زعمهم ندم الصديق لكشفه بيت فاطمة رضي الله عنهما

الشبهة:

قالت الشيعة: إن أبا بكر ندم في آخر حياته؛ لأنه كشف بيت فاطمة، وهذا قد ورد في روايات أهل السنة!([1])، ويعنون بالكشف الاعتداء والحرق أو الهدم.

 

 ([1]) الغدير، الأميني (٧/١٧٤).

الرد علي الشبهة:

الرواية التي يقصدها الشيعة ذكرها الحافظ الهيثمي، قال: «عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ أَعُودُهُ فِي مَرَضِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ وَسَأَلْتُهُ: كَيْفَ أَصْبَحْتَ؟ فَاسْتَوَى جَالِسًا، فَقَالَ: أَصْبَحْتُ بِحَمْدِ اللهِ بَارِئًا، فَقَالَ: أَمَا إِنِّي عَلَى مَا تَرَى وَجِعٌ، وَجَعَلْتُمْ لِيَ شُغْلًا مَعَ وَجَعِي، جَعَلْتُ لَكُمْ عَهْدًا مِنْ بَعْدِي، وَاخْتَرْتُ لَكُمْ خَيْرَكُمْ فِي نَفْسِي، فَكُلُّكُمْ وَرِمٌ لِذَلِكَ أَنْفُهُ؛ رَجَاءَ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ لَهُ، وَرَأَيْتُ الدُّنْيَا أَقْبَلَتْ وَلَمَّا تُقْبِلُ وَهِيَ جَائِيَةٌ، وَسَتَجِدُونَ بُيُوتَكُمْ بِسُتُورِ الْحَرِيرِ وَنَضَائِدِ الدِّيبَاجِ، وَتَأْلَمُونَ ضَجَائِعَ الصُّوفِ الْأَذْرَبِيِّ كَأَنَّ أَحَدَكُمْ عَلَى حَسَكِ السَّعْدَانِ، وَاللهِ لَأَنْ يُقَدَّمَ أَحَدُكُمْ فَيُضْرَبَ عُنُقُهُ فِي غَيْرِ حَدٍّ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسِيحَ فِي غَمْرَةِ الدُّنْيَا.

ثُمَّ قَالَ: أَمَّا إِنِّي لَا آسَى عَلَى شَيْءٍ، إِلَّا عَلَى ثَلَاثٍ فَعَلْتُهُنَّ وَدِدْتُ أَنِّي لَمْ أَفْعَلْهُنَّ، وَثَلَاثٌ لَمْ أَفْعَلْهُنَّ وَدِدْتُ أَنِّي فَعْلَتُهُنَّ، وَثَلَاثٌ وَدِدْتُ أَنِّي سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ r عَنْهُنَّ.

  • فَأَمَّا الثَّلَاثُ الَّتِي وَدِدْتُ أَنِّي لَمْ أَفْعَلْهُنَّ:
  1. فَوَدِدْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ كَشَفْتُ بَيْتَ فَاطِمَةَ وَتَرَكْتُهُ، وَأَنْ أُغْلِقَ عَلَى الْحَرْبِ.
  2. وَوَدِدْتُ أَنِّي يَوْمَ سَقِيفَةَ بَنِي سَاعِدَةَ قَذَفْتُ الْأَمْرَ فِي عُنُقِ أَحَدِ الرَّجُلَيْنِ أَبِي عُبَيْدَةَ أَوْ عُمَرَ، وَكَانَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَكُنْتُ وَزِيرًا.
  3. وَوَدِدْتُ أَنِّي حِينَ وَجَّهْتُ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ إِلَى أَهْلِ الرِّدَّةِ أَقَمْتُ بِذِي الْقَصَّةِ، فَإِنْ ظَفِرَ الْمُسْلِمُونَ ظَفِرُوا، وَإِلَّا كُنْتُ رِدْءًا وَمَدَدًا.
  • وَأَمَّا الثَّلَاثُ اللَّاتِي وَدِدْتُ أَنِّي فَعَلْتُهَا:
  1. فَوَدِدْتُ أَنِّي يَوْمَ أَتَيْتُ بِالْأَشْعَثِ أَسِيرًا ضَرَبْتُ عُنُقَهُ، فَإِنَّهُ يُخَيَّلُ إِلَيَّ أَنَّهُ لَا يَكُونُ شَرٌّ إِلَّا طَارَ إِلَيْهِ.
  2. وَوَدِدْتُ أَنِّي يَوْمَ أَتَيْتُ بِالْفُجَاةِ السُّلَمِيِّ لَمْ أَكُنْ أَحْرَقْتُهُ، وَقَتَلْتُهُ سَرِيحًا أَوْ أَطْلَقْتُهُ نَجِيحًا.
  3. وَوَدِدْتُ أَنِّي حِينَ وَجَّهْتُ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ إِلَى الشَّامِ وَجَّهْتُ عُمَرَ إِلَى الْعِرَاقِ، فَأَكُونُ قَدْ بَسَطْتُ يَمِينِي وَشِمَالِي فِي سَبِيلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ.
  • وَأَمَّا الثَّلَاثُ اللَّاتِي وَدِدْتُ أَنِّي سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ e عَنْهُنَّ:
  1. فَوَدِدْتُ أَنِّي سَأَلْتُهُ فَيْمَنْ هَذَا الْأَمْرُ؟ فَلَا يُنَازِعُهُ أَهْلَهُ.
  2. وَوَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ سَأَلْتُهُ: هَلْ لِلْأَنْصَارِ فِي هَذَا الْأَمْرِ سَبَبٌ؟
  3. وَوَدِدْتُ أَنِّي سَأَلْتُهُ عَنِ الْعَمَّةِ وَبِنْتِ الْأَخِ؛ فَإِنَّ فِي نَفْسِي مِنْهُمَا حَاجَةٌ.

رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ، وَفِيهِ عُلْوَانُ بْنُ دَاوُدَ الْبَجَلِيُّ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَهَذَا الْأَثَرُ مِمَّا أُنْكِرَ عَلَيْهِ»([1]).

والرواية ضعيفة سندًا ومتنًا:

  • فأما من ناحية الإسناد:

فأنت ترى تضعيف الحديث في نفس المصدر الذي نَقَل الرواية. قال العقيلي: «عُلْوَانُ بْنُ دَاوُدَ البَجَلِي، وَيُقَالُ: عُلْوَانُ بْنُ صَالِحٍ، وَلَا يُتَابَعُ عَلَى حَدِيثِهِ، وَلَا يُعْرَفُ إِلَّا بِهِ. حَدَّثَنِي آدَمُ بْنُ مُوسَى قَالَ: سَمِعْتُ الْبُخَارِيَّ قَالَ: عُلْوَانُ بْنُ دَاوُدَ الْبَجَلِيُّ، وَيُقَالُ: عُلْوَانُ بْنُ صَالِحٍ، مُنْكَرُ الْحَدِيثِ»([2]).

وقال ابن الجوزي عنه: «قال أبو سعيد بن يونس: هو منكر الحديث»([3]).

ولذلك فقد حكم عليها أكابر النقاد بالوضع ومنهم:

  1. الإمام أحمد بن حنبل: (قال مهنا: سألتُ أحمد -أي ابن حنبل-، عن حديث الليث بن سعد، عن صالح بن كيسان، عن حميد بن عبد الرحمن، عن أبيه، أنه دخل على أبي بكر في مرضه، فسلم عليه، فقال: «أما إني ما آسى إلا على ثلاث فعلتهن» ... الحديث؟ فقال أحمد: ليس صحيحًا. قلت: كيف ذا؟ قال: أخذ من كتاب ابن داب، فوضعه على الليث..»([4]).
  2. أحمد بن صالح المصري، قال ابن رشدين: «سألتُ أحمد بن صالح عن حديث علوان بن داود، الذي يرويه أصحابنا؟ فقال: هذا حديثٌ مَوضوعٌ كذِب، لا ينبغي أن يُكتب ولا يُقرأ، ولا يُحدَّثُ به، وكأني رأيتُ علوان عنده متروكًا، هُوَ وَحديثُه. وقال: هذا باطلٌ مَوضوعٌ»([5]).
  3. الدارقطني([6])، سئل عنه فقال: «هو حديث يرويه شيخ لأهل مصر يقال له: علوان بن داود، واختُلِف عليه فيه:

1- فرواه عنه سعيد بن عفير، عن حميد بن عبد الرحمن بن حميد بن عبد الرحمن بن عوف، عن صالح بن كيسان، عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف، عن أبيه، عن أبي بكر الصديق.

2- وخالفه الليث بن سعد، فرواه عن علوان، عن صالح بن كيسان، بهذا الإسناد إلا أنه لم يذكر بين علوان وبين صالحٍ حميدَ بنَ عبد الرحمن.

فيشبه أن يكون سعيد بن عفير ضبطه عن علوان؛ لأنه زاد فيه رجلًا، وكان سعيد بن عفير من الحفاظ الثقات».

  1. وضعَّفَه شيخ الإسلام ابن تيمية، كما سيأتي كلامه بعد قليل.
  2. وضعَّفَه الذهبي كما في «تلخيص المستدرك» (4/381) رقم (7999)([7]).

وأما من ناحية المتن:

فهو ساقط أيضًا؛ إذ إن كلمة (كشفت بيت فاطمة) قد تحمل على معانٍ بعيدة تمامًا عما يريده الشيعة منها، وإلا فمن أين لهم أنها تعني الاعتداء عليها وحرق بيتها أو هدمه؟

وقد بيَّن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ذلك أحسن بيانٍ فقال: «قَالَ الرَّافِضِيُّ: «الثَّامِنُ: قَوْلُهُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ: لَيْتَنِي كُنْتُ تَرَكْتُ بَيْتَ فَاطِمَةَ لَمْ أَكْبِسْهُ، وَلَيْتَنِي كُنْتُ فِي ظُلَّةِ بَنِي سَاعِدَةَ ضَرَبْتُ عَلَى يَدِ أَحَدِ الرَّجُلَيْنِ، وَكَانَ هُوَ الْأَمِيرَ، وَكُنْتُ الْوَزِيرَ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى إِقْدَامِهِ عَلَى بَيْتِ فَاطِمَةَ عِنْدَ اجْتِمَاعِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَالزُّبَيْرِ وَغَيْرِهِمَا فِيهِ.

وَالْجَوَابُ: أَنَّ الْقَدْحَ لَا يُقْبَلُ حَتَّى يَثْبُتَ اللَّفْظُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، وَيَكُونَ دَالًّا دَلَالَةً ظَاهِرَةً عَلَى الْقَدْحِ، فَإِذَا انْتَفَتْ إِحْدَاهُمَا انْتَفَى الْقَدْحُ، فَكَيْفَ إِذَا انْتَفَى كُلٌّ مِنْهُمَا؟! وَنَحْنُ نَعْلَمُ يَقِينًا أَنَّ أَبَا بَكْرٍ لَمْ يَقْدَمْ عَلَى عَلِيٍّ وَالزُّبَيْرِ بِشَيْءٍ مِنَ الْأَذَى، بَلْ وَلَا عَلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ الْمُتَخَلِّفِ عَنْ بَيْعَتِهِ أَوَّلًا وَآخِرًا.

وَغَايَةُ مَا يُقَالُ: إِنَّهُ كَبَسَ الْبَيْتَ لِيَنْظُرَ هَلْ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ مَالِ اللهِ الَّذِي يُقَسِّمُهُ، وَأَنْ يُعْطِيَهُ لِمُسْتَحِقِّهِ، ثُمَّ رَأَى أَنَّهُ لَوْ تَرَكَهُ لَهُمْ لَجَازَ؛ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَهُمْ مِنْ مَالِ الْفَيْءِ. وَأَمَّا إِقْدَامُهُ عَلَيْهِمْ أَنْفُسِهِمْ بِأَذًى، فَهَذَا مَا وَقَعَ فِيهِ قَطُّ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالدِّينِ، وَإِنَّمَا يَنْقُلُ مِثْلَ هَذَا جُهَّالُ الْكَذَّابِينَ، وَيُصَدِّقُهُ حَمْقَى الْعَالَمِينَ، الَّذِينَ يَقُولُونَ: إِنَّ الصَّحَابَةَ هَدَمُوا بَيْتَ فَاطِمَةَ، وَضَرَبُوا بَطْنَهَا حَتَّى أَسْقَطَتْ.

وَهَذَا كُلُّهُ دَعْوَى مُخْتَلِقٍ، وَإِفْكٌ مُفْتَرًى، بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ، وَلَا يَرُوجُ إِلَّا عَلَى مَنْ هُوَ مِنْ جِنْسِ الْأَنْعَامِ»([8]).

بل وفي متن الرواية ما يخالف الثابت من أن تسمية الخليفة بأمير المؤمنين إنما كان في زمان عمر، والرواية تذكر أن أبا بكر قال: «وَوَدِدْتُ أَنِّي يَوْمَ سَقِيفَةَ بَنِي سَاعِدَةَ قَذَفْتُ الْأَمْرَ فِي عُنُقِ أَحَدِ الرَّجُلَيْنِ أَبِي عُبَيْدَةَ أَوْ عُمَر، وَكَانَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَكُنْتُ وَزِيرًا»، ومن المعلوم أن لقب أمير المؤمنين لم يكن في عهد أبي بكر t، وإنما كانوا يسمونه بخليفة رسول الله e.

ثالثًا: إن المذكور في الرواية يخالف الثابت الصحيح عن الصديق t، ومن تدبر حاله في معاملته لبَضْعَة رسول الله e ولقرابته جزم ببطلان تلك الرواية، وكيف لا وقد صح عن أبي بكر أنه قال كما في (صحيح البخاري): «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَقَرَابَةُ رَسُولِ اللهِ e أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ أَصِلَ مِنْ قَرَابَتِي»([9])، وقال: «ارْقُبُوا مُحَمَّدًا e فِي أَهْلِ بَيْتِهِ»([10]).

وبه يسقط تشغيب الرافضة على الصديق رضي الله عنه بتلك الرواية.

 

 

 

 ([1]) مجمع الزوائد، الهيثمي (5/366).

 ([2]) الضعفاء الكبير، أبو جعفر محمد بن عمرو العقيلي (3/419).

 ([3]) الضعفاء والمتروكون، ابن الجوزي (2/190).

 ([4]) المنتخب من علل الخلال (ص296) رقم (196).

 ([5]) تاريخ أسماء الضعفاء والكذابين، ابن شاهين (ص131) رقم (409).

 ([6]) العلل (1/181) رقم (9).

 ([7]) انظر كتاب: «فاطمة بنت النبي e سيرتها، فضائلها، مسندها رضي الله عنها» (4/452).

 ([8]) ابن تيمية، منهاج السنة النبوية، (8/٢٩١ -٢٩٠).

 ([9]) صحيح البخاري (5/20) ط السلطانية.

 ([10]) صحيح البخاري (5/21) ط السلطانية.