* أما الرواية السنية فمن طريق ابن جعدبة، وهو كذابٌ ليس بثقة تركه الأئمة.
قال ابن الجوزي: «يزِيد بن عِيَاض بن جعدبة أَبُو الحكم اللَّيْثِيّ الْمَكِّيّ ... قَالَ يحيى: لَيْسَ بِشَيْء، وَلَا يكْتب حَدِيثه، وَقَالَ مرّة: لَيْسَ بِثِقَة.
وَقَالَ عَليّ: ضَعِيف، لَيْسَ بِالْقَوِيّ.
سُئِلَ مَالك عَن ابْن سمْعَان فَقَالَ: كَذَّاب، قيل: فيزيد بن عِيَاض؟ فَقَالَ: أكذب وأكذب.
وَقَالَ البُخَارِيُّ وَمُسلمٌ: مُنكر الحَدِيث.
وَقَالَ السَّعْدِيُّ: ذهب حَدِيثه.
وَقَالَ النَّسَائِيّ وَأحمد بن صَالح والأزدي: مَتْرُوك الحَدِيث.
وَقَالَ الفلاس: ضَعِيف الحَدِيث جدًّا.
وَقَالَ الدارقطني: ضَعِيف»([1]).
فهذا هو حال راوي رواية أهل السنة والجماعة كاسد فاسد وروايته مثله، وزد على ذلك أن الرواية ليس بها ذكر لمعاوية ا.
روى الكليني في كافيه عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْحَضْرَمِيِّ قَالَ: «إِنَّ جَعْدَةَ بِنْتَ أَشْعَثَ بْنِ قَيْسٍ الْكِنْدِيِّ سَمَّتِ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ وَسَمَّتْ مَوْلَاةً لَهُ، فَأَمَّا مَوْلَاتُهُ فَقَاءَتِ السّمَّ، وَأَمَّا الْحَسَنُ فَاسْتَمْسَكَ فِي بَطْنِهِ ثُمَّ انْتَفَطَ بِهِ فَمَاتَ»([2]).
وهذه رواية منقطعة؛ إذ إن الحضرمي لم يحضر الواقعة ولم يذكر عن من أخذها، وقد ذكر الخوئي أن الحضرمي من الرواة عن الباقر والصادق، ولم يرو عن زين العابدين فضلًا عن الحسين، فضلًا عن أن يدرك زمان الحسن!([3])
وروى المفيد في الإرشاد عن مغيرة قال: «أرسل معاوية إلى جعدة بنت الأشعث بن قيس: أنّي مزوّجك يزيد ابني على أن تسمّي الحسن، وبعث إليها مائة ألف درهم، ففعلت وسمّت الحسن، فسوّغها المال ولم يزوّجها من يزيد، فخلف عليها رجل من آل طلحة فأولدها، فكان إذا وقع بينهم وبين بطون قريش كلام عيّروهم وقالوا: يا بني مسمّة الأزواج»([4]).
والرواية فاسدة كاسدة مروية من طريق المجاهيل:
- عيسى بن مهران: قال الخوئي «مجهول»([5]).
- عبيد الله بن الصباح: مجهول، قال الشاهرودي: «لم يذكروه»([6]).
- جرير بن حازم: مجهول، قال الشاهرودي: «لم يذكروه»([7]).
- مغيرة الضبي: لم أجد له ترجمة!
فهذه رواية مسلسلة بالمجاهيل!!
وروى القاضي النعماني المغربي الشيعي عن عبد الله بن عباس أنه قال: «كان الحسن S قد سُقي السّم، سقته امرأته إياه -جعدة بنت الأشعث- فكانت نفسه فيه، وأعطيت على ذلك مالًا كثيرًا»([8]).
وهذه الرواية ساقطة بلا إسناد.
فتلك هي الروايات التي يحتجون بها، كلها ساقطة الأسانيد فاسدة! ومنه قرر أهل العلم عدم ثبوت ذلك عن معاوية ا، وأن ذلك ما عدا كونه زعمٌ زعمته الرافضة للتشنيع على معاوية ا!
قال شيخ الإسلام: «وَأَمَّا قَوْلُهُ: «إِنَّ مُعَاوِيَةَ سَمَّ الْحَسَنَ» فَهَذَا مِمَّا ذَكَرَهُ بَعْضُ النَّاسِ، وَلَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ بِبَيِّنَةٍ شَرْعِيَّةٍ، أَوْ إِقْرَارٍ مُعْتَبَرٍ، وَلَا نَقْلٍ يُجْزَمُ بِهِ، وَهَذَا مِمَّا لَا يُمْكِنُ الْعِلْمُ بِهِ، فَالْقَوْلُ بِهِ قَوْلٌ بِلَا عِلْمٍ»([9]).
وقال الحافظ الذهبي: «هَذَا شَيْءٌ لَا يَصِحُّ، فَمَنِ الَّذِي اطَّلَعَ عَلَيْهِ؟»([10]).
وقال الحافظ ابن كثير: «وَعِنْدِي أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ، وَعَدَمُ صِحَّتِهِ عَنْ أَبِيهِ مُعَاوِيَةَ بِطَرِيقِ الْأُولَى»([11]).
وقال ابن خلدون: «وما يُنقل من أنَّ معاوية دسَّ إليهم السمَّ مع زوجه جعدة بنت الأشعث فهو من أحاديث الشيعة، وحاشا لمعاوية من ذلك»([12]).
فالمعلوم المتفق عليه عند السنة والشيعة أن الحسن قد تنازل لمعاوية ب بمحض إرادته بغية الإصلاح بين الناس وحفظ الدماء.
فقد أخرج ابن سعد عن يزيد بن خُمَيْر قال: سمعتُ عبد الرحمن بن جُبير بن نُفير الحضرمي يحدث عن أبيه، قال: «قلتُ للحسن بن علي: إن الناس يزعمون أنك تريد الخلافة؟ فقال: كانت جماجم العرب بيدي يسالمون مَن سالَمت، ويحاربون مَن حارَبت، فتركتها ابتغاء وجه الله، ثم أثيرها بِأَتْيَاس أهل الحجاز!»([13]).
وروت الشيعة نظير هذا في كتبهم، فروى العياشي عن حمران عن أبي جعفر ع قال: قلت له: «يا ابن رسول الله ص، زعم ولد الحسن ع أن القائم منهم وأنهم أصحاب الأمر، ويزعم ولد ابن الحنفية مثل ذلك.
فقال: رحم الله عمي الحسن ع، لقد غمد الحسن ع أربعين ألف سيف حين أصيب أمير المؤمنين ع، وأسلمها إلى معاوية»([14]).
ولم ينازع الحسنُ معاويةَ بعد الصلح يومًا قط، فما الداعي أن يتخلص منه معاوية إذًا؟ فإذا كان الحسن قد تنازل وأَمِن معاوية جانبَه، فلماذا يُقدِمُ معاوية على ذلك وقد عاش الحسنُ بعد الصلح أكثر من عشر سنين؟! وإذا كان معاوية يخشى على نفسه والخلافة، فلماذا لم يقتل الحسين وباقي أهل البيت أيضًا حتى يخلو له الأمر تمامًا؟
قال القاضي ابن العربي: «فإن قيل: قد دسَّ على الحسن من سمه. قلنا: هذا محال من وجهين:
أحدهما: أنه ما كان ليتقي من الحسن بأسًا وقد سلم الأمر.
الثاني: أنه أمر مغيب لا يعلمه إلا الله، فكيف تحملونه -بغير بينة- على أحد من خلقه في زمان متباعد لم نثق فيه بنقل ناقل بين أيدي قوم ذوي أهواء، وفي حال فتنة وعصبية، ينسب كل واحد إلى صاحبه ما لا ينبغي، فلا يقبل منها إلا الصافي، ولا يسمع فيها إلا من العدل المصمم؟!»([15]).
عاش الحسين بعد الحسن سنينَ طوالًا تحت حكم معاوية، فلماذا لم يطالب بالقصاص من معاوية؟
ولماذا لم يخرج على معاوية كما خرج على يزيد؟
إن سكوت الحسين على مقتل أخيه الحسن هو أكبر طعن في الحسين الذي يعتقد الشيعة أنه لا يخشى في الله لومة لائم، فلو كان ذلك ووقع ما تدَّعيه الشيعة لما سكت على مقتل أخيه ولطالب بالقصاص، لا سيما أن معاوية هو أشهر من طالب بذلك تطبيقًا لكتاب الله تعالى في قتل عثمان، فكان الأولى بتطبيق كتاب الله في قضية الحسن هو أخوه الحسين، فلمّا لم يفعل ذلك علمنا أنه محض كذب على معاوية ا.
إن اعتقاد الشيعة أن زوجة الحسن هي التي قتلته لهو أكبر طعن في الحسن، ومن اللوازم التي تلزمهم في ذلك أن الحسن ترك اختيار ذات الدين، فقد جاء في كامل الزيارات عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر S قال: «لا يقتل النبيين وأولاد النبيين إلا أولاد زِنًا»([16]).
فيلزم من هذا أن الحسن ا بدلًا من أن يلتزم بوصية رسول الله ص باختيار ذات الدين قد اختار بنت زنا، عياذًا بالله تعالى.
ونكاح من كان هذا حاله محرم في دين الإمامية، فعن سليمان الحمار عن أبي عبد الله S قال: «لا ينبغي للرجل المسلم منكم أن يتزوج الناصبية، ولا يزوِّج ابنته ناصبًا ولا يطرحها عنده».
قال مصنف هذا الكتاب: من نصب حربًا لآل محمد صلوات الله عليهم فلا نصيب له في الإسلام؛ فلهذا حرم نكاحهم»([17]).
وفي تهذيب الطوسي عن فضيل بن يسار، عن أبي جعفر S قال: «ذكر الناصب فقال: لا تناكحهم، ولا تأكل ذبيحتهم، ولا تسكن معهم»([18]).
وورد في منية السائل: «(س): هل يجري على الناصبي المحرز نصبه العداء في أحكام الزواج ما يجري على الكافر من بطلان العقد ابتداء، وانفصال بزوجته عنه، ولو طرأ النصب بعد العقد؟
(ج): نعم يجري عليه حكم الكافر كاملًا»([19]).
فالناصب كافر عند الإمامية لا يجوز للمسلم نكاحه؛ قال الله تعالى: [ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ] {الممتحنة:10}، فكيف يخالف الإمام المعصوم الحسنُ القرآنَ ويتزوج هذه الناصبية؟!
إلى غير ذلك من الإشكالات على العقيدة الشيعية في قولهم إن زوجة الحسن هي من قتلته بالسم، سواء كان بإيعاز من غيرها أم لا.
عقيدة الشيعة هو عدم التعرض لمن سعى في الإضرار بالأئمة، أو حتى الوقيعة بهم وفيهم، وإن شئت فقل في قتلهم وإهلاكهم، ذكر الجزائري: «أنّ كثيرًا من الشيعة ومن أقارب الأئمة Q كانوا يؤذون أئمتهم Q بأنواع الأذى، مثل العبّاس أخي الرضا، ومثل أقارب مولانا الصادق، وقد كان جماعة منهم يسعون بقتلهم وإهانتهم عند خلفاء الجور، ومع هذا كله إذا أراد أحد من الشيعة أن يذكرهم بسوء في مجالس الأئمة Q يغضبون Q، ويبالغون في نفيه، ويقولون: إنّ هؤلاء أقاربنا، دعونا معهم، لا تتعرضوا لهم بسوء من كلام خبيث وغيره»([20]).
([1]) الضعفاء والمتروكون، ابن الجوزي (3/211).
([2]) الكافي، الكليني (2/501) ط دار الحديث.
([3]) معجم رجال الحديث، الخوئي (١١/317).
([4]) الإرشاد، المفيد (2/16).
([5]) المفيد من معجم رجال الحديث، محمد الجواهري (ص٤٤٩).
([6]) مستدركات علم رجال الحديث، علي النمازي الشاهرودي (5/37).
([7]) مستدركات علم رجال الحديث، علي النمازي الشاهرودي (2/126).
([8]) شرح الأخبار، القاضي النعمان المغربي (٣/128).
([9]) منهاج السنة النبوية (4/469).
([10]) تاريخ الإسلام (4/40) ت تدمري.
([11]) البداية والنهاية (11/209) ت التركي.
([12]) تاريخ ابن خلدون (2/649).
([13]) الطبقات الكبير (6/380) ط الخانجي.
([14]) تفسير العيَّاشي (2/291).
([15]) العواصم من القواصم (ص213) ط الأوقاف السعودية.
([16]) كامل الزيارات، ابن قولويه (ص163).
([17]) من لا يحضره الفقيه، الصدوق (3/408).
([18]) تهذيب الأحكام، الطوسي (7/303), وقال المجلسي عن الرواية في ملاذ الأخيار: «موثق» (12/125).
([19]) مُنْيَة السائل، الخوئي (ص118).
([20]) الأنوار النعمانية، نعمة الله الجزائري (3/185).