زعمهم تأخر بيعة علِيٍّ للصديق رضي الله عنهما

الشبهة:

قال المفيد: «قد أجمعت الأمة على أن أمير المؤمنين (ع) تأخر عن بيعة أبي بكر، فالمقلل يقول: كان تأخره ثلاثة أيام، ومنهم من يقول: تأخر حتى ماتت فاطمة (ع) ثم بايع بعد موتها، ومنهم من يقول: تأخر أربعين يومًا، ومنهم من يقول: تأخر ستة أشهر..»([1]).

 

 ([1]) الفصول المختارة، المفيد (1/56).

الرد علي الشبهة:

أولًا: الصحيح أن عليًّا رضي الله عنه بايع في البيعة العامة مع الناس من أول يوم، فقد روى الإمام أحمد في كتاب (السنة) بإسناد صحيح عَنْ أَبِي نَضْرَةَ قَالَ: «لَمَّا اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَقَالَ: مَا لِي لَا أَرَى عَلِيًّا؟! قَالَ: فَذَهَبَ رِجَالٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَجَاءُوا بِهِ، فَقَالَ لَهُ: يَا عَلِيُّ، قُلْتَ: ابْنُ عَمِّ رَسُولِ اللهِ وَخَتَنُ رَسُولِ اللهِ؟ فَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: لَا تَثْرِيبَ يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللهِ، ابْسُطْ يَدَكَ، فَبَسَطَ يَدَهُ فَبَايَعَهُ، ثُمَّ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَا لِي لَا أَرَى الزُّبَيْرَ؟! قَالَ: فَذَهَبَ رِجَالٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَجَاءُوا بِهِ فَقَالَ: يَا زُبَيْرُ قُلْتَ: ابْنُ عَمَّةِ رَسُولِ اللهِ وَحَوَارِيُّ رَسُولِ اللهِ؟ قَالَ الزُّبَيْرُ: لَا تَثْرِيبَ يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللهِ، ابْسُطْ يَدَكَ، فَبَسَطَ يَدَهُ فَبَايَعَهُ»([1]).

وذكر الرواية بطولها الحاكم في (المستدرك) بسنده عن: «أَبي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ r قَامَ خُطَبَاءُ الْأَنْصَارِ فَجَعَلَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ يَقُولُ: يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ، إِنَّ رَسُولَ اللهِ r كَانَ إِذَا اسْتَعْمَلَ رَجُلًا مِنْكُمْ قَرَنَ مَعَهُ رَجُلًا مِنَّا، فَنَرَى أَنْ يَلِيَ هَذَا الْأَمْرَ رَجُلَانِ أَحَدُهُمَا مِنْكُمْ وَالْآخَرُ مِنَّا، قَالَ: فَتَتَابَعَتْ خُطَبَاءُ الْأَنْصَارِ عَلَى ذَلِكَ، فَقَامَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ r كَانَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، وَإِنَّ الْإِمَامَ يَكُونُ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، وَنَحْنُ أَنْصَارُهُ كَمَا كُنَّا أَنْصَارَ رَسُولِ اللهِ r، فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَقَالَ: «جَزَاكُمُ اللهُ خَيْرًا يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ، وَثَبَّتَ قَائِلَكُمْ» ثُمَّ قَالَ: «أَمَا لَوْ فَعَلْتُمْ غَيْرَ ذَلِكَ لَمَا صَالَحْنَاكُمْ»، ثُمَّ أَخَذَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ بِيَدِ أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ: هَذَا صَاحِبُكُمْ، فَبَايَعُوهُ، ثُمَّ انْطَلَقُوا، فَلَمَّا قَعَدَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى الْمِنْبَرِ نَظَرَ فِي وُجُوهِ الْقَوْمِ فَلَمْ يَرَ عَلِيًّا فَسَأَلَ عَنْهُ، فَقَالَ: نَاسٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَأَتَوْا بِهِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرِ: ابْنُ عَمِّ رَسُولِ اللهِ r وَخَتَنُهُ، أَرَدْتَ أَنْ تَشُقَّ عَصَا الْمُسْلِمِينَ؟ فَقَالَ: لَا تَثْرِيبَ يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللهِ r، فَبَايَعَهُ، ثُمَّ لَمْ يَرَ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ فَسَأَلَ عَنْهُ حَتَّى جَاءُوا بِهِ، فَقَالَ: ابْنُ عَمَّةِ رَسُولِ اللهِ r وَحَوَارِيُّهُ، أَرَدْتَ أَنْ تَشُقَّ عَصَا الْمُسْلِمِينَ؟ فَقَالَ مِثْلَ قَوْلِهِ: لَا تَثْرِيبَ يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللهِ r، فَبَايَعَاهُ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ([2]).

وصحح كثير من العلماء أن عليًّا ما تأخر عن البيعة، وإنما بايع الصديق في البيعة العامة مع الناس.

ثانيًا: القول القائل بأن عليًّا لم يبايع إلا بعد ستة أشهر لا يصح على التحقيق، قال الحافظ: «وَقَدْ تَمَسَّكَ الرَّافِضَةُ بِتَأَخُّرِ عَلِيٍّ عَنْ بَيْعَةِ أَبِي بَكْرٍ إِلَى أَنْ مَاتَتْ فَاطِمَةُ وَهَذَيَانُهُمْ فِي ذَلِكَ مَشْهُورٌ، وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مَا يُدْفَعُ فِي حجتهم، وَقد صحّح ابن حِبَّانَ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّ عَلِيًّا بَايَعَ أَبَا بَكْرٍ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ، وَأَمَّا مَا وَقَعَ فِي «مُسْلِمٍ» عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لَهُ: لَمْ يُبَايِعْ عَلِيٌّ أَبَا بَكْرٍ حَتَّى مَاتَتْ فَاطِمَةُ؟ قَالَ: لَا وَلَا أَحَدٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ، فَقَدْ ضَعَّفَهُ الْبَيْهَقِيُّ بِأَنَّ الزُّهْرِيَّ لَمْ يُسْنِدْهُ، وَأَنَّ الرِّوَايَةَ الْمَوْصُولَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَصَحُّ، وَجَمَعَ غَيْرُهُ بِأَنَّهُ بَايَعَهُ بَيْعَةً ثَانِيَةً مُؤَكِّدَةً لِلْأُولَى لِإِزَالَةِ مَا كَانَ وَقَعَ بِسَبَبِ الْمِيرَاثِ، كَمَا تَقَدَّمَ، وَعَلَى هَذَا، فَيُحْمَلُ قَوْلُ الزُّهْرِيِّ لَمْ يُبَايِعْهُ عَلِيٌّ فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ عَلَى إِرَادَةِ الْمُلَازَمَةِ لَهُ وَالْحُضُورِ عِنْدَهُ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، فَإِنَّ فِي انْقِطَاعِ مِثْلِهِ عَنْ مِثْلِهِ مَا يُوهِمُ مَنْ لَا يَعْرِفُ بَاطِنَ الْأَمْرِ أَنَّهُ بِسَبَبِ عَدَمِ الرِّضَا بِخِلَافَتِهِ، فَأَطْلَقَ مَنْ أَطْلَقَ ذَلِكَ، وَبِسَبَبِ ذَلِكَ أَظْهَرَ عَلِيٌّ الْمُبَايَعَةَ الَّتِي بَعْدَ مَوْتِ فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلَامُ؛ لِإِزَالَةِ هَذِهِ الشُّبْهَةِ»([3]).

وقال ابن كثير رحمه الله -بعد أن ساق بعض الروايات الدالة على مبايعة علِي لأبي بكر في بداية عهده-: «وَهَذَا اللَّائِقُ بَعَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَالَّذِي تَدُلُّ عَلَيْهِ الْآثَارُ مِنْ شُهُودِهِ مَعَهُ الصَّلَوَاتِ، وَخُرُوجِهِ مَعَهُ إِلَى ذِي الْقَصَّةِ بَعْدَ مَوْتِ رَسُولِ اللهِ r كَمَا سَنُورِدُهُ، وَبَذْلِهِ لَهُ النَّصِيحَةَ وَالْمَشُورَةَ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَأَمَّا مَا يَأْتِي مِنْ مُبَايَعَتِهِ إِيَّاهُ بَعْدَ مَوْتِ فَاطِمَةَ  وَقَدْ مَاتَتْ بَعْدَ أَبِيهَا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ- فَذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهَا بَيْعَةٌ ثَانِيَةٌ أَزَالَتْ مَا كَانَ قَدْ وَقَعَ مِنْ وَحْشَةٍ بِسَبَبِ الْكَلَامِ فِي الْمِيرَاثِ، وَمَنْعِهِ إِيَّاهُمْ ذَلِكَ بِالنَّصِّ عَنْ رَسُولِ اللهِ r فِي قَوْلِهِ: «لَا نُورَثُ، مَا تَرَكَنَا فَهُوَ صَدَقَةٌ». كَمَا تَقَدَّمَ إِيرَادُ أَسَانِيدِهِ وَأَلْفَاظِهِ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ»([4]).

وقال البيهقي: «فَقَالَ رَجُلٌ لِلزُّهْرِيِّ: فَلَمْ يُبَايِعْهُ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ حَتَّى مَاتَتْ فَاطِمَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا؟ قَالَ: وَلَا أَحَدٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ مِنْ وَجْهَيْنِ عَنْ مَعْمَرٍ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ وَغَيْرِهِ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَقَوْلُ الزُّهْرِيِّ فِي قُعُودِ عَلِيٍّ عَنْ بَيْعَةِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ حَتَّى تُوُفِّيَتْ فَاطِمَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا مُنْقَطِعٌ، وَحَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فِي مُبَايَعَتِهِ إِيَّاهُ حِينَ بُويِعَ بَيْعَةَ الْعَامَّةِ بَعْدَ السَّقِيفَةِ أَصَحُّ، وَلَعَلَّ الزُّهْرِيَّ أَرَادَ قُعُودَهُ عَنْهَا بَعْدَ الْبَيْعَةِ ثُمَّ نُهُوضَهُ إِلَيْهَا ثَانِيًا وَقِيَامَهُ بِوَاجِبَاتِهَا، وَاللهُ أَعْلَمُ»([5]).

ولا شك أن تأخر علي بن أبي طالب عن البيعة ستة أشهر لا يليق بعلي وديانته، ولذلك إذا ورد مثل هذا وتعارضت الروايات -جدلًا- وجب تقديم الأقرب لديانة علي، ولذلك قال الباقِلَّاني: «وَلَيْسَ يجوز لِمُسلم اتَّقى الله أَن يضيف إِلَى عَليّ بن أبي طَالب عَلَيْهِ السَّلَام وَالزُّبَيْر بن الْعَوام التَّأَخُّرَ عَن بيعَته بأخبار آحَاد واهية، مجيئها من نَاحيَة متهومة؛ لِأَن تأخرهم عَن الْبيعَة مَعَ مَا وصفناه من صِحَة وثبوتها ضرب منَ الْإِثْم والعصيان، وَلَيْسَ يُمكن إِضَافَة مَعْصِيّة إِلَى الصَّحَابَة بِمثل هَذَا الطَّرِيق، لَا سِيمَا إِذا رووا مَعَ ذَلِك أَن أَبَا بكر عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يَدعُوهُم إِلَى الطَّاعَة وَلُزُوم الْجَمَاعَة، وَيحرم عَلَيْهِم تأخرهم وَلَا يسوغهم ذَلِك»([6]).

وقال: «على أَنه لَا نَعْرِف أحدًا روى تَأَخُّر عَليّ وَالزُّبَيْر عَن الْبيعَة أَيَّامًا إِلَّا وَقد رُوِيَ عَنهُ فِي هَذِه الْقِصَّة رجوعهما إِلَى بيعَته ودخولهما فِي صَالح مَا دخل فِيهِ الْمُسلمُونَ، وأنهما قَالَا لَا تَثْرِيب يَا خَليفَة رَسُول الله مَا تأخرنا عَن الْبيعَة، إِلَّا أَنا كرهنا أَلا ندخل فِي المشورة، وأنهما وَصفا من فَضله وسابقته وَأَنه صَاحب الْغَار فِي كَلَام طَوِيل»([7]).

فلم يتخلف أحد عن بيعة أبي بكر رضي الله عنه، بل حتى سعد بن عبادة قد صح الخبر عنه أنه  فقد جاء في «مسند الإمام أحمد»: «قَالَ: فَانْطَلَقَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ يَتَقَاوَدَانِ حَتَّى أَتَوْهُمْ، فَتَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ، وَلَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا أُنْزِلَ فِي الْأَنْصَارِ وَلا ذَكَرَهُ رَسُولُ اللهِ r مِنْ شَأْنِهِمْ إِلَّا وَذَكَرَهُ، وَقَالَ: وَلَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّ رَسُولَ اللهِ r قَالَ: «لَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا، وَسَلَكَتِ الْأَنْصَارُ وَادِيًا، سَلَكْتُ وَادِيَ الْأَنْصَارِ»، وَلَقَدْ عَلِمْتَ يَا سَعْدُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ r قَالَ وَأَنْتَ قَاعِدٌ: «قُرَيْشٌ وُلاةُ هَذَا الْأَمْرِ، فَبَرُّ النَّاسِ تَبَعٌ لِبَرِّهِمْ، وَفَاجِرُهُمْ تَبَعٌ لِفَاجِرِهِمْ»، قَالَ: فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ: صَدَقْتَ، نَحْنُ الْوُزَرَاءُ، وَأَنْتُمُ الْأُمَرَاءُ»([8]).

ثالثًا: جاء في كتب الشيعة أن عليًّا بايع البيعة العامة مع الناس.

فقد رووا أن عليًّا كتب إلى معاوية كتابًا جاء فيه: «ولعمري ما كنت إلا رجلًا من المهاجرين أوردت كما أوردوا، وأصدرت كما أصدروا، وما كان الله ليجمعهم على ضلال ولا ليضربهم بالعمى»([9]).

وفي «بحار الأنوار» قال: «فما راعني إلا انثيال الناس على أبي بكر وإجفالهم إليه ليبايعوه، فأمسكت يدي ورأيت أني أحق بمقام محمد صلى الله عليه وآله وملة محمد صلى الله عليه وآله في الناس بمن تولى الأمر بعده، فلبثت بذلك ما شاء الله، حتى رأيت راجعة من الناس رجعت عن الإسلام تدعو إلى محق دين الله وملة محمد، فخشيت إن لم أنصر الإسلام وأهله أن أرى فيه ثلمًا وهدمًا يكون المصيبة بهما علَيَّ أعظم من فوات ولاية أموركم التي إنما هي متاع أيام قلائل، ثم يزول ما كان منها كما يزول السراب وكما ينقشع السحاب، فمشيت عند ذلك إلى أبي بكر فبايعته، ونهضت في تلك الأحداث حتى زاغ الباطل وزهق، وكانت كلمة الله هي العليا ولو كره الكافرون، فتولى أبو بكر تلك الأمور وسدد ويسر وقارب واقتصد، فصحبته مناصحًا وأطعته فيما أطاع الله فيه جاهدًا»([10]).

فهذا موقف علِي رضي الله عنه من البيعة ورضاه بها في كتب الشيعة.

رابعًا: لو سلمنا جدلًا أنه تأخر عن البيعة كما يقول بعضهم الشيعة، فإن الخطأ يكون عند علي الذي استدرك خطأه -على قولهم- وبايع متأخرًا، فلئن كانت بيعته هي الصواب كان التأخير هو الخطأ، ولئن كان عدم البيعة هو الصواب كانت البيعة بعد ستة أشهر خطأ من علي، ولذلك فإن عليًّا أقر على أن الشاهد لاجتماع الناس على رجل ليس له أن يشق عصاهم ولا يبايع، والغائب ليس له أن يختار، فقد جاء في «نهج البلاغة»: «إِنَّهُ بَايَعَنِي الْقَوْمُ الَّذِينَ بَايَعُوا أَبَا بَكْر وَعُمَرَ وَعُثْمانَ عَلَى مَا بَايَعُوهُمْ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَكُنْ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَخْتَارَ، وَلَا لِلغَائِبِ أَنْ يَرُدَّ، وَإنَّمَا الشُّورَى لِلْمُهَاجِرِينَ وَالأنْصَارِ، فَإِنِ اجْتَمَعُوا عَلَى رَجُل وَسَمَّوْهُ إِمَامًا كَانَ ذلِكَ لله رِضىً، فَإِنْ خَرَجَ عَنْ أَمْرِهِمْ خَارِجٌ بِطَعْن أَوْ بِدْعَة رَدُّوهُ إِلَى مَا خَرَجَ منه، فَإِنْ أَبَى قَاتَلُوهُ عَلَى اتِّبَاعِهِ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ، وَوَلَّاهُ اللهُ مَا تَوَلَّى»([11]).

وستأتي أدلة بيعة علِي مختارًا من كتب الشيعة واجتماع الناس على أبي بكر في الجواب عن شبهة إكراه علي على البيعة.

 

 

 

 ([1]) السنة، عبد الله بن أحمد (2/554)، وقال محقق الكتاب الدكتور محمد القحطاني: «إسناده صحيح».

 ([2]) المستدرك على الصحيحين، الحاكم (3/80)، وسكت عنه الذهبي في «التلخيص» برقم (4457)، ورواه البيهقي في الاعتقاد (ص350)، وقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْحَافِظُ: «سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ يَقُولُ: جَاءَنِي مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ فَسَأَلَنِي عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَكَتَبْتُهُ لَهُ فِي رُقْعَةٍ، وَقَرَأْتُهُ عَلَيْهِ وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ يَسْوَى بَدَنَةً، فَقُلْتُ: يَسْوَى بَدَنَةً؟! بَلْ يَسْوَى بَدْرَةً». «البداية والنهاية ط هجر» (8/91). وقال ابن كثير في «البداية والنهاية» (8/91): «إسناد صحيح محفوظ»، وقال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (5/183): «رواه الطبراني وأحمد ورجاله رجال الصحيح»، وقال الصوياني في كتابه «الصحيح من أحاديث السيرة النبوية» (581): «سنده صحيح»، قال محقق (الاعتقاد) للبيهقي: «حديث صحيح».

 ([3]) فتح الباري، ابن حجر (7/495).

 ([4]) البداية والنهاية (9/418) ط هجر.

 ([5]) السنن الكبرى، البيهقي (٤٨٩/٦).

 ([6]) تمهيد الأوائل وتلخيص الدلائل، الباقلاني (ص٤٨٢).

 ([7]) تمهيد الأوائل وتلخيص الدلائل (ص٤٨٣).

 ([8]) مسند أحمد (1/199) ط الرسالة.

 ([9]) تمام نهج البلاغة، صادق الموسوي (ص٦٥٥).

 ([10]) بحار الأنوار (33/568).

 ([11]) نهج البلاغة (1/587) ت الحسون.