زعمهم مخالفة الصديق أمر النبي صلي الله عليه وسلم بقتل الشيطان
الشبهة:
قالت الشيعة: إن النبيَّ r أمَرَ أبا بكر أن يقتل الشيطان فلم ينفِّذْ أمره، واستدلوا على ذلك برواية أَبي يعْلَى:
«حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكَّارٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مَعْشَرٍ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ زَيْدِ بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: ذُكِرَ رَجُلٌ لِرَسُولِ اللهِ r لَهُ نِكَايَةٌ فِي الْعَدُوِّ وَاجْتِهَادٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ r: «لَا أَعْرِفُ هَذَا»، قَالَ: بَلْ نَعْتُهُ كَذَا وَكَذَا، قَالَ: «مَا أَعْرِفُهُ»، فَبَيْنَمَا نَحْنُ كَذَلِكَ إِذْ طَلَعَ الرَّجُلُ فَقَالَ: هُوَ هَذَا يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: «مَا كُنْتُ أَعْرِفُ هَذَا، هَذَا أَوَّلُ قَرْنٍ رَأَيْتُهُ فِي أُمَّتِي، إِنَّ فِيهِ لَسَفْعَةً مِنَ الشَّيْطَانِ»، فَلَمَّا دَنَا الرَّجُلُ سَلَّمَ فَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ r: «أَنْشُدُكَ بِاللهِ هَلْ حَدَّثْتَ نَفْسَكَ حِينَ طَلَعْتَ عَلَيْنَا أَنْ لَيْسَ فِي الْقَوْمِ أَحَدٌ أَفْضَلَ مِنْكَ؟» قَالَ: اللهُمَّ نَعَمْ، قَالَ: فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ فَصَلَّى، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ r لِأَبِي بَكْرٍ: «قُمْ فَاقْتُلْهُ»، فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ فَوَجَدَهُ قَائِمًا يُصَلِّي، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ فِي نَفْسِهِ: إِنَّ لِلصَّلَاةِ حُرْمَةً وَحَقًّا، وَلَوْ أَنِّي اسْتَأْمَرْتُ رَسُولَ اللهِ r فَجَاءَ إِلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ r: «أَقَتَلْتَهُ؟»، قَالَ: لَا، رَأَيْتُهُ يُصَلِّي، وَرَأَيْتُ لِلصَّلَاةِ حُرْمَةً وَحَقًّا، وَإِنْ شِئْتَ أَنْ أَقْتُلَهُ قَتَلْتُهُ، قَالَ: «لَسْتَ بِصَاحِبِهِ، اذْهَبْ أَنْتَ يَا عُمَرُ فَاقْتُلْهُ»، فَدَخَلَ عُمَرُ الْمَسْجِدَ فَإِذَا هُوَ سَاجِدٌ فَانْتَظَرَهُ طَوِيلًا ثُمَّ قَالَ فِي نَفْسِهِ: إِنَّ لِلسُّجُودِ حَقًّا، وَلَوْ أَنِّي اسْتَأْمَرْتُ رَسُولَ اللهِ r فَقَدِ أَسْتَأْمَرَهُ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي، فَجَاءَ إِلَى النَّبِيِّ r فَقَالَ: «أَقَتَلْتَهُ؟» قَالَ: لَا، رَأَيْتُهُ سَاجِدًا، وَرَأَيْتُ لِلسُّجُودِ حَقًّا، وَإِنْ شِئْتَ أَنْ أَقْتُلَهُ قَتَلْتُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ r: «لَسْتُ بِصَاحِبِهِ، قُمْ يَا عَلِيُّ أَنْتَ صَاحِبُهُ إِنْ وَجَدْتَهُ»، فَدَخَلَ فَوَجَدَهُ قَدْ خَرَجَ مِنَ الْمَسْجِدِ، فَرَجَعَ إِلَى رَسُولِ اللهِ r فَقَالَ: «أَقَتَلْتَهُ؟» قَالَ: لَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ r: «لَوْ قُتِلَ الْيَوْمَ مَا اخْتَلَفَ رَجُلَانِ مِنْ أُمَّتِي حَتَّى يَخْرُجَ الدَّجَّالُ»» إسناده ضعيف([1]).
([1]) مسند أبي يعلى الموصلي (6/340).
الرد علي الشبهة:
أولًا: الرواية ضعيفة لا تصح؛ ففيها عبد الرحمن بن شريك بن عبد الله النخعي، الكوفي، صدوق يخطئ من العاشرة، مات سنة 227ه([1])، وفيها نجيح بن عبد الرَّحْمَن أَبُو معشر الْمَدِينِيّ، قال النسائي: «نجيح أَبُو معشر ضَعِيف، مدنِي»([2])، وقال ابن الجوزي: «نجيح بن عبد الرَّحْمَن أَبُو معشر الْمَدِينِيّ السندي مولى بني هَاشم، يروي عَن الْقرظِيّ وَنَافِع وَابْن الْمُنْكَدر وَهِشَام بن عُرْوَة، قَالَ ابْن عدي: تعرف وتنكر، وَقَالَ ابْن نمير: كَانَ يحفظ الْأَسَانِيد، وَقَالَ يحيى وَالنَّسَائِيّ والدارقطني: ضَعِيف، وَقَالَ يحيى مرَّة: لَيْسَ بِقَوي فِي الحَدِيث، وَقَالَ البُخَارِيُّ: مُنكر الحَدِيث»([3])؛ ولذلك فقد حَكَمَ بضعف الرواية محققُ الكتاب حسين سليم أسد فقال: «إسناده ضعيف»([4]).
ومن قبله ضعفها الهيثمي فقال: «رواه أبو يعلى، وفيه أبو معشر نجيح وفيه ضعف»([5])، بل إن البزار بعدما روى الرواية في مسنده قال: «لا نَعْلَمُهُ يُرْوَى عَنْ أنَسٍ بِهَذَا اللَّفْظِ إِلا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، تَفَرَّدَ بِهِ شَرِيكٌ عَنِ الأَعْمَشِ»([6]).
وقد جمع طرق الحديث وحكم بضعفها: أبو حذيفة نبيل بن منصور بن يعقوب بن سلطان البصارة الكويتي في (أنيس الساري)، فقال: «وأما حديث أنس فله عنه طرق» وساق الطرق([7]).
ثم تنزلًا نقول: لو ثبت هذا لما كان فيه شيء؛ إذ إنه قد يكون فَهِمَ من الحديث أن الأمر ليس على إطلاقه، فهذا رجل يصلي، فقد يكون أسلم ساعتها ولم يعلم به النبي r، ولذلك رجع الصديق ليتثبت من الأمر.
ثانيًا: جاء في كتب الشيعة أن عليًّا خالف أمر رسول الله r الصريح، بل إنه جاء بنفس الطريقة تمامًا كما في «تفسير القمي» عن زرارة قال: «سمعت أبا جعفر عليهما السلام يقول: لما مات إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وآله حَزِنَ عليه حزنًا شديدًا، فقالت عائشة: ما الذي يحزنك عليه؟ فما هو إلا ابن جريح، فبعث رسول الله صلى الله عليه وآله عليًّا وأمره بقتله، فذهب علي عليه السلام إليه ومعه السيف، وكان جريح القبطي في حائط، وضرب علي عليه السلام باب البستان، فأقبل إليه جريح ليفتح له الباب، فلما رأى عليًّا عليه السلام عرف في وجهه الغضب، فأدبر راجعًا ولم يفتح الباب، فوثب علِي عليه السلام على الحائط ونزل إلى البستان واتبعه، وولى جريح مدبرًا، فلما خشي أن يرهقه صَعِدَ في نخلة وصعِدَ علي عليه السلام في أثره، فلما دنا منه رمى بنفسه من فوق النخلة فبدت عورته، فإذا ليس له ما للرجال ولا ما للنساء، فانصرف علي عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وآله فقال: يا رسول الله، إذا بعثتني في الأمر أكون فيه كالمسمار المحمَّى في الوتر أم أثبت؟ قال: فقال: لا، بل أثبت، فقال: والذي بعثك بالحق ما له ما للرجال ولا ما للنساء، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: الحمد لله الذي يصرف عنا السوء أهل البيت»([8]).
فلاحظ أن الرواية فيها نفس ما نقمه الشيعة على الصديق: «فبعث رسول الله صلى الله عليه وآله عليًّا وأمَرَه بقتله»، لكن عليًّا لم يقتله باجتهاده، فإذا كان الصديق قد خالف أمر النبي r فكذلك علِيٌّ، وما كان جوابًا لكم كان جوابًا لنا، وهذه رواية أخرى فيها مخالفة علي الصريحة لرسول الله r.
وفي (أمالي الصدوق): «حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رحمه الله قال: حدثنا عمر بن سهل بن إسماعيل الدينوري قال: حدثنا زيد بن إسماعيل الصائغ قال: حدثنا معاوية بن هشام، عن سفيان، عن عبد الملك بن عمير، عن خالد بن ربعي قال: إن أمير المؤمنين عليه السلام دخل مكة في بعض حوائجه، ... قالت فاطمة عليها السلام: فخرج أبي عليه السلام في ناحية وزوجي علي في ناحية، فما لبث أن أتى أبي صلى الله عليه وآله ومعه سبعة دراهم سود هَجَرية، فقال: يا فاطمة، أين ابن عمي؟ فقلت له: خرج. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: هاك هذه الدراهم، فإذا جاء ابن عمي فقولي له يبتاع لكم بها طعامًا، فما لبث إلا يسيرًا حتى جاء علِي عليه السلام، فقال: رجع ابن عمي، فإني أجد رائحة طيبة؟ قالت: نعم، وقد دفع إليَّ شيئًا تبتاع لنا به طعامًا، قال علِي عليه السلام: هاتيه، فدفعت إليه سبعة دراهم سود هَجَرية، فقال: بسم الله والحمد لله كثيرًا طيبًا، وهذا من رزق الله عز وجل.
ثم قال: يا حسن، قم معي، فأَتَيَا السوق، فإذا هما برجل واقف وهو يقول: من يقرض الملي الوفي؟ قال: يا بني، تعطيه؟ قال: إي والله يا أبه، فأعطاه علِي عليه السلام الدراهمَ، فقال الحسن: يا أبتاه، أُعطيه الدراهم كلَّها؟ قال: نعم يا بني، إن الذي يعطي القليل قادر على أن يعطي الكثير. قال: فمضَى علِي عليه السلام بابَ رجل يستقرض منه شيئًا، فلقيه أعرابي ومعه ناقة، فقال: يا علي، اشتر مني هذه الناقة. قال: ليس معي ثمنُها. قال: فإني أنظرك به إلى القبض. قال: بكم، يا أعرابي؟ قال: بمائة درهم. قال علي عليه السلام: خذها يا حسن، فأخذها، فمضى علي عليه السلام، فلقيه أعرابي آخر، المثال واحد والثياب مختلفة، فقال: يا علي، تبيع الناقة؟ قال علي عليه السلام: وما تصنع بها؟ قال: أغزو عليها أول غزوة يغزوها ابن عمك. قال: إن قبلتها فهي لك بلا ثمن. قال: معي ثمنها، وبالثمن أشتريها، فبكم اشتريتها؟ قال: بمائة درهم. قال الأعرابي: فلك سبعون ومائة درهم. قال علي عليه السلام: خذ السبعين والمائة وسلم الناقة، المائة للأعرابي الذي باعنا الناقة، والسبعون لنا نبتاع بها شيئًا، فأخذ الحسن عليه السلام الدراهم، وسلم الناقة، قال علي عليه السلام: فمضيت أطلب الأعرابي الذي ابتعت منه الناقة لأعطيه ثمنها، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وآله جالسًا في مكان لم أَرَهُ فيه قبل ذلك ولا بعده على قارعة الطريق، فلما نظر النبي صلى الله عليه وآله إليَّ تبسم ضاحكًا حتى بدت نواجذه، قال علي عليه السلام: أضحك اللهُ سنك وبشرك بيومك. فقال: يا أبا الحسن، إنك تطلب الأعرابي الذي باعك الناقة لتوفيه الثمن؟ فقلت: إي والله، فداك أبي وأمي. فقال: يا أبا الحسن، الذي باعك الناقة جبرئيل، والذي اشتراها منك ميكائيل، والناقة من نوق الجنة، والدرهم من عند رب العالمين عز وجل، فأنفقها في خير، ولا تخف إقتارًا»([9]).
فهذا علي يأمره النبي r أن يشتري طعامًا بالسبعة دراهم فيخالف أمر النبي r الصريح باجتهاده.
ومهما يَكُ من شيء؛ فرواية قتل الشيطان ضعيفة، وإن صحت جدلًا فما يعتذر به لعلي رضي الله عنه لدى الشيعة في هذه المخالفة يعتذر به للصديق رضي الله عنه وعن صحابة النبي أجمعين.
([2]) الضعفاء والمتروكون، النسائي (ص101).
([3]) الضعفاء والمتروكون، ابن الجوزي (3/157).
([4]) مسند أبي يعلى، ت حسين أسد (6/341).
([5]) مجمع الزوائد، الهيثمي (٧/٢٥٨).
([6]) كشف الأستار عن زوائد البزار (2/361).
([7]) أنيس الساري تخريج أحاديث فتح الباري (1/473 - 475).
([8]) تفسير القمي (٢/99 - 100).
([9]) الأمالي، الصدوق (1/553 - 556).