمفهوم الذي يدعيه الإمامية في الاثني عشر، قال الطوسي: [ﭑ ﭒ] يقتدي بهم في أفعالهم [ﭓ] الخَلْقَ إِلَى طريقِ الحَقِّ: [ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ] أي: أوحينا إليهم بأن يفعلوا الخيرات: [ﭙ ﭚ] أي: وبأن يقيموا الصلاة بحدودها»([2]).
وقال الفيض الكاشاني: «وجعلناهم أئمة يقتدى بهم، يهدون الناس إلى الحق بأمرنا».([3])
فإذا تقرَّر هذا عُلم أن الإمامة المرادة بالآية ليس هي الإمامة التي يدعيها الإمامية، فهل ستتنازل الإمامية عن عقيدتهم في الإمامة، وتقبل إمامة الاقتداء؟! أم سيتشبثون بالاستدلال بهذه الآية لاتفاق رسم الإمامة فيها برسم الإمامة التي يعتقدها الإمامية، مع اختلاف المدلول؟!
رابعًا: فساد تقرير الإمامة الشيعية عند الاستدلال بهذه الآية.
قال الطوسي: «وقولنا: (إمام) يستفاد منه أمران:
أحدهما: أنه مقتدًى به في أفعاله وأقواله من حيث قال وفعل؛ لأن حقيقة الإمام في اللغة هو المقتدى به، ومنه قيل لمن يصلِّى بالناس: إمام الصلاة.
والثانـي: أنه يقوم بتدبير الأمة وسياستها، وتأديب جناتها، والقيام بالدفاع عنها، وحرب من يعاديها، وتولية ولاته من الأمراء والقضاة وغير ذلك، وإقامة الحدود على مستحقيها.
فمن الوجه الأول: يشارك الإمام النبي في هذا المعنى؛ لأنه لا يكون نبي إلا وهو مقتدًى به، ويجب القبول منه من حيث قال وفعل، فعلى هذا لا يكون إلا وهو إمام.
وأما من الوجه الثاني: فلا يجب في كل نبي أن يكون القيم بتدبير الخلق، ومحاربة الأعداء، والدفاع عن أمر الله بالدفاع عنه من المؤمنين؛ لأنه لا يمتنع أن تقتضي المصلحة بعثة نبي وتكليفه إبلاغ الخلق ما فيه مصلحتهم ولطفهم في الواجبات العقلية، وإن لم يكلف تأديب أحد، ولا محاربة أحد، ولا تولية غيره، ومن أوجب هذا في النبي من حيث كان نبيًّا، فقد أبعد وقال ما لا حجة له عليه».([4])
ولا شك أن الإمامية لا يثبتون المعنى الأول وحده للإمامة –مجرد الاقتداء- في حق الأئمة، وإلا للزم أن يكون الأنبياء جميعًا أئمة، وهذا ما لا يلتزم به الإمامية، فبقي المعنى الثاني الذي هو القدر الفاصل بين الأئمة والأنبياء، وهذا القدر لا تتعلق به الآية.
لو سلَّمْنا للإمامية جدلًا بأن الأئمة يدخلون في الآية، وأنهم أئمة يهدون بأمر الله، فإن هذا الأمر مخالف للواقع؛ لعدم هدايتهم للناس، بل ولا حتى لشيعتهم.
روى الكليني بسنده عن عيسى بن السري أبي اليسع قال: «قلت لأبي عبد الله S: أخبرني بدعائم الإسلام التي لا يسع أحدًا التقصير عن معرفة شيء منها،... ثم كان محمدَ بنَ علي أبَا جعفر، وكانت الشيعةُ قبل أن يكون أبو جعفر وهم لا يعرفون مناسك حجهم وحلالهم وحرامهم، حتى كان أبو جعفر ففتح لهم وبين لهم مناسك حجهم وحلالهم وحرامهم، حتى صار الناس يحتاجون إليهم من بعد ما كانوا يحتاجون إلى الناس...».([5])
فهل الأئمة قبل الباقر غيرُ داخلين في الآية؛ لأنهم لم يكونوا هداة، ولم يعَلِّمُوا شيعتهم الحلال والحرام ومناسك الحجِّ؟
لا يكون المهدي مصداقًا للآية في زمن الغيبة؛ لأنه لا يُهتدى به، ولا ينتفع منه في حال غيبته، وعليه فلا يكون إمامًا في زمان الغيبة! وهذا يعارضه اعتقاد الإمامية في إمامته حال غيبته، يقول محمد آصف محسني: «الغيبة التي امتدت أكثر من ألف سنة، وربما تمتد إلى آلاف أو ملايين السنين، فإن المؤمنين لم ينتفعوا ولا ينتفعون من إمامهم الغائب -عجل الله تعالى فرجه- في الأصول والفروع، وما يقال بخلاف ذلك فهو تخيل وتوهم ولعب بالعقول»،([6]) وقال أيضًا: «ولا يمكن القول بانتفاعنا منه S في زمن الغيبة في الأمور الدينية إلا ممن سلب الله عقله»([7]).
وعليه فكتْمُ الأئمة علْمَهم عن شيعتهم، وحرمانُهم منه، مخرجٌ لهم عن الآية، التي جعلت من أهمِّ أوصاف هؤلاء الأئمة أنهم هادون مبيِّنون لأمر الله، فتنبهْ.
وقد ذكر الله لنا في كتابه الإمامة العامة، وهي الإمامة الاكتسابية التي اكتسبها إسحاق ويعقوب وقبلهم إبراهيم، ولم يذكر لنا الله الإمامة الخاصة التي هي رياسة عامة في الدين والدنيا في ولد فاطمة؟ فهل كانت إمامة إسحاق ويعقوب أفضل من إمامة الأئمة حتى يبين الله لنا إمامتهم الاكتسابية ولا يبين لنا إمامة الأئمة بالمفهوم الشيعي؟ وإذا كانت الإمامة بالمفهوم الخاص أعظم منزلة من النبوة؛ فلماذا لم يقص الله علينا قصة إمام نصب في قومه؟
_ _ _
([1]) «نظام الحكم في الإسلام» حسين علي المنتظري (ص444).
وكذلك دلالة الوحي في الآية في قوله تعالى: [ﭕ ﭖ ] والوحي هنا وحي الشرائع، وهو خاص بالأنبياء دون غيرهم، قال فتح الله الكاشاني: «ولهذا قال D: [ﭕ ﭖ ] ليحثُّوهم عليها، فيتمُّ كمالهم بانضمام العمل إلى العلم، وعن ابن عبَّاس: هي شرائع النبوَّة، وأصله: أن تفعلَ الخيرات، ثم فعلًا الخيرات، ثمَّ فعلَ الخيرات» «زبدة التّفاسير» فتح الله الكاشاني (4/339).
قال الطبرسي: «[ﭕ ﭖ ] قال ابن عباس: شرائع النبوة». «مجمع البيان في تفسير القرآن» الطبرسي (7/101). واكتفى الطبرسي بنقل تفسير ابن عباس I، ولم يعقِّب عليه، ولم يذكر غيره.
([2]) «تفسير التبيان» الطوسي (7/265).
([3]) «التفسير الصافي» الفيض الكاشاني (3/347).
([4]) «الرسائل العشر» الطوسي (ص112).
([5]) «الكافي» الكليني (2/20)، وصححه المجلسي بسنديه في المرآة (7/108)
([6]) «كتاب مشرعة الأنوار» محمد آصف محسني (1/408).
([7]) المصدر السابق (2/223).
وقال محمد الصدر: «الخصِيصة الأولى وهي الرئيسة التي تعطي هذه الفترة شكلها المعتاد، وهي أن المسلمين منقطعون بالكلية عن قائدهم وموجههم وإمامهم، لا يجدون إلى رؤيته والتعرف إليه سبيلًا، ولا إلى الاستفادة من أعماله وأقواله طريقًا، ولا يجدون له وكيلًا أو سفيرًا خاصًّا ولا يسمعون عنه بيانًا ولا يرون له توقيعًا كما كان عليه الحال خلال الغيبة الصغرى؛ إذ في هذه الفترة التي نؤرخها يكون كل ذلك قد انقطع بشكل عام». «تاريخ الغيبة الكبرى» (ص25- 26).