الطاعنون في نسب خال المؤمنين معاوية ا إما رافضة لا يوثق في كلامهم ولا نقلهم، أو أن كلامهم يسقط بعضه ببعضه، وإما أناس من أهل الأسمار والأدب لا يوثق في نقلهم وهذا بيانه.
أما الكلبي: فهو رافضي، يقول النجاشي: «هشام بن محمد بن السائب ... العالم بالأيام، المشهور بالفضل والعلم، وكان يختص بمذهبنا»([1]).
والرافضة أكذب الخلق على الإطلاق كما لا يخفى على القاصي والداني، وفي هذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية عليه الرحمة والرضوان: «وَقَدِ اتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالنَّقْلِ وَالرِّوَايَةِ وَالْإِسْنَادِ عَلَى أَنَّ الرَّافِضَةَ أَكْذَبُ الطَّوَائِفِ، وَالْكَذِبُ فِيهِمْ قَدِيمٌ، وَلِهَذَا كَانَ أَئِمَّةُ الْإِسْلَامِ يَعْلَمُونَ امْتِيَازَهُمْ بِكَثْرَةِ الْكَذِبِ»([2]).
وأما حال هذا الرافضي عند أهل السنة والجماعة فأَبْيَنُ من أن يُبَيَّن لأحد، وتلك مقالتهم فيه:
قال ابن حبان: «هِشَام بن مُحَمَّد بن السَّائِب أَبُو الْمُنْذر الْكَلْبِيّ من أهل الْكُوفَة، يروي عَن أَبِيه ومعروف مولى سُلَيْمَان والعراقيين الْعَجَائِب وَالْأَخْبَار الَّتِي لَا أصُول لَهَا، روى عَنهُ شباب الْعُصْفُرِي وَعلي بن حَرْب الْموصِلِي وَعبد الله بن الضَّحَّاك الهدادي، وَكَانَ غاليا فِي التَّشَيُّع، أخباره فِي الأغلوطات أشهر من أَن يحْتَاج إِلَى الإغراق فِي وصفهَا»([3]).
وقَالَ الإمام أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: «إِنَّمَا كَانَ صَاحِبَ سَمَرٍ وَنَسَبٍ، مَا ظَنَنْتُ أَنَّ أَحَدًا يُحَدِّثُ عَنْهُ»، وقال الدارقطني وغيره: «متروك الحديث»، وقَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ: «رَافِضِيٌّ لَيْسَ بِثِقَةٍ»([4])، وقال الذهبي: «أَحَدُ المَتْرُوكِينَ كَأَبِيهِ»([5]).
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية V في تأصيل بيان هذا النوع من الكذب: «وَأَكْثَرُ الْمَنْقُولِ مِنَ الْمَطَاعِنِ الصَّرِيحَةِ هُوَ مِنْ هَذَا الْبَابِ يَرْوِيهَا الْكَذَّابُونَ الْمَعْرُوفُونَ بِالْكَذِبِ، مِثْلَ أَبِي مِخْنَفٍ لُوطِ بْنِ يَحْيَى، وَمِثْلُ هِشَامِ ابْنِ مُحَمَّدِ بْنِ السَّائِبِ الْكَلْبِيِّ وَأَمْثَالِهِمَا مِنَ الْكَذَّابِينَ، وَلِهَذَا اسْتَشْهَدَ هَذَا الرَّافِضِيُّ بِمَا صَنَّفَهُ هِشَامٌ الْكَلْبِيُّ فِي ذَلِكَ، وَهُوَ مِنْ أَكْذَبِ النَّاسِ، وَهُوَ شِيعِيٌّ يَرْوِي عَنْ أَبِيهِ، وَعَنْ أَبِي مِخْنَفٍ، وَكِلَاهُمَا مَتْرُوكٌ كَذَّابٌ، وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي هَذَا: الْكَلْبِيُّ مَا ظَنَنْتُ أَنَّ أَحَدًا يُحَدِّثُ عَنْهُ، إِنَّمَا هُوَ صَاحِبُ سَمَرٍ وَشُبَهٍ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: هُوَ مَتْرُوكٌ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: هِشَامٌ الْكَلْبِيُّ الْغَالِبُ عَلَيْهِ الْأَسْمَارُ، وَلَا أَعْرِفُ لَهُ فِي الْمُسْنَدِ شَيْئًا، وَأَبُوهُ أَيْضًا كَذَّابٌ، وَقَالَ زَائِدَةُ وَاللَّيْثُ وَسُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ: هُوَ كَذَّابٌ، وَقَالَ يَحْيَى: لَيْسَ بِشَيْءٍ، كَذَّابٌ سَاقِطٌ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: وُضُوحُ الْكَذِبِ فِيهِ أَظْهَرُ مِنْ أَنْ يَحْتَاجَ إِلَى الْإِغْرَاقِ فِي وَصْفِهِ»([6]).
ومن جهة أخرى: لئن صحح الشيعة ذلك الطعن من الكلبي في نسب معاوية ا لزمهم قبول طعن الكلبي في نسب النبي ق وفي غيره من أهل البيت ومن الصحابة المنتجبين عندهم.
أما طعنه في نسب النبي ق فقد ذكر تحت باب نكاح المقت([7])؛ إذ قال: «كانت برة بنت مرّ بن أد أخت تميم بن مرّ تحت خزيمة بن مدركة، فولدت له أسد بن خزيمة، ثم هلك عنها، فخلف عليها ابنه كنانة بن خزيمة نكاح المقت، فولدت له أولاده كلهم إلَّا عبد مناف بن كنانة، فإنه لغير برة، لكنانة النضر ومالك وملكان وسعد وعامر»([8]).
فهذا جد النبي ق كنانة بن خزيمة نكح كما زعموا نكاحًا يعد في الإسلام زنًا، فهل يلتزم الشيعة بكلام صاحبهم في النبي ق؟!
وأما طعنه في أهل البيت، فمن ذلك ما ذكره تحت عنوان «نكاح الجاهلية» قائلًا: «وكان معاوية يقال: إنّه من العباس بن عبد المطلب؛ إذ كان يُتهم بهند، وكان نديم أبي سفيان بن حرب، فقال: إنّه نادمه لمكانها»([9]).
ومنه طعنه في أبي طالب عم النبي ق بقوله: «وأخبرني أبي قال: كان لوهب بن عمرو بن عائد بن عمران بن مخزوم إماء، فوقع على إحداهن ذباب بن عبد الله بن عامر بن الحرث بن حارث بن سعد بن تيم، فولدت له الحويرث، فوهبه أبو لهب لأبيه، ثم وقع عليها أبو طالب وبعض ولد الحضرمي، فولدت له طليقًا، فاختصما فيه، فقال أبو طالب:
هبني كذباب وهبت له ابنه
|
\
|
وإني بخير من نداك حقيق
|
أعوذ بثوب المرء عمرو بن عائذ
|
\
|
أبي وأبيكم أن يباع طليق
|
فوهبه أبو لهب لأبي طالب»([10]).
ومن طعنه في الصحابة المنتجبين، ذكره لعمار بن ياسر في باب أولاد الزنا الذين شرفوا من العرب([11]).
فهذا طعن هذا الكلبي الرافضي في النبي ق، وفي أهل بيته وفي أصحابه، فهل يقبل الشيعة ذلك من صاحبهم؟!
كيف لعاقل أن يتهم الخلق لمجرد قول قائل: «يقال كذا...»، وقد قال النبي ق فيما رواه أبو داود عن أبي عبد الله –هو حذيفة- أنه قال لأبي مسعود: سمعت رسول الله ق يقول: «بِئْسَ مَطِيَّةُ الرَّجُلِ زَعَمُوا»([12]).
ومعلوم أن الإسلام قد هدم تلك العصبيات الجاهلية، فقد ذكر أَبَو مَالِكٍ الْأَشْعَرِيُّ أَنَّ النَّبِيَّ ق حَدَّثَهُ: «أَرْبَعٌ فِي أُمَّتِي مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ، لَا يَتْرُكُونَهُنَّ: الْفَخْرُ فِي الْأَحْسَابِ، وَالطَّعْنُ فِي الْأَنْسَابِ، وَالْاسْتِسْقَاءُ بِالنُّجُومِ، وَالنِّيَاحَةُ»([13]).
قال ابن أبي الحديد المعتزلي الشيعي: «قال شيخنا أبو عثمان في كتاب (مفاخرات قريش) لا خير في ذكر العيوب إلا من ضرورة، ولا نجد كتاب (مثالب) قط إلا لدعي أو شعوبي، ولست واجده لصحيح النسب ولا لقليل الحسد، وربما كانت حكاية الفحش أفحش من الفحش، ونقل الكذب أقبح من الكذب»([14]).
فليهنأ الرافضة بالجاهلية التي تغمرهم، وليترفع أهل الإسلام عن دناءتها.
نسب معاوية ثابت معلوم في كتب الأنساب والتراجم، فهو قرشي أموي لا يقدح في ذلك إلا رافضي جاهل، وأما النسابة فقد أثبتوا نسب معاوية إلى أبيه أبي سفيان بلا ريب، وهذا قولهم وقول غيرهم على سبيل المثال لا الحصر:
- ابن سعد: معاوية بن أبي سفيان بن حَرب بن أُمَيّة بن عَبد شَمسٍ عبد مَنَاف بن قُصَيّ، وأمّه هند بنت عُتْبَة بن رَبيِعة بن عَبْد شَمْس بن عَبْد مَنَاف بن قُصَيّ، ويكنى أبا عبد الرحمن([15]).
- مصعب الزبيري: ولد حرب بن أمية أبا سفيان، والفارعة، وفاختة بنت حرب، واسم أبي سفيان صخر، قال مصعب قال الوليد بن عقبة:
ألا أبلغ معاوية بن صخر
|
\
|
فإنك من أخي ثقة مليم
|
قطعت الدهر كالسوم المعنى
|
\
|
تهدر في دمشق وما تريم
|
فولد أبو سفيان بن حرب، معاوية بن أبي سفيان([16]).
- البخاري: مُعاوِيةُ بنُ أَبِي سُفْيانَ بنِ حَربٍ، وَاسْمُ أَبي سُفْيانَ صَخرٌ، أَبو عَبدِ الرَّحْمنِ، القُرشِيُّ، الأُموِيُّ([17]).
- ابن أبي عاصم: مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ، أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ ا، وَأُمُّهُ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ([18]).
- ابن عساكر: معاوية بن أبي سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي، وأمه هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف ابن قصي، ويكنى أبا عبد الرحمن([19]).
- علي بن أبي طالب: صح عن علي بن أبي طالب أنه نسب معاوية إلى أبي سفيان ونورد هنا مصدرًا واحدًا للطوسي وفيه: «فقال أمير المؤمنين S لعبيد الله بن أبي رافع كاتبه: اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى معاوية بن أبي سفيان ومن قبله من الناس سلام عليكم ...»([20]).
فإما أن تقول الرافضة بجهل أمير المؤمنين بنسب معاوية وصدق رهبانهم وكهانهم فيما اختلقوه فيه، أو أن تقول بصدق النسب الذي أثبته أمير المؤمنين مع تكذيبهم لأحبارهم ورهبانهم.
وأما زعمهم أن هندًا كانت من أصحاب الرايات وغير ذلك، فهذا وإن كان بالإسلام قد هُدم إلا أنه كذب؛ إذ كانت هند قبل الإسلام من أعف الناس، ويدل على ذلك أنها كانت من أعقل النساء، يقول الذهبي: «وكانت هند من أحسن نساء قريش وأعقلهن»([21]).
وقد جاء في محبتها لرسول الله ق ما رواه البخاري عن أم المؤمنين عَائِشَةَ ل قَالَتْ: «جاءت هندُ بنتُ عُتبةَ إلى رسولِ اللهِ ق فقالت: يا رسولَ اللهِ، واللهِ ما كان على ظهرِ الأرضِ أهلُ خِباءٍ أحبَّ إليَّ مِن أنْ يُذِلَّهم اللهُ مِن أهلِ خِبائِك، وما على ظهرِ الأرضِ أهلُ خِباءٍ أحبَّ إليَّ اليومَ أنْ يُعِزَّهم اللهُ مِن أهلِ خِبائِك، وقال: وأيضًا والذي نفسي بِيَدِهِ»([22]).
قال الحافظ: «قَوْلُهُ: (وَأَيْضًا وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ)، قَالَ ابن التِّينِ: فِيهِ تَصْدِيقٌ لَهَا فِيمَا ذَكَرَتْهُ»([23]).
وقد جاء في عفتها ما رواه الحازمي من طريق رجاله كلهم ثقات قال: «قَرَأْتُ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ، أَخْبَرَكَ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي كِتَابِهِ، أَخْبَرَكَ الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا دَعْلَجُ بْنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ قَالَ: كَانَ رَسُولِ اللهِ ق يُبَايِعُ النِّسَاءَ؛ فَيَضَعُ ثَوْبًا عَلَى يَدِهِ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدُ، كُنَّ يَجِئْنَ النِّسَاءَ فَيَقْرَأُ هَذِهِ الْآيَةَ عَلَيْهِنَّ: [ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ]، فَإِذَا أَقْرَرْنَ، قَالَ: قَدْ بَايَعْتُكُنَّ، حَتَّى جَاءَتْ هِنْدٌ -امْرَأَةُ أَبِي سُفْيَانَ أُمُّ مُعَاوِيَةَ- فَلَمَّا قَالَ: [ﭟ ﭠ]، قَالَتْ: أَوَ تَزْنِي الْحُرَّةُ؟ لَقَدْ كُنَّا نَسْتَحِي مِنْ ذَلِكَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَكَيْفَ فِي الْإِسْلَامِ؟ فَقَالَ: [ﭡ ﭢ ﭣ] {الممتحنة:12}، فَقَالَتْ: أَنْتَ قَتَلْتَ آبَاءَهُمْ، وَتُوصِينَا بِأَوْلَادِهِمْ؟ فَضَحِكَ رَسُولُ اللهِ ق»([24]).
وفي القصة المعروفة من تبرئة الكاهن لها من قضية الزنا ما يدل على عفتها، خاصة عند ذلك المجتمع الجاهلي، فقد روى الطبراني في الكبير بسنده عَنْ حُمَيْدِ بْنِ مُنْهِبٍ الطَّائِيِّ قَالَ: «كَانَتْ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ عِنْدَ الْفَاكِهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيِّ، وَكَانَ الْفَاكِهُ مِنْ فِتْيَانِ قُرَيْشٍ، وَكَانَ لَهُ بَيْتٌ لِلضِّيَافَةِ يَغْشَاهُ النَّاسُ مِنْ غَيْرِ إِذْنٍ، فَخَلَا ذَلِكَ الْبَيْتُ يَوْمًا وَاضْطَجَعَ الْفَاكِهُ وَهِنْدٌ فِيهِ وَقْتَ الْقَائِلَةِ، ثُمَّ خَرَجَ الْفَاكِهُ فِي بَعْضِ حَاجَاتِهِ، فَأَقْبَلَ رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ يَغْشَاهُ فَوَلَجَ الْبَيْتَ، فَلَمَّا رَأَى الْمَرْأَةَ وَلَّى هَارِبًا، فَأَبْصَرَهُ الْفَاكِهُ وَهُوَ خَارِجٌ مِنَ الْبَيْتِ، فَأَقْبَلَ إِلَى هِنْدٍ فَضَرَبَهَا بِرِجْلِهِ، وَقَالَ لَهَا: مَنْ هَذَا الَّذِي كَانَ عِنْدَكِ؟
قَالَتْ: مَا كَانَ عِنْدِي أَحَدٌ، وَمَا انْتَبَهْتُ حَتَّى أَنْبَهْتَنِي، قَالَ: الْحَقِي بِأَهْلِكِ، وَتَكَلَّمَ فِيهَا النَّاسُ، فَقَالَ لَهَا أَبُوهَا: يَا بُنَيَّةُ، إِنَّ النَّاسَ قَدْ أَكْثَرُوا فِيكِ؛ فَنَبِّئِينِي نَبَأَكِ، فَإِنْ يَكُنِ الرَّجُلُ عَلَيْكِ صَادِقًا دَسَسْتَ إِلَيْهِ مَنْ يَقْتُلُهُ، فتنقطعَ عَنْكِ الْقَالَةُ، وَإِنْ كَانَ كَاذِبًا حَاكَمْتَهُ إِلَى بَعْضِ كُهَّانِ الْيَمَنِ، فَحَلَفْتُ لَهُ بِمَا كَانُوا يَحْلِفُونَ بِهِ إِنَّهُ لَكَاذِبٌ عَلَيْهَا، فَقَالَ لِلْفَاكِهِ: يَا هَذَا إِنَّكَ قَدْ رَمَيْتَ ابْنَتِي بِأَمْرٍ عَظِيمٍ، فَحَاكَمَنِي إِلَى بَعْضِ كُهَّانِ الْيَمَنِ، فَخَرَجَ عُتْبَةُ فِي جَمَاعَةٍ مِنْ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، وَخَرَجَ الْفَاكِهُ فِي جَمَاعَةٍ مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ، وَخَرَجَتْ مَعَهُمْ هِنْدٌ وَنِسْوَةٌ مَعَهَا، فَلَمَّا شَارَفُوا الْبِلَادَ وَقَالُوا نَرُدُّ عَلَى الْكَاهِنِ، تَنَكَّرَ حَالُ هِنْدٍ وَتَغَيَّرَ وَجْهُهَا، فَقَالَ لَهَا أَبُوهَا: إِنِّي قَدْ أَرَى مَا بِكِ مِنْ تَنَكُّرِ الْحَالِ وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِمَكْرُوهٍ عِنْدَكِ، أَفَلَا كَانَ هَذَا مِنْ قَبْلِ أَنْ يَشْهَدَ النَّاسُ مَسِيرَنَا؟
فَقَالَتْ: لَا وَاللهِ يَا أَبَتَاهُ مَا ذَاكَ لِمَكْرُوهٍ، وَلَكِنِّي أَعْرِفُ أَنَّكُمْ تَأْتُونَ بَشَرًا يُخْطِئُ وَيُصِيبُ، وَلَا آمَنُ أَنْ يُسْمِيَنِي بِسِمَةٍ تَكُونُ عَلَيَّ سُبَّةً فِي الْعَرَبِ، فَقَالَ: إِنِّي أَخْتَبِرُهُ قَبْلَ أَنْ يَنْظُرَ فِي أَمْرَكِ، فَصَفَّرَ بِفَرَسِهِ حَتَّى أَدْلَى، ثُمَّ أَخَذَ حَبَّةً مِنْ بُرٍّ، فَأَدْخَلَهَا فِي إِحْلِيلِهِ وَأَوْكَأَ عَلَيْهَا بِسَيْرٍ، فَلَمَّا صَبَحُوا أَكْرَمَهُمْ وَنَحَرَ لَهُمْ، فَلَمَّا قَعَدُوا قَالَ لَهُ عُتْبَةُ:
إِنَّا قَدْ جِئْنَاكَ فِي أَمْرٍ وَإِنِّي قَدِ اخْتَبَأْتُ لَكَ خَبَّأً أخْتَبِرُكَ بِهِ فَانْظُرْ مَا هُوَ؟ قَالَ: نَمِرَةٌ فِي كَمْرَةٍ، قَالَ: أُرِيدُ أَبْيَنَ مِنْ هَذَا. قَالَ: حَبَّةٌ مِنْ بُرٍّ فِي إِحْلِيلِ مُهْرٍ، قَالَ: صَدَقْتَ، انْظُرْ فِي أَمْرِ هَؤُلَاءِ النِّسْوَةِ، فَجَعَلَ يَدْنُو مِنْ إِحْدَاهُنَّ، فَيَضْرِبُ كَتِفَهَا وَيَقُولُ: انْهَضِي، حَتَّى دَنَا مِنْ هِنْدٍ فَضَرَبَ كَتِفَهَا وَقَالَ: قَوْمِي غَيْرَ وَحْشَاءَ وَلَا زَانِيَةً، وَلَتَلِدِنَّ مَلِكًا يُقَالُ لَهُ مُعَاوِيَةُ، فَنَهَضَ لَهَا الْفَاكِهُ فَأَخَذَ بِيَدِهَا فَنَتَرَتْ يَدَهَا مِنْ يَدِهِ، وَقَالَتْ: إِلَيْكَ فَوَاللهِ لَأَحْرُصَنَّ عَلَى أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِكَ، فَتَزَوَّجَهَا أَبُو سُفْيَانَ فَجَاءَتْ بِمُعَاوِيَةَ»([25]).
وهذا يبتر الأساطير التي نسجتها الشيعة حول تلك القضية.
العلة التي رام الرافضة الطعن في نسب معاوية لأجلها هي نفي فضيلته؛ كونه كان صهرًا لرسول الله ق، فحبيبة بنت أبي سفيان أخت معاوية ا هي زوجة نبينا محمد ق وأم المؤمنين، فمعاوية بذلك هو خال المؤمنين.
وقد روى الإمام أحمد بسنده عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ، عَنِ الْمِسْوَرِ: «... فَاطِمَةُ مُضْغَةٌ مِنِّي، يَقْبِضُنِي مَا قَبَضَهَا، وَيَبْسُطُنِي مَا بَسَطَهَا، وَإِنَّ الْأَنْسَابَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تَنْقَطِعُ غَيْرَ نَسَبِي وَسَبَبِي وَصِهْرِي»([26]).
وقد روى الشيعة في كتبهم أن النبي ق قال: «كل سبب ونسب ينقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي»([27])، واستدلوا به في كتبهم، واحتجوا به كثيرًا([28])، ولا يوحي الله لنبيه بذلك إلا وقد اختار له أصهاره قبل ذلك، وبه تثبت الفضيلة لمعاوية ا.
وأما ادعاء كاشف الغطاء بأن ما ذهب إليه هو أمر قد انفرد به، فمثل هذا مما لا نتكلف عناء الرد عليه؛ إذ إنه مُسقِطٌ لنفسه بنفسه، فمثل هذا لا يفوت المعصومين وأكابر علماء الشيعة ثم لا يعرفه إلا ذلك الأنوك!
ولكننا وجدنا بعض الشيعة يقول بأنه قد استند في رأيه ذلك على ما رواه الطبرسي في تفسيره بقوله: «وروي أن النبي ص بايعهن، وكان على الصفا، وكان عمر أسفل منه، وهند بنت عتبة منتقبة متنكرة مع النساء؛ خوفًا أن يعرفها رسول الله ص.
فقال: (أبايعكن على أن لا تشركن بالله شيئًا)، فقالت هند: إنك لتأخذ علينا أمرًا ما رأيناك أخذته على الرجال، وذلك أنه بايع الرجال يومئذ على الاسلام والجهاد فقط.
فقال ص: (ولا تسرقن)، فقالت هند: إن أبا سفيان رجل ممسك، وإني أصبت من ماله هنات، فلا أدري أيحل لي أم لا. فقال أبو سفيان: ما أصبت من مالي فيما مضى، وفيما غبر، فهو لك حلال.
فضحك رسول الله ص وعرفها فقال لها: (وإنك لهند بنت عتبة؟) قالت: نعم، فاعف عما سلف يا نبي الله، عفا الله عنك!
فقال ص: (ولا تزنين)، فقالت هند: أوتزني الحرة؟ فتبسم عمر بن الخطاب لما جرى بينه وبينها في الجاهلية»([29]).
وروى السمرقندي قريبًا من ذلك أيضًا بلا إسناد([30]).
فقالت الرافضة: إن تبسم عمر بعد ذكر قضية الزنا دليل على أن معاوية ابنه! ونحن نقول للرافضي: إن روايته إنما جاءت بصيغة التجهيل «روي»، ولو كان لها إسناد لتكلمنا فيه، لكنها بلا إسناد فهي ساقطة لا قيمة لها، فلا نتكلف الرد على مثل ذلك.
هذا فضلًا عن أنه لو صح فمن ذا الذي يجزم أن يكون معاوية هو ابن عمر ولهند من الأبناء: «أبان، ومعاوية، وعتبة، وأم الحكم، وجويرية» فمن أدرى هذا الأفاك أن المقصود معاوية؟!
وقد نقلنا بالإسناد الصحيح أن التبسم كان من رسول الله ق كان بعد ذكر قضية قتل الأولاد لا الزنا، وانظر تفصيل ذلك في البداية والنهاية لابن كثير([31]).
والحكاية ساقطة على مباني السنة والشيعة، فتبطل التهمة شرعًا وعقلًا.
قال الشريف المرتضى: «فأما الناصب ومخالف الشيعة فأنكحتهم صحيحة، وإن كانوا كفارًا ضُلَّالًا وليس يجب إذا لم يخرجوا ما وجب عليهم من حقوق الإمام، أن يكون عقود أنكحتهم فاسدة؛ لأن اليهود والنصارى مخاطبون عندنا بشرائعنا، ومعَبَّدون -بعباداتنا- وهم غير مخرجين من أموالهم هذه الحقوق، وعقود أنكحتهم صحيح، وكيف يجوز أن نذهب إلى فساد عقود أنكحة المخالفين؟ ونحن وكل من كان قبلنا من أئمتنا (Q) وشيوخنا نسبوهم إلى آبائهم، ويدعوهم إذا دعوهم بذلك، ونحن لا ننسب ولد زنية إلى من خلق من مائه ولا ندعوه به، وهل عقود أنكحتهم إلا كعقود قيناتهم؟ ونحن نبايعهم ونملك منهم بالابتياع، فلولا صحة عقودهم لما صحت عقود تابعهم في بيع أو إجارة أو رهن أو غير ذلك، وما مضى في المسألة من ذكر محمد بن أبي بكر وغيره من المؤمنين النجباء يؤكد ما ذكرناه، وهذا مما لا شبهة فيه»([32]).
فهذا الشريف المرتضى يقول بأنه لا يجوز نسبة ولد الزاني له مع إجماعهم على نسبة أولاد الكفار لآبائهم، وهذا مبني على إجماعهم على صحة أنكحة الكفار.
ويقول علي آل محسن: «هذا مع أن علماء الإمامية قد ذهبوا إلى صحة أنكحة الكفار والمخالفين، فكيف يكونون أبناء زنًا؟!»([33]).
وقال القاضي ابن البراج: «وأنكحة الكفار عندنا صحيحة ومهور نسائهم تابعة لذلك في الصحة»([34]).
وقال أيضًا: «سائر الأصحاب على أن أنكحة الكفار صحيحة واقعًا إذا عملوا بمذهبهم؛ لقوله ع: «لكل قوم نكاح» خلافًا لبعض العامة، فالظاهر أن في الأختين جوازَ اختيار أيتهما شاء كما في الشرائع، وإن شئت التفصيل بما لا مزيد عليه فراجع التذكرة، والله العالم»([35]).
وقال شهيدهم التُّسْتَري: «ذهبت الإمامية إلى أن أنكحة الكفار جائزة، وقال مالك: إنها باطلة، وخالف قوله: [ﮚ ﮛ ﮜ] {المسد:4} وأقر النبي S أبا سفيان لما أسلم قبل زوجته هند، ثم أسلمت بعده على النكاح، ولو كان فاسدًا لم يقرهما، وكذا غيرهما ولم يأمر أحدًا بتجديد النكاح»([36]).
وعليه فباتفاق لا يقال لمن نكح نكاحًا في الجاهلية أيًّا كان نوعه وحاله إن ولده ابن زنًا، بل حتى في حالة الاستلحاق إذا لم يُنازع فيه فلا يقال إنه ابن زنًا، وعليه فمن قال من الإمامية بذلك فهو جاهل مخالف لأصوله، فضلًا عن أصول أهل السنة.
([1]) رجال النجاشي (1/434).
([2]) منهاج السنة النبوية (1/59).
([3]) المجروحين، ابن حبان (3/91).
([4]) سير أعلام النبلاء، ط الحديث (8/281) والضعفاء والمتروكون، ابن الجوزي (3/176).
([5]) سير أعلام النبلاء، ط الحديث (10/101).
([6]) منهاج السنة النبوية (5/82).
([7]) وهو النكاح الجاهلي الذي حرّمه الإسلام بقوله تعالى: [ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ] {النساء:22}.
([8]) مثالب العرب، ابن الكلبي (ص١٥٣).
([11]) المثالب (ص ١٩٢ – ١٩٣).
([12]) صحيح وضعيف سنن أبي داود (ص٢).
([13]) صحيح مسلم (2/644).
([14]) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد (11/68).
([15]) الطبقات الكبير (6/15) ط الخانجي.
([17]) التاريخ الكبير، البخاري (9/96) ت الدباسي والنحال.
([18]) الآحاد والمثاني، ابن أبي عاصم (1/373).
([19]) تاريخ دمشق، ابن عساكر (59/57).
([21]) سير أعلام النبلاء (2/143) ط الرسالة.
([22]) صحيح البخاري (3/1391) ت البغا.
([23]) فتح الباري، ابن حجر (7/141).
([24]) الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار (ص225).
([25]) المعجم الكبير، الطبراني (25/69)، الشريعة، الآجري (5/2472).
([26]) مسند أحمد (31/207) ط الرسالة.
([27]) بحار الأنوار (١٦/391).
([28]) حقائق التأويل في متشابه التنزيل، الشريف الرضي (ص٢٢٧)، شرح إحقاق الحق، المرعشي (٢٤/373)، تذكرة الفقهاء، الحلي(٢/٥٦٧- ٥٦٨)، أهل البيت (ع) في المكتبة العربية، عبد العزيز الطباطبائي (ص٦١٨)، ظلامة أم كلثوم، جعفر مرتضى العاملي (ص٤١)، فقه الأخلاق، محمد الصدر (١/61).
([29]) مجمع البيان في تفسير القرآن الطبرسي (9/457) ط مؤسسة الأعلمي للمطبوعات.
([30]) تفسير السمرقندي، بحر العلوم (3/440).
([31]) البداية والنهاية (٤/٣٦٥).
([32]) رسائل الشريف المرتضى (1/400).
([33]) لله وللحقيقة (رد على كتاب لله ثم للتاريخ)، علي آل محسن (ص٤٨٧).
([34]) المهذب، القاضي ابن البراج (2/259).
([35]) المهذب، القاضي ابن البراج (2/255).
([36]) إحقاق الحق، التستري (ص٢٧٢).