طعنهم في الصديق رضي الله عنه بعدم معرفته ميراث الكلالة والجدة

الشبهة:

قالت الشيعة: «روي عن الخليفة الأوَّل أنَّه سئل إبَّان خلافته عن ميراث الجدَّة، فلم يهتد إلى الإجابة، ولم يَر بدًّا من الردِّ بقوله: «ما لها في كتاب الله من شيء، وما علمت لها في سنَّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من شيء، ولكن أسأل الناس» والواقعة مشهورة؛ حيث قيل: إنَّه اندفع إلى المسلمين يسألهم عن ذلك، فقام بعض الصحابة فشهدوا أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أعطاها السدس، فقضى أبو بكر بذلك، فإذا كان هذا هو حال الصحابة الكبار، فما بالك بحال غير الصحابة أو التابعين، الذين يعتمدون في الكثير من أحكامهم على رأي أولئك واجتهادهم؟!([1]).

وقال محمد باقر الحسيني الجلالي: «ممَّا يزيد في التعجُّب أنّهم يروون أنَّ أبا بكر لم يعرف ميراث الجدَّة، ولفظة (الأَبِّ) من كتاب الله»([2]).

وقال علي النباطي: «ولم يعرف ميراثَ الجدة ولا الكلالة، وقال: «أقول فيها برأيي، فإن كان صوابًا فمن الله، وإن كان خطأ فمني ومن الشيطان» وفي هذا تجويز كون الحاكم جاهلًا وصبيًّا ومجنونًا وغير ذلك من وجوه النقص إذا كان الحكم بالخبط والاتفاق، ولا يخفى ما فيه من تعطيل أحكام الله بالإطلاق»([3]).

 

 ([1]) حاشية المكاسب، الميرزا أبو الفضل النجم آبادي (ص6).

 ([2]) فدك والعوالي أو الحوائط السبعة في الكتاب والسنة والتاريخ والأدب، محمد باقر الحسيني الجلالي (1/424).

 ([3]) الصراط المستقيم إلى مستحقي التقديم، علي النباطي (2/305).

الرد علي الشبهة:

أولًا: أما رواية الكلالة فإسنادها منقطع.

قال الامام الدارمي: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، حَدَّثَنَا عَاصِمٌ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: سُئِلَ أَبُو بَكْرٍ عَنِ الْكَلَالَةِ فَقَالَ: «إِنِّي سَأَقُولُ فِيهَا بِرَأْيِي، فَإِنْ كَانَ صَوَابًا فَمِنَ اللهِ، وَإِنْ كَانَ خَطَأً فَمِنِّي وَمِنَ الشَّيْطَانِ، أُرَاهُ مَا خَلَا الْوَالِدَ وَالْوَلَدَ» فَلَمَّا اسْتُخْلِفَ عُمَرُ، قَالَ: «إِنِّي لَأَسْتَحْيِي اللهَ أَنْ أَرُدَّ شَيْئًا قَالَهُ أَبُو بَكْرٍ»([1]).

فهذا الأثر من ناحية السند منقطع، والمنقطع من أنواع الضعيف.

وأما عن ميراث الجدة، فمن صحح الرواية صححها بالشواهد، فالحديث ضعيف ولم يسلم منه طريق واحد من طعن، والرواية في الموطأ «عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ خَرَشَةَ، عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ أَنَّهُ قَالَ: جَاءَتِ الْجَدَّةُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ تَسْأَلُهُ مِيرَاثَهَا، فَقَالَ لَهَا أَبُو بَكْرٍ: مَا لَكِ فِي كِتَابِ اللهِ شَيْءٌ، وَمَا عَلِمْتُ لَكِ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللهِ r شَيْئًا، فَارْجِعِي حَتَّى أَسْأَلَ النَّاسَ، فَسَأَلَ النَّاسَ، فَقَالَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ: حَضَرْتُ رَسُولَ اللهِ r أَعْطَاهَا السُّدُسَ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: هَلْ مَعَكَ غَيْرُكَ؟ فَقَامَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ الْأَنْصَارِيُّ فَقَالَ مِثْلَ مَا قَالَ الْمُغِيرَةُ، فَأَنْفَذَهُ لَهَا أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، ثُمَّ جَاءَتِ الْجَدَّةُ الْأُخْرَى إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ تَسْأَلُهُ مِيرَاثَهَا، فَقَالَ لَهَا: مَا لَكِ فِي كِتَابِ اللهِ شَيْءٌ، وَمَا كَانَ الْقَضَاءُ الَّذِي قُضِيَ بِهِ إِلَّا لِغَيْرِكِ، وَمَا أَنَا بِزَائِدٍ فِي الْفَرَائِضِ شَيْئًا، وَلَكِنَّهُ ذلِكَ السُّدُسُ، فَإِنِ اجْتَمَعْتُمَا فَهُوَ بَيْنَكُمَا، وَأَيَّتُكُمَا خَلَتْ بِهِ فَهُوَ لَهَا»([2]).

وهذه الرواية قال فيها الحافظ ابن حجر: «وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ لِثِقَةِ رِجَالِهِ إلَّا أَنَّ صُورَتَهُ مُرْسَلٌ؛ فَإِنَّ قَبِيصَةَ لَا يَصِحُّ لَهُ سَمَاعٌ مِنَ الصِّدِّيقِ، وَلَا يُمْكِنُ شُهُودُهُ لِلْقِصَّةِ، قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ بِمَعْنَاهُ، وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي مَوْلِدِهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ وُلِدَ عَامَ الْفَتْحِ فَيَبْعُدُ شُهُودُهُ الْقِصَّةَ، وَقَدْ أَعَلَّهُ عَبْدُ الْحَقِّ تَبَعًا لِابْنِ حَزْمٍ بِالِانْقِطَاعِ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي «الْعِلَلِ» بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الِاخْتِلَافَ فِيهِ عَنِ الْأَزْهَرِيِّ: يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الصَّوَابُ قَوْلَ مَالِكٍ وَمَنْ تَابَعَهُ»([3]).

ولأنه لم يسلم لها إسناد مستقل؛ فقد صححها بعض أهل العلم بالشواهد، كما قال محققو المسند: «والحديث صحيح بشواهده»([4]).

ثانيًا: على التسليم بصحة كل هذا، فهذه الآثار ما هي إلا مدح للصديق رضي الله عنه، قال شيخ الإسلام: «وَأَمَّا قَوْلُ الرَّافِضِيِّ: «لَمْ يَعْرِفْ حُكْمَ الْكَلَالَةِ حَتَّى قَالَ فِيهَا بِرَأْيهِ».

فَالْجَوَابُ: أَنَّ هَذَا مِنْ أَعْظَمِ عِلْمِهِ، فَإِنَّ هَذَا الرَّأْيَ الَّذِي رَآهُ فِي الْكَلَالَةِ قَدِ اتَّفَقَ عَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ بَعْدَهُ، فَإِنَّهُمْ أَخَذُوا فِي الْكَلَالَةِ بِقَوْلِ أَبِي بَكْرٍ، وَهُوَ مَنْ لَا وَلَدَ لَهُ وَلَا وَالِدَ، وَالْقَوْلُ بِالرَّأْيِ هُوَ مَعْرُوفٌ عَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ، كَأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، لَكِنَّ الرَّأْيَ الْمُوَافِقَ لِلْحَقِّ هُوَ الَّذِي يَكُونُ لِصَاحِبِهِ أَجْرَانِ، كَرَأْيِ الصِّدِّيقِ، فَإِنَّ هَذَا خَيْرٌ مِنَ الرَّأْيِ الَّذِي غَايَةُ صَاحِبِهِ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَجْرٌ وَاحِدٌ»([5]).

وقال الحافظ ابن كثير: « قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَقَدْ رُوِي عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: إِنِّي لَأَسْتَحِي أَنْ أُخَالِفَ فِيهِ أَبَا بَكْرٍ،  وكان وَكَأَنَّ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَقُولُ: «هُوَ مَا عَدَا الْوَلَدَ وَالْوَالِدَ»، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الصِّدِّيقُ عَلَيْهِ جُمْهُورُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَالْأَئِمَّةِ فِي قَدِيمِ الزَّمَانِ وَحَدِيثِهِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَالْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ، وَقَوْلُ عُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ قَاطِبَةً، وَهُوَ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ، كَمَا أَرْشَدَ اللهُ أَنَّهُ قَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ وَوَضَّحَهُ فِي قَوْلِهِ: {يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}»([6]).

وقال الإمام ابن القيم: «فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَجْتَمِعُ هَذَا مَعَ مَا صَحَّ عَنْهُ مِنْ قَوْلِهِ: «أَيُّ سَمَاءٍ تُظِلُّنِي؟ وَأَيُّ أَرْضٍ تُقِلُّنِي إنْ قُلْت فِي كِتَابِ اللهِ بِرَأْيِي»، وَكَيْفَ يُجَامِعُ هَذَا الْحَدِيثَ الَّذِي تَقَدَّمَ: «مَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ بِرَأْيِهِ؛ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ»؟

فَالْجَوَابُ: أَنَّ الرَّأْيَ نَوْعَانِ:

أَحَدُهُمَا: رَأْيٌ مُجَرَّدٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ، بَلْ هُوَ خَرْصٌ وَتَخْمِينٌ، فَهَذَا الَّذِي أَعَاذَ اللهُ الصِّدِّيقَ وَالصَّحَابَةَ مِنْهُ.

وَالثَّانِي: رَأْيٌ مُسْتَنِدٌ إلَى اسْتِدْلَالٍ وَاسْتِنْبَاطٍ مِنَ النَّصِّ وَحْدَهُ أَوْ مِنْ نَصٍّ آخَرَ مَعَهُ، فَهَذَا مِنْ أَلْطَفِ فَهْمِ النُّصُوصِ وَأَدَقِّهِ، وَمِنْهُ رَأْيُهُ فِي الْكَلَالَةِ: أَنَّهَا مَا عَدَا الْوَالِدَ وَالْوَلَدَ، فَإِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ ذَكَرَ الْكَلَالَةَ فِي مَوْضِعَيْنِ مِنَ الْقُرْآنِ؛ فَفِي أَحَدِ الْمَوْضِعَيْنِ وَرِثَ مَعَهَا الْأَخُ وَالْأُخْتُ مِنَ الْأُمِّ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ هَذِهِ الْكَلَالَةَ مَا عَدَا الْوَالِدَ وَالْوَلَدَ، وَالْمَوْضِعُ الثَّانِي وَرِثَ مَعَهَا وَلَدُ الْأَبَوَيْنِ أَوِ الْأَبُ النِّصْفَ أَوِ الثُّلُثَيْنِ، فَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذِهِ الْكَلَالَةِ، وَالصَّحِيحُ فِيهَا قَوْلُ الصِّدِّيقِ الَّذِي لَا قَوْلَ سِوَاهُ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِلُغَةِ الْعَرَبِ كَمَا قَالَ:

وَرِثْتُمْ قَنَاةَ الْمَجْدِ لَا عَنْ كَلَالَةٍ * عَنِ ابْنَيْ مَنَافٍ عَبْدِ شَمْسٍ وَهَاشِمِ

أَيْ: إنَّمَا وَرِثْتُمُوهَا عَنِ الْآبَاءِ وَالْأَجْدَادِ، لَا عَنْ حَوَاشِي النَّسَبِ، وَعَلَى هَذَا فَلَا يَرِثُ وَلَدُ الْأَبِ وَالْأَبَوَيْنِ لَا مَعَ أَبٍ وَلَا مَعَ جَدٍّ، كَمَا لَمْ يَرِثُوا مَعَ الِابْنِ وَلَا ابْنِهِ، وَإِنَّمَا وَرِثُوا مَعَ الْبَنَاتِ؛ لِأَنَّهُمْ عَصَبَةٌ، فَلَهُمْ مَا فَضَلَ عَنِ الْفُرُوضِ»([7]).

وعليه؛ فهذا اجتهاد مبني على علم بكتاب الله تعالى.

ثالثًا: سبب الاختلاف في الكلالة هو عدم تفسيرها بنص صريح من رسول الله r، ولأن العرب تطلق الكلالة على معانٍ عدة، وقد نزلت في الكلالة آيتين آيتان من كتاب الله، قال البغوي: «اللهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْزَلَ فِي الْكَلَالَةِ آيَتَيْنِ، إِحْدَاهُمَا فِي الشِّتَاءِ، وَهِيَ الَّتِي فِي أَوَّلِ سُورَةِ النِّسَاءِ، وَالْأُخْرَى فِي الصَّيْفِ، وَهِيَ الَّتِي فِي آخِرِهَا»([8]).

وقد استند الصديق في تفسير معنى الكلالة إلى كتاب الله مع سبب النزول، فقد جاء في صحيح البخاري «عَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا يَقُولُ: «مَرِضْتُ مَرَضًا فَأَتَانِي النَّبِيُّ r يَعُودُنِي وَأَبُو بَكْرٍ وَهُمَا مَاشِيَانِ، فَوَجَدَانِي أُغْمِيَ عَلَيَّ، فَتَوَضَّأَ النَّبِيُّ r، ثُمَّ صَبَّ وَضُوءَهُ عَلَيَّ، فَأَفَقْتُ، فَإِذَا النَّبِيُّ r، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، كَيْفَ أَصْنَعُ فِي مَالِي؟ كَيْفَ أَقْضِي فِي مَالِي؟ فَلَمْ يُجِبْنِي بِشَيْءٍ حَتَّى نَزَلَتْ آيَةُ الْمِيرَاثِ»([9]).

والآية التي نزلت هي: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَة) [النساء:176]، كما في سنن أبي داود([10])

من حديث جابر بن عبد الله؛ لأن الآية نزلت فيه: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَة) [النساء:176]، ولم يكن له يوم نزولها أبٌ ولا ابن؛ لأن أباه عبد الله بن حرام قتل يوم أحد، وآية الكلالة نزلت في آخر عُمر النبي r، فصار شأن جابر بيانًا لمراد الآية لنزولها فيه، وهذا رأي جمهور أهل العلم.

وسبب الاختلاف هو اختلاف أهل اللغة:

  1. الكلالة: الرجل الذي لا ولد له ولا والد، أي: ما خلا الولد والوالد([11]).
  2. الكلالة: من ليس له ولد ولا والد، وله إخوة؛ لأن الكلالة مشتق من الإكليل؛ وهو الذي يحيط بالرأس من الجوانب، والذين يحيطون بالميت من الجوانب الإخوة، فأما الوالد والولد فليسا من الجوانب، بل أحدهما من أعلاه والآخر من أسفله([12]).
  3. وقيل: الكلالة: اسم لما عدا الوالد والولد من الورثة([13]).
  4. وقيل: الكلالة: الذي لا ولد له ولا والد، لا أب ولا جد، ولا ابن ولا ابنة، فهؤلاء الإخوة من الأم([14]).
  5. وقيل الكلالة: من مات رجلًا أو امرأة في حالة تكلله نسب ورثته أي: لا والد له ولا ولد وله أخوة، أو أخوات، أو أخ، أو أخت، أو أحدهما، أضياف، أو أعيان، أو أولاد علات([15]).

ومن هذه التعريفات يمكن القول:

بأن أقرب التعريفات للصواب التعريف الأخير؛ لأنه يتصف بالشمول؛ حيث شمل المقصود من التعريفات الأخرى، واحتوى على المعنى المراد منها، فهو تعريف جامع مانع.

وبناء على هذا؛ كان أرجح الأقوال هو قول الصديق رضي الله عنه.

وقد توسع في ذكر الخلاف اللغوي والفقهي في معنى الكلالة والمراد منها وأحكامها: الدكتور عبده محمد يوسف الأستاذ بكلية التربية، جامعة صنعاء في بحث له بعنوان: «أحكام الكلالة في القرآن الكريم والسنة النبوية» فليراجعه من شاء الاستزادة.

وأما الجدة فقد أجمع العلماء على إعطائها السدس، قال القرافي: «قَالَ ابْنُ يُونُسَ: لَا خِلَافَ أَنَّ الْجَدَّةَ أُمّ الْأُمِّ وَإِنْ عَلَتْ لَهَا السُّدُسُ إِذَا انْفَرَدَتْ، وَكَذَلِكَ أُمُّ الْأَبِ، فَإِنِ اجْتَمَعَتَا فِي طَبَقَةٍ فَالسُّدُسُ بَيْنَهُمَا، اتَّفَقَ النَّاسُ عَلَى هَذِهِ الْجُمْلَةِ»([16]).

وهذا الإجماع إنما كان بعد قصة الصديق واتفاق الناس على ذلك؛ أخذًا من حديث رسول الله r الذي أعطاها السدس.

رابعًا: لم يدَّع أحد من الصحابة ومنهم الصديق رضي الله عنه أنه عالم بكل مسائل الشرع، ولا يصح قياس المعصوم بغير المعصوم، وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في بيان ذلك: «وَقَدْ أَمَرَ اللهُ تَعَالَى نُوحًا وَمُحَمَّدًا أَنْ يَقُولَا: {لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ} [هُود:31] فَيُرِيدُ الْجُهَّالُ مِنَ الْمَتْبُوعِ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِكُلِّ مَا يُسْئَلُ عَنْهُ، قَادِرًا عَلَى كُلِّ مَا يُطْلَبُ مِنْهُ، غَنِيًّا عَنِ الْحَاجَاتِ الْبَشَرِيَّةِ كَالْمَلَائِكَةِ، وَهَذَا الِاقْتِرَاحُ مِنْ وُلَاةِ الْأَمْرِ كَاقْتِرَاحِ الْخَوَارِجِ فِي عُمُومِ الْأُمَّةِ، أَنْ لَا يَكُونَ لِأَحَدِهِمْ ذَنْبٌ، وَمَنْ كَانَ لَهُ ذَنْبٌ كَانَ عِنْدَهُمْ كَافِرًا مُخَلَّدًا فِي النَّارِ، وَكُلُّ هَذَا بَاطِلٌ خِلَافَ مَا خَلَقَهُ اللهُ، وَخِلَافَ مَا شَرَعَهُ اللهُ»([17]).

لكن ما جواب الرافضة عما ورد في كتبهم من جهل المعصومين بالأحكام الشرعية وغيرها:

روى الطوسي «عن إسحاق بن عمار، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن المذي فقال: إن عليًّا عليه السلام كان رجلًا مذاءً واستحيا أن يسأل رسول الله صلى الله عليه وآله لمكان فاطمة عليها السلام، فأمر المقداد أن يسأله وهو جالس فسأله، فقال: له ليس بشيء»([18]).

فهذا الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه جهل حكم المذي حتى سأل رسول الله e عنه.

يقول القاضي النعماني: «عَنْ عَلِيٍّ (ع) أَنَّهُ قَالَ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللهِ (ص) أَيُّ شيء خَيْرٌ لِلْمَرْأَةِ؟ فَلَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ مِنَّا، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِفَاطِمَةَ (ع) فَقَالَتْ: مَا مِنْ شيء خَيْرٌ لِلْمَرْأَةِ مِنْ أَلَّا تَرَى رَجُلًا وَلَا يَرَاهَا، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ (ص) فَقَالَ: صَدَقَتْ إِنَّهَا بَضْعَةٌ مِنِّي»([19]).

وقد ورد فِي رواية أخرى أن عدم جوابهم ومن ضمنهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه كان بسبب عدم علمهم بالجواب.

قال الأربلي: «وروى عن علي عليه السلام قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: أخبروني أي شيء خيْر للنساء؟ فعيينا بذلك كلنا حتَّى تفرقنا، فرجعت إلى فاطمة عليها السلام فأخبرتها الذي قال لنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وليس أحد منا علمه ولا عرفه، فقالت: ولكني أعرفه، خيْر للنساء ألَّا يرين الرجال ولا يراهن الرجال»([20]).

- بل وجهل أيضًا بأن رسول الله e أخٌ لحمزة رضي الله عنه من الرضاعة، وجهل الحكم الفقهي بأنه يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب.

فقد روى الكليني «عن أبي عبيدة قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها ولا على أختها من الرضاعة، وقال: إن عليًّا عليه السلام ذكر لرسول الله صلى الله عليه وآله ابنة حمزة، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: أما علمت أنها ابنة أخي من الرضاعة؟ وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وعمه حمزة عليه السلام قد رضعا منِ امرأة»([21]).

- كما جهل الصادق حرمة قلع الحشيش بمنًى.

قال محمد تقي المجلسي: «ويمكن حمل النهي في غير الداخل على الكراهة كما يظهر مما رواه الشيخ في الصحيح، عن جميل بن دراج، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: رآني علي بن الحسين عليهما السلام وأنا أقلع الحشيش من حول الفساطيط بمنى، فقال: يا بني، إن هذا لا يقلع، وإن أمكن حمله على إرادة القطع أو يكون صغيرًا غير مكلف، وجوزنا الجهل عليهم في الصغر»([22]).

وانظر إلى رواية «الكافي»: «عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ جَمِيلِ بْنِ دَرَّاجٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ عليه السلام عَنْ قَتْلِ الْخُطَّافِ أَوْ إِيذَائِهِنَّ فِي الْحَرَمِ، فَقَالَ: لَا يُقْتَلْنَ، فَإِنِّي كُنْتُ مَعَ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عليه السلام فَرَآنِي وَأَنَا أُوذِيهِنَّ فَقَالَ لِي: يَا بُنَيَّ، لَا تَقْتُلْهُنَّ وَلَا تُؤْذِهِنَّ، فَإِنَّهُنَّ لَا يُؤْذِينَ شَيْئًا»([23]).

أليست هذه الرواية صريحة في جهل الصادق للحكم الشرعي في حرمة أذية الخطاف؟ فهل يطعن الرافضة بعلم الإمام الصادق أيضًا؟!

خامسًا: جاء في كتب الشيعة أن النبي r أعطى الجدَّة السدس، ومع ذلك هم أصروا على مخالفة النبي r وأجمعوا -إلا النادر- على خلافها.

يقول النراقي: «لا يرث الجد والجدة مع الأولاد، ذكرًا كان أم أنثى، بالإجماع في غير البنت الواحدة، فإن فيها خلافًا للإسكافي، وقد مر، وتدل عليه العمومات المتقدمة الخالية عن المخصص»([24]).

وذكر الحر العاملي بالإسناد «عن سعد بن أبي خلف قال: سألت أبا الحسن موسى عليه السلام عن بنات بنت وجد، فقال: للجد السدس والباقي لبنات البنت، ورواه الصدوق بإسناده عن الحسن بن محبوب»([25])، ومع ذلك أصر الشيعة على مخالفة النبي r.

ومخالفات الشيعة لكتاب الله في الميراث قد ذكرنا بعضها في جواب شبهة (زعمهم أن عمر بن الخطاب ابتدع الغلو في الميراث) في كتابنا (فصل الخطاب في درء الشبهات عن عمر بن الخطاب) فليراجعه من أراد الاستزادة.

 

 

 

 ([1]) سنن الدارمي، تحقيق حسين سليم أسد (4/1944) قال المحقق: «رجاله ثقات غير أنه منقطع».

 ([2]) موطأ مالك - رواية يحيى (3/732) ت الأعظمي.

 ([3]) «التلخيص الحبير» (3/186) ط العلمية.

 ([4]) «مسند أحمد» (29/500) ط الرسالة.

 ([5]) منهاج السنة النبوية، ابن تيمية (5/501 502).

 ([6]) تفسير ابن كثير (2/487).

 ([7]) إعلام الموقعين، ابن القيم (1/66).

 ([8]) تفسير البغوي (2/180) طيبة.

 ([9]) صحيح البخاري (7/116) ط السلطانية.

 ([10]) سنن أبي داود (3/120)، وصححه الألباني، في صحيح سنن أبي داوود (2/560) برقم (2512).

 ([11]) انظر: المهذب الشيرازي، المطبوع مع شرحه المجموع (17/123).

 ([12]) التعريفات، الجرجاني (1/607).

 ([13]) تفسير الطبري (4/192).

 ([14]) المبسوط، السرخسي (29/151).

 ([15]) انظر: الحاوي الكبير، الماوردي (8/92)، والمغني، ابن قدامة (8/361)، المبسوط، السرخسي (29/151)، والمهذب، الشيرازي (17/123)، والشرح الكبير، المقدسي (8/364)، تفسير القرطبي (5/55)، والمدونة (3/1044)، تفسير الطبري (4/625 - 626)، وفتح الباري، ابن حجر (8/268). وفتح القدير، الشوكاني (1/499).

 ([16]) الذخيرة، القرافي (13/63).

 ([17]) منهاج السنة النبوية، ابن تيمية (6/367).

 ([18]) تهذيب الأحكام، الطوسي (١/١٧)، قال المجلسي في (ملاذ الأخيار في فهم تهذيب الأخبار) (١/٩٦) عن الحديث: «الحديث التاسع والثلاثون: موثق».

 ([19]) دعائم الإسلام، القاضي النعمان المغربي (٢/٢١٥).

 ([20]) كشف الغمة، ابن أبي الفتح الإربلي (٢/٩٤).

 ([21]) الكافي (ج10/893)، وصحح هذه الرواية محقق كتاب «ما لا يحضره الفقيه» علي أكبر غفاري (3/411)، ومحمد تقي المجلسي في كتابه «روضة المتقين» (8/236)، ومحمد باقر المجلسي في كتابه «مرآة العقول» (20/220)، ويوسف البحراني في «الحدائق النضرة» (23/218)، والمحقق الحلي في «تذكرة الفقهاء» (2/614)، والمحقق الأصفهاني في «كشف اللثام» (2/42)، ومحمد بحر العلوم في كتابه «بلغة الفقيه» (3/122)، وناصر مكارم الشيرازي في كتابه «أنوار الفقاهة» (2/102)، والبجنوردي في «القواعد الفقهية» (4/324)، وصدر الدين العاملي في كتابه «منظومة في الرضاع» (1/100).

 ([22]) روضة المتقين، محمد تقي المجلسي (4/166).

 ([23]) الكافي، الكليني (6/224)، وقال المجلسي عن الرواية في مرآة العقول: «حسن» (21/370).

 ([24]) مستند الشيعة، النراقي (١٩/٢٤٣)، وسائل الشيعة، الحر العاملي (٢٦/١٣٦).

 ([25]) وسائل الشيعة، الحر العاملي (٢٦/١٤١).