- حديث أبي سعيد الخدري مرفوعًا: «إِذَا رَأَيْتُمْ مُعَاوِيَةَ عَلَى مِنْبَرِي فَاقْتُلُوهُ» باطلٌ لا يصح له طريق([1]).
- رواه ابن عدي في الكامل([2]) وابن الجوزي في الموضوعات([3]) بلفظ: «فارجموه»، وابن عساكر([4]) كلهم من طريق مجالد بن سعيد عن أبي الوداك عن أبي سعيد الخدري به.
- ورواه ابن عدي في الكامل([5])، والبلاذري في الأنساب([6])، وابن الجوزي في الموضوعات([7])، وابن عساكر في تاريخه([8])، كلُّهم من طريق علي بن زيد بن جدعان، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري.
- رواه ابن عدي في الكامل([9])، وابن حبان في المجروحين([10])، وابن الجوزي في الموضوعات([11])، كلُّهم من طريق عباد بن يعقوب الرواجني، عن الحكم بن ظهير، عن عاصم، عن زر، عن ابن مسعود مرفوعًا به.
- حديث سهل بن حنيف عن أبيه مرفوعًا.
- رواه ابن عدي في الكامل بسنده عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف، عن أبيه مرفوعًا: «إذا رأيتم فلانًا على المنبر فاقتلوه»([12]).
- حديث جابر بن عبد الله مرفوعًا.
- رواه ابن عدي في الكامل([13]) بسنده عن جعفر بن محمد، عن أبيه عن جابر مرفوعًا: «إذا رأيتم على منبري فاقتلوه، يعني فلانًا».
- عن جماعة من أهل بدر مرفوعًا.
- رواه ابن عدي في الكامل([14]) بسنده، عن سليمان بن بلال، عن جعفر، عن جماعة من أهل بدر عن النبي ق.
- رواه ابن عدي في الكامل([15])، والعقيلي في الضعفاء([16])، والخطيب في تاريخه([17])، وابن الجوزي في الموضوعات([18])، وابن عساكر في تاريخه([19])، كلُّهم من طريق سليمان بن حرب، عن حماد بن زيد قال: «قيل لأيوب: إن عمرو بن عبيد يروي عن الحسن أن رسول الله ق قال: إِذَا رَأَيْتُمْ مُعَاوِيَةَ عَلَى مِنْبَرِي فَاقْتُلُوهُ، فَقَالَ: كَذَبَ عَمْرٌو»([20]).
قال البخاري: «كان يحيى القطان يضعفه، وكان ابن مهدي لا يروي عنه»([21])، وقال الجُوزَجَاني: «يضعف حديثه»([22]).
وقال أحمد: «ليس بشيء»، وفي رواية: «كذا وكذا وحرَّك يده، ولكنه يزيد في الإسناد»، وفي رواية -مجالد عن الشعبي وغيره- قال: «ضعيف كم من أعجوبة لمجالد»، وقال يحيى: «كان ضعيفًا» وقال: «لا أحتج بحديثه»، وقال النسائي: «كوفي ضعيف»([23])، وقال ابن عدي: «وعامة ما يرويه غير محفوظ»([24]).
قال أحمد: «ليس بشيء»، وقال يحيى بن معين: «ليس بذاك القوي»([25])، وفي رواية: «ليس بذاك»، وفي رواية الدوري: «ليس بحجة»([26]).
وقال الجوزجاني: «واهي الحديث ضعيف، لا يُحتج به»([27]).
وقال أبو حاتم: «ليس بالقوي، يكتب حديثه، ولا يُحتج به، وكان يتشيع»([28]).
وقال ابن خزيمة: «لا أحتج به لسوء حفظه».
وقال ابن سعد: «كان كثير الحديث، وفيه ضعف، ولا يحتج به»([29]).
وقال أبو زرعة: «ليس بالقوي».
وقال الترمذي: «صدوق، إلا أنه ربما يوضع الشيء الذي يوقفه غيره»([30]).
وقال الدارقطني: «لا يزال عندي فيه لين»([31]).
قال ابن عدي: «كان يغالي في التشيع، ومع ضعفه يكتب حديثه، وقال حماد بن زيد: يقلب الأحاديث»([32]) وضعفه النسائي وابن عيينة([33]).
وقال ابن حبان: «كان يخطئ، وكثر ذلك فاستحق الترك»([34]).
وقد توبع علي بن زيد بن جدعان من عبد الملك بن أبي نضرة عن أبيه به([35]).
إلا أنها متابعة ساقطة؛ إذ في سندها شيخ ابن حبان أحمد بن محمد بن بشر بن فضالة، وأبو بشر الفقيه، قال ابن حبان فيه: «كان ممن يضع المتون للآثار، ويقلب الأسانيد للأخبار، حتى غلب قلبه أخبار الثقات، وروايته عن الأثبات بالطامات على مستقيم حديثه، فاستحق الترك»، ثم ساق له ابن حبان أحاديث هذا منها، ثم قال: «وهذه الأحاديث التي ذكرناها أكثرها مقلوبة ومعمولة، مِمَّا عملت يداه»([36]).
* الإسناد الثالث: فيه سنده الحكم بن ظهير الفزاري الكوفي.
قال ابن حبان: «روى عنه الكوفيون، كان يشتم أصحاب محمد ق، يروي عن الثقات الأشياء الموضوعات، وهو الذي يروي عن عاصم عن زر ...» فذكر الحديث([37]).
قال يحيى بن معين: «ليس بشيء»، وقال مرة: «كذاب»، وقال النسائي: «متروك الحديث كوفي»([38]).
وقال البخاري: «منكر الحديث»([39]).
وقال الجوزجاني: «ساقط»([40]).
وقال ابن عدي: «عامة أحاديثه غير محفوظة»([41]).
وقد تابع الحكم بن ظهير شريك بن عبد الله القاضي([42]).
وشريك بن عبد الله القاضي أبو عبد الله الكوفي ضعيف فيما حدَّث به من حفظه بعد توليه القضاء.
قال ابن حبان: «وكان في آخر أمره يخطئ فيما روى، تغير عليه حفظه، فسماع المتقدمين عنه الذين سمعوا مِنْهُ بواسطة ليس فيه تخليط مثل يزيد بن هارون، وإسحاق الأزرق، وسماع المتأخرين عَنهُ بالكوفة فيه أوهام كثيرة»([43]).
وقال ابن عدي: «الغالب على حديثه الصحة والاستواء، والذي يقع في حديثه من النكرة إنما أُتي فيه من سوء حفظه، لا أنه يتعمد شيئًا مما يستحق أن ينسب فيه إلى شيء من الضعف»([44]).
* الإسناد الرابع: تفرد به علي بن سعيد وفيه سلمة بن الفضل.
فقد أشار ابن عدي إلى نكارته([45]) بقوله: «وهذا بهذا لم أكتبه إلا عن علي بن سعيد»([46]).
وفيه سلمة بن الفضل أبو عبد الله الأبرش، وهو ضعيف الحديث، له مناكير وغرائب، وما رواه عن محمد بن إسحاق في المغازي فقط أقوى من غيره، وإن كان حديثه ضعيفًا مطلقًا، قال البخاري: «عنده مناكير»، وهَّنه علي ابن المديني([47])، وقال علي: «ما خرجنا من الري حتى رَمينا بحديثه»([48]).
وقال أبو حاتم: «محله الصدق وفي حديثه إنكار، يُكتب حديثه ولا يحتج به»([49]).
وضعَّفه النسائي وإسحاق بن راهُويه([50]) وقال الحاكم: «ليس بالقوي عندهم»، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال: «يخطئ ويخالف»([51]).
ووثقه ابن معين وأبو داود وابن سعد، قال ابن عدي في ترجمة سلمة بن الفضل: «وعنده سوى المغازي عن ابن إسحاق وغيره إفرادات وغرائب، ولم أجد في حديثه حديثًا قد جاوز فيه الحد في الإنكار، وأحاديثه مقاربة ومحتملة»([52]).
وكذلك فيه عنعنة محمد بن إسحاق بن يسار المطلبي، فقد وُصِف V بالتدليس، فإذا عنعن فإنه يُتأنى في خبره لا سيما إذا كانت روايته في غير المغازي، فإذا ثبت تدليسه رُدَّ خبرُه، ونكارة الخبر قرينة على ثبوت تدليسه([53]).
* الإسناد الخامس: فيه سفيان بن محمد الفزاري المِصّيصي.
قال ابن عدي: «يسرق الحديث ويسوي الأسانيد»، ثم ذكر له هذا الحديث([54])، ثم قال: «سواه سفيان الفزاري هذا، فقال: عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر، ورواه عن منصور بن سلمة عن سليمان بن بلال، وسليمان ثقة، ومنصور لا بأس به، وإنما يروي جعفر بن محمد عن جماعة من أهل بدر عن النبي ق، ولسفيان بن محمد غير ما ذكرت من الأحاديث ما لم يتابعه الثقات عليه، وفي أحاديثه موضوعات وسرقات يسرقها من قوم ثقات، وفي أسانيده ما يرويه تبديل قوم بدل قوم واتصال مراسيل -في الأصل (الأسانيد) وهو خطأ!- وهو بَيِّن الضعف»([55]).
وهو وإن كان من رجال البخاري إلا أنه ضعيف الحديث، قال أحمد: «له مناكير»([56])، وقال ابن سعد: «منكر الحديث، في التشيع مفرطٌ»([57])، وقال أبو حاتم: «يُكتب حديثه ولا يُحتج به»([58])، وقال أبو داود: «صدوق لكنه يتشيع»([59])، وقال يحيى بن معين وابن عدي: «لا بأس به»([60]) ووثقه العجلي وابن حبان([61]).
* الإسناد السابع: رواية الحسن فيها المجاهيل والضعفاء
وهذا الطريق فيه عدة علل:
- فهو مروي بصيغة التمريض، رواه ابن عدي([62])، والعقيلي([63])، والخطيب([64])، وابن الجوزي([65])، وابن عساكر([66])، وفيه: «قيل لأيوب: إن عمرو بن عبيد يروي عن الحسن»، ولا يُعرفُ مَن القائل! وقال أيوب السختياني عن هذا الحديث: «كذب»([67]).
- في إسناده عمرو بن عبيد، وأبو عثمان البصري.
قال أيوب ويونس بن عبيد: «كان عمرو بن عبيد يكذب في الحديث»،
وقال الدارقطني: «ضعيف»، وقال ابن معين: «ليس بشيء»([68]).
وقال النسائي: «متروك الحديث»([69]).
وقال ابن حبان: «كان داعية إلى الاعتزال، ويشتم أصحاب رسول الله ق، ويكذب مع ذلك في الحديث توهمًا لا تعمدًا»([70]).
وقال ابن عدي: «مذموم ضعيف الحديث جدًّا، معلن بالبدع»([71]).
فعمرو بن عبيد كذاب، لا سيما فيما رواه عن الحسن، نص على هذا حميد الطويل وأيوب السختياني وابن عون، فالحديث لم يثبت إسناده، ولو ثبت فهو من مراسيل الحسن، ومراسيل الحسن ليست بشيء.
قال عبد الله بن أحمد: «وسألت أبي أن يحدثني بحديث عمرو بن عبيد قال: أعرفها، فأملى علي، عن سهل بن يوسف عن عمرو بن عبيد عن الحسن فقال: اتركه؛ كذب على الحسن.
أخبرني عبيد الله بن حنبل: حدثني أبي: سمع أبا عبد الله يقول: كان عمرو ابن عبيد يحدث الناس: «قولَ الحسن»، فيُكتب عنه: «قال الحسن»، وإنما يعني نفسه، وكان عمرو بن عبيد يُتَّهم بالكذب، وكان يغلو في رأيه»([72]).
فتبين أن هذا الحديث باطل متنًا وسندًا، وقد نص جمع من أهل العلم على بطلانه:
قال البخاري V: «وروى حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن أبي نضرة أن معاوية لما خطب على المنبر، فقام رجل فقال ورفعه: إِذا رَأَيْتُمُوهُ على الْمِنْبَر فَاقْتُلُوهُ.
وقال آخر: اكتبوا إلى عمر، فكتبوا، فإذا عمر قد قُتل، وهذا مرسل؛ لم يشهد أبو نضرة تلك الأيام.
وقال عبد الرزاق عن ابن عيينة عن علي بن زيد عن أبي سعيد رفعه، وهذا مدخول لم يثبت.
ورواه مجالد عن أبي الوداك عن أبي سعيد رفعه، وهذا واهٍ؛ قال أحمد: أحاديث مجالد كلها حلم. وقال يحيى بن سعيد: لو شئت لجعلها كلها عن الشعبي عن مسروق عن عبد الله، ويروى عن معمر عن ابن طاووس عن أبيه عن رجل عن عبد الله بن عمرو رفعه في قصته، وهذا منقطع لا يعتمد عليه.
وروى الأعمش عن سالم عن ثوبان رفعه في قصته، وسالم لم يسمع من ثوبان، والأعمش لا يُدرى سمع هذا من سالم أم لا.
قال أبو بكر بن عياش عن الأعمش أنه قال: نستغفر الله من أشياء كنا نرويها على وجه التعجب، اتخذوها دينًا، وقد أدرك أصحاب النبي ق معاوية أميرًا في زمان عمر وبعد ذلك عشر سنين فلم يقم إليه أحد فيقتله.
وهذا مما يدل على أن هذه الأحاديث ليس لها أصول، ولا يثبت عن النبي ق خبره على هذا النحو في أحد أصحابه ق، إنما يقوله أهل الضعف بعضهم في بعض، إلا ما يذكر أنهم ذكروا في الجاهلية ثم أسلموا، فمحا الإسلام ما كان قبله»([73]).
قال أبو جعفر العقيلي بعد أن ذكر عدة أحاديث منها هذا الحديث: «ولا يصح عن النبي عليه الصلاة والسلام في هذه المتون من وجه يثبت»([74]).
قال ابن حبان في ترجمة أحمد بن محمد بن بشر بن فضالة بعد أن ذكر له أحاديث هذا منها: «وهذه الأحاديث التي ذكرناها أكثرها مقلوبة ومعمولة، مِمَّا عملت يداه»([75]).
قال الحافظ ابن حجر: «أنكر ما روى ما حدث به حماد بن سلمة عنه عن أبي نضرة عن أبي سعيد رفعه إذا رأيتم ... الخبر»([76]).
وحكم ابن الجوزي ببطلانه في موضوعاته، وعدَّه مما وُضع وضعًا لذم أمير المؤمنين معاوية ا([77])، وأعل ابن عساكر كل أسانيدها([78])، وعدَّه شيخ الإسلام ابن تيمية من المكذوبات([79])، وكذا الذهبي([80])، وابن كثير([81])، وابن عدي([82])، وابن حجر الهيتمي([83])، والشوكاني([84])، والسيوطي([85])، وابن عراق الكناني([86]).
وقال الجوزقاني: «هذا حديث موضوع باطل لا أصل له في الأحاديث، وليس هذا إلا مِن فِعل المبتدعة الوضَّاعين، خذلهم الله في الدارين، ومن اعتقد هذا وأمثاله أو خطر بباله أن هذا جرى على لسان رسول الله ق فهو زنديق خارج من الدين»([87]).
وواقع الحال مكذّب لهذا الخبر، فمن نظر إلى منبر النبي ق وجد أنه قد صعده من كان معاوية خيرًا منه، وليس ثمَّ أمْرٌ بقتله! وكذلك فإنه يرى بكل وضوح أن هذا الخبر فيه ما فيه من الطعن في جناب الصحب رضوان الله عليهم ممن بلغهم هذا الحديث ولم يأتمروا به، فيبادروا بقتل معاوية ا!
وفي هذا يقول أبو العباس ابن تيمية: «ومِمَّا يُبَيِّنُ كَذِبَهُ أَنَّ مِنْبَرَ النَّبِيِّ ق قَدْ صَعِدَ عَلَيْهِ بَعْدَ مُعَاوِيَةَ مَنْ كَانَ مُعَاوِيَةُ خَيْرًا مِنْهُ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ. فَإِنْ كَانَ يَجِبُ قَتْلُ مَنْ صَعِدَ عَلَيْهِ لِمُجَرَّدِ الصُّعُودِ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَجَبَ قَتْلُ هَؤُلَاءِ كُلِّهِمْ. ثُمَّ هَذَا خِلَافُ الْمَعْلُومِ بِالِاضْطِرَارِ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ، فَإِنَّ مُجَرَّدَ صُعُودِ الْمِنْبَرِ لَا يُبِيحُ قَتْلَ مُسْلِمٍ. وَإِنْ أَمَرَ بِقَتْلِهِ لِكَوْنِهِ تَوَلَّى الْأَمْرَ وَهُوَ لَا يَصْلُحُ فَيَجِبُ قَتْلُ كُلِّ مَنْ تَوَلَّى الْأَمْرَ بَعْدَ مُعَاوِيَةَ مِمَّنْ مُعَاوِيَةُ أَفْضَلُ مِنْهُ. وَهَذَا خِلَافُ مَا تَوَاتَرَتْ بِهِ السُّنَنُ عَنِ النَّبِيِّ ق مِنْ نَهْيِهِ عَنْ قَتْلِ وُلَاةِ الْأُمُورِ وَقِتَالِهِمْ، كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ. ثُمَّ الْأُمَّةُ مُتَّفِقَةٌ عَلَى خِلَافِ هَذَا؛ فَإِنَّهَا لَمْ تَقْتُلْ كُلَّ مَنْ تَوَلَّى أَمْرَهَا وَلَا اسْتَحَلَّتْ ذَلِكَ»([88]).
ولو تمسكت الشيعة الإمامية بهذا الخبر، ووافقناهم عليه تنزلًا، للزم من ذلك بطلان الكثير من عقائدهم، ونُجمل ذلك في الوجوه التالية:
فهذا الأمر الصادر من رسول الله ق أول من خالفه هم أهل البيت ثم المنتجبون ثم باقي الأمة، فلم نجد أحدًا قد نفَّذ هذا الأمر النبوي المزعوم، وقد رأى أهل الشام معاوية على المنبر، ورآه أهل العراق وأهل المدينة، فلم ينفِّذ واحدٌ منهم ذلك الأمر! وكذلك فإن شيعة أمير المؤمنين قد رأوه على منبر رسول الله ق، وبالرغم من ذلك لم يحرِّك أحد منهم ساكنًا!
يقول الكركي الحائري: «لَمّا قدِم جرير على معاوية يدعوه إلى طاعة أمير المؤمنين S، توقّف معاوية وماطل جرير وطاوله، حتى قدم عليه شرحبيل، فصعد معاوية المنبر وخطب، وقال: أيّها الناس! قد علمتم أنّي خليفة عمر وعثمان»([89]).
فهؤلاء شيعة علي ا قد رأوا معاوية على المنبر في الشام وتركوا أمر النبي ق على زعمهم! ورآه الحسن بن علي، وشيعته كانوا أربعين ألفًا([90])، ولم يمتثل أحد منهم هذا الأمر النبوي المدَّعى!
فأمة الشيعة على مدار العشرين سنة لم ينفِّذ فيهم أحدٌ حُكمَ النبيِّ ق في معاوية، ولا يقال إنهم تركوا ذلك تقية؛ لأن النبي ق لو كان يعلم أن التقية جائزة لما عيَّن وأمر بالقتل عند صعود المنبر، وهو الأعلم بالواقع أيام معاوية من كل أحد في عقيدة الشيعة، فلما أمر بقتله عند صعوده المنبر جزمنا بعدم جواز التقية في ذلك، وإلا رددنا على النبي أمره، فثبت من ذلك أن أول من خالف أمر رسول الله ق هم رؤوس الشيعة أنفسهم ثم باقي الأمة! وكفى بهذا إسقاطًا لدين الرافضة.
لا شك أن الذي مَكَّنَ معاوية من منبر رسول الله ق هو أولى بالقتل، وقد روت الشيعة عن الحسن بن علي قوله: «قد كانت جماجم العرب في يدي، يحاربون من حاربت ويسالمون من سالمت، تركتها ابتغاء وجهِ الله وحقنِ دماء أمّة محمّد ص»([91]).
ولذلك عوقب الحسن في دين الرافضة بنزع الإمامة من عقبه، وقد بيَّن ذلك الباقر في قوله: «رحم الله عمي الحسن ع؛ لقد غمد الحسن ع أربعين ألف سيف حين أصيب أمير المؤمنين ع، وأسلمها إلى معاوية ومحمد بن علي، سبعون ألف سيف قاتله لو خطر عليهم خطر ما خرجوا منها، حتى يموتوا جميعًا، وخرج الحسين ص فعرض نفسه على الله في سبعين رجلًا أحق بدمه منا، نحن والله أصحاب الأمر وفينا القائم، ومنا السفاح والمنصور، وقد قال الله: [ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ] {الإسراء:33}، نحن أولياء الحسين بن علي ع وعلى دينه»([92]).
وكذلك فإن الشيعة لم يُقصروا في إيذاء الحسن بن علي بل قتله! ولذلك جاء أن الحسن قد فضَّل معاوية عليهم؛ حيث رووا أنه قال: «أرى والله معاوية خيرًا لي من هؤلاء الذين يزعمون أنهم لي شيعة، وابتغوا قتلي وانتهبوا ثقلي، وأخذوا مالي»([93]).
وعلى تقرير الشيعة فإن هذه الرواية تُعدُّ من أكبر المطاعن في الحسن بن علي ا؛ إذ هو الذي مَكَّن معاوية من منبر رسول الله ق.
هذا فيه إبطال لتسعة أعشار دينهم؛ إذ إنهم قالوا بأن التقية واجبة إلى أن يظهر مهديهم([94])، وهذه التقية هي التي أوجبت على قائم آل محمد أن يسير بخلاف سيرة جده وأمير المؤمنين([95]) الذين لن يُضطروا إلى أن يتقوا أحدًا بعد ظهور القائم؛ حيث إنه لن يظهر عليهم أحد بعد ذلك.
فإذا كانت التقية واجبة، ومن تركها ترك دين الإمامية، وقد سار عليٌّ بالمن والكف، فإن من يقول بأنه يجب قتل معاوية فإنه يريد أن يخرج من الدين، فيجب على هذا الأصل الشيعي أن يتم اتهام النبي ق أنه أمر بالخروج من الدين، أو بالأحرى يجب عليه الإقرار بأن النبي ق أمر بالخروج من دين الإمامية!
الإمامية يلزمهم أن يثبتوا تناقض نبيهم؛ إذ إنه هو S بنفسه قد أمر عليًّا بالخضوع والذل للخلفاء، حتى قالوا عنه إنه كان -وحاشاه ا- لهم أذل من الحذاء!
قال المجلسي: «فلما أطاع القوم الذين ولوا الأمر، وصار أذل لهم من الحذاء، تركوه وسكتوا عنه»([96]).
فقد كان عليٌّ سامعًا مطيعًا لعمر، وكان عمر هو الأولى بالقتل من معاوية باتفاق الشيعة؛ فعمر عندهم شَرٌّ من معاوية، بل لا يقارَن معاوية بعمر في الشر -وحاشاهما ب- فهو عندهم المرتد مغتصب الخلافة، حتى أنهم زعموا أنه أشد من إبليس في العذاب([97]).
ولذلك فعقيدة الشيعة أن عمر لا يُعذَّب عذابه أحد أبدًا! ففي البرهان عن معروف بن خربوذ قال: قال لي أبو جعفر S: «يا بن خربوذ، أتدري ما تأويل هذه الآية: [ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ] {الفجر:25-26}؟ قلت: لا، قال: ذلك الثاني، لا يعذب الله يوم القيامة عذابه أحد.
قال علي بن إبراهيم: قوله: [ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ] {الفجر:25-26}، قال: هو الثاني»([98]).
وبه يتبين أن عمر عندهم شرٌّ من معاوية، ومن جهة أخرى فإن عمر كان يصعد منبر رسول الله ق الذي كان النبي ق يصعده حقيقة، فكان الأَوْلى منعه من ذلك ولو بالقتل في دين هؤلاء.
فقد جاء في الاحتجاج: «رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَخْطُبُ النَّاسَ عَلَى مِنْبَرِ رَسُولِ اللهِ ص، فَذَكَرَ فِي خُطْبَتِهِ أَنَّهُ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، ...»([99]).
فعمر صعد مكان رسول الله ق، وصار يحكم في الناس بكتاب الله كما قال الحسن، فكان الأَوْلى أن تكون الرواية في عمر لا معاوية، وإلا فكيف يأمر النبيُّ ق بقتل معاوية ويأمر بطاعة من هو شر منه؟!
([1]) منقول بتصرف من بحث منشور على الشبكة العنكبوتية بعنوان «دراسة حديثية لحديث أبي سعيد الخدري مرفوعًا: إِذَا رَأَيْتُمْ مُعَاوِيَةَ عَلَى مِنْبَرِي فَاقْتُلُوهُ» لكاتبه سعد بن ضيدان السبيعي.
([2]) الكامل (2/146) و(5/200 - 314).
([4]) تاريخ دمشق (59/155).
([6]) أنساب الأشراف (5/136).
([7]) الموضوعات، ابن الجوزي (2/256).
([8]) تاريخ دمشق (59/55).
([11]) الموضوعات (2/265).
([17]) تاريخ بغداد (12/181).
([18]) الموضوعات (2/266).
([19]) تاريخ دمشق (59/157).
([20]) أنساب الأشراف (5/136).
([21]) التاريخ الكبير (9/325) (ت111745).
([22]) أحوال الرجال, ترجمة رقم (126).
([23]) الضعفاء والمتروكون، ترجمة رقم (552).
([24]) الكامل (6/423)، والتهذيب (4/24).
([25]) تاريخ ابن معين - رواية الدارمي (141).
([26]) تاريخ ابن معين - رواية الدوري (4/341).
([27]) أحوال الرجال، ترجمة رقم (185).
([28]) الجرح والتعديل (6/186).
([30]) جامع الترمذي، حديث رقم (2678) (5/46).
([31]) المغني في الضعفاء، ترجمة رقم (4265).
([34]) المجروحين، ابن حبان (2/78).
([35]) كما في المجروحين (1/173).
([36]) المجروحين، ابن حبان (1/171).
([37]) المجروحين (1/304).
([38]) الضعفاء والمتروكون، ترجمة رقم (127).
([39]) التاريخ الكبير (2/345).
([40]) أحوال الرجال (33).
([42]) المجروحين، ابن حبان (2/163).
([43]) الثقات، ابن حبان (6/444).
([44]) الكامل في الضعفاء، ابن عدي (4/22).
([45]) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَعِيد، حَدَّثَنا الحسين بن عيسى الرازي، حَدَّثَنا سَلَمَةُ بْنُ الْفَضْلِ، حَدَّثَنا مُحَمدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمد بْنِ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَن أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، عَنْ أَبِيهِ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ ق: «إِذَا رَأَيْتُمْ فُلانًا عَلَى الْمِنْبَرِ فَاقْتُلُوهُ».
([48]) التاريخ الكبير (4/84).
([49]) الجرح والتعديل (4/169).
([50]) الضعفاء والمتروكون، ترجمة رقم (1487).
([53]) للفائدة يُنظر كتاب التنكيل للمعلمي (1/51).
([54]) الكامل (3/419) وقال: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الصُّوفيّ، حَدَّثَنا سُفْيَانُ بْنُ مُحَمد الْفَزَارِيُّ، حَدَّثَنا مَنْصُورُ بْنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلالٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمد، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرٍ عَنِ النَّبِيِّ ق مثله، وقبله: «إذا رأيتم على منبري فاقتلوه، يعني فلانًا».
([56]) الجرح والتعديل (3/354).
([57]) الطبقات الكبرى (6/406).
([58]) الجرح والتعديل (3/354).
([59]) سؤالات الآجرّي (1/103).
([60]) التهذيب (1/531)، تاريخ ابن معين (1/104) رواية الدارمي، الكامل (3/35).
([61]) معرفة الثقات (1/321)، الثقات، ابن حبان (8/224).
([64]) تاريخ بغداد (12/181).
([65]) الموضوعات (2/266).
([66]) تاريخ دمشق (59/157).
([67]) الكامل (5/101، 103).
قال الخلال في المنتخب (229): «وأخبرنا عبد الله: حدثني أبي، حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا حماد بن زيد قال: قال رجل لأيوب: إن عمرو بن عبيد روى عن الحسن أن رسول الله ق قال: «إذا رأيتم -يعني معاوية- على المنبر فاقتلوه»، فقال: كذب عمرو.
([68]) تاريخ ابن معين - رواية الدوري (4/275).
([69]) الضعفاء والمتروكون، رقم (445).
([72]) المنتخب من العلل، الخلال (229).
([73]) التاريخ الأوسط (١/١٣٥-١٣٦).
([74]) الضعفاء الكبير (1/280).
([75]) المجروحين (1/171).
([76]) تهذيب التهذيب (3/164).
([77]) الموضوعات (2/266، 264).
([78]) تاريخ دمشق (59/157).
([79]) منهاج السنة النبوية (2/259)، وقال: «وهذا الحديث ليس في شيء من كتب الإسلام، وهو عند الحفاظ كذب، وذكره ابن الجوزي في الموضوعات».
([80]) سير أعلام النبلاء (3/150)، وقال: «هذا كذب، ويقال: هو معاوية بن تَابُوْه المنافق».
([81]) البداية والنهاية (8/91)، وقال: «وهذا الحديث كذب بلا شك، ولو كان صحيحًا لبادر الصحابة إلى فعل ذلك؛ لأنهم لا تأخذهم في الله لومة لائم».
([83]) تطهير الجنان (38).
([84]) الفوائد المجموعة (407).
([85]) اللآلئ المصنوعة (1/388).
([86]) تنزيه الشريعة (2/8).
([88]) منهاج السنة النبوية (4/380).
([89]) تسلية المجالس وزينة المجالس (مقتل الحسين ع)، محمد بن أبي طالب الحسيني الكركي الحائري (١/414).
([90]) تفسير العيّاشي (2/291).
([91]) سفينة البحار ومدينة الحكم والآثار، عباس القمي (٤/368).
([92]) تفسير العيّاشي(2/291).
([93]) بحار الأنوار(44/20)، وفاجعة الطف، محمد سعيد الحكيم (1/461).
([94]) يقول الصدوق: «والتقية واجبة لا يجوز رفعها إلى أن يخرج القائم S، فمن تركها قبل خروجه فقد خرج عن دين الله ودين الإمامية وخالف الله ورسوله والأئمة». الاعتقادات في دين الإمامية، الصدوق (ص١١٠).
([95]) يقول الصدوق تحت تبويب بعنوان «العلة التي من أجلها سار أمير المؤمنين (ع) بالمن والكف ويسير القائم بالبسط والسبي»: ... عَنِ الْحَسَنِ بْنِ هَارُونَ قَالَ: «كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللهِ (ع) جَالِسًا، فَسَأَلَهُ الْمُعَلَّى بْنُ خُنَيْسٍ أَيَسِيرُ الْقَائِمُ بِخِلَافِ سِيرَةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ؟ فَقَالَ: نَعَمْ؛ وَذَلِكَ أَنَّ عَلِيًّا (ع) سَارَ فِيهِمْ بِالْمَنِّ وَالْكَفِّ؛ لِأَنَّهُ عَلِمَ أَنَّ شِيعَتَهُ سَيَظْهَرُ عَلَيْهِمْ عَدُوُّهُمْ مِنْ بَعْدِهِ، وَأَنَّ الْقَائِمَ (ع) إِذَا قَامَ سَارَ فِيهِمْ بِالْبَسْطِ وَالسَّبْيِ؛ وَذَلِكَ أَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ شِيعَتَهُ لَنْ يُظْهَرَ عَلَيْهِمْ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا».
([96]) بحار الأنوار، المجلسي (29/139) ط مؤسسة الوفاء.
([97]) قال الجزائري عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ا: «قد ظهرت منه المناكير، وارتد عن الدين ارتدادًا أعظم مِن كل مَن ارتد، حتى أنه قد وردت في روايات الخاصة أن الشيطان يُغلّ بسبعين غلًّا من حديد جهنم، ويُساق إلى المحشر، فينظر ويرى رجلًا أمامه تقوده ملائكة العذاب وفي عنقه مائة وعشرون غلًّا من أغلال جهنم، فيدنو الشيطان إليه ويقول: ما فعل الشقي حتى زاد عَليَّ في العذاب، وأنا أغويت الخلق وأوردتهم موارد الهلاك؟، فيقول عمر للشيطان: ما فعلت شيئًا سوى أني غصبت خلافة علي بن أبي طالب، والظاهر أنه قد استقل سبب شقاوته ومزيد عذابه، ولم يعلم أن كل ما وقع في الدنيا إلى يوم القيامة من الكفر والنفاق واستيلاء أهل الجور والظلم إنما هو من فعلته هذه». الأنوار النعمانية، نعمة الله الجزائري (1/64).
([98]) البرهان في تفسير القرآن، هاشم البحراني (٥/656)، بحار الأنوار، المجلسي (٣٠/٣٣١).
([99]) الاحتجاج، الطبرسي (2/292).