زعمهم أن الصديق آذى فاطمة وبه آذى الله ورسوله

الشبهة:

قالت الشيعة: ثبت في صحيح مسلم قول النبي r عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ أن رَسُولَ اللهِ r قالَ: «إِنَّمَا فَاطِمَةُ بَضْعَةٌ مِنِّي، يُؤْذِينِي مَا آذَاهَا»([1])، وقد آذاها أبو بكر لما منعها فدك.

 

 ([1]) صحيح مسلم (7/141).

الرد علي الشبهة:

أولًا: لا نسلم أن أبا بكر آذى فاطمة في فدك، إنما كلمها بكلام رسول الله r، وذكر لها حكم الشرع فيما سألته، فإذا نسبت الشيعة لفاطمة تأذيها من الشرع فهو عين ما طعنوا به على الصديق، وذلك أن من تأذَّى بالشرع ولم يرضَ به فلا يخلو من كفر أو نفاق، وفي أدنى الأمور يكون عاصيًا لله تعالى، ونسبة ذلك لفاطمة إيذاء لها رضي الله عنها، إنما كل ما حدث أنه كلمها بحديث رسول الله r فتأولته، فلما رأت إصرار الصديق على فهمه لم تكلمه في الأمر أبدًا.

ثانيًا: ربط النبي r بين كون فاطمة بضعة منه وبين إيذائه لتأذيها؛ ليخبرنا أن التأذي طبعٌ لا شرعٌ، ولذلك فقد ثبت عنه r أنه قال: «وَأيْمُ اللهِ، لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ r سَرَقَتْ لَقَطَعَ مُحَمَّدٌ يَدَهَا»([1]).

فلو وقع هذا لأقام النبي r عليها الحد، ولا شك أن إقامة الحد يؤذيها طبعًا ويؤذيه كذلك r، ولا يصح أن يقال بأن النبي r تأذى ذاك الأذى الشرعي، وإلا لصار ساخطًا لشرع الله، وهذا ممتنع منه r، فثبت من ذلك أن فاطمة لو تأذت لِطَبْعٍ فقط ولم يكن الشرع مانعًا من ذلك الفعل الذي آذاها؛ فإن تأذي النبي r إنما يكون طبعًا لا شرعًا، ولذلك فقد منع النبي r عليًّا من الزواج على فاطمة لمسوغ شرعيٍّ واضحٍ، ففي صحيح البخاري: «أَنَّ المِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ قَالَ: إِنَّ عَلِيًّا خَطَبَ بِنْتَ أَبِي جَهْلٍ، فَسَمِعَتْ بِذَلِكَ فَاطِمَةُ، فَأَتَتْ رَسُولَ اللهِ r، فَقَالَتْ: يَزْعُمُ قَوْمُكَ أَنَّكَ لَا تَغْضَبُ لِبَنَاتِكَ، وَهَذَا عَلِيٌّ نَاكِحٌ بِنْتَ أَبِي جَهْلٍ، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ r، فَسَمِعْتُهُ حِينَ تَشَهَّدَ، يَقُولُ: «أَمَّا بَعْدُ، أَنْكَحْتُ أَبَا العَاصِ بْنَ الرَّبِيعِ فَحَدَّثَنِي وَصَدَقَنِي، وَإِنَّ فَاطِمَةَ بَضْعَةٌ مِنِّي، وَإِنِّي أَكْرَهُ أَنْ يَسُوءَهَا، وَاللهِ لَا تَجْتَمِعُ بِنْتُ رَسُولِ اللهِ r وَبِنْتُ عَدُوِّ اللهِ عِنْدَ رَجُلٍ وَاحِدٍ» فَتَرَكَ عَلِيٌّ الخِطْبَةَ»([2]).

فكان المسوغ الذي لأجله منع النبي r من ذلك «وَاللهِ لَا تَجْتَمِعُ بِنْتُ رَسُولِ اللهِ r وَبِنْتُ عَدُوِّ اللهِ عِنْدَ رَجُلٍ وَاحِدٍ»، فثبت أن تأذي فاطمة الذي يؤذي رسول الله r هو أذى الطبع.

ثالثًا: لو سلمنا بأنه قد ترتب على فعل أبي بكر غضبُ فاطمة فالخطأ عندها لا عند الصديق؛ إذ إن الصديق كان مخيرًا بين أن يسمع ويطيع للشرع ويعصي فاطمة أو العكس، والمسلِم مكلف ألا يطيع مخلوقًا في معصية الخالق سبحانه، وقد قالت الشيعة بأن فعل المباح لا يقتضي حرمته، ولو ترتب عليه إيذاء فاطمة.

قلت: فما بالك لو كان الفعل واجبًا لا مباحًا فقط؟!

يقول الخوئي في «المباني في شرح العروة الوثقى»: «بل حتى ولو فرض كونه إيذاءً لها -أي فاطمة-، فإنَّه لا دليل على حرمة الفعل المباح المقتضي لإيذاء المؤمن قهرًا، على ما ذكرنا في محلّه، وحيث إنّ المقام من هذا القبيل؛ لأنَّ التزوُّج بالثانية أمر مباح في حدِّ نفسه، فمجرد تأذي فاطمة عليها السلام لا يقتضي حرمته»([3]).

رابعًا: إن سبب قول النبي r ذلك هو خطبة علي لابنة أبي جهل، وقد روى الشيعة ذلك؛ ففي (علل الشرائع)، قال ابن بابويه القمي: «حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي الْمِقْدَامِ وَزِيَادِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَا: أَتَى رَجُلٌ أَبَا عَبْدِ اللهِ (ع) فَقَالَ لَهُ: يَرْحَمُكَ اللهُ، هَلْ تُشَيَّعُ الْجَنَازَةُ بِنَارٍ وَيُمْشَى مَعَهَا بِمِجْمَرَةٍ أَوْ قِنْدِيلٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُضَاءُ بِهِ؟ قَالَ: فَتَغَيَّرَ لَوْنُ أَبِي عَبْدِ اللهِ (ع) مِنْ ذَلِكَ وَاسْتَوَى جَالِسًا ثُمَّ قَالَ: إِنَّهُ جَاءَ شَقِيٌّ مِنَ الْأَشْقِيَاءِ إِلَى فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللهِ (ص) فَقَالَ لَهَا: أَمَا عَلِمْتِ أَنَّ عَلِيًّا قَدْ خَطَبَ بِنْتَ أَبِي جَهْلٍ، فَقَالَتْ: حَقًّا مَا تَقُولُ؟! فَقَالَ: حَقًّا مَا أَقُولُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَدَخَلَهَا مِنَ الْغَيْرَةِ مَا لَا تَمْلِكُ نَفْسَهَا، وَذَلِكَ أَنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى كَتَبَ عَلَى النِّسَاءِ غَيْرَةً وَكَتَبَ عَلَى الرِّجَالِ جِهَادًا، وَجَعَلَ لِلْمُحْتَسِبَةِ الصَّابِرَةِ مِنْهُنَّ مِنَ الْأَجْرِ مَا جَعَلَ لِلْمُرَابِطِ الْمُهَاجِرِ فِي سَبِيلِ اللهِ، قَالَ: فَاشْتَدَّ غَمُّ فَاطِمَةَ مِنْ ذَلِكَ، وَبَقِيَتْ مُتَفَكِّرَةً هِيَ حَتَّى أَمْسَتْ، وَجَاءَ اللَّيْلُ حَمَلَتِ الْحَسَنَ عَلَى عَاتِقِهَا الْأَيْمَنِ وَالْحُسَيْنَ عَلَى عَاتِقِهَا الْأَيْسَرِ، وَأَخَذَتْ بِيَدِ أُمِّ كُلْثُومٍ الْيُسْرَى بِيَدِهَا الْيُمْنَى ثُمَّ تَحَوَّلَتْ إِلَى حُجْرَةِ أَبِيهَا، فَجَاءَ عَلِيٌّ فَدَخَلَ حُجْرَتَهُ فَلَمْ يَرَ فَاطِمَةَ، فَاشْتَدَّ لِذَلِكَ غَمُّهُ وَعَظُمَ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَعْلَمِ الْقِصَّةَ مَا هِيَ، فَاسْتَحَى أَنْ يَدْعُوَهَا مِنْ مَنْزِلِ أَبِيهَا، فَخَرَجَ إِلَى الْمَسْجِدِ يُصَلِّي فِيهِ مَا شَاءَ اللهُ، ثُمَّ جَمَعَ شَيْئًا مِنْ كَثِيبِ الْمَسْجِدِ وَاتَّكَأَ عَلَيْهِ، فَلَمَّا رَأَى النَّبِيُّ (ص) مَا بِفَاطِمَةَ مِنَ الْحُزْنِ أَفَاضَ عَلَيْهَا مِنَ الْمَاءِ، ثُمَّ لَبِسَ ثَوْبَهُ وَدَخَلَ الْمَسْجِدَ، فَلَمْ يَزَلْ يُصَلِّي بَيْنَ رَاكِعٍ وَسَاجِدٍ، وَكُلَّمَا صَلَّى رَكْعَتَيْنِ دَعَا اللهَ أَنْ يُذْهِبَ مَا بِفَاطِمَةَ مِنَ الْحُزْنِ وَالْغَمِّ، وَذَلِكَ أَنَّهُ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهَا وَهِيَ تَتَقَلَّبُ وَتَتَنَفَّسُ الصُّعَدَاءَ، فَلَمَّا رَآهَا النَّبِيُّ (ص) أَنَّهَا لَا يُهَنِّيهَا النَّوْمُ وَلَيْسَ لَهَا قَرَارٌ قَالَ لَهَا: قُومِي يَا بُنَيَّةِ فَقَامَتْ، فَحَمَلَ النَّبِيُّ (ص) الْحَسَنَ وَحَمَلَتْ فَاطِمَةُ الْحُسَيْنَ، وَأَخَذَتْ بِيَدِ أُمِّ كُلْثُومٍ فَانْتَهَى إِلَى عَلِيٍّ (ع) وَهُوَ نَائِمٌ، فَوَضَعَ النَّبِيُّ (ص) رِجْلَهُ عَلَى رِجْلِ عَلِيٍّ فَغَمَزَهُ وَقَالَ: قُمْ يَا أَبَا تُرَابٍ، فَكَمْ سَاكِنٍ أَزْعَجْتَهُ، ادْعُ لِي أَبَا بَكْرٍ مِنْ دَارِهِ وَعُمَرَ مِنْ مَجْلِسِهِ وَطَلْحَةَ، فَخَرَجَ عَلِيٌّ فَاسْتَخْرَجَهُمَا مِنْ مَنْزِلِهِمَا وَاجْتَمَعُوا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ (ص) فَقَالَ رَسُولُ اللهِ (ص): يَا عَلِيُّ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ فَاطِمَةَ بَضْعَةٌ مِنِّي، وَأَنَا مِنْهَا، فَمَنْ آذَاهَا فَقَدْ آذَانِي، وَمَنْ آذَانِي فَقَدْ آذَى اللهَ؟!([4]).

فها هي فاطمة ظنت في علي أنه يؤذيها، ولم تقل إنه معصوم من أذاي، وكذلك رسول الله r ظن في علي ذلك، والظن في علي إيذاء لله ورسوله، فهل يصدق الحديث على فاطمة ورسول الله r أيضًا؟

وقد وقع نزاع بين علي وفاطمة أكثر من مرة، ولاشك أن في هذا إيذاء لفاطمة، قال المجلسي: «باب: كيفية معاشرتها مع علي عليهما السلام، 1- علل الشرائع: القطان، عن السكري، عن الحسين بن علي العبدي، عن عبد العزيز بن مسلم، عن يحيى بن عبد الله، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وآله الفجر ثم قام بوجه كئيبٍ، وقمنا معه حتى صار إلى منزل فاطمة عليها السلام فأبصر عليًّا نائمًا بين يدي الباب على الدقعاء، فجلس النبي صلى الله عليه وآله فجعل يمسح التراب عن ظهره ويقول: قم فداك أبي وأمي يا أبا تراب، ثم أخذ بيده ودخلا منزل فاطمة، فمكثنا هنيئة، ثم سمعنا ضحكًا عاليًا، ثم خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وآله بوجه مشرق، فقلنا: يا رسول الله، دخلت بوجه كئيبٍ وخرجت بخلافِه، فقال: كيف لا أفرح وقد أصلحت بين اثنين أحب أهل الأرض إلى أهل السماء؟

بيان: الدقعاء التراب، والأخبار المشتملة على منازعتهما مؤولة بما يرجع إلى ضرب من المصلحة؛ لظهور فضلهما على الناس أو غير ذلك مما خفي علينا جهته»([5]).

في هذا الخبر التأكيدُ على غضب علِي أو فاطمة رضي الله عنهما؛ بحيث إن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم كان كئيبًا -على حد روايتهم-، ولم تذهب كآبته إلا بعد الإصلاح بين علي وفاطمة رضي الله عنهما، فهل يقول الرافضة بترتب أي محذور على غضب علي من فاطمة رضي الله عنهما أو العكس؟!

وقد أثبت المجلسي في موضع آخر في «البحار» التنازع بين علي وفاطمة رضي الله عنهما، فقال: «بيان: لعل منازعتها - صلوات الله عليها - إنما كانت ظاهرًا لظهور فضله صلوات الله عليه على الناس، أو لظهور الحكمة فيما صدر عنه عليه السلام أو لوجه من الوجوه لا نعرفه»([6]).

وفي (العلل) أيضًا: «أبي رحمه الله قال: حدثنا سعد بن عبد الله قال: حدثنا الحسن بن عرفة بِسُرَّ مَنْ رَأى قال: حدثنا وكيع قال: حدثنا محمد بن إسرائيل قال: حدثنا أبو صالح عن أبي ذر رحمة الله عليه قال: كنت أنا وجعفر بن أبي طالب مهاجرين إلى بلاد الحبشة، فأهديت لجعفر جارية قيمتها أربعة آلاف درهم، فلما قدمنا المدينة أهداها لعلي «ع» تخدمه، فجعلها علي «ع» في منزل فاطمة، فدخلت فاطمة عليها السلام يومًا، فنظرت إلى رأس علي عليه السلام في حجر الجارية، فقالت يا أبا الحسن فعلْتَها؟ فقال: لا والله يا بنت محمد، ما فعلت شيئًا، فما الذي تريدين؟ قالت: تأذن لي في المصير إلى منزل أبي رسول الله صلى الله عليه وآله؟ فقال لها: قد أذنت لك، فتجلببت بجلبابها وتبرقعت ببرقعها وأرادت النبي صلى الله عليه وآله، فهبط جبرئيل «ع»، فقال: يا محمد، إن الله يقرئك السلام ويقول لك: إن هذه فاطمة قد أقبلت إليك تشكو عليًّا، فلا تقبل منها في علي شيئًا، فدخلت فاطمة فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله: جئتِ تشكين عليًّا؟ قالت: إي ورب الكعبة، فقال لها: ارجعي إليه فقولي له: رَغِمَ أنفي لرضاك، فرجعت إلى علي «ع» فقالت له: يا أبا الحسن، رغم أنفي لرضاك، تقولها ثلاثا، فقال لها علي «ع»: شكوتيني إلى خليلي وحبيبي رسول الله صلى الله عليه وآله؟ واسوأتاه من رسول الله صلى الله عليه وآله! أشهد الله يا فاطمة أن الجارية حرة لوجه الله، وأن الأربعمائة درهم التي فضلت من عطائي صدقة على فقراء أهل المدينة، ثم تلبس وانتعل وأراد النبي صلى الله عليه وآله، فهبط جبرئيل فقال: يا محمد، إن الله يقرئك السلام ويقول لك: قل لعلي: قد أعطيتك الجنة بعتقك الجارية في رضا فاطمة، والنار بالأربعمائة درهم التي تصدقت بها، فأدخل الجنة من شئت برحمتي، وأخرج من النار من شئت بعفوي، فعندها قال علِي «ع»: أنا قسيم الله بين الجنة والنار»([7]).

خامسًا: لا شك أن إيذاء أي مؤمن فيه إيذاء لله ورسوله، وهذا أمر يشمل كل مؤمن إذا كان غضبه بحق لا بباطل، وإليك بعض الروايات من كتب الشيعة في ذلك:

قال في جامع الأخبار: «قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من آذى مؤمنًا فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله، ومن آذى الله فهو ملعون في التوراة والإنجيل والزبور والفرقان، وفى خبر آخر: فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.

وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: من آذى مؤمنًا بغير حق فكأنما هدم مكة وبيت الله المعمور عشر مرات، وكأنما قتل ألف ملك من المقربين. ورواه العلامة الحلي في الرسالة السعدية عنه صلى الله عليه وآله (مثله)، والقطب الراوندي في لب اللباب عنه صلى الله عليه وآله (مثله).

وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: من آذى مؤمنًا آذاه الله، ومن أحزنه أحزنه الله، ومن نظر إليه بنظرة تخفيه بغير حق أو بجفاء يخفيه الله يوم القيامة»([8]).

بل إن كل مسلم يشمله ذلك الحكم، ففي كتاب حكم النبي: «عنه صلى الله عليه وآله: مَن آذى مُسلِمًا فَقَد آذاني، ومَن آذاني فَقَد آذَى الله»([9]).

وعليه؛ فكل أحد ورد فيه مثل هذه العمومات فلا بد من تقييدها بتحقق شروط وانتفاء موانع.

سادسًا: لا شك أنَّ الشيعة يؤذون رسول الله r ويؤذون فاطمة وأهل البيت بكل أنواع الأذى، ومن ذلك على سبيل المثال: أنهم يروون عن رسول الله r أنه قال: «من آذى العباس فقد آذاني، إنما عم الرجل صنو أبيه»([10]).

ومع ذلك فقد ورد في كتبهم ذمٌّ كبيرٌ للعباس، ففي كتاب سليم بن قيس: «ثم حملت فاطمة وأخذت بيد ابني الحسن والحسين، فلم أدع أحدًا من أهل بدر وأهل السابقة من المهاجرين والأنصار إلا ناشدتهم الله في حقي ودعوتهم إلى نصرتي، فلم يستجب لي من جميع الناس إلا أربعة رهط: سلمان وأبو ذر والمقداد والزبير، ولم يكن معي أحد من أهل بيتي أصول به ولا أقوى به، أما حمزة فقتل يوم أحد، وأما جعفر فقتل يوم مؤتة، وبقيت بين جلفين جافيين ذليلين حقيرين عاجزين: العباس وعقيل، وكانا قريبي العهد بكفر»([11]).

وفي «الكافي» للكليني: «مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ النُّعْمَانِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُسْكَانَ، عَنْ سَدِيرٍ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام فَذَكَرْنَا مَا أَحْدَثَ النَّاسُ بَعْدَ نَبِيِّهِمْ صلى الله عليه وآله وَاسْتِذْلَالَهُمْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: أَصْلَحَكَ اللهُ، فَأَيْنَ كَانَ عِزُّ بَنِي هَاشِمٍ وَمَا كَانُوا فِيهِ مِنَ الْعَدَدِ؟ فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام: وَمَنْ كَانَ بَقِيَ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ؟ إِنَّمَا كَانَ جَعْفَرٌ وَحَمْزَةُ فَمَضَيَا، وَبَقِيَ مَعَهُ رَجُلَانِ ضَعِيفَانِ ذَلِيلَانِ حَدِيثَا عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ عَبَّاسٌ وَعَقِيلٌ، وَكَانَا مِنَ الطُّلَقَاءِ، أَمَا وَاللهِ لَوْ أَنَّ حَمْزَةَ وَجَعْفَرًا كَانَا بِحَضْرَتِهِمَا مَا وَصَلَا إِلَى مَا وَصَلَا إِلَيْهِ، وَلَوْ كَانَا شَاهِدَيْهِمَا لَأَتْلَفَا نَفْسَيْهِمَا»([12]).

قال الخوئي: «وملخص الكلام: أن العباس لم يثبت له مدح، ورواية (الكافي) الواردة في ذمه صحيحة السند، ويكفي هذا منقصة له؛ حيث لم يهتم بأمر علي بن أبي طالب عليه السلام، ولا بأمر الصديقة الطاهرة في قضية فدك، معشار ما اهتم به في أمر ميزابه»([13]).

أليس في كل هذا السب والطعن والتكفير للعباس إيذاء للنبي r؟

ثم أليس في نسبة الأفعال المشينة بفاطمة إيذاء لها؟

فقد ذكروا أنها أمسكَتْ بتلابيب عمر، كما في (الكافي) «عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ وأَبِي عَبْدِ اللهِ عليهما السلام قَالَا: إِنَّ فَاطِمَةَ عليها السلام لَمَّا أَنْ كَانَ مِنْ أَمْرِهِمْ مَا كَانَ، أَخَذَتْ بِتَلَابِيبِ عُمَرَ، فَجَذَبَتْهُ إِلَيْهَا..»([14]).

وهذا لا تفعله إلا امرأة لا دين لها -وحاشاها-، ترى زوجها جبانًا لا عَلاقة له بالرجولة ولا بالغيرة، وكفى بهذا إيذاء لفاطمة رضي الله عنها من قبل الشيعة.

بل ونسبوا لها أنها استغلت أنوثتها مع الرجال الأجانب لتأتي بحقها.

وفي كتاب «الأسرار الفاطمية» قال: «وكان بنو هاشم -وفي مقدّمتهم علي عليه السلام- لا يقدرون على المطالبة بحقوقهم المغصوبة بأنفسهم، فجعلت الزهراء من نفسها مطالبة بحق بني هاشم وحقها، ومدافعة عنهم اعتمادًا على فضلها وشرفها وقربها من رسول الله، واستنادًا إلى أنوثتها؛ حيث النساء أقدر من الرجال في بعض المواقف»([15]).

والسؤال: هل يرضى الشيعي على امرأته أو ابنته أن تذهب إلى رجل أجنبي فتستغل أنوثتها عنده؟! أعوذ بالله من الخنا والدياثة باسم الدين، وكل هذا ينسبونه لبَضْعَة رسول الله r ثم يتكلمون عن إيذاء أبي بكر لها!

كما أنهم نسبوا لها أنها لم تصبر على موت رسول الله r، بل جزعت جزعًا شديدًا ولم تصبر عند المصيبة، كما أمر الله ورسوله r.

قال المدرسي: «وَلَمْ يَكُنْ فِي أَهْلِ الْأَرْضِ وَالْأَصْحَابِ وَالْأَقْرِبَاءِ وَالْأَحْبَابِ أَشَدَّ حُزْنًا وَأَعْظَمَ بُكَاءً وَانْتِحَابًا (على رسول الله) مِنْ مَوْلَاتِي فَاطِمَةَ الزَّهْرَاءِ عليها السلام، وَكَانَ حُزْنُهَا يَتَجَدَّدُ وَيَزِيدُ وَبُكَاؤُهَا يَشْتَدُّ.

فَجَلَسَتْ سَبْعَةَ أَيَّامٍ لَا يَهْدَأُ لَهَا أَنِينٌ وَلَا يَسْكُنُ مِنْهَا الْحَنِينُ، كُلَّ يَوْمٍ جَاءَ كَانَ بُكَاؤُهَا أَكْثَرَ مِنَ الْيَوْمِ الْأَوَّل، فَلَمَّا كَانَتْ فِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ أَبْدَتْ مَا كَتَمَتْ مِنَ الْحُزْنِ، فَلَمْ تُطِقْ صَبْرًا؛ إِذْ خَرَجَتْ وَصَرَخَتْ، فَكَأَنَّهَا مِنْ فَمِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله تَنْطِقُ، فَتَبَادَرَتِ النِّسْوَانُ وَخَرَجَتِ الْوَلَائِدُ وَالْوِلْدَانُ وَضَجَّ النَّاسُ بِالْبُكَاءِ وَالنَّحِيبِ، وَجَاءَ النَّاسُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَأُطْفِئَتِ الْمَصَابِيحُ لِكَيْلَا تَتَبَيَّنَ صَفَحَاتُ النِّسَاءِ، وَخُيِّلَ إِلَى النِّسْوَانِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله قَدْ قَامَ مِنْ قَبْرِهِ، وَصَارَتِ النَّاسُ فِي دَهْشَةٍ وَحَيْرَةٍ لِمَا قَدْ رَهِقَهُمْ، وَهِيَ عليها السلام تُنَادِي وَتَنْدُبُ: أَبَاهُ وَاأَبَتَاهْ وَاصَفِيَّاهْ وَامُحَمَّدَاهْ وَاأَبَا الْقَاسِمَاهْ وَارَبِيعَ الْأَرَامِلِ وَالْيَتَامَى، مَنْ لِلْقِبْلَةِ وَالْمُصَلَّى؟ وَمَنْ لِابْنَتِكَ الْوَالِهَةِ الثَّكْلَى؟

ثُمَّ أَقْبَلَتْ تَعْثُرُ فِي أَذْيَالِهَا، وَهِيَ لَا تُبْصِرُ شَيْئًا مِنْ عَبْرَتِهَا وَمِنْ تَوَاتُرِ دَمْعَتِهَا، حَتَّى دَنَتْ مِنْ قَبْرِ أَبِيهَا مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وآله، فَلَمَّا نَظَرَتْ إِلَى الْحُجْرَةِ وَقَعَ طَرْفُهَا عَلَى الْمِئْذَنَةِ، فَقَصُرَتْ خُطَاهَا وَدَامَ نَحِيبُهَا وَبُكَاهَا، إِلَى أَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهَا، فَتَبَادَرَتِ النِّسْوَانُ إِلَيْهَا فَنَضَحْنَ الْمَاءَ عَلَيْهَا وَعَلَى صَدْرِهَا وَجَبِينِهَا، حَتَّى أَفَاقَتْ»([16]).

هذا مع أن الشيعة يروون أن النبي r قد أوصى فاطمة رضي الله عنها فقال: «إذا أنا مت فلا تخمشي عليَّ وجهًا، ولا ترخي عليَّ شعرًا، ولا تنادي بالويل، ولا تقيمي علي نائحة»، وقد أوصاها أيضًا في هذه المناسبة بقوله: «توكلي على الله، واصبري كما صبر آباؤك من الأنبياء»([17]).

ومع ذلك نسبوا لها معصية الله ورسوله r، وكفى بهذا إيذاء لفاطمة.

كما أنهم آذوها فقالوا بأنها ليست من خير النساء؛ لكونها خرجت فخطبت أمام الرجال فرأت الرجال ورأوها!

فقد رووا: «عن علي عليه السلام أنه قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وآله: أي شيء خير للمرأة؟ فلم يجبه أحد منا، فذكرت ذلك لفاطمة عليها السلام، فقالت: ما من شيء خير للمرأة من أن لا ترى رجلًا ولا يراها، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وآله فقال: صدقت، إنها بضعة مني»([18]).

ثم نسبوا لها ما يسمى بـ«الخطبة الفدكية» التي قالتها بمحضر من آلاف الرجال الأجانب!! وهذا غيض من فيض من إيذاء الشيعة لبضعة رسول الله r، ثم تراهم يتبجحون بعدها مدعين أن الذي آذاها هو الصديق رضي الله عنه.

 

 ([1]) صحيح البخاري (8/١٦٠).

 ([2]) صحيح البخاري (5/٢٢).

 ([3]) المباني في شرح العروة الوثقى، الخوئي (2/364).

 ([4]) علل الشرائع، الصدوق (1/185).

 ([5]) بحار الأنوار، المجلسي (3/146).

 ([6]) بحار الأنوار، المجلسي (41/47).

 ([7]) علل الشرائع، الصدوق (1/163- 164).

 ([8]) جامع أحاديث الشيعة، البروجردي (16/305).

 ([9]) حكم النّبيّ الأعظم، الريشهري (4/604).

 ([10]) الأمالي، الطوسي (ص273).

 ([11]) كتاب سليم بن قيس، تحقيق محمد باقر الأنصاري (ص216).

 ([12]) الكافي، الكليني (8/189 190)، وقال المجلسي في مرآة العقول: حسن (26/83).

 ([13]) معجم رجال الحديث، الخوئي (10/254).

 ([14]) الكافي، الكليني (2/495).

 ([15]) الأسرار الفاطميّة، محمد فاضل المسعودي (1/507).

 ([16]) فاطمة الزهراء عليها السلام قدوة وأسوة، المدرسي (1/72).

 ([17]) مأساة الزهراء عليها السلام، جعفر العاملي (2/145).

 ([18]) جامع أحاديث الشيعة، البروجردي (2/264).