فالآية نصت على أن الخمس في الغنيمة، والغنيمة -كما قَالَ الأَزهري-: «مَا أَوجَف عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ بِخَيْلِهِمْ وَرِكَابِهِمْ مِنْ أَموال الْمُشْرِكِينَ، وَيَجِبُ الْخُمُسُ لِمَنْ قَسَمه اللهُ لَهُ»، ثم بينها بقوله: «مَا أُصيبَ مِنْ أَموالِ أَهْلِ الْحَرْبِ، وأَوجَف عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ الْخَيْلَ وَالرِّكَابَ».([1])
سياق الآيات يحدد معنى الغنيمة المراد في الآية ويعينه، فالآية في سياق الكلام عن الحرب، فانظر إلى سياق الآيات لتعلم أن أي معنى غير المعنى المتعين من أن الغنيمة هي ما أُخذ من مال الكافرين في الحرب، هو تحريف لمراد الله سبحانه وتعالى، قال الله D: [ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ] {الأنفال: 39-45}.
فهذا هو سياق الآيات، فكيف يُخرج المعنى بعد ذلك ليشمل أموال المغانم من أموال المسلمين؟!
الغنيمة في اللغة والشرع والعرف: تطلق على ما يحوزه الغانمون من أموال الكفار مغالبةً، وإن كان الأصل اللغوي لا يمنع دخولَ غير ذلك فيها، إلا أن أهل العلم قد اتفقوا على أن الشرع إذا نَقَلَ لفْظًا من الحقيقة اللغوية إلى الشرعية، فإنه عند إطلاقه من الشارع يجب حمله على الحقيقة الشرعية لا اللغوية.
يقول الأميني: «الركوع وإن كان في اللغة بمعنى مطلق الخضوع، لكنه صار في الشرع اسمًا لركوع الصلاة، كما أن الصلاة كان معناها في اللغة مطلق الدعاء، وصارت في عرف الشرع لذات الأركان، فقولُهُ تعالى: [ﯰ ﯱ] لا يصح أن يراد به وهم خاضعون؛ لأن الحقيقة الشرعية والعرفية مقدمةٌ على الحقيقة اللغوية».([2])
ومعلوم أن الشارع لما نص على الغنيمة إنما قصد بها: «مَا انْتَزَعَهُ الْمُسْلِمُونَ مِنَ الْكُفَّارِ بِالْغَلَبَةِ وَالْقَهْرِ».([3])
ولأجل ذلك اتفق المسلمون على هذا المعنى للغنيمة، قال القرطبي: «وَاعْلَمْ أَنَّ الِاتِّفَاقَ حَاصِلٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: [ﭔ ﭕ ﭖ ] مَالُ الْكُفَّارِ إِذَا ظَفِرَ بِهِ الْمُسْلِمُونَ عَلَى وَجْهِ الْغَلَبَةِ وَالْقَهْرِ، وَلَا تَقْتَضِي اللُّغَةُ هَذَا التَّخْصِيصَ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ، وَلَكِنَّ عُرْفَ الشَّرْعِ قَيَّدَ اللَّفْظَ بِهَذَا النَّوْعِ، وَسَمَّى الشَّرْعُ الْوَاصِلَ مِنَ الْكُفَّارِ إِلَينَا مِنَ الْأَمْوَالِ بِاسْمَيْنِ: غَنِيمَةً، وَفَيْئًا، فَالشَّيْءُ الَّذِي يَنَالُهُ الْمُسْلِمُونَ مِنْ عَدُوِّهِمْ بِالسَّعْيِ وَإِيجَافِ الْخَيْلِ وَالرِّكَابِ يُسَمَّى: غَنِيمَةً، وَلَزِمَ هذا الاسم هذا الْمَعنَى حَتَّى صَارَ عُرْفًا...».([4])
قال الطبرسي: «هي ما أخذ من أموال أهل الحرب من الكفار بقتال، وهي هبة من الله تعالى للمسلمين»([5]) وقال الراوندي: «الغنيمة: ما أخذ من أموال أهل الحرب من الكفار بقتال، وهي هبة من الله للمسلمين».([6])
ترجيح الطوسي.
قال الطوسي: «والذي نذهب إليه أن مال الفيء غير مال الغنيمة، فالغنيمة: كل ما أخذ من دار الحرب بالسيف عَنْوَةً مما يمكن نقله إلى دار الإسلام، وما لا يمكن نقله إلى دار الإسلام فهو لجميع المسلمين، ينظر فيه الإمام ويصرف انتفاعه إلى بيت المال لمصالح المسلمين. والفيء: كل ما أخذ من الكفار بغير قتال أو انجلاء أهلها، وكان ذلك للنبي صلى الله عليه وآله وسلم خاصة يضعه في المذكورين في هذه الآية، وهو لمن قام مقامه من الأئمة الراشدين».([7])
فكل هذه النقول صريحة وواضحة في أن المراد بالغنيمة ما غنمه المسلمون من الكفار في المعركة، ولا عِبرة بحمل الألفاظ على محاملها اللغوية في المسائل الشرعية التوقيفية.
رَدَّ علماء الشيعة على الاستدلال بهذه الآية، ورفضوا دلالتها على خُمْسِ المكاسب، ومن هؤلاء:
1. السبزواري.
قال في «الذخيرة»: «احتج الموجبون بقوله تعالى: [ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ] الآية، وفيه نظر؛ لأن الغنيمة لا تشمل الأرباح لغةً وعرفًا، على أن المتبادر من الغنيمة الواقعة في الآية غنيمة دار الحرب، كما يدل عليه سوق الآيات السابقة واللاحقة وبالأخبار».([8])
ثم ضعَّف السبزواري تلك الأخبار التي توجب الخمس في المكاسب التي ادَّعَوا استفاضتها، ومن جملة الأخبار التي ضعفها: خبر الكليني المذكور في أصل الشبهة كتفسير لآية الخمس([9])،كما ضعَّفه المجلسيُّ أيضًا([10]).
ولأجل ضعف هذه الأخبار أنكر بعض علماء الشيعة خمس المكاسب، كابن الجنيد([11]) وابن أبي عقيل([12]) وغيرهما، يقول صاحب كتاب «الينابيع الفقهية»: «وظاهر ابن الجنيد وابن أبي عقيل العفو عن هذا النوع، وأنه لا خمس فيه»([13]).
كما ردَّ الاستدلال بالآية محمدٌ العامليُّ، مع نقضه لمعظم الروايات الواردة عن أهل البيت بهذا الشأن في كتابه «مدارك الأحكام»، وذلك بقوله: «وفي جميع هذه الأدلة نظر: أما الآية الشريفة؛ فلأن المتبادر من الغنيمة الواقعة فيها غنيمة دار الحرب، كما يدل عليه سوق الآيات السابقة واللاحقة، فلا يمكن التجوز بها في غيره إلا مع قيام الدلالة عليه، وأما الروايات فلا يخلو شيء منها من ضعف في سند، أو قصور في دلالة»([14]) كما اعترف بضعف جميع الأدلة الدالة على خمس المكاسب الأردبيلي في «مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان»([15]).
جاءت روايات تقر بأن الخمس الذي يقول به الشيعة إنما ثبت بالأخبار لا بالقرآن، قال الطوسي: « فَأَمَّا مَا رَوَاهُ الْحَسَنُ بْنُ مَحْبُوبٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سِنَانٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ (ع) يَقُولُ: «لَيْسَ الْخُمُسُ إِلَّا فِي الْغَنَائِمِ خَاصَّةً»، فَالْمُرَادُ بِهِ لَيْسَ الْخُمُسُ بِظَاهِرِ الْقُرْآنِ إِلَّا فِي الْغَنَائِمِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ مَا عَدَا الْغَنَائِمَ الَّتِي أَوْجَبنَا فِيهَا الْخُمُسَ إِنَّمَا يَثْبُتُ ذَلِكَ كُلُّهُ بِالسُّنَّة».([16])
وقد سبق أن ذكرنا تضعيف علماء الشيعة لرواياتهم في خمس المكاسب.
جاءت روايات كثيرة عند الشيعة تفيد إسقاط هذا الخمس عن الشيعة في زمان الغيبة، وقد ذكر محمد العاملي الإباحة فيما يتعلق بالإمام من الخمس فقال: «والأصح إباحة ما يتعلق بالإمام S من ذلك خاصة؛ للأخبار الكثيرة الدالة عليه، كصحيحة علي بن مهزيار قال: «قرأت في كتابٍ لأبي جعفر S عن رجل يسأله أن يجعله في حل من مأكله ومشربه من الخمس، فكتب بخطه: من أعوزه شيء من حقي فهو في حل».
وصحيحة الحارث بن المغيرة النصري، عن أبي عبد الله S قال: «قلت له: إن لنا أموالًا من غلات وتجارات ونحو ذلك، وقد علمت أن لك فيها حقًّا، قال: فَلِمَ أحللنا إذًا لشيعتنا إلا لتطيب ولادتهم؟ وكل من والى آبائي فهم في حل مما في أيديهم من حقنا، فليبلغ الشاهد الغائب».
وصحيحة زرارة، عن أبي جعفر S أنه قال: «إن أمير المؤمنين S حللهم من الخمس» يعني: الشيعة.
وصحيحة زرارة ومحمد بن مسلم وأبي بصير، عن أبي جعفر S قال: «قال أمير المؤمنين S: هلك الناس في بطونهم وفروجهم؛ لأنهم لا يؤدون إلينا حقَّنا، ألا وإن شيعتنا من ذلك وأبناءهم في حل».
وفي صحيحة عمر بن يزيد أنه قال: «رأيت أبا سيار مسمع بن عبد الملك بالمدينة، وكان قد حمل إلى أبي عبد الله S مالًا في تلك السنة فرده عليه، فقلت له: لم رد عليك أبو عبد الله S المال الذي حملته إليه؟ فقال: إني قلت له حين حملت إليه المال: إني كنت وليت الغوص فأصبت أربعمائة ألف درهم، وقد جئت بخمسها إليك ثمانين ألف درهم، وكرهت أن أحبسها عنك أو أعرض لها وهي حقك الذي جعله الله لك في أموالنا، فقال: وما لنا في الأرض وما أخرج الله منها إلا الخمس؟! يا أبا سيار، الأرض كلها لنا، فما أخرج الله منها من شيء فهو لنا، قال: قلت له: أنا أحمل إليك المال كله، فقال لي: يا أبا سيار، قد طيبناه لك وحللناك منه، فضم إليك مالك، وكلما كان في أيدي شيعتنا من الأرض فهم فيه محللون، يحل لهم ذلك إلى أن يقوم قائمنا...» فالمستفاد من الأخبار المتقدمة إباحة حقوقهم Q من جميع ذلك، والله تعالى أعلم»([17]).
وما زال علماء الإمامية على الرغم من كل هذه الآثار التي قالوا بصحتها يأخذون أخماس المكاسب حتى يومنا هذا معارضين لهذه الأخبار.
كيف يوجب الله تعالى في نفس المال عشرًا أو نصف عشر زكاةً، ويفرض فيه خمسًا في نفس الوقت، والمفارقة ألَّا يُذكر الخمس إلا في آية واحدة في الغنائم في سياق آيات تتعلق بالحرب، بينما يتكرر ذِكر الزَّكاة في القرآن الكريم أكثر من ثلاثين مرًّة؟!
مما يدل على أن فهم الشيعة منكوس، لكن هذه الأموال كانت السبب الأكبر في حرص المعممين على نشر التشيع، ليس حُبًّا في الدين ونشره، إنما رغبةً في اتساع الموارد وكثرة الدخول، ومن هنا نعلم أن حرص المعممين على الدنيا والمال كان هو السبب الأكبر في تلك المغالطات واضحة التناقض والبطلان.
وهذه الأكذوبة قد جلَّاها شيخ الإسلام ابن تيمية V بقوله: «وَأَمَّا مَا يَقُولُهُ الرَّافِضَةُ مِنْ أَنَّ خُمُسَ مَكَاسِبِ الْمُسْلِمِينَ يُؤْخَذُ مِنْهُمْ وَيُصْرَفُ إِلَى مَنْ يَرَونَهُ هُوَ نَائِبُ الْإِمَامِ الْمَعْصُومِ أَوْ إِلَى غَيْرِهِ، فَهَذَا قَوْلٌ لَمْ يَقُلْهُ قَطُّ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ، لَا عَلِيٍّ وَلَا غَيْرِهِ، وَلَا أَحَدٌ مِنَ التَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ، وَلَا أَحَدٌ مِنَ الْقَرَابَةِ، لَا بَنِي هَاشِمٍ وَلَا غَيْرِهِمْ.
وَكُلُّ مَنْ نَقَلَ هَذَا عَنْ عَلِيٍّ أَوْ عُلَمَاءِ أَهْلِ بَيْتِهِ، كَالْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ وَعَلِيِّ ابْنِ الْحُسَيْنِ وَأَبِي جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ وَجَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، فَقَدْ كَذَبَ عَلَيْهِمْ، فَإِنَّ هَذَا خِلَافُ الْمُتَوَاتِرِ مِنْ سِيرَةِ عَلِيٍّ I، فَإِنَّهُ قَدْ تَوَلَّى الْخِلَافَةَ أَرْبَعَ سِنِينَ وَبَعْضَ أُخْرَى، وَلَمْ يَأْخُذْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ شَيْئًا، بَلْ لَمْ يَكُنْ فِي وِلَايَتِهِ قَطُّ خُمُسٌ مَقْسُومٌ، أَمَّا الْمُسْلِمُونَ فَمَا خَمَّسَ لَا هُوَ وَلَا غَيْرُهُ أَمْوَالَهُمْ، وَأَمَّا الْكُفَّارُ فَإِذَا غُنِمْتَ مِنْهُمُ الْأَمْوَالُ خُمِّسَتْ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، لَكِنْ فِي عَهْدِهِ لَمْ يَتَفَرَّغِ الْمُسْلِمُونَ لِقِتَالِ الْكُفَّارِ بِسَبَبِ مَا وَقَعَ بَينَهُمْ مِنَ الْفِتنَةِ وَالِاخْتِلَافِ.
وَكَذَلِكَ مِنَ الْمَعْلُومِ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ النَّبِيَّ H لَمْ يُخَمِّسْ أَمْوَالَ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا طَالَبَ أَحَدًا قَطُّ مِنَ الْمُسْلِمِينَ بِخُمُسِ مَالِهِ، بَلْ إِنَّمَا كَانَ يَأْخُذُ مِنْهُمُ الصَّدَقَاتِ، وَيَقُولُ: «لَيْسَ لِآلِ مُحَمَّدٍ مِنْهَا شَيْءٌ»، وَكَانَ يَأْمُرُهُمْ بِالْجِهَادِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ، وَكَانَ هُوَ H يُقْسِّمُ مَا أَفَاءَ اللهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ: يُقَسِّمُ الْغَنَائِمَ بَينَ أَهْلِهَا، وَيُقَسِّمُ الْخُمُسَ وَالْفَيْءَ».([18])
وزد على ذلك أن النبي H في كتب الشيعة مات وعليه دين، وكذلك علي، والحسن، والحسين، ففي «الكافي» عن أبي عبد الله أنه قال: «وَقَدْ مَاتَ رَسُولُ اللهِ H وَعَلَيْهِ دَيْنٌ، وَمَاتَ الْحَسَنُ S وَعَلَيْهِ دَيْنٌ، وَقُتِلَ الْحُسَيْنُ S وَعَلَيْهِ دَيْنٌ».([19])
وقد قرن النبي H الدَّيْن بالكفر في كتب الشيعة، فلو كان علِي أو الحسن أو الحسين من حقهم ذلك الخمس، ويجمعونه ما ماتوا مَدِينين، سيما أنهم رووا أن الذي يموت وعليه دين محروم من الجنة، ففي «علل الشرائع»: «عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ (ص) يَقُولُ: أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الْكُفْرِ وَالدَّيْنِ، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَتَعْدِلُ الدَّينَ بِالْكُفْرِ؟ قَالَ: نَعَمْ»([20]) وفي رواية «المناقب»: «قال علي: من يشتري سيفي هذا؟ فوالله لو كان عندي ثمن أزار ما بعته».([21])
فهل كانت الأئمة تعرف هذه الأخمس، كما يدعي المراجع؟! ومَن مِنَ المراجع مات وعليه دين؟ ومَن مِنَ المراجع مات دون أن يترك خلفه ثروة هائلةً يتنعم فيها أبناؤه؟ بل مَن مِن أبناء المراجع لا يذهب إلى أفخم مصايف أوروبا للتنزه، في الوقت الذي بلغت معاناة الفقراء منهم أشدها؟
لكنهم -حِرْصًا منهم على جمع هذا المال- يصنعون من الروايات الكثير، ويجعلون مانعَهُ ابن زِنًا، حتى يتأكدوا أنه لن يمنعها أحد من أن تصل إلى أيديهم وكروشهم، كما في «الكافي» عن أبي حمزة، عن أبي جعفر S قال: «قلت له: إن بعض أصحابنا يفترون ويقذفون من خالفهم. فقال لي: الكف عنهم أجمل، ثم قال: والله يا أبا حمزة، إن الناس كلهم أولاد بغايا ما خلا شيعتنا، قلت: كيف لي بالمخرج من هذا؟ فقال لي: يا أبا حمزة، كتاب الله المنزل يدل عليه، إن الله تبارك وتعالى جعل لنا أهل البيت سهامًا ثلاثة في جميع الفيء، ثم قال S: [ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ] فنحن أصحاب الخمس والفيء، وقد حرمناه على جميع الناس ما خلا شيعتنا، والله يا أبا حمزة، ما من أرض تفتح ولا خمس يخمس فيضرب على شيء منه إلا كان حرامًا على من يصيبه، فرجًا كان أو مالًا».([22])
فجعلوا جميع الناس أبناء زنًا إِلَّا من يخرج الخمس، وقد حاول بعض علماء الشيعة المعاصرين الدفاع عن الشيعة في كونهم يتهمون جميع الناس بأنهم أبناء زِنًا لأجل هذا الخمس، فوقع في مصائب كبيرة:
يقول علي آل محسن: «العبارة الواردة في الحديث هي: «إن الناس كلَّهم أولاد بغايا ما خلا شيعتنا»، وليس في الحديث: أن الناس أولاد زنًا، فراجعه. والفرق بين كونهم أولاد زنًا وأولاد بغايا، أن أولاد الزنا هم الذين تولَّدوا من زنًا، وأما إذا كانت أمهاتهم بغايا فلا يلزم أن يكون تولُّدهم من الزنا؛ إذ يمكن أن يولدوا من بغايا، ولكن بنكاح صحيح، ولو سلَّمنا بصحة الحديث فلعل المراد بالبغايا الإماء، فإن الأمة يُطلق عليها بَغِي، سواء أكانت فاجرة أم لا».([23])
فَلِكَيْ يخرجَ من الإشكال جعل -وقبح الله جعله- جميعَ أمهات الناس زانياتٍ! ويلزمه على التبرير الثاني (أن البغي بمعنى الأمة) أن يقال: إن الأئمة -علي بن الحسين، وموسى بن جعفر، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري، ومحمد بن الحسن المهدي- عند الشيعة أبناء بغايا؛ لكون أمهاتهم جميعًا إماء، كما هو معلوم عند الشيعة.
فالشيعة يجعلون الحرام حلالًا ليأكلوا أموال الناس بالباطل، كما قال الله تعالى: [ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ] {التوبة:34}.
_ _ _
([1]) «لسان العرب» (12/٤٤٦).
([2]) «أعيان الشيعة» السيد محسن الأمين (1/364).
([3]) «أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن» (2/٥٤).
([4]) «تفسير القرطبي» (8/1- 2).
([5]) «تفسير مجمع البيان» (4/467). وتبعه الطوسي في هذا التعريف (5/122)، وقال الطبرسي كذلك: «[ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ] هذه إباحة منه سبحانه للمؤمنين أن يأكلوا مما غنموه من أموال المشركين». (4/493)
([6]) «فقه القرآن» الراوندي (1/242).وقال كذلك «قال الله تعالى: [ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ] أباح الله للمؤمنين بهذه الآية أن يأكلوا مما غنموه من أموال المشركين بالقهر من دار الحرب، ولفظه وإن كان لفظ الأمر، فالمراد به الإباحة ورفع الحظر، والغنيمة ما أخذ بالقهر من دار الحرب». (1/350).
([7]) «التبيان» (9/563 -564).
وقال أيضًا: «قوله تعالى: [ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ] أباح الله تعالى للمؤمنين بهذه الآية أن يأكلوا مما غنموه من أموال المشركين بالقهر من دار الحرب، ولفظه وإن كان لفظ الأمر، فالمراد به الإباحة ورفع الحظر، والغنيمة: ما أخذ من دار الحرب بالقهر، والفيء: ما رجع إلى المسلمين، وانتقل إليهم من المشركين». (5/158- 159).
([8]) «ذخيرة المعاد في شرح الإرشاد» السبزواري (3/480).
([10]) «مرآة العقول» (6/271).
([11]) المعروف بالإسكافي، وهو من فقهاء الإمامية.
([12]) هو العماني، من أعيان فقهاء الإمامية ومتكلميهم.
([13]) «الينابيع» علي أصغر مرواريد (29/341).
([14]) «مدارك الأحكام» محمد الموسوي العاملي (5/382).
([15]) «مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان» الأردبيلي (4/329).
([16]) «تهذيب الأحكام» الطوسي (4/124)، «ملاذ الأخيار في فهم تهذيب الأخبار» المجلسي (6/349).
([17]) «مدارك الأحكام» محمد العاملي (5/421- 427).
([18]) «منهاج السنة النبوية» (6/105 - 106).
([19]) «الكافي» الكليني (٩/579- 580).
([20]) علل الشرائع، الصدوق (2/528).
([21]) «مناقب آل أبي طالب» ابن شهر آشوب (1/366)، ط. المكتبة الحيدرية.
([22]) «الكافي» الكليني (15/648).
([23]) «لله وللحقيقة» (رد على كتاب لله ثم للتاريخ)، علي آل محسن (ص ٤٨٧).