طعنهم في بيعة الصديق لقول عمر رضي الله عنهما: «كانت فلتة».

الشبهة:

حاول علماء الرافضة الطعن في خلافة الصديق رضي الله عنه من خلال التمسك بقول عن عمر رضي الله عنه: «كانت بيعة أبي بكر فلتة».

قال علي آل محسن: «إن وصف هذه البيعة بالفلتة مشعر بأن أبا بكر لم يكن أفضلَ صحابة النبيِّ ص، وأنَّ كل ما رووه بعد ذلك في أفضليته على سائر الصحابة إنما اختُلق لتصحيح خلافته وخلافة مَن جاء بعده، ولصرف النظر عن أحقيَّة غيره، وإلا لو كانت أفضليَّته معلومة عند الناس بالأحاديث الكثيرة التي رووها في ذلك، لَما كان صحيحًا أن تُوصف بيعةُ أفضل الناس بعد النبي ص بأنها وقعت بلا تروٍّ وتدبير»([1]).

بل جعل بعضهم هذه العبارة دليلًا على كره عمر لأبي بكر رضي الله عنهما، فقد جاء في (موسوعة من حياة المستبصرين): «حقد عمر على أبي بكر: فالذي يتتبع أحداث تاريخ الإسلام يجد أنَّ سبب إفصاح عمر لهذه المقولة ناشئ من حقده على أبي بكر وكراهته له!»([2]).

 

 ([1]) مسائل خلافية حار فيها أهل السنة، علي آل محسن (ص53).

 ([2]) موسوعة من حياة المستبصرين، مركز الأبحاث العقائدية (1/469).

الرد علي الشبهة:

أولًا: الحديث أخرجه البخاري في صحيحه عن ابن عباس في حديث طويل، قال فيه عمر رضي الله عنه: «إنما كانت بيعة أبي بكر فلتة وتمَّت، ألا وإنها قد كانت كذلك، ولكن الله وقى شرها ... من بايع رجلًا عن غير مشورة من المسلمين، فلا يبايع هو ولا الذي بايعه تَغِرَّةَ أن يقتلا»([1]).

ومعنى قوله: (فلتة) أي فجأة، ولم يكن الأمر عن تدبيرٍ واحتيالٍ، ولها معانٍ أخرى ذكرها أهل العلم:

قال ابن الأثير:« (فلتة وقى الله شرها): الفلتة: الفجأة، وذلك أنهم لم ينتظروا ببيعة أبي بكر رضي الله عنه عامة الصحابة، وإنما ابتدرها عمر ومن تابعه.

وقيل: الفلتة آخرُ ليلة من الأشهر الحرم، فيختلفون فيها: من الحل هي، أم من الحرم؟ فيسارع الموتور إلى درك الثأر، فيكثر الفساد، وتسفك الدماء، فشبه أيام رسول الله r بالأشهر الحرم، ويوم موته بالفلتة في وقوع الشر، من ارتداد العرب، وتخلف الأنصار عن الطاعة، ومنع من منع الزكاة، والجري على عادة العرب في ألا يسود القبيلة إلا رجل منها.

ويجوز أن يريد بالفلتة: الخلسة، يعني: أن الإمامة يوم السقيفة مالت إلى توليها الأنفس؛ ولذلك كثر فيها التشاجر، فما قلدها أبو بكر إلا انتزاعًا من الأيدي واختلاسًا، ومثل هذه البيعة جديرة أن تكون مهيجة للفتن، فعصمهم الله من ذلك ووقى شرها»([2]).

قال الزمخشري: «فلتة أَي: فجاءة؛ لِأَنَّهُ لم ينْتَظر بهَا الْعَوام، وَإِنَّمَا ابتدرها أكَابِرُ الصَّحَابَة لعلمهم أَنه لَيْسَ لَهُ مُنَازع، وَلَا شريك فِي وجوب التَّقَدُّم»([3]).

ثانيًا: هذا الكلام من عمر بن الخطاب رضي الله عنه له مناسبة، وبمعرفتها يتضح مراده، وينجلي مقصوده.

قال الآلوسي: «إن هذا الكلام صدر من عمر في زجر رجل كان يقول: إن مات عمر أبايع فلانًا وحدي أو مع آخر، كما كان في مبايعة أبي بكر، ثم استقر الأمر عليها، فمعنى كلام الفاروق في رده لهذا القول أنَّ بيعة رجل أو رجلين شخصًا من غير تأمل سابق ومراجعة أهل الحل والعقد ليست بصحيحة، وبيعة أبي بكر- وإن كانت فجأة-؛ بسبب مناقشة الأنصار، وعدم وجود فرصة للمشورة؛ فقد حلت محلها وصادفت أهلها للدلائل على ذلك والقرائن على ما هنالك كإمامة الصلاة ونحوها، وهذا معنى «وقي الله المؤمنين شرها» فلا يقاس غيره به.

وفي آخر هذه الرواية التي رواها الشيعة «وأيكم مثل أبي بكر»، أي: في الأفضلية والخبرية وعدم الاحتياج إلى المشورة.

على أنه قد ثبت عند أهل السنة وصح أن سعد بن عبادة وأمير المؤمنين عليًّا والزبير قد بايعوه بعد تلك المناقشة، واعتذروا له عن التخلف أول الأمر»([4]).

ثالثًا: قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن البيعة: إنها كانت فلتة، سبب ذلك أمران:

1- أنه لا يوجد من هو أكثر استحقاقًا لمنصب الخلافة من أبي بكر رضي الله عنه؛ لذلك اختير فجأة، وبايعه باقي الصحابة ممن تخلف عن السقيفة.

قال ابن تيمية: «وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهَا وَقَعَتْ فَجْأَةً لَمْ تَكُنْ قَدِ اسْتَعْدَدْنَا لَهَا وَلَا تَهَيَّأْنَا؛ لِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ مُتَعَيِّنًا لِذَلِكَ، فَلَمْ يَكُنْ يَحْتَاجُ فِي ذَلِكَ إِلَى أَنْ يَجْتَمِعَ لَهَا النَّاسُ؛ إِذْ كُلُّهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ أَحَقُّ بِهَا، وَلَيْسَ بَعْدَ أَبِي بَكْرٍ مَنْ يَجْتَمِعُ النَّاسُ عَلَى تَفْضِيلِهِ وَاسْتِحْقَاقِهِ كَمَا اجْتَمَعُوا عَلَى ذَلِكَ فِي أَبِي بَكْرٍ، فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْفَرِدَ بِبَيْعَةِ رَجُلٍ دُونَ مَلَأٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَاقْتُلُوهُ. وَهُوَ لَمْ يَسْأَلْ وِقَايَةَ شَرِّهَا، بَلْ أَخْبَرَ أَنَّ اللَّهَ وَقَى شَرَّ الْفِتْنَةِ بِالِاجْتِمَاعِ»([5]).

2- خوف الصحابة رضي الله عنه وخشيتهم من خروج الأمر عن غير قريش، وبالتالي لا تدين العرب لهم.

قال محب الدين الطبري: «وخشي أن يخرج الأمر عن قريش، فلا تدين العرب لمن يقوم به من غير قريش، فيتطرق الفساد إلى أمر الأمة، ولم يحضر معه في السقيفة من قريش غير عمر وأبي عبيدة؛ فلذلك دل عليهما، ولم يمكنه ذكر غيرهما ممن كان غائبًا خشية أن يتفرقوا عن ذلك المجلس من غير إبرام أمر ولا إحكامه فيفوت المقصود، ولو وعدوا بالطاعة لمن غاب منهم حينئذ ما أمنهم على تسويل أنفسهم إلى الرجوع عن ذلك، فكان من النظر السديد والأمر الرشيد مبادرته وعقد البيعة والتوثق منهم فيها في حالته الراهنة»([6]).

رابعًا: هذا الحديث ينسف ادعاءات علماء الرافضة، من أن الصحابة كانوا يخططون للاستيلاء على الخلافة بعد رسول الله رضي الله عنه، فها هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه يصرح أن البيعة كانت فتلة وفجأة من غير سابق تحضير، أو تدبير، أو تخطيط.

ولذلك لم يجد بعض علمائهم إلا أن يدعوا بأن قول عمر بن الخطاب ما هو إلا تمويه وتعمية!

قال جعفر مرتضى العاملي: «بل أراد إيهام الناس والتعمية عليهم، بادعاء أنها كانت فجأة من دون سابق روية وتفكير»([7]).

فمتى ما أرادوا الطعن في خلافة الصديق قالوا: إنها كانت فلتة، وإذا ما ألزموا بلازم هذا القول، قالوا إن بيعته لم تكن فلتة، بل كانت بسابق تدبير، وقول عمر بن الخطاب مجرد تمويه، ولله في خلقه شؤون!

خامسًا: إن كانت خلافة أبي بكر رضي الله عنه غير شرعية؛ لأنها كانت فلتة ولم تكن بحضور كل الصحابة، فقد بايع بعد ذلك علي بن أبي طالب، وأقرَّ هذه البيعة الفلتة، فهل الإمام يقرُّ باطلًا؟

قال محمد حسين كاشف الغطاء: «وحين رأى أنَّ المتخلّفين -أعني الخليفة الأول والثاني- بذلا أقصى الجهد في نشر كلمة التوحيد، وتجهيز الجنود، وتوسيع الفتوح، ولم يستأثروا ولم يستبدوا، بايع وسالم»([8]).

فإن كنتم من شيعته حقًّا -ولا إخالكم- فهلا وسعكم ما وسعه من الإقرار بالبيعة، وبأفضلية الشيخين الكريمين الصديق والفاروق رضي الله عنهما وعن آل البيت وسائر الأصحاب؟ لكنها لا تعمى الأبصار!

 
 

 ([1]) صحيح البخاري (8/210).

 ([2]) جامع الأصول، ابن الأثير (4/90).

 ([3]) الفائق في غريب الحديث، الزمخشري (3/139).

 ([4]) مختصر التحفة الاثني عشرية، محمود شكري الآلوسي (ص 243).

 ([5]) منهاج السنة النبوية، ابن تيمية (8/278).

 ([6]) الرياض النضرة في مناقب العشرة، محب الدين الطبري (1/238).

 ([7]) الصحيح من سيرة الإمام علي عليه السلام، جعفر مرتضى العاملي (14/211).

 ([8]) أصل الشيعة وأصولها، محمد حسين كاشف الغطاء (ص193).