زعمهم أن النبي صلي الله عليه وسلم رفض تزويج فاطمة للصديق أو الفاروق طعنًا في دينهما.

الشبهة:

من مطاعن الشيعة في الصديق والفاروق رضي الله عنهما قولهم بأن النبي r رفض تزويج فاطمة لهما لما خطباها؛ لعدم رضا دينهما، ذلك أنه هو من قال: «إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه، فزوجوه»([1]).

روى ابن حبان بسنده «عن ابن بريدة، عن أبيه قال: خطب أبو بكرٍ وعمر فاطمة، فقال رسول الله r: «إنّها صغيرةٌ»، فخطبها عليٌ فزوّجها منه»([2]).

 

 ([1]) «سنن الترمذي» (3/387) ت شاكر، المعجم الأوسط، الطبراني (7/131)، السنن الكبرى، البيهقي (7/132) ط العلمية.

 ([2]) صحيح ابن حبان، وصححه الألباني في «المشكاة» (6095)، و«التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان» (10/82).

الرد علي الشبهة:

أولًا: إن هذا الحديث يثبت أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما كانا دائمًا أسبق الناس إلى الفضائل، وقد سبقا عليًّا رضي الله عنه في تلك الفضيلة، ولا شك أن المسارعة في مصاهرة النبي r، من أوسع أبواب الخير للعبد،

كما هو معلوم.

ثانيًا: إن الحديث المذكور واضح، ولا يحتاج إلى تأويل أو اجتهاد لتفسيره وفهمه، فالنبي r يرد برفق، مبررًا هذا الرفض بأنها صغيرة، فذكر سببًا واحدًا لعدم الموافقة، وهذا السبب يتعلق بفاطمة وعمرها، ولم يذكر شيئًا يتعلق بأبي بكر وعمر، وليس في كلامه تكفير لهما، أو انتقاصٌ من إيمانهما، أو تعنيفٌ لهما، ومن ثمَّ فمن أوجد سببًا آخر فقد استدرك على النبي r، واتهمه بكتمان الحق.

ثالثًا: لا يجب على كل امرأة، أو على وليها، أن يقبلا خطبة أي امرئ مؤمن لها، ولذلك فإن النبي r -نفسه- لما أراد أن يخطب أم هانئ تعللت بأولادها.

روى الكليني بسنده «عن أبي بصيرٍ، عن أحدهما عليهما السلام قال: خطب النَّبي r أمّ هانئٍ بنت أبي طالبٍ، فقالت: يا رسول الله، إنّي مصابةٌ في حجري أيتامٌ، ولا يصلح لك إلَّا امرأةٌ فارغةٌ، فقال رسول الله r: ما ركب الإبل مثل نساء قريشٍ أحناه على ولدٍ، ولا أرعى على زوجٍ في ذات يديه»([1]).

فها هي أم هانئ، ترفض أن تتزوج النبي r، فهل يقول عاقل: إنها رفضته لدينه؟!

رابعًا: إن تعليل الرفض بالصغر فحسب، دون ذكر أي شيء آخر، يعتبر شهادة ضمنية بأن الخاطب يتحلى بجميع الصفات الحميدة، وعلى رأسها الدين.

والدليل على ذلك: ما نقله محسن الأمين في «أعيان الشيعة عن الاستيعاب»: «أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب، ولدت قبل وفاة رسول الله r، أمها فاطمة الزهراء بنت رسول الله r، خطبها عمر بن الخطَّاب إلى علي بن أبي طالب، فقال: إنها صغيرة. فقال له: زوجنيها يا أبا الحسن، فإني أرصد من كرامتها ما لا يرصده أحد، فقال له علي: أنا أبعثها إليك، فإن رضيتها فقد زوجتكها، فبعثها إليه ببرد، وقال لها: قولي له: هذا البرد الذي قلت لك، فقالت: ذلك لعمر...»([2]).

فهنا قال علِي لعمر: إن أم كلثوم صغيرة، ثم زوجها له بعدما ذكر له أنه يريد النسب الشريف لا أكثر...، وقد أثبت هذا الزواج أكثر علماء الشيعة، ولم ينكره إلا جاهل معاند، كما قال المرتضى في «الرسائل»([3]).

وهذا دليلٌ على أن عليًّا لما قال: إنها صغيرة، كان عمر مستكملًا لجميع صفات الزوج الصالح، ولم يبق مانعٌ يحول دون إنكاحه أم كلثوم إلا صغر سنها، ولذلك زوجها له بعد ذلك.

خامسًا: إذا كان الزواج من فاطمة رضي الله عنها فضيلةً؛ كونها ابنة الرسول r، وهو كذلك، فيكون فضل من تزوج ابنتيه -عثمان بن عفان- مضاعفًا، وإيمانه كذلك، بل ومن بابٍ أولى من تزوجها رسول الله r كذلك، وكم في هذه الحجة من الإلزامات للشيعة الإمامية الذين يكفرون أزواج النبي r ويطعنون فيهن!

سادسًا: إن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما كانا هما السبب في زواج علِي من فاطمة رضي الله عنها، فهما من دفعاه إلى هذا الزواج المبارك، كما جاء في كتب الشيعة.

روى الطوسي بسنده: «عن الضحاك بن مزاحم قال: سمعت علي بن أبي طالب عليه السلام يقول: أتاني أبو بكر وعمر فقالا: لو أتيت رسول الله r فذكرت له فاطمة، قال: فأتيته، فلما رآني رسول الله r ضحك، ثم قال: ما جاء بك يا أبا الحسن؟ وما حاجتك؟ قال: فذكرت له قرابتي وقدمي في الإسلام، ونصرتي له وجهادي، فقال: يا علي، صدقت، فأنت أفضل مما تذكر. فقلت: يا رسول الله، فاطمة زوجنيها...؟»([4]).

ومن ثمَّ، فقد كان عليٌ غافلًا عن ذلك الفضل حتى نبهاه على تلك الفضيلة رضي الله عنهم أجمعين.

سابعًا: ما جاء في كتب الشيعة أن عليًّا رضي الله عنه دعا الناس إلى رفض الحسن إذا تقدم لبناتهم، فقال وهو على المنبر: «لا تزوجوا الحسن، فإنه رجل مطلاق»([5]).

فهل إذا خطب الحسن، فرفض الشيعة خطبته؛ امتثالًا لأمر علي بن أبي طالب رضي الله عنه يكون هذا طعنًا في الحسن؟! نبئوني بعلم إن كنتم صادقين.

 

 

 

 ([1]) «الكافي»، الكليني (5/327).

 ([2]) أعيان الشيعة (٣/٤٨٦).

 ([3]) «الرسائل» (3/150).

 ([4]) الأمالي، الطوسي (1/39)، «بشارة المصطفى صلى الله عليه وآله لشيعة المرتضى عليه السلام»، الطبري (1/401).

 ([5]) «الكافي» (6/56)، وقال المجلسي في «مرآة العقول»: «موثق» (21/96)، وقال البحراني في «الحدائق الناضرة»: «موثق» (25/148).