حديث: أول من يبدِّل سُنتي رجل من بني أمية

الشبهة:

قال حسن فرحان المالكي: «حديث: «أول من يبدِّل سُنتي رجل من بني أمية» صححه الألباني، واختُلف في المراد به بين ثلاثة من بني أمية: عثمان بن عفان، ومعاوية، ويزيد، والراجح أنه معاوية؛ لأن الغالب على عثمان حسن السيرة؛ ولأن يزيد لم يأتِ بجديد، وإنما معاوية هو المراد بهذا»([1]).

 

([1]) مثالب معاوية، حسن فرحان المالكي (ص١١).

الرد علي الشبهة:

قد قام المالكي بنقلِ فهْمِه هو لكلام الألباني لا كلام الألباني، كما أنه تغاضى عن تأويل الألباني لمعنى الحديث، يقول الألباني: «وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات، رجال الشيخين، غير المهاجر، وهو ابن مخلد أبو مخلد، قال ابن معين: «صالح». وذكره ابن حبان في «الثقات». وقال الساجي: «صدوق». وقال أبو حاتم: لين الحديث، ليس بذاك، وليس بالمتقن، يكتب حديثه، قلت: فمثله لا ينزل حديثه عن مرتبة الحسن، والله أعلم.

ولعل المراد بالحديث تغيير نظام اختيار الخليفة، وجعله وراثة، والله أعلم»([1]).

* اعتراض على تأويل الألباني للحديث.

وهنا قد أوَّل الألباني الحديث على أنه تم تغيير نظام الحكم، وهو اجتهاد منه V ولا نوافقه عليه؛ إذ إن الخلافة عند أهل السنة ليس لها طريق واحد حتى يقال: «إنه تغيير لنظام الحكم»، فقد ثبت عن الصديق ا أنه نصَّ على عمر ا بعد استشارة الصحابة ي، وجعلها عمرُ في ستة من بعده، وبايع الناسُ عليًّا ا، وأخذ معاويةُ ا البيعةَ ليزيد، فلم يكن للخلافة طريق واحد إذًا كما يظهر بالتتبع.

ولو أن الشيعة وافقت الشيخ الألباني على تأويله واعتقدوا أن وراثة الخلافة هو تغيير سنة النبي ق لأسقطوا بذلك دينهم؛ وذلك أن الخلافة عندهم يتوارثها أبناء علي بتَحَكُّمٍ معروفٍ عندهم، فيكون أول من غيَّر السنة على هذا هو علي بن أبي طالب الذي جعلها وراثة في الحسن!!

* تصحيح الألباني للرواية

قول الألباني: «وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات» ليس تصحيحًا للحديث، بل هو تحسين للسند، وقد فسر ذلك بقوله: «رجاله ثقات»، وهذا ليس تصحيحًا للرواية، إنما هذا فيه إثبات شرطين فقط من خمسة شروط للحديث الصحيح، عدالة الرواة، وضبط الرواة، وبقيت ثلاثة شروط لم يتطرق لها في تحقق صحة الإسناد وهي: اتصال الإسناد، وعدم الشذوذ، وعدم العلة، وسيأتي بيان عدم توفر هذه الشروط في الرواية.

جميع أسانيد هذا الخبر لا تصح عند التحقيق، وجميع الروايات لهذا الأثر جاءت من طريق أبي العالية عن أبي ذر، وهو منقطع ولا يصح كما سنبينه.

* الرواية الأولى: مصنف ابن أبي شيبة.

روى هَوْذَةُ بْنُ خَلِيفَةَ، عَنْ أَبِي خَلْدَةَ، عَنْ عَوْفٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةَ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ق يَقُولُ: «أَوَّلُ مَنْ يُبَدِّلُ سُنَّتِي رَجُلٌ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ»([2]).

الرواية ساقطة بالمرة؛ ففيها مبتدع وانقطاع وخطأ:

فالمبتدع فيها عوف، وهو صاحب بدعتين، وهو ابن أبي جميلة المعروف بالأعرابي، فهو على وثاقته وصدقه، إلا أنه قدري([3]) شيعي([4]) جمعهما له ابن المبارك([5])، وكان في تشيعه رافضيًّا، بل نعته بُنْدار بقوله: «شيطانًا»([6]).

فالراوي رافضي، والرواية لا شك أنها تؤيد بدعته، فهي مردودة من هذا الوجه.

وقد جاء في الروايات التي فصلت سبب الحديث أن ذلك كان في زمان عمر، وأن يزيد بن أبي سفيان قد اصطفى جارية نفيسة لنفسه.

وهذا كذلك ساقط؛ إذ إن أبا ذر لم يَقْدم الشام في زمان عمر، وإنما قدم الشام في زمان عثمان ب، ويزيد بن أبي سفيان مات في خلافة عمر!

قال البخاري: «حَدثنِي مُحَمَّد، ثَنَا عبد الْوَهَّاب بن عبد الْمجِيد، عَن الْمُهَاجِر أبي مخلد، ثَنَا أَبُو الْعَالِيَة قَالَ: وحَدَّثَنِي أَبُو مُسلم قَالَ: كَانَ أَبُو ذَر بِالشَّام، وَعَلَيْهَا يزِيد بْن أبي سُفْيَان، فغزا النَّاس فغنموا، وَالْمَعْرُوف أَن أَبَا ذَر كَانَ بِالشَّام زمن عُثْمَان وَعَلَيْهَا مُعَاوِيَة، وَمَات يزِيد فِي زمن عمر وَلَا يعرف لأبي ذَر قدوم الشَّام زمن عمر ا»([7]).

فكيف يسمع أبو العالية من أبي ذر في الشام وهو لم يَقْدم إليها أصلًا في خلافة عمر؟!

وزد على كل هذا أن الحديث منقطع، فأبو العالية رفيع بن مهران الرياحي لم يسمع من أبي ذر، وإنما كان يحدث عنه بواسطة أبي مسلم وهو مجهول العين والحال! فالحديث من هذا الوجه منقطع وليس له إلا هذا الطريق.

قال ابن كثير: «وَقَالَ عَبَّاسٌ الدُّورِيُّ: سَأَلْتُ ابْنَ مَعِينٍ: أَسَمِعَ أَبُو الْعَالِيَةِ مِنْ أَبِي ذَرٍّ؟ قَالَ: لَا، إِنَّمَا يُرْوَى عَنْ أَبِي مُسْلِمٍ عَنْهُ.

قُلْتُ: فَمَنْ أَبُو مُسْلِمٍ هَذَا؟ قَالَ: لَا أَدْرِي.

وَقَدْ أَوْرَدَ ابْنُ عَسَاكِرَ أَحَادِيثَ فِي ذَمِّ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ، كُلُّهَا مَوْضُوعَةٌ، لَا يَصِحُّ شَيْءٌ مِنْهَا، وَأَجْوَدُ مَا وَرَدَ مَا ذَكَرْنَاهُ عَلَى ضَعْفِ أَسَانِيدِهِ وَانْقِطَاعِ بَعْضِهِ، وَاللهُ أَعْلَمُ»([8]).

* الرواية الثانية: دلائل النبوة.

أَخْبَرَنِي أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ قَالَ: أَنْبَأَ سُلَيْمَانُ بْنُ سَلْمٍ قَالَ: أَنْبَأَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ قَالَ: أَنْبَأَ عَوْفٌ، عَنْ أَبِي الْمُهَاجِرِ، عَنْ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ رُفَيْعٍ أَبِي الْعَالِيَةِ قال: قال أَبُو ذَرٍّ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ق يَقُولُ: «إِنَّ أَوَّلَ مَنْ يُبَدِّلُ سُنَّتِي رَجُلٌ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ»([9]).

وهي باطلة لا تصح؛ إذ فيها ضعف وانقطاع:

فيها مهاجر بن مخلد أبو مخلد، وهو ضعيف لا يحفظ، وكان وهيب بن خالد يعيبه ويقول: «لا يحفظ»، وقال أبو حاتم: «ليس بذاك، وليس بالمتقن، يُكتبُ حديثُه»، وقال ابن معين: «صالح»، وذكره ابن حبان في الثقات، وأورد له ابن عدي أحاديثَ، ثم قال: «وليس له إلا اليسير»([10]).

قلت: فإن لم يكن له من الأحاديث إلا النذر اليسير ومع هذا عابوا عليه سوء حفظه! فمثله لا يُعَوَّلُ عليه ولا يُعتمد على خبره.

وذكره ابن حجر في مرتبة المقبول([11])، وهذه المرتبة حديثها ضعيف عند جمهور أهل العلم، فحكم حديث الراوي المقبول هو الضعف؛ لأنه يمثل حكم حديث الراوي المجهول، والجمهور على رده وتضعيفه([12]).

والعلة الثانية والثالثة سبق ذكرهما في الرواية الأولى.

وهذه الرواية جاءت مفصلة من طريق عَوْفٍ، عَنْ أَبِي خَلْدَةَ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ قَالَ: «لَمَّا كَانَ يَزِيدُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ أَمِيرًا بِالشَّامِ، غَزَا النَّاسُ فَغَنِمُوا وَسَلِمُوا، فَكَانَ فِي غَنِيمَتِهِمْ جَارِيَةٌ نَفِيسَةٌ، فَصَارَتْ لِرَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي سَهْمِهِ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ يَزِيدُ، فَانْتَزَعَهَا مِنْهُ، وَأَبُو ذَرٍّ يومئذ بالشام، قال فَاسْتَغَاثَ الرَّجُلُ بِأَبِي ذَرٍّ عَلَى يَزِيدَ، فَانْطَلَقَ مَعَهُ، فَقَالَ لِيَزِيدَ: رُدَّ عَلَى الرَّجُلِ جَارِيَتَهُ
-ثَلَاثَ مَرَّاتٍ- قَالَ أَبُو ذَرٍّ: أَمَا وَاللهِ لَئِنْ فَعَلْتَ، لَقَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ
ق يَقُولُ: (إِنَّ أَوَّلَ مَنْ يُبَدِّلُ سُنَّتِي رَجُلٌ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ)، ثُمَّ وَلَّى عَنْهُ، فَلَحِقَهُ يَزِيدُ، فَقَالَ أُذَكِّرُكَ بِاللهِ: أَنَا هُوَ؟

قَالَ: اللهُمَّ لَا، وَرَدَّ عَلَى الرَّجُلِ جَارِيَتَهُ.

قُلْتُ: يَزِيدُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ كَانَ مِنْ أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ بِالشَّامِ فِي أَيَّامِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، لَكِنَّ سَمِيَّهُ يَزِيدَ بْنَ مُعَاوِيَةَ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ هُوَ، وَاللهُ أَعْلَمُ.

وَفِي هَذَا الْإِسْنَادِ إِرْسَالٌ بَيْنَ أَبِي الْعَالِيَةِ وَأَبِي ذَرٍّ»([13]).

وأنت ترى أنه رغم تضعيف البيهقي للرواية، أنها واضحة في أن الكلام إنما هو عن يزيد بن معاوية، وليس معاوية ا، وقد وردت تلك الرواية بنفس الطريق عند ابن عساكر في تاريخه([14]).

وعلى كل الأحوال فجميع الروايات إنما جاءت من طريق أبي العالية عن أبي ذر، وقد بيَّنَّا سبب الضعف.

جاء في سير أعلام النبلاء: «رَوَى عَوْفٌ الأَعْرَابِيُّ، عَنْ مُهَاجِرٍ أَبِي مَخْلَدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو العَالِيَةِ قَالَ: غَزَا يَزِيدُ بنُ أَبِي سُفْيَانَ بِالنَّاسِ، فَوْقَعَتْ جَارِيَةٌ نَفِيسَةٌ فِي سَهْمِ رَجُلٍ، فَاغْتَصَبَهَا يَزِيدُ، فَأَتَاهُ أَبُو ذَرٍّ، فَقَالَ: رُدَّ على الرجل جاريته، فتلكأ، فقال: لئن فَعَلْتَ ذَلِكَ، لَقَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ق يَقُولُ: «أَوَّلُ مَنْ يُبَدِّلُ سُنَّتِي رَجُلٌ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ يُقَالُ لَهُ: يَزِيدُ»([15]).

قال ابن عدي: «وَفِي بَعْضِ الأَخْبَارِ مُفَسَّرًا زَادَ: يُقَال لَهُ: يزيد»([16])، وقال البيهقي: «قُلْتُ: يَزِيدُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ كَانَ مِنْ أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ بِالشَّامِ فِي أَيَّامِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، لَكِنَّ سَمِيَّهُ يَزِيدَ بْنَ مُعَاوِيَةَ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ هُوَ، وَاللهُ أَعْلَمُ»([17])، ونقله عنه ابن كثير مقرًّا به إذا صح الحديث([18]).

قال المناوي: «قال البيهقي في كلامه على الحديث: هو يزيد بن معاوية؛ لخبر أبي يعلى والبيهقي وأبي نعيم وابن منيع: لا يزال أمر أمتي قائمًا بالقسط، حتى يكون أول من يثلمه رجل من بني أمية، يقال له: يزيد»([19]).

ورواية أبي يعلى والبيهقي وأبي نعيم وابن منيع التي بها حملوا الحديث على يزيد بن معاوية منقطعة لا تصح؛ قال أبو يعلى:

«حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ق: «لَا يَزَالُ أَمْرُ أُمَّتِي قَائِمًا بِالْقِسْطِ، حَتَّى يَكُونَ أَوَّلَ مَنْ يَثْلِمُهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ، يُقَالُ لَهُ: يَزِيدُ»»([20]).

قلت: منقطع، فمكحول لم يدرك أبا عبيدة.

ونبَّه الذهبي على ضعفه فقال: «لَمْ يَلْقَ مَكْحُولٌ أَبَا ثَعْلَبَةَ، وَقَدْ أَدْرَكَهُ وَصَدَّقَةُ السَّمِينُ ضَعِيفٌ»([21])، وأشار إلى انقطاعه الهيثمي فقال: «وَرِجَالُ أَبِي يَعْلَى رِجَالُ الصَّحِيحِ، إِلَّا أَنَّ مَكْحُولًا لَمْ يُدْرِكْ أَبَا عُبَيدَةَ»([22]).

إذا اعتقدت الشيعة صحة هذا الحديث، لكان قاطعًا على بطلان دينهم؛ إذ إنهم يعتقدون أن أول من بدَّل السنة ليس رجلًا من بني أمية، وإنما هو الصديق أبو بكر ا لما اغتصب الخلافة من علي بن أبي طالب، ولو اعترفت الشيعة بصحة الحديث لسقطت جميع شبهاتهم على أصحاب النبي ق في زمان أبي بكر وعمر خاصة، وبه تسقط أسطورة الإمامة المعصومة التي قام عليها دينهم.

 

([1]) سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها (4/329).

([2]) مصنف ابن أبي شيبة (7/260) ت الحوت.

([3]) «كان داود بن أبي هند يضرب عوفًا ويقول: ويلك يا قدري، ويلك يا قدري». الضعفاء الكبير (3/429).

([4]) التقريب (5215)، وتهذيب الكمال (22/440).

([5]) الضعفاء الكبير (3/429).

([6]) السابق نفسه.

([7]) التاريخ الأوسط (1/45).

([8]) البداية والنهاية (11/649) ت التركي.

([9]) الكنى والأسماء، الدولابي (2/508).

([10]) التكميل في الجرح والتعديل ومعرفة الثقات والضعفاء والمجاهيل (1/216).

([11]) تهذيب التهذيب (10/323).

([12]) مصطلح مقبول عند ابن حجر وتطبيقاته على الرواة من الطبقتين الثانية والثالثة في كتب السنن الأربعة، محمد راغب راشد الجيطان - رسالة ماجستير ٢٠١٠ (ص٢٧٧).

([13]) دلائل النبوة، البيهقي (6/466).

([14]) تاريخ دمشق، ابن عساكر (65/250).

([15]) سير أعلام النبلاء (3/200) ط الحديث.

([16]) الكامل في ضعفاء الرجال (4/97).

([17]) دلائل النبوة، البيهقي (6/467).

([18]) البداية والنهاية (9/234) ت التركي.

([19]) فيض القدير (3/94).

([20]) مسند أبي يعلى (2/176) ت حسين أسد، وقال: «رجاله ثقات، غير أنه منقطع».

([21]) تاريخ الإسلام (5/164) ط التوفيقية.

([22]) مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (5/242).