استدلال الشيعة بقوله تعالى: [ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ] {يس:12} على وجوب الإمامة
الشبهة:
ومن أغرب وأعجب ما استدل به الشيعة على وجوب تنصيب إمام هو قوله تعالى: [ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ] {يس:12} فقال القزويني: «وغير المعصوم يخطئ، فيختلط عليه أمر الناسخ والمنسوخ، والمحكم والمتشابه، ولا يهتدي إلى فهم معناه كلُّ أحد، وقال تعالى: [ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ] فلا بد أن يكون هناك إمامٌ مبيِّن لغوامضِه وأسرارِ دقائقه وتفصيلِ أحكامه وناسخه ومنسوخه».([1])
([1]) «الآلوسي والتشيع» أمير محمد القزويني (ص378).
الرد علي الشبهة:
أولًا: فساد الاستدلال وفساد المعنى.
الآية المباركة لا عَلاقة لها من قريبٍ أو بعيدٍ بالإمامة جملةً وتفصيلًا، وهذا التفسير الباطني الذي اخترعوه يدلُّ على أزمة الأدلة العقَدية عندهم، فلجؤوا إلى لَيِّ أعناق النصوص لمطاوعة آرائهم، وعمدوا إلى مجرد اشتباه اللفظ باتحاد الرسم لتوحيد المعنى! وهذا مما لا يقول به عاقل قط.
وعامة المفسرين على أن المراد بالإمام المبين في الآية هو اللوح المحفوظ أو الصحف.
قال البغوي: «أَيْ: وَكُلَّ شَيْءٍ مِنَ الْأَعْمَالِ بَيَّنَّاهُ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ».([1])
وقيل: المراد بالإمام المبين هو صحائف الأعمال.
وقال القرطبي: «وَالْإِمَامُ: الْكِتَابُ الْمُقْتَدَى بِهِ الَّذِي هُوَ حُجَّةٌ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ وَابْنُ زَيْدٍ: أَرَادَ اللَّوْحَ الْمَحْفُوظَ، وَقَالَتْ فِرْقَةٌ: أَرَادَ صَحَائِفَ الْأَعْمَالِ».([2])
وهذا المعنى وَرَدَ أيضًا في كتب القوم وتفاسيرهم:
قال الطوسي: «ثم قال: [ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ] ومعناه: أحصيناه في كتابٍ ظاهرٍ، وهو اللوح المحفوظ، والوجه في إحصاء ذلك في إمام مبين: اعتبار الملائكة به إذا قابلوا به ما يحدث من الأمور، وكان فيه دليل على معلومات الله على التفصيل».([3])
وقال الطبرسي: «والإمام المبين: هو اللوح المحفوظ، وقيل: هو صحائف الأعمال، سماه مبينًا؛ لأنه لا يندرس أثره».([4])
وهناكَ معنى آخرُ أشار إليه أحد معاصريهم، وهو أن الإمام في الآية كناية عن علم الله تعالى، قال محمد جواد مغنية: [ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ] {يس:12} الله يبعث مَن في القبور لا محالة، ويحصِي جميع أعمالهم من خير أو شر، وما تركوا من آثار نافعة أو ضارة، ويجزي كل نفس بما كسبت، ولا ينجو من عذابه وغضبه إلا من آمن بالحق، وكف أذاه عن الخلق: [ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ] الإمام: كناية عن علمه الذي لا يعزب عنه شيء».([5])
حمل لفظة الإمام المبين في الآية على الإمام يلزم منه أنه يعلم الغيب المطلق؛ لأن لفظة (كُلَّ) في الآية هي من صيغ العموم، فيكون المعنى آنذاك أن هذا الإمام يعلم كل شيء بلا استثناء، ومنه علم الغيب الذي استأثر الله به، ولا شك أن هذ المعنى معارض لكتاب الله الذي صرَّح في أكثر من موضع باختصاص الله بهذا الأمر، كقوله تعالى: [ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ] {الأنعام:59} وقوله سبحانه: [ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ] {النمل:65}.
إن كان المقصودُ بالـ(إمام) عليًّا أو الأئمةَ الاثني عشر، وقد أحصى الله في هذا الإمام كلَّ شيء، فيلزم على هذا أنه أفضل وأرفع مقامًا، وأجلُّ مكانة من رسول الله H.
إذا كان المقصود بالإمام المبين في الآية هو الإمام، فذلك يعني علم الأئمة بكل شيء حتى الغيب كما ذكرنا آنفًا، وهذا العلم لا يكون إلَّا في الإمام المبين، ولا يمكن للشيعة الإمامية إدخالُ النبي H في مقام إمامة الأئمة الاثني عشر؛ لعدم النص، وكذلك لعدم قولهم بثلاثة عشر إمامًا، إنما يقصرون الإمامة على اثني عشر فقط لا غير.
وهذا يجرُّنا بالتبعية إلى القول بأن العلم الْمُتَحَصِلُ للأئمة أعلَى من علمه H، وذلك لزيادة علمهم عنه في مقام معرفة الغيب، والله سبحانه وتعالى قد نفى عن نبيه S معرفة الغيب فقال: [ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ] {الأعراف:188}.
_ _ _
([1]) «تفسير البغوي» (5/202).
وقال ابن الجوزي: «أَحْصَيْناهُ أي: حَفِظْناه فِي إِمامٍ مُبِينٍ، وهو اللوح المحفوظ» «زاد المسير في علم التفسير» ابن الجوزي (3/519).
([2]) «تفسير القرطبي» (15/13).
وقال صديق حسن خان: «(فِي إِمَامٍ) أي: كتاب مقتدى به، (مُبِينٍ) موضح لكل شيء، قال مجاهد وقتادة وابن زيد: أراد اللوح المحفوظ، وقالت فرقة: أراد صحائف الأعمال»
([3]) «تفسير التبيان» الطوسي (8/447).
([4]) «تفسير جوامع الجامع» الطبرسي (3/133).
وقال الفيض الكاشاني: «[ ﯣ ﯤ] أي: أسلفوا في حياتهم، [ﯥ] وما بقي عنهم بعد مماتهم يصل إليهم ثمرته إما حسنة كعِلْمٍ علَّموه، أو حبيسٍ وقفوه، أو سيئة كإشاعةِ باطلٍ أو تأسيس ظلم أو نحو ذلك، والإمام المبين اللوح المحفوظ». «الوافي» الفيض الكاشاني (5/1010).
([5]) «التفسير المبين» محمد جواد مغنية (ص580).