زعمهم أنه لم ينزل في الصديق وآلِه شيءٌ منَ القرآن
الشبهة:
قالت الشيعة: «لاحِظْ عائشةَ كيف تُكَذّبُ وجود والدها مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الغار، فهْي تُقرُّ بعدم نزول أَيَّةِ آيَةٍ بحقِّ أبي بكرٍ في القرآن الكريم! حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا أبو عوانة، عن أبي بشر، عن يوسف بن ماهَك قال: كان مروان على الحجاز، استعمله، فخطب فجعل يذكر يزيد بن معاوية؛ لكي يُبايَع له بعد أبيه، فقال له عبد الرحمن بن أبي بكر شيئًا، فقال: خذوه، فدخل بيت عائشة فلم يقدروا، فقال مروان: إنَّ هذا الذي أنزل الله فيه: {وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي}، فقالت عائشة من وراء الحجاب: ما أنزل الله فينا شيئًا من القرآن، إلَّا أنَّ الله أنزل عذري..
أقول (أي الشيعي): لاحظْ كيف أيَّد عبدُ الرحمن عائشةَ، وأمضى قولها بسكوتِه وإقراره، ولو كان خلاف ذلك لعارَضَها بآية الغار»([1]).
([1]) الإفصاح عن المتواري من أحاديث المسانيد والسنن والصحاح، محسن الخياط (1/439 - 440).
الرد علي الشبهة:
أولًا: لا كلامَ حولَ إسناد الرواية ولا متنِهَا، فقد رواها الإمام البخاري في صحيحه، بَابُ: {وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا} [الأحقاف: 17]([1]).
ولكن ليس الأمر على ما فهمه الرافضةُ من قول أم المؤمنين رضي الله عنها، فقولها: «مَا أَنْزَلَ اللهُ فِينَا شَيْئًا مِنَ القُرْآنِ، إِلَّا أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ عُذْرِي»، أي: في بني أبي بكر t، وهذا ما قرره أهل العلم بالحديث.
قال الحافظ ابن حجر في شرحه للحديث: «وَقَدْ شَغَبَ بَعْضُ الرَّافِضَةِ فَقَالَ: هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ: ﴿ثَانِيَ اثْنَيْنِ﴾ لَيْسَ هُوَ أَبَا بَكْرٍ، وَلَيْسَ كَمَا فَهِمَ هَذَا الرَّافِضِيُّ، بَلِ الْمُرَادُ بِقَوْلِ عَائِشَةَ: «فِينَا» أَيْ: فِي بَنِي أَبِي بَكْرٍ، ثُمَّ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ عُمُومِ النَّفْيِ، وَإِلَّا فَالْمَقَامُ يُخَصَّصُ، وَالْآيَاتُ الَّتِي فِي عُذْرِهَا فِي غَايَةِ الْمَدْحِ لَهَا، وَالْمُرَادُ: نَفْيُ إِنْزَالِ مَا يَحْصُلُ بِهِ الذَّمُّ، كَمَا فِي قِصَّةِ قَوْلِهِ: ﴿وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ﴾ إِلَى آخِرِهِ ...»([2]).
وقال الإمام العيني: «قَوْلهَا: «فِينَا» أَرَادَت بِهِ بني أبي بكر؛ لِأَن أَبَا بكر t نزل فِيهِ قولُهُ تعالى: ﴿ثَانِيَ اثْنَيْنِ﴾، وَقَولُه: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ﴾، وَقَولُه: ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ﴾ وَفِي آيٍ كَثِيرَة»([3]).
ثانيًا: صحَّ عندَ أهلِ السنة نزولُ آياتٍ كثيرةٍ في أبي بكر خاصة، فضلًا عن أن كل آية تمدح الصحابة فهو أول داخل فيها t.
ومن ذلك مثالًا لا حصرًا: آيةُ الغار، كما سنفرد الحديث عنها في مبحث، وقولُهُ تعالى: {وَلا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور:22]([4])، وغيرها من الآيات.
ثالثًا: لو أصرَّ الشيعة على ذلك فهذا ينقض قولهم بأن الصديق نزلت فيه آياتٌ تذمه في القرآن، سواء كان آية الحجرات أو غيرها، وليس من شك في أن كل آية ذكر الشيعة أنها تذم أبا بكر فهي في الحقيقة تمدحه، كما سنفرده بمباحث خاصة.
رابعًا: عدم نزول آياتٍ في مدح رجلٍ بعينِه لا تدل على القدح فيه، وإلا فأعطونا الروايات التي نزلت في أبي ذر، أو سلمان، أو المقداد، فضلًا عن علي والحسن والحسين!
وبه يسقط تشغيبهم على تلك الرواية.
([1]) صحيح البخاري (6/133).
([2]) فتح الباري، ابن حجر (8/577).
([3]) عمدة القاري، العيني (19/170).
([4]) صحيح البخاري (4/1521)، وصحيح مسلم (8/117) ط التركية.