زعمهم جهل الصديق رضي الله عنه حكم قطع يد السارق

الشبهة:

ذكر علَّامتهم الأميني تحت عنوان «رأي الخليفة في قطع السارق» قال: «عن صفية بنت أبي عبيد: أن رجلًا سرق على عهد أبي بكر رضي الله عنه مقطوعة يده ورجله، فأراد أبو بكر رضي الله عنه أن يقطع رجله ويدع يده يستطيب بها ويتطهر بها وينتفع بها، فقال عمر: لا والذي نفسي بيده، لتقطعن يده الأخرى، فأمر به أبو بكر رضي الله عنه فقطعت يده.

وعن القاسم بن محمد: أن أبا بكر رضي الله عنه أراد أن يقطع رِجْلًا بعد اليد والرِّجْلِ، فقال عمر رضي الله عنه: السنة اليد.

إن من موارد الحيرة أن الخليفة لا يعلم حد السارق الذي هو من أهم ما تجب عليه معرفته لحفظ الأمن العام، وتهدئة الحالة، وقطع جرثومة الفساد، ومن المحير أيضًا تسرعه إلى الحكم دون الرجوع إلى الكتاب والسنة، ثم الاستعلام من الصحابة ثم المشورة»([1]).

 

([1]) الغدير، الأميني (7/129).

الرد علي الشبهة:

أولًا: لم يصح طريق من طرق تلك الرواية على حدة، ومن صحح الرواية إنما صححها بالشواهد، قال الشيخ الألباني رحمه الله: «أثر أن أبا بكر وعمر قطعا اليد اليسرى في المرة الثالثة صحيح.

أخرج ابن أبي شيبة والبيهقي من طريق عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه «أن أبا بكر أراد أن يقطع الرجل بعد اليد والرجل، فقال له عمر: السنة اليد»([1]).

قلت (الألباني): ورجاله ثقاتٌ رجال الشيخين، غير أن القاسم، وهو ابن محمد بن أبي بكر الصديق، لم يسمع من جده أبي بكر، لكن يقويه أن له طريقًا أخرى عن نافع، عن صفية بنت أبي عبيد: «أن رجلًا سرق على عهد أبي بكر رضي الله عنه مقطوعة يده ورجله، فأراد أبو بكر رضي الله عنه أن يقطع رجله ويدع يده يستطيب بها، ويتطهر بها، وينتفع بها، فقال عمر: لا والذي نفسي بيده، لتقطعن يده الأخرى، فأمر به أبو بكر رضي الله عنه فقطعت يده».

أخرجه البيهقي من طريق سعيد بن منصور، ثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن موسى بن عقبة عن نافع، قلت: «وهذا إسناد حسن».

وأخرج هو والدارقطني (364) وابن أبي شيبة عن عكرمة عن ابن عباس قال: «رأيت عمر بن الخطاب قطع يد رجل بعد يده ورجله»، وإسناده صحيح على شرط البخاري»([2]).

فأنت ترى أن الطريق الأول منقطع بين القاسم وجده الصديق، والطريق الثاني منقطع بين صفية بنت أبي عبيد والصديق، ومن المعلوم أن صفية لم ترو عن أبي بكر الصديق.

ولكن الشيخ الألباني قوى الرواية بالشواهد، ولغيره أن يخالفه في ذلك ويضعف الروايات حسب اجتهاده، والمختلف فيه لا تقوم به حجة.

ثانيًا: ليس في المسألة نصٌّ صحيحٌ متفق عليه من رسول الله r يمكن أن يُعمل به، ولذلك اختلف أهل العلم فيمن سرق في الثالثة: هل تقطع يده اليسرى، أم رجله اليمنى، أم ليس عليه قطع؟

القول الأول: ذهب المالكية والشافعية والحنابلة في إحدى الروايتين إلى أن من سرق في الثالثة قطعت يده اليسرى، قال ابن جزي: «فَأَما الْقطع فتقطع يَده الْيُمْنَى، ثمَّ إِن سرق ثَانِيَة تقطع رجله اليسرى، ثمَّ إِن سرق ثَالِثَة تقطع يَده الْيُسْرَى، ثمَّ إِن سرق رَابِعَة تقطع رجله الْيُمْنَى، ثمَّ إِن سرق بعد ذَلِك ضُرِبَ»([3]).

وقال الشيرازي: وإذا وجب القطع قطعت يده اليمنى، فإن سرق ثانيًا قطعت رجله اليسرى، فإن سرق ثالثًا قطعت يده اليسرى، فإن سرق رابعًا قطعت رجله اليمنى؛ لما روى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي r قال في السارق: «إنْ سَرَقَ فَاقْطَعُوا يَدَهُ، ثُمَّ إنْ سَرَقَ فَاقْطَعُوا رِجْلَهُ، ثُمَّ إنْ سَرَقَ فَاقْطَعُوا يَدَهُ، ثُمَّ إنْ سَرَقَ فَاقْطَعُوا رِجْلَهُ»([4]).

قلت: وهذا الأثر الذي استندوا عليه لا يسلم له إسناد.

قال الحافظ ابن حجر: «حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ r قَالَ فِي السَّارِقِ: «إنْ سَرَقَ فَاقْطَعُوا يَدَهُ، ثُمَّ إنْ سَرَقَ فَاقْطَعُوا رِجْلَهُ، ثُمَّ إنْ سَرَقَ فَاقْطَعُوا يَدَهُ، ثُمَّ إنْ سَرَقَ فَاقْطَعُوا رِجْلَهُ»، الدَّارَقُطْنِيُّ وَفِي إسْنَادِهِ الْوَاقِدِيُّ.

وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «السَّارِقُ إذَا سَرَقَ فَاقْطَعُوا يَدَهُ، ثُمَّ إنْ سَرَقَ فَاقْطَعُوا رِجْلَهُ، ثُمَّ إنْ سَرَقَ فَاقْطَعُوا يَدَهُ، ثُمَّ إنْ سَرَقَ فَاقْطَعُوا رِجْلَهُ».

وَفِي الْبَابِ عَنْ عِصْمَةَ بْنِ مَالِكٍ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ»([5]).

قال المحقق في الهامش: «أخرجه الدارقطني [3/137- 138]، في كتاب الحدود والديات وغيره، حديث [171]، والطبراني [17/182]، [483]، كلاهما من طريق خالد بن عبد السلام الصدفي، نا الفضل بن المختار، عن عبيد الله بن موهب، عن عصمة بن مالك قال: سرق مملوك في عهد النبي r فرفع إلى النبي r فعفا عنه، ثم رفع إليه الثانية وقد سرق فعفا عنه، فرفع الثالثة إلى النبي r فعفا عنه، ثم رفع إليه الرابعة وقد سرق فعفا عنه، ثم رفع إليه الخامسة وقد سرق فقطع يده، ثم رفع إليه السادسة فقطع رجله، ثم رفع إليه السابعة فقطع يده، ثم رفع إليه الثامنة فقطع وقال رسول الله r: «أربع بأربع».

قال الهيثمي في «مجمع الزوائد»: «رواه الطبراني وفيه الفضل بن المختار وهو ضعيف»([6]).

قال العظيم آبادي في «التعليق المغني»: «حديث ضعيف؛ قال عبد الخالق: هذا لا يصح للإرسال، وضعيف الإسناد، وقال الذهبي: يشبه أن يكون موضوعًا، وضعف الفضل بن المختار عن جماعة من غير توثيق»([7]).

واستدل أيضًا من قال بأن السنة لمن سرق الثالثة أن تقطع يده اليسرى برواية عند الطبراني، وساقها الدارقطني بإسناده فقال: «نا مُحَمَّدُ بْنُ مَخْلَدِ بْنِ حَفْصٍ، نا إِسْحَاقُ بْنُ دَاوُدَ بْنِ عِيسَى الْمَرْوَزِيُّ، نا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الصَّدَفِيُّ، نا الْفَضْلُ بْنُ الْمُخْتَارِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَوْهَبٍ، عَنْ عِصْمَةَ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: سَرَقَ مَمْلُوكٌ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ r، فَرُفِعَ إِلَى النَّبِيِّ r فَعَفَا عَنْهُ، ثُمَّ رُفِعَ إِلَيْهِ ثَانِيَةً وَقَدْ سَرَقَ فَعَفَا عَنْهُ، فَرُفِعَ الثَّالِثَةَ إِلَى النَّبِيِّ r فَعَفَا عَنْهُ، ثُمَّ رُفِعَ إِلَيْهِ الرَّابِعَةَ وَقَدْ سَرَقَ فَعَفَا عَنْهُ، ثُمَّ رُفِعَ إِلَيْهِ الْخَامِسَةَ وَقَدْ سَرَقَ فَقَطَعَ يَدَهُ، ثُمَّ رُفِعَ إِلَيْهِ السَّادِسَةَ فَقَطَعَ رِجْلَهُ، ثُمَّ رُفِعَ إِلَيْهِ السَّابِعَةَ فَقَطَعَ يَدَهُ، ثُمَّ رُفِعَ إِلَيْهِ الثَّامِنَةَ فَقَطَعَ رِجْلَهُ، وَقَالَ رَسُولُ اللهِ r: «أَرْبَعٌ بِأَرْبَعٍ»»([8]).

قال الهيثمي: «رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ، وَفِيهِ الْفَضْلُ بْنُ الْمُخْتَارِ وَهُوَ ضَعِيفٌ»([9]).

قال ابن الجوزي: «الْفضل بن الْمُخْتَار أَبُو سهل الْبَصْرِيّ عَن ابْن أبي ذِئْب، قَالَ ابْن عدي: لَهُ أحاديث مُنكرَة، وعامتها لَا يُتَابع عَلَيْهَا، وَقَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيًّ: مَجْهُول، وَأَحَادِيثه مُنكرَة، يحدِّثُ بالأباطيلِ، قَالَ الْأَزْدِيّ: مُنكر الحَدِيث جدًّا»([10]).

وعليه فكل الروايات في ذلك لا يصح لها إسناد، فلا يمكن التشغيب على الصديق بمجرد الجهل برواية لم تثبت.

القول الثاني: ذهب الحنفية والحنابلة في الرواية الثانية والإمامية إلى أن من سرق الثالثة بعد أن قطعت يده اليمنى ورجله اليسرى أنه لا قطع عليه، بل يُحبس إلى أن يتوب.

قال أبو البركات النسفي: «تقطع يمين السَّارق من الزّند وتحسم، ورجله اليسرى إن عاد، فإن سرق ثالثًا حبس حتّى يتوب ولم يقطع»([11]).

واستدل الزيلعي على قولهم بعد القطع بقول علي وبالإجماع عليه: «وَلَنَا إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ حِين حَجَّهُمْ عَلِيٌّ بِقَوْلِهِ: إنِّي لَأَسْتَحِي مِنَ اللهِ أَلَّا أَدَعَ لَهُ يَدًا يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلًا يَمْشِي عَلَيْهَا، وَلَمْ يَحْتَجَّ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِالْمَرْفُوعِ، فَدَلَّ عَلَى عَدَمِهِ، وَمَا رَوَاهُ لَمْ يَثْبُتْ، فَإِنَّ الطَّحَاوِيَّ قَالَ: تَتَبَّعْنَا هَذِهِ الْآثَارَ فَلَمْ نَجِدْ لِشَيْءٍ مِنْهَا أَصْلًا؛ وَلِهَذَا لَمْ يُقْتَلْ فِي الْخَامِسَةِ وَإِنْ ذُكِرَ فِيمَا رُوِيَ، وَلَئِنْ صَحَّ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى السِّيَاسَةِ أَوْ عَلَى النَّسْخِ»([12]).

وعليه فالمسألة محل خلاف؛ لعدم ورود الدليل القاطع فيها عن رسول الله r.

ثالثًا: لو صح هذا لما كان فيه إشكال على الصديق رضي الله عنه، بل لكان فيه المدح العظيم له؛ إذ إنه لم تأخذه العزة بالإثم لما قال له عمر: إن السنة كذا، وقد كان يمكنه تبرير ذلك بأنه سياسة يجوز للحاكم أن يجتهد كما اجتهد علي فقال: «إنِّي لَأَسْتَحِي مِنَ اللهِ أَلَّا أَدَعَ لَهُ يَدًا يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلًا يَمْشِي عَلَيْهَا»، فصار الأمر اجتهادًا، والمجتهد المخطئ مأجور حتى عند الشيعة الإمامية.

فقد جاء في «ميزان الحكمة»: «للمخطئ أجر وللمصيب أجران:

- رسول الله (صلى الله عليه وآله): إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد فأخطأ فله أجر واحد.

- عنه (صلى الله عليه وآله): اجتهد، فإذا أصبت فلك عشر حسنات، وإن أخطأت فلك حسنة.

- عنه (صلى الله عليه وآله) -لعقبة بن عامر لما جاءه (صلى الله عليه وآله) خصمان- اقض بينهما، قال: على ماذا يا رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ قال: اجتهد، فإن أصبت فلك عشر»([13]).

وقد أقر وقرر المجلسي ذلك في «ملاذ الأخيار» فقال: «قوله عليه السلام «فمن أخطأ حكم الله» أي بلا دليل معتبر شرعًا لتقصيره، أو مع علمه ببطلانه، فلا ينافي كون المجتهد المخطئ غير المقصر مصيبًا ومثابًا»([14]).

وهذا الفضل بن شاذان اجتهد في رد كلام المعصومين فأخطأ، ومع ذلك يقول المجلسي عنه: إنه مثاب على ذلك؛ لأنه ربما ردها لظنه أن فيها غلوًّا.

ففي مقدمة المصحح لكتاب «الإيضاح» قال: «قال المجلسي: ... على أنه يمكن أن يكون الفضل مثابًا في رد الأخبار التي نقلوها إليه من المعصومين عليهم السلام، وردها الفضل لظنه الغلو، وكانوا مثابين لكونهم سمعوها من المعصومين (ع) والجميع مطابق للأخبار التي نقلها مشايخنا المعظمون في كتبهم، ثم نقل رقعة عبد الله بن جبرويه هذا التي ذكره المصنف عن الكَشي، وقال في آخرها: فتدبر في هذا الخبر حتى يظهر لك ما ذكرنا.

ثم نقل روايتين متضمنتين؛ لأنه لو عرض علم سلمان على مقداد لكفره، ثم قال: والحق أن مراتب العلوم متفاوتة، فيمكن أن يكون إنكار الفضل لأخبارهم لعدم إدراكه، أو لخوف الفضل أن يكفر العوام بالغلو كما ورد في الأخبار الكثيرة أنْ حدِّثُوهم بما يعلمون أو بما يفهمون. انتهى كلامه علا مقامه، وهو كلام موجه متين»([15]).

ولذلك فقد قرر الإمامية أن الحاكم إذا اجتهد فأخطأ وجب تنفيذُ حكمه، ولا يجوز إعادة رفع القضية مرة أخرى للتحاكم حتى مع العلم بالخطأ.

يقول الخوئي: «وحيث إن المستفاد من الروايات أن حكم الحاكم إذا صدرَ عن الميزان الصحيح معتبر مطلقًا، وأن اعتباره ليس من جهة الأمارية إلى الواقع، بل إنما هو لأجل أن له الموضوعية التامة في فصل الخصومات وحل المرافعات، فلا مناص من الالتزام بعدم جواز نقضه مطلقًا، سواء علمنا بعدم مطابقته للواقع أو بالخطأ في طريقه -وجدانًا أو تعبدًا- أم لم نعلم به، بلا فرق في ذلك بين الشبهات الحكمية والموضوعية، فلا يجوز للمتخاصمين إعادة الدعوى عند ذلك الحاكم مرة ثانية أو عند حاكم آخر ..... وأن حكم الحاكم نافذ فيها، ولو مع العلم بالمخالفة للواقع أو الخطأ في طريقه، هذا كله إذا صدر الحكم على الميزان الصحيح»([16]).

وعليه: فلا بد من القول بأن فعل الصديق واجتهاده كان مأجورًا عليه، ثم زاده رجوعه إلى السنة -على فرض صحة الرواية- شرفًا وفضلًا فوقَ الشرف والفضل.

رابعًا: هذه المسألة اختلف فيها الشيعة، مع أنهم قد رووا فيها نصًّا عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه:

قال المحقق الأصفهاني: «وقال أمير المؤمنين عليه السلام في خبر محمد بن قيس «إني لأستحيي من الله أن أتركه لا ينتفع بشيء، ولكنه أسجنه حتى يموت في السجن» وقال: ما قطع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من سارق بعد يده ورجله، وقال الصادق عليه السلام في مرسل حماد: لا تخلد في السجن إلا ثلاثة: الذي يمثل، والمرأة ترتد من الإسلام، والسارق بعد قطع اليد والرجل، فإن سرق بعد ذلك من السجن أو غيره قتل اتفاقًا»([17]).

وبرغم ذلك اختلفوا فيمن سرق ثالثا:

قال الطوسي: «ومن سرق وليس له اليمنى، فإن كانت قطعت في القصاص أو غير ذلك، وكانت له اليسرى، قطعت يسراه، فإن لم تكن له أيضًا اليسرى، قطعت رجله»([18]).

وقال ابن إدريس: «الحبس هو حد من سرق في الثالثة بعد تقدم دفعتين قد أقيم عليه الحدّ فيهما»([19]).

فها هم أكابر علماء الشيعة لا يعرفون حكم من سرق في الثالثة، فهل ينطبق عليهم الشيعة ما نسبوه زورًا للصديق رضي الله عنه؟!

خامسًا: جاء في كتب الشيعة أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قطع يد رَجل لم يسرق، ولم يعلم بأن الشاهدين أخطآ واشتبه عليهما.

فعن محمد قيس، عن أبي جعفر عليه السلام قال: «قضى أمير المؤمنين عليه السلام في رجل شهد عليه رجلان بأنه سرق فقطع يده، حتى إذا كان بعد ذلك جاء الشاهدان برجل آخر فقالا: هذا السارق وليس الذي قطعت يده، إنما شبهنا ذلك بهذا، فقضى عليهما أن غرمهما نصف الدية، ولم يجز شهادتهما على الآخر»([20]).

فهل نقول هنا: إن عدم علم علي بخطأ الشهود يقدح في إمامته؟! وقد قالت الشيعة: «إن عليَّ بن أبي طالب لا يخطئ ولا يسهو، ويعلم ما كان وما يكون، ولا يخفى عليه شيء»، كما بوب الكليني في الكافي؟!

فها هو علي رضي الله عنه يتعمَّد قطع يد الرجل وهو يعلم أنه مظلوم، فإن قالوا: المعصوم يحكم بالظاهر، قلنا: الظاهر لكل شخص على حسب حاله، فالظاهر لعلي ما يعلمه هو لا ما ظهر لغيره، وبالتالي فإن عليًّا كان عالِمًا بخطئهما، وأنهما سيرجعان في شهادتهما، ومع ذلك قطع يد الرجل ظلمًا!

 
 

([1]) ابن أبي شيبة (2/11/61)، والبيهقي (8/273- 274).

([2]) إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل (8/91).

([3]) القوانين الفقهية (ص236).

([4]) المهذب في فقه الإمام الشافعي، الشيرازي (3/364).

([5]) التلخيص الحبير (4/189) حديث (1781) ط العلمية.

([6]) مجمع الزوائد، الهيثمي (6/278).

([7]) انظر: التعليق المغني، العظيم آبادي في (3/138)، التلخيص الحبير (4/189) ط العلمية.

([8]) سنن الدارقطني (4/161)، المعجم الكبير، الطبراني (17/182).

([9]) مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (6/275).

([10]) الضعفاء والمتروكون، ابن الجوزي (3/8).

([11]) كنز الدقائق (ص365).

([12]) تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (3/225).

([13]) ميزان الحكمة، محمد الريشهري (3/2591).

([14]) ملاذ الأخيار، المجلسي (10/10- 11).

([15]) الإيضاح مقدمة المصحح (ص26).

([16]) الاجتهاد والتقليد، الخوئي (ص390).

([17]) كشف اللثام، الأصفهاني (2/429).

([18]) النهاية، الطوسي (1/717).

([19]) كتاب السرائر، ابن إدريس الحلي (3/490).

([20]) الكافي (٧/٣٨٤)، وقال المجلسي في «مرآة العقول»: الحديث الثامن حسن. (24/228).