زعمهم قتل معاوية مالكًا الأشتر غدرًا

الشبهة:

قال أحد أكابر الشيعة: «كان مالك الأشتر عونًا للإمام علي S وركنًا متينًا في حكومته الإسلامية، وقد اكتشف معاوية أهمية الأشتر ودوره المؤثر، فهو من أخلص أصحاب الإمام، ومن ذوي الرأي السديد والحكمة العالية؛ لذلك كان معاوية يجد فيه تهديدًا له، فكان يسعى إلى التخلص منه من أجل إضعاف قوى الإمام علي، وعندما قرر الإمام S أن يبعثه واليًا على مصر، شعر معاوية بالخطر الجدّي من وراء هذه الخطوة، فهذا يعني تحول مصر إلى قلعة قوية في دولة الإمام علي، مما سيضعف بطبيعة الحال سلطة معاوية في الشام، ومن هنا قرر معاوية أن يقدم على جريمة قتل مالك الأشتر؛ لإنهاء دوره من الحياة الإسلامية، وقد دبَّر مؤامرة الاغتيال مع شريكه عمرو بن العاص؛ حيث تم اغتياله رضوان الله عليه وهو في طريقه إلى مصر، فقضى نحبه شهيدًا بعد أن أدَّى دوره الرسالي الكبير، مخلفًا فراغًا واسعًا في الساحة الإسلامية، ولقد سُرَّ معاوية بمقتل مالك الأشتر، وأظهر ذلك حينما خطب الناس في الشام بعد وصول خبر قتله بقوله: أما بعد، فإنه كان لعلي بن أبي طالب يمينان، قطعت إحداهما في صفين «يقصد عمار بن ياسر»، وقطعت الأخرى اليوم «يقصد مالكًا الأشتر»»([1]).

وقال اللنكراني: «أمَرَ أي معاوية- بقتل مالك الأشتر، فتمَّ له ذلك عن طريق الغدر والحيلة»([2]).

 

([1]) ملحمة قوافل النّور، حسين بركة الشامي (1/127).

([2]) الدولة الاسلامية، محمد اللنكراني (1/21).

الرد علي الشبهة:

قال الطبري في تاريخه: «فخرج الأَشْتَر من عِنْد علي فأتَى رحله، فتهيأ للخروج إِلَى مصر، وأتت مُعَاوِيَةَ عيونُه فأخبروه بولاية علي الأَشْتَر، فعظم ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَقَدْ كَانَ طَمِعَ فِي مصر، فعلم أن الأشتر إن قدمها كان أشدَّ عليه من محمد بن أبي بكر، فبعث مُعَاوِيَة إِلَى الجايستار -رجل من أهل الخراج- فَقَالَ لَهُ: إن الأَشْتَر قَدْ ولي مصر، فإن أنت كفيتنيه لم آخذ مِنْكَ خراجًا مَا بقيت، فاحْتَلْ لَهُ بِمَا قدرت عَلَيْهِ، فخرج الجايستار حَتَّى أتى القلزم وأقام بِهِ، وخرج الأَشْتَر من العراق إِلَى مصر، فلما انتهى إِلَى القلزم استقبله الجايستار، فَقَالَ: هَذَا منزل، وهذا طعام وعلف، وأنا رجل من أهل الخراج، فنزل بِهِ الأَشْتَر، فأتاه الدهقان بعلف وطعام، حَتَّى إذا طعم أتاه بشربة من عسل قَدْ جعل فِيهَا سمًّا فسقاه إياه، فلما شربها مات.

وأقبل مُعَاوِيَة يقول لأهل الشام: إن عَلِيًّا وجَّه الأَشْتَر إِلَى مصر، فادعوا اللهَ أن يكفيكموه، قَالَ: فكانوا كل يوم يدعون الله عَلَى الأَشْتَر، وأقبل الَّذِي سقاه إِلَى مُعَاوِيَةَ فأخبره بمهلك الأَشْتَر، فقام مُعَاوِيَة فِي النَّاسِ خَطِيبًا، فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَقَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فإنه كَانَتْ لعلي بن أبي طالب يدان يمينان، قطعت إحداهما يوم صفين (يعني عمار بن ياسر) وقطعت الأخرى الْيَوْم (يعني الأَشْتَر)»([1]).

هذه رواية ساقطة من طريق الرافضي الهالك أبي مِخنف لوط بن يحيى؛ قال الطبري في معرض سوق هذا الخبر ما نصه: «وأما مَا قَالَ فِي ابتداء أمر مُحَمَّد بن أبي بكر فِي مصيره إِلَى مصر وولايته إياها أَبُو مخنف، فقد تقدم ذكرنا لَهُ، ونذكر الآن بقية خبره»([2]).

وأبو مخنف رافضي تالف متروك الحديث ليس بثقة، قال ابن الجوزي: «لوط بن يحيى أَبُو مخنف، قَالَ يحيى: لَيْسَ بِثِقَة. وَقَالَ مرّة: لَيْسَ بِشَيْء، وَقَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ: مَتْرُوك الحَدِيث، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: ضَعِيف»([3]).

وقال الذهبي: «قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِثِقَةٍ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: مَتْرُوكُ الحَدِيثِ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: أَخْبَارِيٌّ ضَعِيفٌ»([4]).

وقال البِلَاذري في أنسابه ما نصه: «وأتت مُعَاوِيَة عيونه بشخوص الأشتر واليًا عَلَى مصر، فبعث إِلَى رأس أَهْل الخراج بالقلزم فَقَالَ لَهُ: إن الأشتر قادم عليك، فَإِن أنت لطفت لكفايتي إياه لم آخذ منك خراجًا مَا بقيت، فاحْتَلْ له بما قدرت عليه.

فخرج الأشتر حَتَّى إذا أتى القلزم -وَكَانَ شخوصه من الْعِرَاق فِي البحر- استقبله الرجل فأنزله وأكرمه وأتاه بطعام، فلما أكل قَالَ لَهُ: أي الشراب أحب إِلَيْك أيها الأمير؟ قَالَ: العسل، فأتاه بشربة منه قد جعل فِيهَا سمًّا، فلما شربها قتلته من يومه أَوْ من غده.

وبلغت مُعَاوِيَة وفاته، فَقَالَ: كانت لعلي يدان (يعني قَيْسَ بْن سعد بن عبادة، والأشتر) فقد قطعت إحداهما، وجعل يقول: (إن لله لجندًا من عسل)»([5]).

وهذه رواية أفسد من سابقتها؛ إذ ساقها البلاذري من رواية الكلبي عن أبي مخنف، وكلاهما أسوأ من أخيه وأردى!

 كان الأشتر النخعي تحت حكم معاوية وسلطانه في خلافة عثمان ا عندما نفاه عثمان بن عفان ا، وكان آنذاك مثيرًا للفتن، فلو أراد معاوية أن يقتله بحيلة أو بغيرها لفَعَل.

قال محبُّ الدين الخطيب في تعليقه على العواصم من القواصم: «أثاروا الفتنة يوم ضربوا عبد الرحمن بن خنيس الأسدي وأباه وهم في دار الإمارة بالكوفة، فكتب أشراف الكوفة وصلحاؤها إلى عثمان بإخراجهم إلى بلد آخر، فسيرهم إلى معاوية في الشام، والذين سيروا إلى معاوية: هم الأشتر النخعي، وابن الكواء اليشكري، وصعصعة بن صوحان العبدي، وأخوه زيد، وكميل بن زياد النخعي، وجندب بن زهير الغامدي، وجندب بن كعب الأزدي، وثابت بت قيس بن منقع، وعروة بن الجعد البارقي، وعمرو بن الحمق الخزاعي»([6])، وذكر ذلك الطبري في تاريخه([7]).

إذًا فقد تمكن معاوية من رقبة الأشتر في وقت شغب وفتنة قد أثار نارها ولم يقتله وقتها! أفيقتله بعد ذلك فيما هو دون الفتنة التي افتعلها؟!

وقد كان الأشترُ هذا رأسًا من رؤوس الفتنة في زمانه، بل أراد قتل عليٍّ ا، قال ابن كثير: «فَقَالَ الْأَشْتَرُ: قَدْ عَرَفْنَا رَأْيَ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ فِينَا، وَأَمَّا رَأْيُ عَلِيٍّ فَلَمْ نَعْرِفُهُ إِلَى الْيَوْمِ، فَإِنْ كَانَ قَدِ اصْطَلَحَ مَعَهُمْ فَإِنَّمَا اصْطَلَحُوا عَلَى دِمَائِنَا، فَإِنْ كَانَ الْأَمْرُ هَكَذَا أَلْحَقْنَا عَلِيًّا بِعُثْمَانَ»([8]).

فلا أدري على أي شيء تتباكى الرافضة؟! أعلى مثل هذا يتباكون؟! أم أنهم فقط أرادوا أن يصنعوا لأنفسهم أبطالًا ولو كانوا من ورق؟!

 

([1]) تاريخ الطبري = تاريخ الرسل والملوك، وصلة تاريخ الطبري (5/ 95 - 96).

([2]) تاريخ الطبري = تاريخ الرسل والملوك، وصلة تاريخ الطبري (5/94)، ثم ساق ما سبق.

([3]) الضعفاء والمتروكون، ابن الجوزي (3/28).

([4]) سير أعلام النبلاء (7/10) ط الحديث.

([5]) أنساب الأشراف، البلاذري (2/398 - 399).

([6]) العواصم من القواصم، ابن العربي (1/119) ط الأوقاف السعودية.

([7]) تاريخ الطبري = تاريخ الرسل والملوك، وصلة تاريخ الطبري (4/325).

([8]) البداية والنهاية (10/451) ت التركي.