استدلال الشيعة بقوله تعالى: [ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ] {الإسراء:78} على أن مواقيت الصلاة ثلاثة لا خمسة

الشبهة:

ذكر الشيعة أن مواقيت الصلاة ثلاثة لا خمسة، وأجازوا الجمع بين الصلوات على كل حال حتى صار جمعُ الصلواتِ شعارًا لهم، واستدلوا بقوله تعالى: [ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ] {الإسراء:78} فقالوا: لم تذكر الآية إلا ثلاثة أوقات، وهي دلوك الشمس، وغسق الليل والفجر، فهي ثلاثة إذًا لا خمسة.

قال الطباطبائي اليزدي: »فصل في أوقات اليومية ونوافلها: وقت الظهرين ما بين الزوال والمغرب، ويختص الظهر بأوله بمقدار أدائها بحسب حاله، ويختص العصر بآخره كذلك. وما بين المغرب ونصف الليل وقت للمغرب والعشاء، ويختص المغرب بأوله بمقدار أدائه، والعشاء بآخره كذلك... وما بين طلوع الفجر الصادق إلى طلوع الشمس وقت الصبح«.([1])

واستدلوا بما رواه الصدوق عن زُرَارَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ أَنَّهُ قَالَ: »إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ دَخَلَ الْوَقْتَانِ الظُّهْرُ وَالْعَصْرُ، فَإِذَا غَابَتِ الشَّمْسُ دَخَلَ الْوَقْتَانِ الْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ الْآخِرَةُ».([2])

وما أخرجه أيضًا من سؤال عُبَيْدِ بْنِ زُرَارَةَ عَنْ وَقْتِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فَقَالَ: «إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ دَخَلَ وَقْتُ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ جَمِيعًا، إِلَّا أَنَّ هَذِهِ قَبْلَ هَذِهِ، ثُمَّ أَنْتَ فِي وَقْتٍ مِنْهُمَا جَمِيعًا حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ«.([3])

 

([1]) العروة الوثقى 2(/248 -249 -250)

([2]) من لا يحضره الفقيه (1/216).

([3]) المرجع السابق.

الرد علي الشبهة:

أولا: فساد الاستدلال الروائي.

لا نُسَلِّم للإمامية بصحة الفهم الذي فهموه من الروايات التي استدلوا بها، سواء في رواية: »إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ دَخَلَ وَقْتُ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ جَمِيعًا« أو رواية: »إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ دَخَلَ الْوَقْتَانِ الظُّهْرُ وَالْعَصْرُ«؛ وذلك لأن زوال الشمس هو ابتداءُ ميلها للزوال، ويكون ذلك من الظهيرة([1]) إلى الغروب([2])، فمن بدء الزوال إلى الغروب يُسمى دُلوكًا، وهو قول الأخفش([3]) والزجاج([4])؛ لأنها في كل ذلك تكون في حالة ميل وزوال([5])، فعلى هذا يصح أن يدخل في كل هذا الوقت الظهر والعصر، وذلك لأن وقت الظهر يبدأ من بداية الزوال، ووقت العصر يدخل في أثناء وقت الزوال، وكل هذا إلى الغروب، فبذلك يكون بدء الزوال وانتهاؤه جامعًا لوقتهما باعتبار أن الجميع دخل في وقت الزوال لا موحد لوقتهما، فشتان بين العبارتين.

وهذا يعني أن وقت الظهر لا يدخل في وقت العصر، وإن اجتمعا معًا في وقت الزوال، ولذلك هم يقولون بالترتيب ولا يُجيزون أداء العصر قبل الظهر على الرغم من قولهم بالاشتراك في الوقت! فلو كان الزوال يشملهما على سبيل توحيد وقتهما؛ لجاز المجيء بأيهما بغير اشتراط لترتيب.

ودل على أن الفصل بين وقتيهما داخل وقت الزوال ما رُوي عن يزيد بن خليفة، عن أبي عبد الله في تحديد مواقيت الظهر والعصر([6]) وتحديد مواقيت المغرب والعشاء([7])، وما رُوي عن معاوية بن وهب عن أبي عبد الله([8]) في تحديد مواقيت الصلوات الخمس ابتداءً وانتهاءً، وخبر إبراهيم الكرخي عن أبي الحسن عمدة([9])، وسيأتي ذكرهم جميعًا.

وإليك بيان بدء مواقيت الصلوات وانتهائها.

1. وقت الظهر والعصر.

* منه ما رُوي عن أحمد بن محمد، عن أبي الحسن قال: «سألته عن وقت الظهر والعصر فقال: وقت الظهر إذا زاغت الشمس إلى أن يذهب الظل قامة، ووقت العصر قامة ونصف إلى قامتين«([10])، فصلاة الظهر وقتها محدد بالظل بدءًا وانتهاءً([11])، وصلاة العصر وقتها محدد بالظل أيضًا([12]).

* ومنه ما رُوي عن أحمد بن محمد يعني ابن أبي نصر قال: «سألته عن وقت صلاة الظهر والعصر فكتب: قامة للظهر وقامة للعصر«.([13])

* ومنه ما رُوي عن محمد بن حكيم قال: سمعت العبد الصالح S وهو يقول: «إن أول وقت الظهر زوال الشمس وآخر وقتها قامة من الزوال، وأول وقت العصر قامة وآخر وقتها قامتان، قلت: في الشتاء والصيف سواء؟ قال نعم«.([14])

2. وقت المغرب والعشاء.

عن أبي أسامة زيد الشحام قال: «قال رجل لأبي عبد الله S: أؤخر المغرب حتى تستبين النجوم؟ فقال: خَطَّابية؟ إن جبرئيل S نزل على محمد صلى الله عليه وآله حين سقط القرص«.([15])

فهذا الخبر فيه أن الإمام قد نهى عن تأخير وقت المغرب، بل واتهم الرجل أنه خطابيٌّ أو أن هذا من شعار الخطابية([16])، حتى أن الطوسي قال عند ذكر هذا الخبر: «لا يجوز تأخير المغرب عن غيبوبة الشمس إلا عن عذر ما ثبت أنه مأمور في هذا الوقت بالصلاة، والأمر عندنا على الفور، فيجب أن تكون الصلاة عليه واجبة في هذه الحال«.([17])

وعن ذريح عن أبي عبد الله: «أن جبرئيل S أتى النبي صلى الله عليه وآله في الوقت الثاني في المغرب قبل سقوط الشفق«.([18])

وعنْ يَزِيدَ بْنِ خَلِيفَةَ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللهِ S: إِنَّ عُمَرَ بْنَ حَنْظَلَةَ أَتَانَا عَنْكَ بِوَقْتٍ، قَالَ: فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ S: «إِذًا لَا يَكْذِبُ عَلَيْنَا».

قُلْتُ: قَالَ: وَقْتُ الْمَغْرِبِ إِذَا غَابَ الْقُرْصُ، إِلَّا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم كَانَ إِذَا جَدَّ بِهِ السَّيْرُ أَخَّرَ الْمَغْرِبَ، وَيَجْمَعُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعِشَاءِ، فَقَالَ: «صَدَقَ»، وَقَالَ: «وَقْتُ الْعِشَاءِ حِينَ يَغِيبُ الشَّفَقُ إِلى ثُلُثِ اللَّيْلِ، وَوَقْتُ الْفَجْرِ حِينَ يَبْدُو حَتّى يُضِيءَ».([19])

وهذا فيه تعيين لانتهاء وقت المغرب، وهو قبل سقوط الشفق، فلماذا يتعمد علماء الشيعة ومراجعهم إخفاء هذه الروايات الصريحة الواضحة وضوح الشمس في كبد السماء على تحديد بدء وانتهاء المواقيت الخمس للصلوات، ويصرون على تبديل دينهم وتغييره وتشويهه؟! لماذا يتعمدون أن يوقعوهم في بدعة الخطابية كما ذُكِرَ، فأمروا الشيعة بالجمع بين المغرب والعشاء وصلاتهما معًا بعد فوات وقت المغرب؟! أين علماء الشيعة من تزييف موروثهم الروائي؟! مَن المستفيد من هذا التزييف؟!

ثانيًا: تحديد مواقيت الصلوات الخمسة عند الشيعة.
(أ) التأويل.

فرض الله D الصلوات على خلقه بمواقيت محدودة وأمر بأدائها، فقال سبحانه وتعالى: [ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ] {النساء:103} أي أن الله D قد حددها بوقت لا يجوز الإخلال به، وهذه الآية قد ذكرها الله D بعد أن ذكر صفة الصلاة في الحرب والخوف وصفة صلاة أهل الأعذار من المرضى أو من كانوا على سفر ومن قام بعذر في مقامهم، فقال سبحانه: [ﮞ ﮟ] فدل هذا على أن هذه الأصناف المذكورة آنفا لم تكن على حالتها الأصلية وهي حالة الطُمأنينة، وأنه متى زال العارض الذي يرفع عنهم حالهم الأصلي -الطمأنينة- عاد كل شيء إلى أصله الذي فرضه الله عليه، ثم ذَكَّرَهم سبحانه وتعالى أن الصلوات كانت موقوته عليهم بقوله: [ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ] أي أنها فُرضت في أوقات محددة تؤدوها فيها لا في غيرها.

قال الطبرسي في تفسير هذه الآية: «اختلف في تأويله فقيل: معناه‌ أن الصلاة كانت على المؤمنين واجبة مفروضة عن ابن عباس وعطية العوفي والسدي ومجاهد، وهو المروي عن الباقر والصادق (ع)، وقيل: معناه فرضًا موقوتًا، أي منجمًا تؤدونها في أنجمها عن ابن مسعود وقتادة، والقولان متقاربان«.([20])

ولشيخ الطائفة الطوسي كلامٌ أتمُّ من هذا في بيان معنى هذه الآية، وفيه: «وقال آخرون: كانت على المؤمنين فرضًا واجبًا، ذهب إليه الحسن ومجاهد في رواية، وابن عباس في رواية، وأبو جعفر في رواية أخرى عنه، والمعنيان متقاربان، بل هُما واحد. وقال آخرون: معناه كانت على المؤمنين كتابًا موقوتًا يعني منجمًا يؤدونها في أنجمها، ذهب إليه ابن مسعود وزيد بن أسلم وقتادة، وهذه الأقوال متقاربة؛ لأن ما كان مفروضًا فهو واجب، وما كان واجبًا أداؤه في وقت بعد وقت فمفروض منجم. واختار الجُبَّائي والطبري القول الأخير، قال: لأن (موقوتًا) مشتق من الوقت، فكأنه قال: هي عليهم فرض في وقت وجوب أدائها«([21])، وهذا معناه أن كل صلاة لها وقت وقته الله لها، فوقت صلاة الظهر ليس هو وقت صلاة العصر، ولا وقت صلاة المغرب هو وقت صلاة العشاء، فلا يدخل هذا في ذاك، ولا يجوز تأخير وقت هذه إلى دخول وقت تلك.

(ب) الموروث الروائي.

1. وقت الظهر والعصر.

بوب الكليني في كتابه الكافي تبويبًا بعنوان »بَابُ وَقْتِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ« وروى فيه بسنده عَنْ يَزِيدَ بْنِ خَلِيفَةَ قَالَ: «قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللهِ S: إِنَّ عُمَرَ بنَ حَنْظَلَةَ أَتَانَا عَنْكَ بِوَقْتٍ؟ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ S: إِذًا لَا يَكْذِبُ عَلَينَا، قُلْتُ: ذَكَرَ أَنَّكَ قُلْتَ: إِنَّ أَوَّلَ صَلَاةٍ افْتَرَضَهَا اللهُ عَلى نَبِيِّهِ صلى الله عليه وآله وسلم الظُّهْرُ، وَهُوَ قَوْلُ اللهِ D: (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ) فَإِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ، لَمْ يَمنَعْكَ إِلَّا سُبْحَتُكَ([22])، ثُمَّ لَا تَزَالُ فِي وَقْتٍ إِلى أَنْ يَصِيرَ الظِّلُّ قَامَةً، وَهُوَ آخِرُ الْوَقْتِ، فَإِذَا صَارَ الظِّلُّ قَامَةً دَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ، فَلَمْ يَزَلْ فِي وَقْتِ الْعَصْرِ حَتّى يَصِيرَ الظِّلُّ قَامَتَيْنِ، وَذلِكَ الْمَسَاءُ؟ فَقَالَ: صَدَقَ([23])

فهو هنا يُفَرِّق بين وقت الظهر ووقت العصر، ولم يجعله وقتًا واحدًا، بينما الشيعة تجعله واحدًا.

وأقول: إن الجمع بين الصلاتين عند الشيعة كان تقيةً حتى لا يُعرفوا، هكذا وردت الروايات! فعَنْ سَالِمٍ أَبِي خَدِيجَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ قَالَ: »سَأَلَهُ إِنْسَانٌ وَأَنَا حَاضِرٌ، فَقَالَ: رُبَّمَا دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ وَبَعْضُ أَصْحَابِنَا يُصَلُّونَ الْعَصْرَ، وَبَعْضُهُمْ يُصَلُّونَ الظُّهْرَ؟ فَقَالَ: أَنَا أَمَرْتُهُمْ بِهذَا؛ لَوْ صَلَّوْا عَلى وَقْتٍ وَاحِدٍ، عُرِفُوا، فَأُخِذَ بِرِقَابِهِمْ».([24])

فهذا الخبر فيه التصريح منه أنه هو من أمرهم بالمخالفة بين المواقيت تقيةً!

2. وقت المغرب والعشاء والفجر.

بوب الكليني في كتابه الكافي تبويبا بعنوان »بَابُ وَقْتِ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ الْآخِرَةِ« وروى فيه بسنده عَنْ يَزِيدَ بْنِ خَلِيفَةَ، قَالَ: «قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللهِ S: إِنَّ عُمَرَ بنَ حَنْظَلَةَ أَتَانَا عَنْكَ بِوَقْتٍ؟ قَالَ: فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ S: إِذًا لَا يَكْذِبُ عَلَينَا. قُلْتُ: قَالَ: وَقْتُ الْمَغْرِبِ إِذَا غَابَ الْقُرْصُ، إِلَّا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم كَانَ إِذَا جَدَّ بِهِ السَّيْرُ أَخَّرَ الْمَغْرِبَ، وَيَجْمَعُ بَينَهَا وَبَينَ الْعِشَاءِ، فَقَالَ: صَدَقَ. وَقَالَ: وَقْتُ الْعِشَاءِ حِينَ يَغِيبُ الشَّفَقُ إِلى ثُلُثِ اللَّيْلِ، وَوَقْتُ الْفَجْرِ حِينَ يَبْدُو حَتّى يُضِيء».([25])

وهنا كذلك يفرق بين وقت المغرب ووقت العشاء ولم يجعله وقتًا واحدًا، فجعل وقت المغرب عند غياب القرص، ووقت العشاء عند غياب الشفق، وجعل وقت الفجر حين يبدو حتى يضيء، بل وفي الخبر أن النبي H لما جمع بين المغرب والعشاء جمع بينهما لعلة، وليس لمطلق الجمع وأن هذا الحال لم يكن الأصل في صلاته، فهذه مواقيت خمسة للصلوات الخمسة التي جعلتها الشيعة ثلاثة مواقيت لخمس صلوات.

(ج) تحديد المواقيت الخمسة من كلام الأئمة.

ورد عن الأئمة المعصومين عند الإمامية ما يوافق حديث مواقيت الصلوات الخمس عند أهل السنة والجماعة الذي رواه الإمام أحمد في مسنده من حديث جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْأَنْصَارِيِّ «أَنَّ النَّبِيَّ H جَاءَهُ جِبْرِيلُ، فَقَالَ: قُمْ فَصَلِّهْ، فَصَلَّى الظُّهْرَ حِينَ زَالَتِ الشَّمْسُ، ثُمَّ جَاءَهُ الْعَصْرَ، فَقَالَ: قُمْ فَصَلِّهْ، فَصَلَّى الْعَصْرَ حِينَ صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ -أَوْ قَالَ: صَارَ ظِلُّهُ مِثْلَهُ- ثُمَّ جَاءَهُ الْمَغْرِبَ، فَقَالَ: قُمْ فَصَلِّهْ، فَصَلَّى حِينَ وَجَبَتِ الشَّمْسُ، ثُمَّ جَاءَهُ الْعِشَاءَ، فَقَالَ: قُمْ فَصَلِّهْ، فَصَلَّى حِينَ غَابَ الشَّفَقُ، ثُمَّ جَاءَهُ الْفَجْرَ، فَقَالَ: قُمْ فَصَلِّهْ، فَصَلَّى حِينَ بَرَقَ الْفَجْرُ، أَوْ قَالَ: حِينَ سَطَعَ الْفَجْرُ جَاءَهُ مِنَ الْغَدِ لِلظُّهْرِ، فَقَالَ: قُمْ فَصَلِّهْ، فَصَلَّى الظُّهْرَ حِينَ صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ، ثُمَّ جَاءَهُ لِلْعَصْرِ، فَقَالَ: قُمْ فَصَلِّهْ، فَصَلَّى الْعَصْرَ حِينَ صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ، ثُمَّ جَاءَهُ لِلْمَغْرِبِ، وَقْتًا وَاحِدًا لَمْ يَزُلْ عَنْهُ، ثُمَّ جَاءَ لِلْعِشَاءِ، حِينَ ذَهَبَ نِصْفُ اللَّيْلِ، أَوْ قَالَ: ثُلُثُ اللَّيْلِ، فَصَلَّى الْعِشَاءَ، ثُمَّ جَاءَهُ لِلْفَجْرِ حِينَ أَسْفَرَ جِدًّا، فَقَالَ: قُمْ فَصَلِّهْ، فَصَلَّى الْفَجْرَ، ثُمَّ قَالَ: مَا بَينَ هَذَيْنِ وَقْتٌ».([26])

فرواه شيخ الطائفة الطوسي عن معاويةَ بن وهب، عن أبي عبد الله قال: «أتى جبرئيل S رسول الله صلى الله عليه وآله بمواقيت الصلاة فأتاه حين زالت الشمس فأمره فصلى الظهر، ثم أتاه حين زاد الظل قامة فأمره فصلى العصر، ثم أتاه حين غربت الشمس فأمره فصلى المغرب، ثم أتاه حين سقط الشفق فأمره فصلى العشاء، ثم أتاه حين طلع الفجر فأمره فصلى الصبح، ثم أتاه من الغد حين زاد في الظل قامة فأمره فصلى الظهر، ثم أتاه حين زاد في الظل قامتان فأمره فصلى العصر، ثم أتاه حين غربت الشمس فأمره فصلى المغرب، ثم أتاه حين ذهب ثلث الليل فأمره فصلى العشاء، ثم أتاه حين نور الصبح فأمره فصلى الصبح ثم قال: ما بينهما وقت».([27])

وهذا الخبر يدل على تعيين مواقيت كل صلاة من الصلوات المفروضات وقت الفضيلة ووقت الضرورة الذي لا يصح بعده صلاة الفريضة، والإمامية قد أدخلت المواقيت في بعضها، فمدت وقت الظهر إلى قبيل المغرب قدر ما يسع لصلاة العصر، وعلى نظيره المغرب مع العشاء، وأنت ترى الخبر قد حدد مواقيت كل صلاة ابتداءً وانتهاءً.

(د) تحديد مواقيت الصلوات الخمس من كلام أمير المؤمنين.

حدد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب I مواقيت الصلوات الخمس ابتداءً وانتهاءً لأمراء البلدان، وفَرَّق فيها بين كل مكتوبة وأختها، فكان مما كتب: «أَمَّا بَعْدُ، فَصَلُّوا بِالنَّاسِ الظُّهْرَ حَتَّى تَفِيءَ الشَّمْسُ مِنْ مَرْبِضِ الْعَنْزِ، وَصَلُّوا بِهِمُ الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ بَيْضَاءُ حَيَّةٌ فِي عُضْو مِنَ النَّهَارِ حِينَ يُسَارُ فِيهَا فَرْسَخَانِ، وَصَلُّوا بِهِمُ الْمَغْرِبَ حِينَ يُفْطِرُ الصَّائِمُ، وَيَدْفَعُ الْحَاجُّ إِلَى مِنًى، وَصَلُّوا بِهِمُ الْعِشَاءَ حِينَ يَتَوَارَى الشَّفَقُ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ، وَصَلُّوا بِهِمُ الْغَدَاةَ وَالرَّجُلُ يَعْرِفُ وَجْهَ صَاحِبِهِ، وَصَلُّوا بِهِمْ صَلاَةَ أَضْعَفِهِمْ، وَلاَ تَكُونُوا فَتَّانِينَ».([28])

فقول علي I: «فَصَلُّوا بِالنَّاسِ الظُّهْرَ حَتَّى تَفِيءَ الشَّمْسُ مِنْ مَرْبِضِ الْعَنْزِ« معناه أن يصلوا الظهر حتى تميل الشمس إلى جهة الغرب فيكون ظل كل شيء مثله، وهنا ينتهي وقت الظهر ويبدأ وقت العصر ما دامت الشمس بيضاء، وما بعد بياضها هو الحمرة التي قبل ذهابها، فلا صلاة فيه إلا لمضطرٍ، وحدد لهم وعين وقت العشاء ابتداءً وانتهاءً، فبداية وقت العشاء عند دخول الشفق بقوله: «وَصَلُّوا بِهِمُ الْعِشَاءَ حِينَ يَتَوَارَى الشَّفَقُ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ« فإذا دخل الشفق فقد انقطع وقت المغرب وبدأ وقت العشاء حتى ينتهي مع ثلث الليل، فهل كانت الأئمة بعد هذه الروايات لا تصلي الصلوات الخمس في مواقيتها الخمس؟

نريد من علماء الإمامية أن يعينوا لنا مَنْ مِنَ الأئمة صلى الصلوات الخمس بمواقيت ثلاث وكان هذا هو الأصل في عبادته؟ وكيف يأمر أمير المؤمنين أمراء البلدان بالصلوات الخمس في مواقيتها ويحددها لهم، ثم يخالف أمره لهم ويصليها هو في مواقيت ثلاث؟!

(هـ) تحديد بداية ونهاية مواقيت الصلوات.

عن إبراهيم الكرخي قال: «سألت أبا الحسن موسى (ع) متى يدخل وقت الظهر؟ قال: إذا زالت الشمس، فقلت: متى يخرج وقتها؟ فقال: من بعد ما يمضي من زوالها أربعة أقدام، إن أول وقت الظهر ضيق، قلت: فمتى يدخل وقت العصر؟ قال: إن آخر وقت الظهر أول وقت العصر، فقلت: فمتى يخرج وقت العصر؟ فقال: وقت العصر إلى أن تغرب الشمس، وذلك من علة وهو تضييع، فقلت له: لو أن رجلًا صلى الظهر بعد ما تمضي من زوال الشمس أربعة اقدام أكان عندك غير مؤد لها؟ فقال: إن كان تعمد ذلك ليخالف السنة والوقت لم تقبل منه، كما لو أن رجلًا أخر العصر إلى قريب أن تغرب الشمس متعمدًا من غير علة لم تقبل منه، إن رسول الله صلى الله عليه وآله قد وقَّتَ للصلوات المفروضات أوقاتًا وحد لها حدودًا في سُنَّةٍ للناس، فمن رغب عن سُنّةٍ من سُنَنِهِ الموجبات مثل من رغب عن فرائض الله D».([29])

ولما كانت مواقيت الصلاة محددةً بما رُوي عن الأئمة قال شيخ الطائفة: «قد بينا فيما تقدم أن آخر الوقت وقت لصاحب العذر والحاجة، وأن من لا عذر له فوقته أول الوقت».([30])

ثالثًا: فساد الاستدلال بالتنزيل.

الآيات التي اعتمد عليها الإمامية في تحديد مواقيت الصلاة بثلاثة، لا تدل على ما ذهبوا إليه، فالاستدلال بقوله تعالى: [ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ] {الإسراء:78} على أن المواقيت ثلاثة فاسد كاسد؛ لأن الآية لا تفيد ذلك بحال من الأحوال، فمعنى الآية الأمر بإقامة الصلاة لقوله: [ﭭ ﭮ] ثم عَيَّن بعدها ميقاتًا لبدأ التوقيت في قوله: [ﭯ ﭰ] ومعنى الدلوك قيل غروب الشمس([31])، وقيل: هو الظهر([32])، وهذا هو الذي مال إليه الطبري فقال: «وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال: عنى بقوله: [ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ]: صلاة الظهر؛ وذلك أن الدلوك في كلام العرب: الميل، يقال منه: دلك فلان إلى كذا: إذا مال إليه«.([33])

فيكون المعنى إذًا أن بداية أوقات الصلاة هو دلوك الشمس الذي هو الظهر، وآخره غسق الليل لقوله تعالى: [ﭱ ﭲ ﭳ] فدل هذا على أن ما بين هذين وقت صلاة، وليس أن هذين وقْتَا صلاة، وذلك لدخول حرف الجر «إلى« بين الوقتين فأفاد امتداد الوقت من الدلوك إلى الغسق، وأفاد أن الوقت الممتد بينهما وقت صلاة.

ويصح تفسير الشيعة أن هذين هما وقتا الصلاة إذا استبدلنا حرف «إلى« الموجود بالآية بحرف «الواو« فتكون الآية «أقم الصلاة لدلوك الشمس وغسق الليل«.

فهل ثمت فرق بين الحالتين؟

الجواب: نعم هناك فرق كبيرٌ جدًّا، فالذي أوقع الاشتباه هو حرف الجر (إلى)، وليُعلم الفرق سنضرب مثالين:

الأول: عمل محمد يوم السبت والخميس.

الثاني: عمل محمد يوم السبت إلى يوم الخميس.

فالمعنى في المثال الأول أنه قد عمل يومين في الأسبوع فقط، هما السبت والخميس، بخلاف المعنى في المثال الثاني، الذي يعني أنه عملَ ستة أيام، وسبب الفرق الشاسع بين المعنيين هو فقط تغيير حرف الواو بـحرف إلى أو العكس، فتغير المعنى تغييرًا جذريًّا.

وعليه يكون معنى الآية أنه سبحانه أمر ببدء وقت الصلاة من الدلوك إلى الغسق، فشملت أربعة أوقات لأربع صلوات متوالية ليس بينها فاصل، فمتى بدأ وقت الظهر إلى انتهائه يدخل وقت العصر، ومتى خرج وقت العصر بغروب الشمس دخل وقت المغرب، ومتى خرج وقت المغرب لمغيب الشفق الأحمر دخل وقت العشاء إلى نصف الليل، ومنه يظهر غلط الإمامية في تفسير الآية.

وبذلك يبقي وقت الفريضة الخامسة وهي صلاة الصبح، وهي التي عينها الرب تبارك وتعالى بقوله: [ﭴ ﭵ] فبذلك تمت الصلوات الخمس، وأفرد سبحانه وتعالى الفجر؛ لكونها لا صلاة مفروضة بينها وبين الغسق ولا بينها وبين الدلوك، وهذا سبب ذكر حرف الواو في هذا الموضع، بخلاف موضع الدلوك والغسق، فلم يذكر الواو، وإنما ذكر حرف الجر إلى.([34])

وبنفس هذا المعنى وردت الروايات عند الإمامية، فعن زرارة قال: «سألت أبا عبد الله S، عن هذه الآية (أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل) قال: دلوك الشمس زوالها عند كبد السماء، إلى غسق الليل: إلى انتصاف الليل، فرض الله فيما بينهما أربع صلوات: الظهر والعصر والمغرب والعشاء، وقرآن الفجر: يعني القراءة...«.([35])

فنريد أن نسأل علماء الإمامية وعوامهم: ما العلة التي أجبرتكم على إخراج الصلوات عن أوقاتها؟ ما العلة التي أوجبت عليكم أن تخالفوا المنقول بالتواتر عن النبي H في أدائه للصلوات المفروضات في خمس أوقات في اليوم والليلة؟

إن الذي نقلناه عن الأئمة من أمهات الكتب المعتمدة عند الإمامية يُثبت أن الصلاة في غير الوقت المحدد لها لا تصح بغير عذر([36])، وأن وقت الظهر غير العصر، ووقت العشاء غير المغرب، فمن جمع بين الصلوات لغير عذر فلا صلاة له؛ لما رُوي عن ابن سنان عن أبي عبد الله أنه قال: «لكل صلاة وقتان، وأول الوقتين أفضلهما، وقت صلاة الفجر حين ينشق الفجر إلى أن يتجلل الصبح السماء، ولا ينبغي تأخير ذلك عمدًا، لكنه وقت من شغل أو نسي أو سها أو نام، ووقت المغرب حين تجب الشمس الى أن تشتبك النجوم، وليس لأحد أن يجعل آخر الوقتين وقتًا إلا من عذر أو علة».([37])

أخيرًا: من الإلزامات التي لا فكاك لهم منها: أن الأذان كان لخمس صلوات في المسجد الحرام والمسجد النبوي ومسجد قباء في عهد النبي H، وفي عهد الخلفاء الراشدين رضوان الله عليهم أجمعين، بمن فيهم علي بن أبي طالب، ولم يؤثر ولو في رواية ضعيفة أنه كان يؤذن لثلاثة أوقات فقط.

_ _ _

 

([1]) عن ابن عباس: أن دلوك الشمس هو زوالها الظهر. لسان العرب (10/427).

([2]) عن ابن مسعود: أن دلوك الشمس هو غروبها. لسان العرب (10/427).

([3]) وَرَوَى ابْنُ هَانِئٍ عَنْ الأَخفش أَنه قَالَ: «دُلُوك الشَّمْسِ مِنْ زَوَالِهَا إِلَى غُرُوبِهَا». لسان العرب (10/427).

([4]) وَقَالَ الزَّجَّاجُ: «دُلُوك الشَّمْسِ زَوَالُهَا فِي وَقْتِ الظُّهْرِ، وَذَلِكَ مَيْلُهَا لِلْغُرُوبِ وَهُوَ دُلُوكها أَيضًا». لسان العرب (10/427).

([5]) قال الأزهري: «الدُّلوكُ: الزَّوَالُ، وَلِذَلِكَ قِيلَ لِلشَّمْسِ إِذَا زَالَتْ نِصْفَ النَّهَارِ: دَالِكة، وَقِيلَ لَهَا إِذَا أَفَلَتْ دَالِكَةٌ؛ لأَنها فِي الْحَالَتَيْنِ: زَائِلَةٌ». لسان العرب (10/428).

([6]) الكافي (6/37).

([7]) الكافي (6/50).

([8]) تهذيب الأحكام (2/253).

([9]) الاستبصار 1/258- 259).

([10]) الاستبصار (1/260)

([11]) أوله من الزوال وهو أول الوقت إلى أن يصير قامة مضافًا إليه ظل الزوال، وهو آخر وقت صلاة الظهر.

([12]) أوله عندما يصير قامة مع ظل الزوال، وآخره عندما يصير قامتين، وهو آخر وقت صلاة العصر.

([13]) وسائل الشيعة (3/105).

([14]) الاستبصار (2/251)، والوسائل (3/108).

([15]) الاستبصار (2/32)، والوسائل (3/139).

([16]) عن ذريح قال: «قلت لأبي عبد الله S: إن أناسًا من أصحاب أبي الخطاب يمسون بالمغرب حتى تشتبك النجوم، فقال: أبرأ إلى الله ممن فعل ذلك متعمدًا». الاستبصار (2/32).

([17]) الاستبصار (2/32).

([18]) المرجع السابق.

([19]) الكافي 6/50 ح4846.

([20]) مجمع البيان (3/159).

([21]) التبيان في تفسير القرآن (3/313).

([22]) السًبحة هي النافلة.

([23]) الكافي (6/37).

([24]) الكافي (6/40).

([25]) الكافي (6/50).

([26]) مسند أحمد (22/408) رقم (14538).

([27]) تهذيب الأحكام (2/253)، والاستبصار (1/257)، والمجلسي في البحار (79/347)، والحر العاملي في الوسائل (3/115) والطبرسي في مستدرك الوسائل (3/122 123).

([28]) نهج البلاغة (ص290).

([29]) الاستبصار (1/258- 259).

([30]) الاستبصار (2/39).

([31]) أو حين تريد الغروب.

([32]) أو عند ميلها للزوال.

([33]) تفسير الطبري (17/516).

([34]) مُستَفَاد من كتاب الدكتور طه الدليمي، مواقيت الصلاة في المصادر المعتمدة عند أهل السنة والشيعة. بتصرف.

([35]) مستدرك الوسائل، الطبرسي (3/123).

([36]) عن أبي بصير عن أبي عبد الله S قال: «من صلى في غير وقت فلا صلاة له». الاستبصار (2/254)

([37]) الاستبصار (2/39).