أولًا: الرواية ساقطة الإسناد.
قال الإمام الذهبي: «وقد نقل الحاكم فقال: حدثني بكر بن محمد الصيرفي بمرو، أنا محمد بن موسى البربري، أنا المفضل بن غسان، أنا علي بن صالح، أنا موسى بن عبد الله بن حسن بن حسن، عن إبراهيم بن عمر بن عبيد الله التيمي، حدثني القاسم بن محمد قالت عائشة: جمع أبي الحديث عن رسول الله r وكانت خمسمائة حديث، فبات ليلته يتقلَّبُ كثيرًا، قالت: فغمني، فقلت: أتتقلب لشكوى أو لشيء بلغك؟ فلما أصبح قال: أي بنية، هلمي الأحاديث التي عندك، فجئته بها، فدعا بنار فحرقها، فقلت: لم أحرقتها؟ قال: خشيب أن أموت وهي عندي، فيكون فيها أحاديث عن رجل قد ائتمنته ووثقت، ولم يكن كما حدثني، فأكون قد نقلت ذاك، فهذا لا يصح، والله أعلم»([1]).
قال المعلمي: «قال أبو رية (ص23): وروى الحاكم بسنده عن عائشة قالت: جمع أبي الحديث عن رسول الله r فكانت خمسمائة حديث، فبات يتقلب... فلما أصبح قال: أي بنية هلمي الأحاديث التي عندك، فجئته بها فأحرقها، وقال: خشيت أن أموت وهي عندك، فيكون فيها أحاديث عن رجل ائتمنته ووثقت به، ولم يكن كما حدثني فأكون قد تقلدت ذلك.
زاد الأحوص بن المفضل في روايته: أو يكون قد بقى حديث لم أجده، فيقال: لو كان قاله رسول الله r ما خفي على أبي بكر.
أقول: لو صح هذا لكان حجة على ما قلناه، فلو كان النبي r نهى عن كتابة الأحاديث مطلقًا لما كتب أبو بكر، فأما الإحراق فلسبب أو سببين آخرين كما رأيت، لكن الخبر ليس بصحيح، أحال به أبو رية على تذكرة الحفاظ للذهبي وجمع الجوامع للسيوطي، ولم يذكر طعنهما فيه وهذا من تدليسه كعادته، ففي التذكرة عقِبَه: «فهذا لا يصح».
وفي كنز العمال (5/237) -وهو ترتيب جمع الجوامع ومنه أخذ أبو رية-: «قال ابن كثير: هذا غريب من هذا الوجه جدًّا، وعلي بن صالح أحد رجال سنده لا يعرف».
أقول: وفي السند غيره ممن فيه نظر، ثم وجهه ابن كثير على فرض صحته»([2]).
قال الإمام الذهبي: «محمد بن موسى بن حماد البربري معروف، قال الدارقطني: ليس بالقوي»([3]).
وقال عن موسى بن عبد الله: «موسى بن عبد الله بن حسن عن أبيه، رآه ابن معين ووثقه، له في تحريم أدبار النساء، قال البخاري فيه نظر»([4]).
وقال الإمام الذهبي: «أما قولُ البخاري: (سكتوا عنه) فظاهِرُها أنهم ما تعرَّضوا له بجَرْح ولا تعديل، وعَلِمنا مقصدَه بها بالاستقراء أنها بمعنى تركوه، وكذا عادَتُه إذا قال: (فيه نظر)، بمعنى أنه متَّهم، أو ليس بثقة، فهو عنده أسْوَأُ حالًا من (الضعيف)»([5]).
وقال الإمام ابن حجر: «قَالَ الْبُخَارِيُّ: فِيهِ نَظَرٌ، وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ يَقُولُهَا الْبُخَارِيُّ فِي مَنْ هُوَ مَتْرُوكٌ»([6]).
وعليه فالرواية باطلة من ناحية الإسناد.
ثانيًا: تنزلًا نقول: إن متن الرواية فيه دلالة على ورع الصديق من أن ينقل عن رسول الله r ما يشك في صحته، وإلا فلو تيقن من ثبوت ذلك عن رسول الله r لما فعل ذلك، وهذا هو الأصل في الحديث أنه كَذِبٌ على رسول الله r حتى تثبت الصحة، وهذا من الاحتياط الواجب لحديث رسول الله r، وهذا بخلاف ما عند الشيعة من العمل بأي شيء ينسب إلى أئمتهم، حتى ولو كان ناقلُه كذابًا.
فقد رووا عن سفيان بن السمط قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: جعلت فداك، يأتينا الرجل من قبلكم يُعرف بالكذب فيحدِّث بالحديث فنستبْشِعُهُ، فقال أبو عبد الله عليه السلام: «يقول لك: إنّي قلت الليل إنَّه نهار، والنهار إنَّه ليل؟» قلت: لا، قال: «فإن قال لك هذا إني قلته فلا تكذِّب به، فإنَّك إنَّما تكذّبني»([7]).
وعليه؛ ففي دين الشيعة يجب تصديق الكذاب، ولو كان يحدثك بما تستشنعه!
ثالثًا: لو كان هذا إنكارًا من الصديق لرواية السنة عن رسول الله r فلماذا روى لنا الصديق عن رسول الله r أحاديث كثيرة، وقد بلغ عدد أحاديثه في مسند أحمد ٨١ حديثًا، وفي كتاب مسند أبي بكر الصديق رضي الله عنه لأبي بكر أحمد بن علي بن سعيد الأمور المروزي ١٤٠ حديثًا([8])؟!
ولماذا لم يحرق الصديق تلك الأحاديث أيضًا؟ ولماذا ينقلها عن النبي r؟ ونحن نسأل الشيعة: كم هي عدد أحاديث فاطمة عن النبي r في كتبكم؟ بل كم عدد أحاديث إمام هذا الزمان -عندهم- المهدي عن رسول الله r؟!
رابعًا: ماذا يقول الشيعة عن حرق زرارة للأحاديث؟! فقد رووا عنه أنه قال: «دخلت على أبي جعفر عليه السلام فسألني: ما عندك من أحاديث الشيعة؟ قلت: إن عندي منها شيئًا كثيرًا قد هممت أن أوقد لها نارًا ثم أحرقها، قال: ولم؟ هات ما أنكرت منها، فخطر على بالي الآدميون، فقال لي ما كان على الملائكة؛ حيث قال: (أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء)([9]).
قال المجلسي معلقًا: «لعل زرارة كان ينكر أحاديث من فضائلهم لا يحتملها عقله، فنبهه عليه السلام بذكر قصة الملائكة وإنكارهم فضل آدم عليهم، وعدم بلوغهم إلى معرفة فضله على أن نفي هذه الأمور من قلة المعرفة، ولا ينبغي أن يكذب المرء بما لم يحط به علمه، بل لا بد أن يكون في مقام التسليم، فمع قصور الملائكة مع علو شأنهم عن معرفة آدم لا يبعد عجزك عن معرفة الأئمة عليهم السلام»([10]).
فهل يطعن الرافضة في زرارة بن أعين الذي أراد أن يحرق أحاديث أهل البيت الكثيرة التي عنده لمجرد أنه لم يفهمها؟ فإن قالوا: إنه هَمَّ ولم يحرقها، قلنا: ولا يصح حديث حرق الصديق رضي الله عنه لما عنده من أحاديث؛ لما ذكرنا، بل الثابت عنه نقله بالفعل لأحاديث النبي r. فتنبه.
([1]) تذكرة الحفاظ، الذهبي (1/5).
([2]) الأنوار الكاشفة، المعلمي (1/37).
([3]) المغني في الضعفاء، الذهبي (2/637).
([4]) المغني في الضعفاء، الذهبي (2/684).
([5]) الموقظة، الذهبي (ص19 – 20).
([6]) القول المسدد، ابن حجر (ص10).
([7]) مختصر بصائر الدَّرجات، الحلي (1/233) ط مؤسسة النشر الإسلامي.
([8]) راجع كتاب «مسند أبي بكر الصديق رضي الله عنه» لأبي بكر أحمد بن علي بن سعيد الأمور المروزي المتوفَّى سنة ٢٩٢، (ص٥).
([9]) بصائر الدرجات، القمي (1/256) ط مؤسسة الأعلمي، والبرهان في تفسير القرآن، هاشم البحراني (1/168).
([10]) بحار الأنوار، المجلسي (25/283) ط دار إحياء التراث.