حديث «فساد أمتي علي أيدي أغيلمة من قريش»

الشبهة:

يقول حسن فرحان المالكي بعد أن ساق عدة روايات لهذا الحديث: فهذا الحديث إن كانوا يصدقونه فهو يرشد إلى أن فساد الأمة سيكون على أيدي بني أمية وقدوتهم معاوية فهم سائرون على نهجه،([1]).

 

([1]) مثالب معاوية، حسن فرحان المالكي (ص٢٠).

الرد علي الشبهة:

الخبر ثابت لا ريب في ذلك، فقد أخرجه الشيخان في صحيحيهما من حديث أبي هريرة ا([1])، لكن الفساد في حمل الحديث على معاوية ا، وذلك باطل من وجوه:

* بطلان تخصيص العموم بغير دليل مخصص

فالخبر لم يرد في كل طرقه ذكر أو تعيين أو تخصيص لبني أمية، فضلًا عن ذكر معاوية ا، بل جاء بصيغة العموم في قريش، فحمل الحامل هذا الخبر على بني أمية يفتقر إلى دليل مخصص، فإن وُجِد فيكون الدليل آنذاك في هذا المخصص ليس في رواية الصحيحين.

والشيعة يخصصونه بحديث يرويه الحاكم في المستدرك عَنْ رَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ ا قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ق يَقُولُ: «إِذَا بَلَغَتْ بَنُو أُمَيَّةَ أَرْبَعِينَ، اتَّخَذُوا عِبَادَ اللهِ خَوَلًا، وَمَالَ اللهِ نِحَلًا، وَكِتَابَ اللهِ دَغَلًا»([2]).

قال الذهبي في التلخيص: «منقطع»([3])، وقال في موضع آخر: «على ضعف رواية ابن أبي مريم: منقطع»([4])، وأعله ابن عساكر بالانقطاع قائلًا: «وراشد لم يدرك أبا ذر»([5])، وكذا ابن كثير قائلا: «وَهَذَا مُنْقَطِعٌ بَيْنَ رَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ وَبَيْنَ أَبِي ذَرٍّ»([6]).

وبذلك يظهر أن الألفاظ التي وردت بها الروايات الصحيحة الثابتة لم تصرح بكون الخبر متعينًا في بني أمية، فضلًا عن أن يكون في معاوية ا.

* لفظ الخبر لا ينطبق على معاوية بحال:

الحديث يصرح بأن هؤلاء أغيلمة وهم الصبية الصغار، قال الحافظ: «قَوْلُهُ فِي التَّرْجَمَةِ «أُغَيْلِمَةٍ» تَصْغِيرُ غِلْمَةٍ جَمْعُ غُلَامٍ، وَوَاحِدُ الْجَمْعِ الْمُصَغَّرِ غُلَيِّمٌ بِالتَّشْدِيدِ، يُقَالُ لِلصَّبِيِّ حِينَ يُولَدُ إِلَى أَنْ يَحْتَلِمَ: غُلَامٌ، وَتَصْغِيرُهُ غُلَيِّمٌ، وَجَمْعُهُ غِلْمَانُ وَغِلْمَةٌ وَأُغَيْلِمَةٌ»([7])، وَقَالَ ابن الْأَثِيرِ: «الْمُرَادُ بِالْأُغَيْلِمَةِ هُنَا الصَّبِيَّانُ، وَلِذَلِكَ صَغَّرَهُمْ»([8]).

ومن المعلوم أن معاوية إنما تولى الخلافة بعدما اقترب عمره من الستين، قال الحافظ: «مات معاوية في رجب سنة ستين على الصحيح»([9]).

وفي تاريخ خليفة بن خياط: «قَالَ الْوَلِيد: مَاتَ مُعَاوِيَة فِي رَجَب سنة سِتِّينَ، وَكَانَت خِلَافَته تسع عشرة سنة وَنصف سنة، قَالَ مُحَمَّد: وَحَدَّثَنِي الْوَاقِدِيُّ أَن مُعَاوِيَة مَاتَ وَهُوَ ابْن ثَمَان وَسبعين»([10]).

ومن أهل العلم من يقول بأن عمره كان قد جاوز الثمانين وأن ذلك هو الأشهر، يقول ابن كثير: «وَكَانَ عُمْرُهُ إِذْ ذَاكَ ثَمَانِيًا وَسَبْعِينَ سَنَةً، وَقِيلَ: جَاوَزَ الثَّمَانِينَ، وَهُوَ الْأَشْهَرُ»([11]).

وعليه فيكون معاوية قد تولى الخلافة وهو ابن ستين سنة، ومثل هذا لا يقال عنه غلام فضلًا عن غُلَيِّم، فلا يصدق هذا الوصف عليه قطعًا.

* سيرة معاوية ا تأبى أن يكون مصداقًا لهذا الخبر:

سيرة معاوية تأبى ذلك، فزمانه كان زمان عزة ونصر وتمكين للإسلام والمسلمين، وهذا ما اعترفت به الشيعة كما سيأتي بيانه.

ومسألة عزة الإسلام في خلافة معاوية يحتاج تفصيلها إلى مجلدات، لكن يكفينا أن النبي ق قد وصف خلافة معاوية بأنها ملك ورحمة، فروى الطبراني عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ق: «أَوَّلُ هَذَا الْأَمْرِ نُبُوَّةٌ وَرَحْمَةٌ، ثُمَّ يَكُونُ خِلَافَةً وَرَحْمَةً، ثُمَّ يَكُونُ مُلْكًا وَرَحْمَةً، ثُمَّ يَكُونُ إِمَارَةً وَرَحْمَةً، ثُمَّ يَتَكادَمُونَ عَلَيْهِ تَكادُمَ الْحُمُرِ، فَعَلَيْكُمْ بِالْجِهَادِ، وَإِنَّ أَفْضَلَ جهادِكُمُ الرِّبَاطُ، وَإِنَّ أَفْضَلَ رباطِكُمْ عَسْقَلَانُ»([12]) وثق الهيثمي رجاله([13])، وصححه الألباني([14]).

وليس الوصف بالملك ذمًّا، فقد وصف الله بعض الأنبياء بالملك، كداود وسليمان R([15])، ولا شك أن وصف خلافة معاوية بأنها ملكٌ ورحمةٌ لا يتناسب مع كونه هلَكَةً للأمة.

زِدْ على ذلك فتوحاته العظيمة التي بلغت أقصى ما عرفته حركة الفتح الإسلامي، حتى بلغت سور الصين العظيم شرقًا وحدود باريس غربًا.

يقول الشيخ شحاتة محمد صقر: «وغزا -معاوية- جُزُرَ صقلية، ورودس وجربا كريت، وكثير من جزر بحر إيجة قرب القسطنطينية، وأما في إفريقية، فقد جدد معاوية فتحها، ووصل إلى مكان تونس اليوم، كما فتح مناطق من فزّان، والسودان، وفي عهده افتتح بعض المناطق في المشرق، مثل الرُّخّج وبعض سجستان، وقوهستان، وغزا أمراؤه بلادَ السِّند وجبال الغور وبلاد اللان واجتازوا النهر، وهم أول من اجتازه من جند المسلمين، ودخلوا بخارى وسمرقند وتِرْمِذ، والحاصل كما قال أبو نعيم في (معرفة الصحابة): «مَلَكَ الناسَ كلَّهم عشرين سنة منفردًا بالمُلك، يفتح الله به الفتوح، ويغزو الروم، ويقسم الفيء والغنيمة، ويقيم الحدود، والله تعالى لا يُضِيعُ أجرَ من أحسنَ عَملًا»، وتحدث القاضي ابن العربيِّ المالكي في كتابه (العواصم من القواصم) عن الخصال التي اجتمعت في معاوية ا، فذكر منها: قيامه بحماية البيضة، وسدِّ الثغور وإصلاح الجند والظهور على العدوِّ وسياسة الخلق»([16]).

وأما في كتب الشيعة فكلامهم في هذه القضية واضح لا يستطيعون إنكاره:

يقول شيخهم المفيد: «أكثر فتوح الشام وبلاد المغرب والبحرين والروم وخراسان كانت على يد معاوية بن أبي سفيان وأمرائه، كعمرو بن العاص، وبسر بن أرطاة، ومعاوية بن حديج، وغير من ذكرناه، ومن بعدهم على أيدي بني أمية وأمرائهم بلا اختلاف»([17]).

ويقول اليعقوبي: «وافتتح أبو موسى الأشعري كور الأهواز وإصطخر سنة ٢٣، وكتب إليه عمر أن ضع عليها الخراج كما وضع على سائر أرض العراق، ففعل ذلك، وافتتح عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي همذان وأصبهان في هذه السنة، وافتتح قرظة بن كعب الأنصاري الري، وافتتح معاوية بن أبي سفيان عسقلان»([18])، ويقول أيضًا: «وافتتح معاوية بن أبي سفيان قبرس»([19]).

فهل يقال في مثل هذا: إن هلاك الأمة على يديه؟

* التحديث بهذا الحديث كان بعد زمان معاوية:

 إن التحديث بهذا الحديث كان في زمان متأخر جدًّا عن زمان معاوية ا، بل كان بعد زمان يزيد، كما ذكر الحافظ: «فَكُنْتُ أَخْرُجُ مَعَ جَدِّي إِلَى بَنِي مَرْوَانَ حِينَ مُلِّكُوا بِالشَّأْمِ أَوْلَادُهُ وَأَتْبَاعُهُ مِمَّنْ سَمِعَ مِنْهُ ذَلِكَ، وَهَذَا مُشْعِرٌ بِأَنَّ هَذَا الْقَوْلَ صَدَرَ مِنْهُ فِي أَوَاخِرِ دَوْلَةِ بَنِي مَرْوَانَ، بِحَيْثُ يُمْكِنُ عَمْرُو بْنُ يَحْيَى أَنْ يسمع مِنْهُ ذَلِك، وَقد ذكر ابن عَسَاكِرَ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ عَمْرٍو هَذَا بَقِيَ إِلَى أَنْ وَفَدَ عَلَى الْوَلِيدِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، وَذَلِكَ قُبَيْلَ الثَّلَاثِينَ وَمِائَةٍ»([20]).

وعليه فلا يمكن أن يقال إن هذا الحديث الذي ذكر فيه أن هلكة الأمة سيكون على يد أغيلمة من قريش، والذي تم التحديث به بعد المئة من الهجرة على أقل تقدير، لا يمكن أن يقال إن الأمة قد فهمت منه أن المقصود به معاوية ا.

* استدل بعض أهل العلم بحديث الستين على أن المراد يزيد ومَن بعده

حمل بعض أهل العلم الحديث على يزيد بن معاوية ومن بعده، واستدلوا على ذلك بتعوذ أبي هريرة من رأس الستين وإمارة الصبيان، قَالَ ابن بَطَّالٍ: «جَاءَ الْمُرَادُ بِالْهَلَاكِ مُبَيَّنًا فِي حَدِيثٍ آخَرَ لِأَبِي هُرَيْرَةَ أَخْرَجَهُ عَلِيُّ ابْنُ مَعْبَدٍ وابن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ: أَعُوذُ بِاللهِ مِنْ إِمَارَةِ الصِّبْيَانِ، قَالُوا: وَمَا إِمَارَة الصّبيان؟ قَالَ: إِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ هَلَكْتُمْ -أَيْ فِي دِينِكُمْ- وَإِنْ عَصَيْتُمُوهُمْ أَهْلَكُوكُمْ -أَيْ فِي دُنْيَاكُمْ بِإِزْهَاقِ النَّفْسِ أَوْ بِإِذْهَابِ الْمَالِ أَوْ بِهِمَا- وَفِي رِوَايَة ابن أَبِي شَيْبَةَ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يَمْشِي فِي السُّوقِ وَيَقُولُ: اللهُمَّ لَا تُدْرِكْنِي سَنَةُ سِتِّينَ وَلَا إِمَارَةُ الصِّبْيَانِ، وَفِي هَذَا إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ أَوَّلَ الْأُغَيْلِمَةِ كَانَ فِي سَنَةِ سِتِّينَ وَهُوَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ يَزِيدَ بْنَ مُعَاوِيَةَ اسْتُخْلِفَ فِيهَا وَبَقِيَ إِلَى سَنَةِ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ، فَمَاتَ ثُمَّ وَلِيَ وَلَدُهُ مُعَاوِيَةُ وَمَاتَ بَعْدَ أَشْهُرٍ، وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تُخَصِّصُ رِوَايَةَ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَاضِيَةِ فِي عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ بِلَفْظِ: يُهْلِكُ النَّاسَ هَذَا الْحَيُّ مِنْ قُرَيْشٍ، وَإِنَّ الْمُرَادَ بَعْضُ قُرَيْشٍ وَهُمُ الْأَحْدَاثُ مِنْهُمْ لَا كُلُّهُمْ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُمْ يُهْلِكُونَ النَّاسَ بِسَبَبِ طَلَبِهِمُ الْمُلْكَ وَالْقِتَالَ لِأَجْلِهِ، فَتَفْسُدُ أَحْوَالُ النَّاسِ وَيَكْثُرُ الْخَبْطُ بِتَوَالِي الْفِتَنِ، وَقَدْ وَقَعَ الْأَمْرُ كَمَا أَخْبَرَ ق»([21]).

وعلى كل حال فإننا نقطع أن معاوية ا خارج من ذلك كله بفضل الله تعالى.

إن أصدق من يُحمل عليه الحديث طبقًا لدين الرافضة هو مهديهم الذي تولى الإمامة وعمره ست سنين، ثم غاب وحصل التخبط الشديد بينهم، لكنه عندما يخرج فإنه لا يقتل ولا ينتقم إلا من أمة الإسلام ومقدساتها، ويرفض دين النبي ق ودين علي ا، فقد روى النعماني في الغيبة عَنْ زُرَارَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ: قُلْتُ لَهُ: «صَالِحٌ مِنَ الصَّالِحِينَ سَمِّهِ لِي، أُرِيدُ الْقَائِمَ ع، فَقَالَ: اسْمُهُ اسْمِي، قُلْتُ: أَيَسِيرُ بِسِيرَةِ مُحَمَّدٍ ص؟ قَالَ: هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ يَا زُرَارَةُ، مَا يَسِيرُ بِسِيرَتِهِ، قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، لِمَ؟ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ ص سَارَ فِي أُمَّتِهِ بِالْمَنِّ، كَانَ يَتَأَلَّفُ النَّاسَ، وَالْقَائِمُ يَسِيرُ بِالْقَتْلِ، بِذَاكَ أُمِرَ فِي الْكِتَابِ الَّذِي مَعَهُ، أَنْ يَسِيرَ بِالْقَتْلِ وَلَا يَسْتَتِيبَ أَحَدًا، وَيْلٌ لِمَنْ نَاوَأهُ»([22]).

فالمعصوم عندهم ينزه المهدي أن يسير بسيرة النبي ق، وكفى بهذا رفضًا للإسلام من مهديهم، وهلكة لدين الإسلام، ولأجل ذلك مَن قارن المهدي برسول الله ق يقول إن هذا الرجل ليس على دين محمد ق، وقد ذكر هذا النعماني أيضًا بسنده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ ع يَقُولُ: «لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا يَصْنَعُ الْقَائِمُ إِذَا خَرَجَ لَأَحَبَّ أَكْثَرُهُمْ أَلَّا يَرَوْهُ مِمَّا يَقْتُلُ مِنَ النَّاسِ، أَمَا إِنَّهُ لَا يَبْدَأُ إِلَّا بِقُرَيْشٍ فَلَا يَأْخُذُ مِنْهَا إِلَّا السَّيْفَ وَلَا يُعْطِيهَا إِلَّا السَّيْفَ، حَتَّى يَقُولَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: لَيْسَ هَذَا مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ، وَلَوْ كَانَ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ لَرَحِمَ»([23]).

ورووا أيضًا أنه يرفض السير بسيرة علي ا، فيقتل المسلمين ولا يرحمهم، فرووا عَنِ الْحَسَنِ بْنِ هَارُونَ بَيَّاعِ الْأَنْمَاطِ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللهِ ع جَالِسًا، فَسَأَلَهُ الْمُعَلَّى بْنُ خُنَيْسٍ: «أَيَسِيرُ الْقَائِمُ إِذَا قَامَ بِخِلَافِ سِيرَةِ عَلِيٍّ ع؟ فَقَالَ: نَعَمْ، وَذَاكَ أَنَّ عَلِيًّا سَارَ بِالْمَنِّ وَالْكَفِّ؛ لِأَنَّهُ عَلِمَ أَنَّ شِيعَتَهُ سَيُظْهَرُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَعْدِهِ، وَأَنَّ الْقَائِمَ إِذَا قَامَ سَارَ فِيهِمْ بِالسَّيْفِ وَالسَّبْيِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ شِيعَتَهُ لَمْ يُظْهَرْ عَلَيْهِمْ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا»([24]).

بل إن مهديهم يأتي بدين جديد لا علاقة له بالنبي ق ولا بأحد من أهل البيت ممن سبقوه، فهو سيتعامل مع دين النبي محمد ق كأنه دين جاهلية عياذًا بالله، فرووا عن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَطَاءٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ الْبَاقِرَ ع فَقُلْتُ: «إِذَا قَامَ الْقَائِمُ ع، بِأَيِّ سِيرَةٍ يَسِيرُ فِي النَّاسِ؟ فَقَالَ: يَهْدِمُ مَا قَبْلَهُ كَمَا صَنَعَ رَسُولُ اللهِ ص، وَيَسْتَأْنِفُ الْإِسْلَامَ جَدِيدًا»([25]).

ولا يظنَّنَّ ظانٌّ أن انتقام مهديهم سيكون من بني أمية أو من قريش فقط، بل سينتقم من سائر الناس كما جاء في تفسير البرهان نقلًا عن القمي: «فقال الله: يا محمد * [ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ] * يا محمد * [ ]{ الطارق:15-17} * لوقت بعث القائم S، فينتقم لي من الجبابرة والطواغيت من قريش وبني أمية وسائر الناس»([26]).

وهذا القتل ظاهر في أنه للمسلمين فقط كما يقول محمد الصدر: «ظاهر هذه الروايات أن كثرة القتل مختصة بالمسلمين، لا تشمل غيرهم»([27]).

هذا فضلًا عن أنهم صرحوا أن عداءه سيكون للعرب، قال الحر العاملي: «وقال S: إذا خرج القائم يقوم بأمر جديد، وكتاب جديد، وسنة جديدة، وقضاء جديد، على العرب شديد، ليس شأنه إلا القتل ولا يستبقي أحدًا، ولا تأخذه في الله لومة لائم»([28]).

وفي بصائر الدرجات: «وإن القائم يسير في العرب بما في الجفر الأحمر، قال: فقلت له: جعلت فداك، وما الجفر الأحمر؟ قال: فأمرَّ أصبعه إلى حلقه فقال: هكذا، يعني الذبح»([29]).

وفي غيبة النعماني عن أبي عبد الله أنه قال: «إذا خرج القائم لم يكن بينه وبين العرب وقريش إلا السيف»([30]).

وغير ذلك من جرائم مهديهم بحق أمة الإسلام كهدم المسجد الحرام والمسجد النبوي ...([31])، فلا شك أنه أكبر مجرم سمعت به البشرية جمعاء، وبذا نحن نزعم أن مهديهم مصداق هذا الحديث النبوي.

 

([1]) أخرجه البخاري في صحيحه من حديث عَمْرِو بْنِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأُمَوِيِّ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: كُنْتُ مَعَ مَرْوَانَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ، فَسَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ الصَّادِقَ الْمَصْدُوقَ يَقُولُ: «هَلَاكُ أُمَّتِي عَلَى يَدَيْ غِلْمَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ» فَقَالَ مَرْوَانُ: غِلْمَةٌ! قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: إِنْ شِئْتَ أَنْ أُسَمِّيَهُمْ بَنِي فُلَانٍ وَبَنِي فُلَانٍ.

وعند مسلم في صحيحه من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ق قال: «يهلك أمتي هذا الحي من قريش» قالوا: فما تأمرنا؟ قال: «لو أن الناس اعتزلوهم».

([2]) المستدرك على الصحيحين، الحاكم (4/525) ط العلمية.

([3]) السابق نفسه.

([4]) مختصر تلخيص الذهبي (7/3332)، وانظر: تاريخ الإسلام (5/141) ط التوفيقية.

([5]) تاريخ دمشق، ابن عساكر (57/253).

([6]) البداية والنهاية (9/268) ت التركي.

([7]) فتح الباري، ابن حجر (3/13).

([8]) فتح الباري، ابن حجر (9/13).

([9]) الإصابة في تمييز الصحابة (6/122)، وكذلك قال الذهبي في السير (3/162) ط الرسالة.

([10]) تاريخ خليفة بن خياط (ص230).

([11]) البداية والنهاية (11/459) ت التركي.

([12]) المعجم الكبير، الطبراني (11/88).

([13]) مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (5/190).

([14]) سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها (7/803).

([15]) كما في قوله تعالى: [ ﮩ ﮪ ] {البقرة:251}، فهل هذا مقام ذم أم مَنّ ومدح؟! فليس كل ذكر للملك ذمًّا.

([16]) دليل الواعظ إلى أدلة المواعظ (2/563).

([17]) الإفصاح، المفيد (ص130).

([18]) تاريخ اليعقوبي (2/157).

([19]) تاريخ اليعقوبي (2/166).

([20]) فتح الباري، ابن حجر (13/11).

([21]) فتح الباري (13/10).

([22]) الغيبة، محمد بن إبراهيم النعماني (1/231).

([23]) الغيبة، محمد بن إبراهيم النعماني (1/233).

([24]) السابق نفسه.

([25]) السابق نفسه.

([26]) البرهان في تفسير القرآن، هاشم البحراني (٥/632).

([27]) موسوعة الإمام المهدي (ع) - تاريخ ما بعد الظهور، محمد الصدر (٣/402).

([28]) إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات، الحر العاملي (٥/167).

([29]) بصائر الدرجات، الصفار القمي (1/173) ط مؤسسة الأعلمي.

([30]) الغيبة، ابن أبي زينب النعماني (ص٢٣٩).

([31]) بحار الأنوار، المجلسي (52/338)، الغيبة، الطوسي (ص282).