الكلبي رافضي وليس من أهل السنة، والرافضة أكذب الخلق على الإطلاق، يقول النجاشي معترفًا بتَرَفُّضِ ابن الكلبي ما نصه: «... بن كلب بن وبرة، أبو المنذر، الناسب، العالم بالأيام، المشهور بالفضل والعلم، وكان يختص بمذهبنا»([1]).
وأما حال ابن الكلبي عند أهل السنة:
فقال ابن حبان: «هِشَام بن مُحَمَّد بن السَّائِب أَبُو الْمُنْذر الْكَلْبِي من أهل الْكُوفَة، يروي عَن أَبِيه ومعروف مولى سُلَيْمَان والعراقيين الْعَجَائِبَ وَالْأَخْبَارَ الَّتِي لَا أصُول لَهَا..، وكَانَ غاليًا فِي التَّشَيُّع، أخباره فِي الأغلوطات أشهر من أَن يحْتَاج إِلَى الإغراق فِي وصفهَا»([2]).
وقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: «إِنَّمَا كَانَ صَاحِبَ سَمَرٍ وَنَسَبٍ، مَا ظَنَنْتُ أَنَّ أَحَدًا يُحَدِّثُ عَنْه، وقال الدارقطني وغيره: متروكُ الحَدِيث، وَقَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ: رَافِضِيٌّ لَيْسَ بِثِقَةٍ»([3]).
وبذلك يظهر لك أن ابن الكلبي هذا ما هو إلا رافضي كذاب، ونعمة الله الجزائري كذلك كذاب في ادعائه أنه من علماء أهل السنة، وكذب الرافضة معلوم مشهور مشهود لهم به، قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة V: «وَقَدِ اتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالنَّقْلِ وَالرِّوَايَةِ وَالْإِسْنَادِ عَلَى أَنَّ الرَّافِضَةَ أَكْذَبُ الطَّوَائِفِ، وَالْكَذِبُ فِيهِمْ قَدِيمٌ، وَلِهَذَا كَانَ أَئِمَّةُ الْإِسْلَامِ يَعْلَمُونَ امْتِيَازَهُمْ بِكَثْرَةِ الْكَذِبِ»([4]).
ولئن كان قول الكلبي معتبرًا عند الشيعة الإمامية، فيلزمهم قبول طعنه في نسب النبي ق؛ إذ اتهم جده كنانة بن خزيمة بالزنا([5])، وكذلك طال طعنه أهل بيت النبوة، فاتهم العباس بن عبد المطلب في هند([6])، كما اتهم أبا طالب في أَمَةٍ أنجبت له ولدًا من الزنا يُقال له: طليق([7])، وكذا طال طعنه الصحابة المنتجبين عند الرافضة، فأدرج عمار بن ياسر في جملة أبناء الزنا([8]).
فلئن كان طعن ذلك الرويفضي عند الرافضة حجة في شيء، فقوله يكون حجة في كل شيء، وهذا يلزمهم وحدهم؛ إذ هو على ملتهم، ولا يلزم أهل السنة والجماعة في شيء آنذاك.
معلوم ثابت أن عثمان بن عفان ا يلتقي في النسب مع النبي ق في الجد الثالث «عبد مناف»، وأمه «أم أروى» هي بنت عمة النبي ق «أم حكيم البيضاء بنت عبد المطلب»، وجدة جدته لأمه «فاطمة بنت عمرو» هي جدة رسول الله ق.
فقد أخرج الطبراني عن مصعب بن عبد الله الزبيري قال: «عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب ابن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر، يكنى أبا عمرو، ويقال: أبا عبد الله، وأم عثمان بن عفان: أروى بنت كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس، وأم أروى: أم حكيم البيضاء بنت عبد المطلب عمة رسول الله ق، وأم أم حكيم: فاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم، وهي جدة رسول الله ق من أبيه»([9]).
فالبيضاءُ هي عمة النبي ق، ويقال: إنها توأم عبد الله والد النبي ق، وقد تزوجت من كريز بن ربيعة بن حبيب العبشمي، وابنتُها أروى بنت كُريز هي أم عثمان بن عفان، فهذا كله يدلك على شرف نسب عثمان ا، وأنه من قبلية لا تصاهر إلا الكبار من أمثالها.
وقد أشار ابن عمر إلى رفعة نسب عثمان ا وعزته ومكانته بين أهل مكة وبطونها فقال: «وَأَمَّا تَغَيُّبُهُ عَنْ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ، فَلَوْ كَانَ أَحَدٌ أَعَزَّ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ عُثْمَانَ لَبَعَثَهُ مَكَانَهُ»([10]).
أما في كتب الشيعة فقد نص علي بن أبي طالب ا على شرف نسبه، ففي نهج البلاغة أنه قال لعثمان: «وأَنْتَ أَقْرَبُ إِلَى أَبِي رَسُولِ الله (ص) وَشِيجَةَ رَحِمٍ مِنْهُمَا، وقَدْ نِلْتَ مِنْ صِهْرِه مَا لَمْ يَنَالَا»([11]).
فإذا كانت البيضاء –عمة النبي ق- قد زوجت ابنتها من رجل بالصفات التي ذكرها الكلبي فهو طعن بعمة النبي ق بالأولى، وهذا ليس بغريب على الشيعة!
ولو كان عثمان ا كما زعم الكلبي لما أرسله رسول الله ق سفيرًا؛ ليُعلِم قريشًا أن النبي ق إنما جاء معتمرًا لا مقاتلًا، فكان عثمان ا أوَّلَ سفير إلى كفار قريش في الإسلام، وكفى بها منقبةً.
ولم يكن عفانُ على الصفة المذكورة كذبًا وزورًا في كلام الرافضي ابن الكلبي، بل كان تاجرًا كريمًا مات في رحلة تجارية، كما ذكر ذلك ابن قتيبة بقوله: «كان عفان خرج في تجارة إلى الشام فمات هناك، ويقال: إنه قتل بالغميصاء مع الفاكه بن المغيرة، وولد عفان عثمان، وآمنة، وأرنب. أمهم: أروى بنت كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس، وأمها: البيضاء بنت عبد المطلب، فأم عثمان بنت عمة رسول الله ق»([12]).
ولو سلَّمنا جدلًا بصحة كل ما ذكره ذلك الكلبي الرويفضي، فإن الإسلام قد محا كل ما كان قبله من أفعال الجاهلية، وهدم تلك العصبيات الجاهلية؛ إذ جعل المفاخرة بالأحساب والطعن في الأنساب منها، فقال النبي ق لِأَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ: «أَرْبَعٌ فِي أُمَّتِي مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ لَا يَتْرُكُونَهُنَّ: الْفَخْرُ فِي الْأَحْسَابِ، وَالطَّعْنُ فِي الْأَنْسَابِ، وَالِاسْتِسْقَاءُ بِالنُّجُومِ، وَالنِّيَاحَةُ»([13]).
وفي الصحيحينِ عَنِ الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ قَالَ: «لَقِيتُ أَبَا ذَرٍّ بِالرَّبَذَةِ، وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ، وَعَلَى غُلَامِهِ حُلَّةٌ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: إِنِّي سَابَبْتُ رَجُلًا فَعَيَّرْتُهُ بِأُمِّهِ، فَقَالَ لِيَ النَّبِيُّ ق: «يَا أَبَا ذَرٍّ، أَعَيَّرْتَهُ بِأُمِّهِ؟ إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ»،...»([14]).
وحتى الرافضة أنفسهم قد جعلوا هذا الفعل من الأمور المذمومة، فقال ابن أبي الحديد: «قال شيخنا أبو عثمان في كتاب (مفاخرات قريش): لا خير في ذكر العيوب إلا من ضرورةٍ، ولا نجد كتاب مثالب قط إلا لدعِي أو شعوبي، ولسْتُ واجده لصحيح النسب ولا لقليل الحسد، وربما كانت حكاية الفحش أفحش من الفحش، ونقل الكذب أقبح من الكذب»([15]).
وقال أيضًا: «ولو تأملت أحوال الناس لوجدت أكثرهم عيوبًا أشدهم تعييبًا»([16]).
إذًا فلتهنأ الرافضةُ بالجاهلية التي تغمرهم، وليترفع أهل الإسلام عن دناءتها ودناءتهم.
([1]) رجال النجاشي، النجاشي أبو العباس (1/434).
([2]) المجروحين، ابن حبان (3/91).
([3]) سير أعلام النبلاء، الذهبي (8/281) ط الحديث، وانظر: الضعفاء والمتروكين، ابن الجوزي (3176).
([4]) منهاج السنة النبوية، ابن تيمية (1/59).
([5]) ذكر ابن الكلبي الشيعي تحت باب «نكاح المقت» قائلًا: «كانت برة بنت مرِّ بن أد أخت تميم بن مرِّ تحت خزيمة بن مدركة، فولدت له أسد بن خزيمة، ثم هلك عنها، فخلف عليها ابنه كنانة بن خزيمة نكاح المقت، فولدت له ولده كلهم إلَّا عبدَ مناف بن كنانة، فإنه لغير برة لكنانة النضر ومالك وملكان وسعد وعامر». مثالب العرب، الكلبي (ص١٥٣)، ونكاح المقت: نكاح جاهلي حرّمه الإسلام بقوله تعالى: [ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ] {النساء:22}، فهذا جد النبي ق كنانة بن خزيمة نكح نكاحًا يُعد في الإسلام زِنًا على كلام ابن الكلبي الرافضي، فهل تلتزم الشيعة بكلام صاحبهم ابن الكلبي في نسب النبي ق؟!
([6]) ذكر تحت عنوان «نكاح الجاهلية» فقال: «وكان معاوية يقال: إنَّه من العباس بن عبد المطلب؛ إذ كان يتهم بهند، وكان نديم أبي سفيان بن حرب، فقال: إنَّه نادمه لمكانها». مثالب العرب (ص١٥٨).
([7]) قال: «وأخبرني أبي قال: كان لوهب بن عمرو بن عائد بن عمران بن مخزوم إماء، فوقع على إحداهن ذباب بن عبد الله بن عامر بن الحرث بن حارث بن سعد بن تيم، فولدت له الحويرث، فوهبه أبو لهب لأبيه، ثم وقع عليها أبو طالب وبعض ولد الحضرمي، فولدت له طليقًا، فاختصما فيه، فقال أبو طالب:
هبني كذباب وهبت له ابنه
|
\
|
وإني بخير من نداك حقيق
|
أعوذ بثوب المرء عمرو بن عائذ
|
\
|
أبي وأبيكم أن يباع طليقُ
|
فوهبهُ أبو لهب لأبي طالب». مثالب العرب (ص١٨٧).
([8]) المثالب (ص١٩٢ - ١٩٣).
([9]) المعجم الكبير، الطبراني (1/74).
([10]) صحيح البخاري (1/15).
([11]) نهج البلاغة (ص٢٣٤) ت صبحي الصالح.
([13]) صحيح مسلم (2/644).
([14]) صحيح البخاري (1/15)، صحيح مسلم (3/1282).
([15]) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد (11/68).
([16]) شرح نهج البلاغة (11/70).