استدلال الشيعة بقوله تعالى: [ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ] {النساء:24} على نكاح المتعة

الشبهة:

ادَّعى الشيعة أن نكاح المتعة أُحِلَّ بكتاب الله في قوله تعالى: [ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ] {النساء:24}.

قال الطباطبائي: «والمراد بالاستمتاع المذكور في الآية نكاح المتعة بلا شك، فإن الآية مدنية»([1]) ورَوَوْا عَنْ أَبِي بَصِيرٍ قَوْلَهُ: «سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (ع) عَنِ الْمُتْعَةِ؟ فَقَالَ: نَزَلَتْ فِي الْقُرْآنِ: [ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ] {النساء:24} ».([2])

 

([1]) «الميزان في تفسير القرآن» الطباطبائي (4/271).

وقال عبد الحسين شرف الدين الموسوي: «والمتعة مبينةٌ بآيَتِهَا: [ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ] {النساء:24}». «أجوبة مسائل جار الله» عبد الحسين شرف الدين (1/109).

([2]) «الكافي» (11/7).

الرد علي الشبهة:

أولًا: تحريم نكاح المتعة.

ثبت تحريمه بالكتاب العزيز والسنة النبوية المباركة([1])، ومن الآيات التي يستفاد منها هذا التحريم:

  • الآية الأولى:

قوله تعالى: [ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ] {النور:33}.

ووجه الدلالة أن الله أمر من لا يقدر على النكاح بالاستعفاف ريْثَمَا يرزقه الله من فضله كي يستطيع النكاح، فلو كانت المتعة حلالًا لما أمره بالاستعفاف والانتظار إلى أن تتيسر له أمور الزواج، بل لأرشده إلى المتعة كي يقضي وطره بدلًا من المكوث والتحرق بنار الشهوة؛ إذ المتعة لا كلفة فيها، ولو جازت المتعة أو كان لها أدنى نصيب من التشريع لكان نصُّ الآية: (وليستمتع الذي لا يجدون نكاحًا حتى يغنيهم الله من فضله)، وهو ما لا سبيل إليه.

  • الآية الثانية:

قوله تعالى: [ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ] { المؤمنون: 5-7}.

ووجهُ الدلالة أن الله حرم على المؤمنين جميع الفروج إلا فرجًا أحله سبحانه بعقد الزواج الشرعي أو بملك اليمين، أما المنكوحة متعةً فليست واحدةً من هاتين، فلا هي زوجة، ولا هي مملوكة رقيقة، بل هي مستأجرة كما وصفها الأئمة!

قال المجلسي: «في القوي كالصحيح، عن عبيد بن زرارة، عن أبيه، عن أبي عبد الله S قال: ذكرت له المتعة أهي من الأربع؟ فقال: تزوج منهن ألفًا فإنهن مستأجرات، وفي القوي كالصحيح، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر في المتعة ليست من الأربع؛ لأنها لا تطلق ولا ترث، وإنما هي مستأجرة».([2])

وبهذه الآيات استدلت أم المؤمنين عائشة J على تحريم متعة النساء، فَعَنْ نَافِعِ بْنِ عُمَرَ الْجُمَحِيِّ قَالَ: «سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، يَقُولُ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ J عَنْ مُتْعَةِ النِّسَاءِ فَقَالَتْ: بَيْنِي وَبَينَكُمْ كِتَابُ اللهِ، قَالَ: وَقَرَأَتْ هَذِهِ الْآيَةَ: [ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ] {المؤمنون: 5-7} مَا زَوَّجَهُ اللهُ أَوْ مَلَّكَهُ فَقَدْ عَدَا».([3])

وبها استدل أحد أكابر الإمامية -القاضي أبو حنيفة النعمان بن محمد صاحب دعائم الإسلام-([4]) فقال: «إن إبطال نكاح المتعة موجود في كتاب الله تعالى؛ لأنه D يقول: [ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ] {المؤمنون: 5-7} فلم يطلق النكاح إلا على زوجة أو ملك يمين، وذكر الطلاق الذي يجب به الفرقة بين الزوجين، وورَّث الزوجين بعضهما من بعض، وأوجب العدة على المطلقات، ونكاحُ المتعة على خلاف هذا، إنما هو عند من أباحه أن يتفق الرجل والمرأة على مدة معلومة، فإذا انقضت المدة بانت منه بلا طلاق، ولم تكن عليها عدة، ولم يلحق به ولد إن كان منها، ولم يجب لها عليه نفقة، ولم يتوارثا، وهذا هو الزنا المتعارف الذي لا شك فيه».([5])

  • الآية الثالثة:

قوله تعالى: [ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ] {النساء:3}.

ووجه الدلالة في هذه الآية هو تحديد الشارع لعدد النساء في النكاح بالأربع، وهذا التحديد بالعدد يعارضه بنكاح المتعة؛ إذ يجوز للرجل أن يجمع بالمتعة بين ألف كما في رواية زرارة السابقة([6]) فحصرت الآية حِل النساء في الزواج الذي لا يجوز فيه الزيادة على الأربع وهو (الدائم)، أو في ملك اليمين، والمتعةُ بالنساء لا تدخل فيهما، وهذا من الحصر لأنه سكوت في معرض البيان، وكما نصت الإمامية فإن «السكوت في معرض البيان يفيد الحصر؛ لعدم جواز تأخير البيان عن وقت الحاجة».([7])

ثانيًا: لا يمكن أن تتكلم الآية عن نكاح المتعة بحال لأسباب، منها:
  • السياق.

فسياق الآيات يتكلم عن النكاح الدائم؛ إذ مطلع الآيات يتكلم عن هذا النكاح وبعض الأحكام فيه، كما في قوله: [ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ] {النساء:20} ثم المحرمات في النكاح الدائم كالأمهات والأخوات والعمات... إلخ كما في قوله: [ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ] {النساء:22} وقوله: [ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ] {النساء:23} ثم عطف على هذه المحرمات في النكاح من النساء المرأة المحصنة أي المتزوجة إلا من وقعت في ملك يمينكم بالسبي، وذلك في قوله: [ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ] {النساء:24} ثم بين سبحانه وتعالى أن من كن بغير هذه الأوصاف المحرمة في النكاح، فيجوز نكاحهن في قوله: [ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ] {النساء:24} ثم بين الشارع سبحانه أن المرأة التي تزوجها يحق لها الصداق إذا استمتع بها وهو الدخول.([8])

  • الإحصان.

الآية ذكرت أن هذا النكاح إحصانٌ، ونكاح المتعة لا يحصن عند الإمامية بلا خلاف بين الإمامية([9])، فتخرج بذلك الآية عن وجه الاستدلال.

فقد روى الكليني في «الكافي» عَنْ عُمَرَ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللهِ S: »أَخْبِرْنِي عَنِ الْغَائِبِ عَنْ أَهْلِهِ يَزْنِي، هَلْ يُرْجَمُ إِذَا كَانَتْ لَهُ زَوْجَةٌ وَهُوَ غَائِبٌ عَنْهَا؟ قَالَ: لَا يُرْجَمُ الْغَائِبُ عَنْ أَهْلِهِ، وَلَا الْمُمْلَكُ الَّذِي لَمْ يَبْنِ بِأَهْلِهِ، وَلَا صَاحِبُ الْمُتْعَةِ«.([10])

وفيه عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ قَالَ: »سَأَلْتُ أَبَا إِبْرَاهِيمَ S عَنْ الرَّجُلِ إِذَا هُوَ زَنى وَعِنْدَهُ السُّرِّيَّةُ وَالْأَمَةُ يَطَؤُها تُحْصِنُهُ الْأَمَةُ وَتَكُونُ عِنْدَهُ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، إِنَّمَا ذلِكَ لِأَنَّ عِنْدَهُ مَا يُغْنِيهِ عَنِ الزِّنى. قُلْتُ: فَإِنْ كَانَتْ عِنْدَهُ أَمَةٌ زَعَمَ أَنَّهُ لَايَطَؤُهَا؟ فَقَالَ: لَا يُصَدَّقُ. قُلْتُ: فَإِنْ كَانَتْ عِنْدَهُ امْرَأَةٌ مُتْعَةً، أَتُحْصِنُهُ؟ قَالَ: لَا، إِنَّمَا هُوَ عَلَى الشَّيْءِ الدَّائِمِ عِنْدَهُ»[11])).

وقال الطبرسي: »عن أبي عبد الله S، أنه قال: لا يقع الإحصان ولا يجب الرجم إلا بعد التزويج الصحيح، والدخول، ومقام الزوجين بعضهما على بعض، فإن أنكر الرجل أو المرأة الوطء بعد أن دخل الزوج بها لم يصدقا، قال: ولا يكون الإحصان بنكاح متعة«.([12])

  • تمسكهم بلفظ الاستمتاع.

وتمسكت الإمامية بلفظة [] {النساء:24} للاستدلال على المتعة، وهذا التمسك بمجرد اللفظة وعدم فهمها من أَنْوَكِ ما يكون في الاستدلال، فلفظة الاستمتاع يُراد بها معانٍ شتّى.

- قال تعالى: [ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ] {الأنعام:128}.

- وقال تعالى: [ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ] {التوبة:69}.

- وقال تعالى: [ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ] {الأحقاف:20}.

فالاستمتاع في اللغة هو مطلق الانتفاع، وكل ما انتفع به فهو متاع، ومنه هذه الآيات، ولم تكن اللفظة يراد بها زواج المتعة باتفاق، لكن الشيعة ظنوا أن الاستمتاع إذا كان في سياق الزواج فالمراد زواج المتعة.

وجواب ذلك: أن الاستمتاع في الآية يراد به المعنى الاصطلاحي، ولكن ليس كما زعمتم، بل المعنى أن الدخول يوجب المهر كاملًا فيكون معنى: [ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ] {النساء:24} أي: إذا حصل جماع وجب المهر كاملًا، وهذا عين ما نطق به النص في كتاب الله تعالى، وهذا يبين أن اللفظة على حقيقتها الشرعية لا اللغوية، ودليل ذلك أن الكلام عن أحكام الزواج الدائم، فهو ينتقل من حكم لآخر.

رأْيُ الشريف المرتضى في هذا الاستدلال:

رَدَّ الشريفُ المرتضى هذا الاستدلال قائلًا: «وفي أصحابنا من استدل على أن لفظة [] تنصرف إلى هذا النكاح المؤجل دون المؤبد بأنه تعالى سمَّى العوض عليه أجرًا، ولم يسم العوض عن النكاح المؤبد بهذا الاسم في القرآن كله، بل سماه نحلًا وصداقًا وفرضًا.

وهذا غير معتمد؛ لأنه تعالى سمى العوض عن النكاح المؤبد في غير هذا الموضع بالأجر في قوله تعالى: [ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ] {الممتحنة:10}، وفي قوله تعالى: [ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ] {النساء:25}».([13])

ثالثًا: استشكالٌ على المعنى.

ونحن نسأل الشيعةَ: في قول الله تعالى: [ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ] {النساء:24} هل يقصد بالاستمتاع هنا العقد أم الجماع؟!

فإن قيل: الجماع. قلنا: بطل الاستدلال بها على المتعة؛ لأن الاستمتاع (الذي هو الجماع) مشترك بين كل النساء، وليس خاصًّا بزواج المتعة ولا بالزواج الدائم بل ولا حتى بالزواج، فالاستمتاع حاصل بمجرد الجماع وإن ارتفع عنه مسمى الزواج.

 وإن قيل: إن المقصود العقد (عقد زواج المتعة) قلنا: يلزمكم أن توجبوا المهر كاملًا على المتمتع بمجرد العقد وليس بالتمكين، وهذا مما لا يقول به فقهاء الشيعة بلا خلاف.

يقول بحر العلوم: «وتستحق كل من الدائمة والمنقطعة جميع المهر على الزوج بعد الدخول، أما قبل الدخول فيثبت نصف المهر لو طلق في الدائم أو وهبها المدة في المنقطع»([14]) فيصير الاستدلال بالآية والتمسك باللفظ باطل على الوجهين!

رابعًا: فساد الاستدلال بقراءة ابن عباس.

واستدلت الشيعة بقراءة ابن عباس الآية بزيادة: (إلى أجل مُسمى) وهذا الاستدلال باطل من وجوه:

  • ليست قرآنًا ولا سنَّةً.

من شرط ثبوت القرآن التواترُ، قال الشوكاني: «وَأَمَّا قِرَاءَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى) فَلَيْسَتْ بِقُرْآنٍ عِنْدَ مُشْتَرِطِي التَّوَاتُرِ، وَلَا سُنَّةٍ لِأَجْلِ رِوَايَتِهَا قُرْآنًا؛ فَيَكُونُ مِنْ قَبِيلِ التَّفْسِيرِ لِلْآيَةِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِحُجَّةٍ».([15])

وهذا مما لا يتنازع فيه السنة والشيعة، فقد وقع الاتفاق بينهما أن طريق ثبوت آي القرآن هو التواتر، وهذا الخوئي يقول وهو في معرض الاعتراض على ما ذُكر من جمع الصديق للقرآن الكريم: «هذه الروايات مخالفة لما أجمع عليه المسلمون قاطبة من أن القرآن لا طريق لإثباته إلا التواتر»([16])، فبغض النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا معه في مخالفته وطريقة مخالفته لجمع القرآن في عهد الصديق، فإنه قد أقرَّ بالقاعدة العامة ونقله لإجماع المسلمين على هذه الطريقة.([17])

  • ولا تسلم الزيادة من معارضة عند من لم يشترط التواتر.

قال الشوكاني: «لَا مَانِعَ مِنْ نَسْخِ ظَنِّيِّ الْقُرْآنِ بِظَنِّيِّ السُّنَّةِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ»([18])، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: «لَيْسَتْ هَذِهِ الْقِرَاءَةُ مُتَوَاتِرَةً، وَغَايَتُهَا أَنْ تَكُونَ كَأَخْبَارِ الْآحَادِ، وَنَحْنُ لَا نُنْكِرُ أَنَّ الْمُتْعَةَ أُحِلَّتْ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ، لَكِنَّ الْكَلَامَ فِي دَلَالَةِ الْقُرْآنِ على ذلك».([19])

وعليه فإن سلَّمنا أن زيادته قرآنٌ فطريق ثبوته ظني؛ لكونه آحادًا وليس متواترًا، فيجوز آنذاك أن يُنسخ بظني مثله، فتكون أحاديث التحريم ناسخة لقراءة ابن عباس.

أو أن ابن عباس لم يكن يعلم الحكم، وكان على الأصل الأول
جوازها في صدر الإسلام- فعلمه به بعد أن أخبره به علي بن أبي طالب، كما روى البخاري في صحيحه عن الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ وَأَخِيهِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِيهِمَا، أَنَّ عَلِيًّا I قَالَ لِابْنِ عَبَّاسٍ: «إِنَّ النَّبِيَّ H نَهَى عَنِ الْمُتْعَةِ وَعَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ زَمَنَ خَيْبَرَ».([20])

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «هَذَا الْحَرْفُ إِنْ كَانَ نَزَلَ، فَلَا رَيْبَ أَنَّهُ لَيْسَ ثَابِتًا مِنَ الْقِرَاءَةِ الْمَشْهُورَةِ، فَيَكُونُ مَنْسُوخًا، وَيَكُونُ نُزُولُهُ لَمَّا كَانَتِ الْمُتْعَةُ مُبَاحَةً، فَلَمَّا حُرِّمت نُسِخَ هَذَا الحَرْف».([21])

  • لا يسلم هذا الدليل من معارضة ما هو أقوى منه.

ومختصر القول: «أَنَّا لَوْ مَشَينَا عَلَى أَنَّهُ يُحْتَجُّ بِهِ كَالِاحْتِجَاجِ بِخَبَرِ الْآحَادِ، كَمَا قَالَ بِهِ قَوْمٌ، أَوْ عَلَى أَنَّهُ تَفْسِيرٌ مِنْهُمْ لِلْآيَةِ بِذَلِكَ، فَهُوَ مُعَارَضٌ بِأَقْوَى مِنْهُ؛ لِأَنَّ جُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ عَلَى خِلَافِهِ؛ وَلِأَنَّ الْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ الصَّرِيحَةَ قَاطِعَةٌ بِكَثْرَةٍ بِتَحْرِيمِ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ، وَصَرَّحَ H بِأَنَّ ذَلِكَ التَّحْرِيمَ دَائِمٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ بِمَا ثَبَتَ فِي «صَحِيحِ مُسْلِمٍ» مِنْ حَدِيثِ سَبْرَةَ بْنِ مَعْبَدٍ الْجُهَنِيِّ I أَنَّهُ غَزَا مَعَ رَسُولِ اللهِ H يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ، فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي كُنْتُ أَذِنْتُ لَكُمْ فِي الِاسْتِمْتَاعِ فِي النِّسَاءِ، وَإِنَّ اللهَ قَدْ حَرَّمَ ذَلِكَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ مِنْهُنَّ شَيْءٌ فَلْيُخَلِّ سَبِيلَهُ، وَلَا تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا».([22])

  • الاتفاق على قاعدة تقديم المنع على الإباحة عند التعارض.

القاعدة المتفق عليها بين السنة والشيعة أنه: «إذَا اجْتَمَعَ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ، أَوِ الْمُبِيحُ وَالْمُحَرِّمُ، غُلِّبَ جَانِبُ الْحَرَامِ، وَمِنْ ثَمَّ إذَا تَعَارَضَ دَلِيلٌ يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ وَآخَرُ يَقْتَضِي الْإِبَاحَةَ قُدِّمَ الْحَظْرُ فِي الْأَصَحِّ تَغْلِيبًا لِلتَّحْرِيمِ، وَمِنْ هَذَا قَالَ عُثْمَانُ لَمَّا سُئِلَ عَنْ أُخْتَيْنِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ فَقَالَ: أَحَلَّتْهُمَا آيَةٌ وَحَرَّمَتْهُمَا آيَةٌ، وَالتَّحْرِيمُ أَحَبُّ إلَينَا، قَالَ الْأَئِمَّةُ: وَإِنَّمَا كَانَ التَّحْرِيمُ أَحَبَّ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَرْكَ مُبَاحٍ لِاجْتِنَابِ مُحَرَّمٍ، وَذَلِكَ أَوْلَى مِنْ عَكْسِهِ».([23])

وقال مرتضى الأنصاري: «كون أحد الخبرين متضمنًا للإباحة والآخر مفيدًا للحظر، فإن المشهور تقديم الحاظر على المبيح»([24]) ثم قال: «ويمكن الاستدلال لترجيح الحظر بما دل على وجوب الأخذ بما فيه الاحتياط من الخبرين، وإرجاع ما ذكروه من الدليل إلى ذلك، فالاحتياط -وإن لم يجب الأخذ به في الاحتمالين المجردين عن الخبر- إلا أنه يجب الترجيح به عند تعارض الخبرين».([25])

فالرواية على فرض ثبوتها معارَضة بآيات سورتي المؤمنون([26]) والمعارج([27])، فوجب تقديم آيات الحظر قطعية الثبوت والدلالة على آية الإباحة ظنية الثبوت والدلالة، من وجهين:

أولهما: تقديم قطعي الثبوت والدلالة على ظنيهما.

ثانيهما: قاعدة تقديم الحاظر في حال تعارض المبيح والحاظر.

  • حتى وإن سلمنا بها جدلًا، فلا دلالة فيها.

قال الجصاص: «وَلَوْ كَانَ فِيه ذِكْرُ الْأَجَلِ لَمَا دَلَّ أَيْضًا عَلَى مُتْعَةِ النِّسَاءِ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ دَاخِلًا عَلَى الْمَهْرِ فَيَكُونُ تَقْدِيرُهُ: فَمَا دَخَلْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ بِمَهْرٍ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَآتُوهُنَّ مُهُورَهُنَّ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ».([28])

 

_ _ _

 

([1]) ثبت تحريم المتعة بالسنة في أحاديث كثيرة، وهي قاضية على القرآن ومخصصة لعمومه، ومن ذلك حديث علي بن أبي طالب I في الصحيحين، عَنْ عَبْدِاللهِ وَالْحَسَنِ ابْنَيْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِمَا، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ I: أَنَّ رَسُولَ اللهِ H «نَهَى عَنْ مُتْعَةِ النِّسَاءِ يَوْمَ خَيْبَرَ، وَعَنْ أَكْلِ لُحُومِ الْحُمُرِ الْإِنْسِيَّةِ» رواه البخاري (5/135) ط. السلطانية، ومسلم (4/134) ط. التركية.

    وليس هنا مجال التفصيل في تحريم المتعة من أهل السنة والجماعة أعلى الله مقامهم في الدارين.

([2]) «روضة المتقين» (8/484).

([3]) رواه الحاكم في «المستدرك» (2/٤٢٧) برقم (3484) وقال: «هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَمْ يُخْرِجَاهُ». ووافقه الذهبي في التلخيص.

([4]) وحتى لا يتعلل شيعي بأن هذا الرجل ليس من الشيعة، ننقل شيئًا مما قاله علماء الإمامية عنه: قال المجلسي في «بحار الأنوار 1/38»: «وكان مالكيًّا أوَّلًا ثمَّ اهتدى وصار إماميًّا، وأخبار هذا الكتاب أي: دعائم الإسلام موافقة لما في كتبنا المشهورة، لكن لم يرو عن الأئمَّة بعد الصادق خوفًا من الخلفاء الإسماعيلية، وتحت سرِّ التَّقِيَّةِ أظهر الحقّ لمن نظر فيه متعمّقًا، وأخباره تصلح للتأييد والتأكيد» انتهى.

قال السيد بحر العلوم في «الفوائد الرجالية 4/914»: «وصنف على طريق الشيعة كتبًا، منها: كتاب «دعائم الإسلام»،... وكتاب الدعائم كتاب حسن جيد، يصدق ما قد قيل فيه، إلا أنه لم يرو فيه عمن بعد الصادق من الأئمة خوفًا من الخلفاء الإسماعيلية؛ حيث كان قاضيًا منصوبًا من قبلهم بمصر، لكنه قد أبدى من وراء ستر التقية حقيقة مذهبه بما لا يخفى على اللبيب».

([5]) «دعائم الإسلام» القاضي النعمان المغربي (2/229).

([6]) التي فيها... تزوج منهن ألفًا فإنهن مستأجرات...

([7]) «القواعد الفقهية» محمد الحسيني الشيرازي (1/185).

([8]) قال الجصاص: «وَفِي فَحْوَى الْآيَةِ مِنَ الدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ النِّكَاحُ دُونَ الْمُتْعَةِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ عَطْفٌ عَلَى إبَاحَةِ النِّكَاحِ فِي قَوْله تَعَالَى: [ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ] {النساء:24} وَذَلِكَ إبَاحَةٌ لِنِكَاحِ مَنْ عَدَا الْمُحَرَّمَاتِ لَا مَحَالَةَ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَخْتَلِفُونَ أَنَّ النِّكَاحَ مُرَادٌ بِذَلك، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ ذِكْرُ الِاسْتِمْتَاعِ بَيَانًا لِحُكْمِ الْمَدْخُولِ بِهَا بِالنِّكَاحِ فِي اسْتِحْقَاقِهَا لِجَمِيعِ الصَّدَاقِ.

والثاني: قوله تعالى: [] وَالْإِحْصَانُ لَا يَكُونُ إلَّا فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الْوَاطِئَ بِالْمُتْعَةِ لَا يَكُونُ مُحْصَنًا وَلَا يَتَنَاوَلُهُ هَذَا الِاسْمُ، فَعَلِمْنَا أَنَّهُ أَرَادَ النِّكَاحَ.

والثالث: قوله تعالى: [ﭧ ﭨ ] فَسَمَّى الزِّنَا سِفَاحًا لِانْتِفَاءِ أَحْكَامِ النِّكَاحِ عَنْهُ مِنْ ثُبُوتِ النَّسَبِ وَوُجُوبِ الْعِدَّةِ وَبَقَاءِ الْفِرَاشِ، إلَى أَنْ يُحْدِثَ لَهُ قَطْعًا.

وَلَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الْمَعَانِي مَوْجُودَةً فِي الْمُتْعَةِ كَانَتْ فِي مَعْنَى الزِّنَا، وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مَنْ سَمَّاهَا سِفَاحًا ذَهَبَ إلَى هَذَا الْمَعْنَى؛ إذْ كَانَ الزَّانِي إنَّمَا سُمِّيَ مُسَافِحًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ مِنْ وَطْئِهَا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِحُكْمِهِ إلَّا عَلَى سَفْحِ الْمَاءِ بَاطِلًا مِنْ غَيْرِ اسْتِلْحَاقِ نَسَبٍ بِهِ، فَمِنْ حَيْثُ نَفَى اللهُ تَعَالَى بِمَا أَحَلَّ مِنْ ذَلِكَ، وَأَثْبَتَ بِهِ الْإِحْصَانُ اسْمَ السِّفَاحِ وَجَبَ أَنْ لَا يَكُونَ الْمُرَادُ بِالِاسْتِمْتَاعِ هُوَ الْمُتْعَةُ؛ إذْ كَانَتْ فِي مَعْنَى السِّفَاحِ، بَلِ الْمُرَادُ بِهِ النِّكَاحُ، وقَوْلُهُ تَعَالَى: [ﭧ ﭨ ] شَرْطٌ فِي الْإِبَاحَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى النَّهْيِ عَنِ الْمُتْعَةِ؛ إذْ كَانَتِ الْمُتْعَةُ فِي مَعْنَى السِّفَاحِ مِنَ الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَا». «أحكام القرآن» ط. العلمية (2/١٨٧ ١٨٦).

الشنقيطي؛ حيث قال: «وَسِيَاقُ الْآيَةِ الَّتِي نَحْنُ بِصَدَدِهَا يَدُلُّ دَلَالَةً وَاضِحَةً عَلَى أَنَّ الْآيَةَ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ كَمَا بَيَّنَّا لَا فِي نِكَاحِ الْمُتْعَةِ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ الْمُحَرَّمَاتِ الَّتِي لَا يَجُوزُ نِكَاحُهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: [ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ...] {النساء:23} إلخ، ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّ غَيْرَ تِلْكَ الْمُحَرَّمَاتِ حَلَالٌ بِالنِّكَاحِ بِقَوْلِهِ: [ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ] {النساء:24} ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّ مَنْ نَكَحْتُمْ مِنْهُنَّ وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا يَلْزَمُكُمْ أَنْ تُعْطُوهَا مَهْرَهَا، مُرَتَّبًا لِذَلِكَ بِالْفَاءِ عَلَى النِّكَاحِ بِقَوْلِهِ: [ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ] {النساء:24} كَمَا بَيَّنَاهُ وَاضِحًا، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللهِ تَعَالَى». «أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن» (1/٢٣٨).

([9]) قال الطوسي في المبسوط في فقه الإمامية 4/268: »ولا خلاف بينهم أن المتعة لا تحصن« وقال المفيد في المقنعة ص776: »ونكاح المتعة لا يحصن بالأثر الصحيح عن أئمة آل محمد Q ».

([10]) الكافي 14/24.

([11]) الكافي 14/19.

([12]) مستدرك الوسائل 18/43.

([13]) «الانتصار في انفرادات الإمامية» الشريف المرتضي (1/273).

([14]) «المتعة ومشروعيتها في الإسلام» (ص266).

ويقول الخميني: «تملك المتمتعة المهر بالعقد، فيلزم على الزوج دفعه إليها بعده لو طالبته، وإن كان استقراره بالتمام مراعى بالدخولِ ووفائِها بالتمكين في تمام المدة؛ فلو وهبها المدة: فإن كان قبل الدخول لزمه نصف المهر، وإن كان بعده لزمه الجميع». «تحرير الوسيلة» (2/289)، «زبدة الأحكام» (ص248).

([15])   «نيل الأوطار» (6/164- 165).

وقال ابن جرير الطبري V بعد سوق روايات تلك الزيادة عن ابن عباس: «وأما ما روي عن أبيِّ بن كعب وابن عباس من قراءتهما: (فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى) فقراءة بخلاف ما جاءت به مصاحف المسلمين، وغير جائز لأحد أن يلحق في كتاب الله تعالى شيئًا لم يأت به الخبرُ القاطعُ العذرَ عمن لا يجوز خلافه». «تفسير الطبري» ت شاكر (8/١٧٩).

([16])   «البيان في تفسير القرآن» (1/256).

([17]) وقال التبريزي: «وما ليس بتواترٍ ليس بقرآنٍ اتفاقًا». أوثق الوسائل في شرح الرسائل 1/87

([18])   «نيل الأوطار» (6/١٦٥).

([19])   «مختصر منهاج السنة» عبد الله بن محمد الغنيمان (ص ١٦٨).

([20]) صحيح البخاري (7/12) رقم (5115).

([21])   «مختصر منهاج السنة» عبد الله بن محمد الغنيمان (ص ١٦٨).

([22])   «أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن» (1/236- 237).

([23])   «المنثور في القواعد الفقهية» الزركشي (1/125 -126).

قال الرازي: «والمبيح والحاظر إذا اجتمعا فالغلبة للحاظر» «تفسير الرازي» (24/97).

وقال الجصاص: «إذَا وَرَدَ خَبَرَانِ أَحَدُهُمَا حَاظِرٌ وَالْآخَرُ مُبِيحٌ فَالْحَظْرُ أَوْلَى» «أحكام القران للجصاص» ط. العلمية (3/239).

([24])   «فرائد الأصول» مرتضى الأنصاري (4/154).

([25])   المرجع نفسه.

([26]) قوله تعالى: [ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ   ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ   ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ   ] [المؤمنون: 5-7]. 

([27]) قوله تعالى: [ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ   ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ   ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ   ] [المعارج: 29-31]. 

([28])   «أحكام القرآن للجصاص» ت قمحاوي (٩٧/٣).