* الرواية الأولى: «رواية سفينة»
أخرج البزار في مسنده قال: حَدَّثَنَا السَّكَنُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: نَا عَبْدُ الصَّمَدِ قَالَ: نَا أَبِي، وَحَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُمْهَانَ عَنْ سَفِينَةَ ا: «أَنَّ النَّبِيَّ ق كَانَ جَالِسًا، فَمَرَّ رَجُلٌ عَلَى بَعِيرٍ وَبَيْنَ يَدَيْهِ قَائِدٌ وَخَلْفَهُ سَائِقٌ، فَقَالَ: لَعَنَ اللهُ الْقَائِدَ وَالسَّائِقَ وَالرَّاكِبَ»([1]).
قال الهيثمي: «رَوَاهُ الْبَزَّارُ، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ»([2]).
✍ قلت: ضعيف جدًّا.
رجال هذا الخبر ليسوا ثقات كما قال الهيثمي، فالسكن بن سعيد شيخ البزار مجهول، بل الهيثمي نفسه نص على أنه لا يعرفه فقال: «وَشَيْخُ الْبَزَّارِ السَّكَنُ بْنُ سَعِيدٍ، وَلَمْ أَعْرِفْهُ»([3])، فمن أين أتت له الوثاقة إذًا؟!
وكذلك قال في ترجمته الألباني: «والسكن بن سعيد -شيخ البزار- لم أعرفه!»([4]).
وحماد بن سلمة بالرغم من أنه ثقة ثبت حافظ، إلا أن في حديثه اضطرابًا شديدًا، وأوهامًا رد العلماء بها بعض حديثه، قال الحافظ عنه: «ثقه عابد، أثبت الناس في ثابت، وتغير حفظه بأخرة»([5]).
وقال يعقوب بن شيبة: «حماد بن سلمة ثقة، في حديثه اضطراب شديد، إلا عن شيوخه فإنه حسن الحديث عنهم، متقن لحديثهم مقدَّم على غيره فيهم، منهم: ثابت البُناني، وعمار بن أبي عمار»([6]).
ولم يُذكر من شيوخه هؤلاء الذين أتقن حديثهم سعيد بن طهمان، وقال الذهبي: «كَانَ بَحْرًا مِنْ بُحُورِ العِلْمِ، وَلَهُ أَوهَامٌ فِي سعَةِ مَا رَوَى»([7]).
ورواية سعيد بن جهمان عن سفينة لا يحتجّ بها عند طائفة من أهل العلم، قال الذهبي: «سعيد بن جمْهَان الْأَسْلَمِيّ عَن سفينة، قَالَ أَبُو حَاتِم: لَا يُحْتَج بِهِ، وَوَثَّقَهُ ابْن معِين وَابْن حبَان»([8]).
قال الذهبي: «سعيد بن جمهان الأسلمي: صالح الحديث، لا يحتج به»([9]).
وقال المزي: «وَقَال أبو أحمد بْن عدي: روى عن سفينة أحاديث لا يرويها غيره، وأرجو أنه لا بأس بِهِ، فإن حديثه أقل من ذَلِكَ، وَقَال أَبُو عُبَيد الآجري عَن أبي دَاوُد: ثقة، وَقَال فِي موضع آخر: هُوَ ثقة إن شاء الله، وقوم يضعفونه، إنما يخاف ممن فوقه -وسمى رجلًا- يَعْنِي: سفينة»([10]).
وحماد بن سلمة قد تابعه عبد الوارث بن سعيد كما في رواية البِلَاذُري في أشراف، قال: «حَدَّثَنَا خَلَفٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بن سعيد، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُمْهَانَ، عَنْ سَفِينَةَ مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ ق كَانَ جَالِسًا، فَمَرَّ أَبُو سُفْيَانَ عَلَى بَعِيرٍ وَمَعَهُ مُعَاوِيَةُ وَأَخٌ لَهُ، أَحَدُهُمَا يَقُودُ الْبَعِيرَ وَالآخَرُ يَسُوقُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَعَنَ اللهُ الْحَامِلُ وَالْمَحْمُولُ وَالْقَائدُ وَالسَّائِقُ»([11]).
✍ قلت: ضعيف جدًّا.
البلاذري نفسه لم يوثقه أحد من أهل العلم، كما بيَّناه في الرد على شبهة «حديث يطلع عليكم رجل من هذا الفج».
وخلف -شيخ البلاذري- ثقة ثبت في القراءات، لكنه ليس من أصحاب الحديث، قال الحافظ: «عن محمد بن حاتم الكندي، قال: سألت يحيى بن معين عن خلف البزار فقال: لم يكن يدري إيش الحديث، قال الخطيب: أحسبه سأله عن حفاظ الحديث وثقاته، فأجابه بهذا، والمحفوظ عن يحيى توثيق خلف»([12]).
وقول أهل العلم: إنه لا يدري الحديث جرح في الراوي، يقول الشيخ اللاحم: «ومنه أيضًا مصطلح (ليس من أصحاب الحديث)، أو (ليس بصاحب حديث)، أو (ليس من أهل الحديث)، أو (ليس من فرسان الحديث) يريدون به تارة أنه ليس من المعتنين بالحديث الضابطين له، فعلى هذا فهو جرح في الراوي»([13]).
وسعيد الذي يروي عن سفينة قد مر بيان ما في روايته عنه من إشكال.
أخرجها الطبراني في معجمه قال: حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى السَّاجِيُّ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ بُنْدَارٌ، ثنا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الصَّبَّاحِ الْمِسْمَعِيُّ، ثنا عِمْرَانُ بْنُ حُدَيْرٍ، أَظُنُّهُ عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ، قال: قال عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ وَالْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ لِمُعَاوِيَةَ: «إِنَّ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ عَيِيٌّ، وَإِنَّ لَهُ كَلَامًا وَرَأَيًا، وَإِنَّهُ قَدْ عَلِمْنَا كَلَامَهُ، فَيَتَكَلَّمُ كَلَامًا فَلَا يَجِدُ كَلَامًا، فَقَالَ: لَا تَفْعَلُوا، فَأَبَوْا عَلَيْهِ، فَصَعِدَ عَمْرٌو الْمِنْبَرَ، فَذَكَرَ عَلِيًّا وَوَقَعَ فِيهِ، ثُمَّ صَعِدَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ، فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ وَقَعَ فِي عَلِيٍّ ا، ثُمَّ قِيلَ لِلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ: اصْعَدْ، فَقَالَ: لَا أَصْعَدُ وَلَا أَتَكَلَّمُ حَتَّى تُعْطُونِي، إِنْ قُلْتُ حَقًّا أَنْ تُصَدِّقُونِي، وَإِنْ قُلْتُ بَاطِلًا أَنْ تُكَذِّبُونِي، فَأَعْطَوْهُ، فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ، فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، فَقَالَ: بِاللهِ يَا عَمْرُو وَأَنْتَ يَا مُغِيرَةُ تَعْلَمَانِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ق قَالَ: «لَعَنَ اللهُ السَّائِقَ وَالرَّاكِبَ» أَحَدُهُمَا فُلَانٌ؟ قَالَا: اللهُمَّ نَعَمْ بَلَى، قَالَ: أَنْشُدُكَ اللهَ يَا مُعَاوِيَةُ وَيَا مُغِيرَةُ أَتَعْلَمَانِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ق لَعَنَ عَمْرًا بِكُلِّ قَافِيَةٍ قَالَهَا لَعْنَةً؟ قَالَا: اللهُمَّ بَلَى، قَالَ: أَنْشُدُكَ اللهَ يَا عَمْرُو وَأَنْتَ يَا مُعَاوِيَةُ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ، أَتَعْلَمَانِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ق لَعَنَ قَوْمَ هَذَا؟ قَالَا: بَلَى، قَالَ الْحَسَنُ: فَإِنِّي أَحْمَدُ اللهَ الَّذِي وَقَعْتُمْ فِيمَنْ تَبَرَّأَ مِنْ هَذَا. وَذَكَرَ الْحَدِيثَ ...»([14]).
✍ قلت: مرسل شديد الضعف
عبد الملك بن الصباح الراوي قد روى هذا الخبر على الشك بقوله: «أَظُنُّهُ عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ»، وعبد الملك صدوق([15])، فالوهم منه في تعيين اسم الراوي، وهذه الرواية على الشك في راويها موجبة لسقوط الخبر لعدم الجزم براويها!
قال ابن القطان: «فِي رِوَايَة ابْن الْأَعرَابِي عَن أبي دَاوُد: «أَظُنهُ» عَن حَمَّاد، وَهِي متسعة للتشكك فِي رَفعه وَفِي اتِّصَاله، وَإِن كَانَ غَيره لم يذكر ذَلِك عَن أبي دَاوُد، فَهُوَ بِذكرِهِ إِيَّاه قد قدح فِي الْخَبَر الشَّك، وَلَا يدرؤه إِسْقَاط من أسْقطه، فَإِنَّهُ إِمَّا أَن يكون شكّ بعد الْيَقِين، فَذَلِك قَادِح، أَو تَيَقّن الشَّك، فَلَا يكون قادحًا، وَلم يتَعَيَّن هَذَا الْأَخير، فبقى مشكوكًا فِيهِ»([16]).
ولو سلمنا جدلًا بأن الراوي هو أبو مجلز لاحق بن حميد، فهذه الرواية تكون مرسلة؛ إذ إن رواية أبي مجلز عن الحسن بن علي وابن عباس ب مرسلة! فروايته عن معاوية وعمرو بن العاص والمغيرة مثل هذه الرواية التي تشير أحداثها إلى وقوعها بعد الصلح مباشرة بين معاوية والحسن ب، أي في عام 41 أو 42 هـ أحق بالإرسال منها؛ إذ إن لاحق بن حميد على أحسن التقادير في هذا الوقت لا يكاد يكون مميِّزًا!
قال علاء الدين مُغَلْطَاي في الإكمال: «وفي «تاريخ ابن أبي خيثمة»: سئل يحيى بن معين عن حديث التيمي عن أبي مجلز: أن ابن عباس، والحسن بن علي مرت بهما جنازة... فقال: مرسل»([17]).
وزد على هذا أن لاحق بن حميد مدلس، قال الحافظ: «أشار بن أبي خيثمة عن بن معين إلى أنه كان يدلس وجزم بذلك الدارقطني»([18])، وقد رواها أبو مجلز –إن ثبت أنه هو الراوي- على احتمال السماع وليس الجزم به وهذا غير مقبول من المدلسين ويُرَدُّ به خبرهم، فإذا انضم التدليس مع الإرسال في هذا الخبر زاد الرواية وهنًا على وهن.
رواها البخاري في التاريخ الكبير([19])، والترمذي في العلل([20])، والطبراني في الأوسط([21])، من طريق سلمة بن الفضل عن محمد بن إسحاق عن سلمة ابن كهيل عن إبراهيم بن البراء بن عازب عن أبيه قال: «مرَّ أبو سفيان على قبة وكان معاوية رجلًا مُسْتَهًا، فقال رسول الله: اللهم عليك بصاحب الأستاه».
قال أبو عيسى الترمذي: «سألت محمدًا عن هذا الحديث فقال: قد عرفته ولم أره يعرفه إلا من هذا الوجه»([22]).
ورواه ابن عساكر في تاريخه([23]) والرُّويَاني في مسنده([24]) من طريق سلمة ابن الفضل قال: حدثني محمد بن إسحاق عن إبراهيم بن البراء بن عازب عن أبيه قال: «مَرَّ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ بِرَسُولِ اللهِ ق وَمُعَاوِيَةُ خَلْفَهُ وَرَسُولُ اللهِ فِي قُبَّةٍ، وَكَانَ مُعَاوِيَةُ رَجُلًا مُسْتَهًا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ق: «اللهُمَّ عَلَيْكَ بِصَاحِبِ الْأُسْتَهِ»».
✍ قلت: شديد الضعف
فيه سلمة بن الفضل أبو عبد الله الأبرش، صاحب مغازي محمد بن إسحاق، وروايته عنه لمغازيه أقوى من غيره فيها، ضعيف الحديث له مناكير وغرائب([25]).
وفيه عنعنة محمد بن إسحاق بن يسار، وهو مدلس لا يُقبل خبره إلا بعد تصريحه بالتحديث، وهو ما لم يقع هنا.
وإبراهيم بن البراء بن عازب فيه جهالة، أورده ابن حبان في ثقاته ولم يحك فيه توثيقًا([26]).
وكذلك قد وقع الاضطراب في إسناده؛ فقد جاء مرة من رواية محمد بن إسحاق عن سلمة بن كهيل عن إبراهيم بن البراء بن عازب عن أبيه، كما في رواية البخاري والترمذي والطبراني.
وجاء مرة من غير ذكر سلمة بن كهيل من رواية محمد بن إسحاق عن إبراهيم بن البراء بن عازب عن أبيه؛ لذا قال البخاري: «يختلفون في إسناده»([27]).
وزد على هذا كله تفرد سلمة بن كهيل عن إبراهيم بن البراء، وتفرد به عنه محمد بن إسحاق، قاله ابن القيسراني([28]).
وللحديث متابعة عن البراء رواها نصر بن مزاحم في صفين([29]) عن عبد الغفار بن القاسم عن عدي بن ثابت عن البراء بن عازب قال: «أقبل أبو سفيان ومعه معاوية، فقال رسول الله: اللهم العن التابع والمتبوع اللهم عليك بالأقيعس، فقال ابن البراء لأبيه: مَن الأقيعس؟ قال: معاوية!».
✍ قلت: موضوع
نصر بن مزاحم كذاب شيعي متروك، قال أبو حاتم: «واهي الحديث، متروك الحديث لا يكتب حديثه»([30]).
وقال العقيلي : «كان يذهب إلى التشيع، وفي حديثه اضطراب وخطأ كثير»([31])، وقال الجوزجاني: «كان زائغًا عن الحق مائلًا»([32]) وأودعه الدارقطني كتابه الضعفاء والمتروكون([33])، وقال ابن الجوزي: «قَالَ أَبُو خثيمَةَ: كَانَ كذابًا. قَالَ يحيى: لَيْسَ حَدِيثه بِشَيْءٍ، وَقَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ: واهي الحَدِيث مَتْرُوك الحَدِيث، وَقَالَ الدارقطني: ضَعِيف، وَقَالَ إِبْرَاهِيم بن يَعْقُوب الجُوزَجَاني: كَانَ زائغًا عَن الْحق. قَالَ أَبُو بكر الْخَطِيب: يُرِيد بذلك غلوَّه فِي الرَّفْض، وَقَالَ صَالح بن مُحَمَّد: روى عَن الضُّعَفَاء أَحَادِيث مَنَاكِير، وَقَالَ أَبُو الْفَتْح الْأَزْدِيّ: كَانَ غاليًا فِي مذْهبه غير مَحْمُود فِي حَدِيثه»([34])، وقال الذهبي: «رافضي جلد، تركوه ... قال العقيلي: شيعي في حديثه اضطراب وخطأ كثير»([35])، وقال الحافظ ابن عدي بعد أن ساق له جملة من الأحاديث: «وهذه الأحاديث لنصر بْن مزاحم مع غيرها مما لم أذكرها عَمَّن رواها عامتها غير محفوظة»([36]).
وقد خالف ابن حبان جماهير المحدثين المجمِعينَ على تضعيفه، فأودعه كتاب الثقات دون أن يحكي فيه توثيقًا! وابن حبان متساهل في التوثيق، فكيف إذا خالفه هؤلاء الأئمة؟!
وفيه عبد الغفار بن القاسم أبو مريم الأنصاري، رافضي شديد الغلو([37]) وضاع([38])، قال يحيى بن معين: «ليس بشيء»([39])، وقال مرة: «ليس بثقة»([40])، وقال أحمد بن حنبل: «ليس بثقة، كان يحدِّث ببلايا في عثمان ا، وعامة حديثه بواطيل»([41])، وقال أبو حاتم: «متروك الحديث، كان من رؤساء الشيعة، وكان شعبة حسن الرأي فيه لا يكتب حديثه، نا عبد الرحمن قال: سئل أبو زرعة عن عبد الغفار بن القاسم فقال: لين»([42])، وقال النسائي: «متروك الحديث»([43])، وقال ابن حبان: «وكَانَ مِمَّن يروي المثالب فِي عُثْمَان ابن عَفَّان وَشرب الْخمر حَتَّى يسكر، وَمَعَ ذَلِك يقلب الْأَخْبَار، لَا يَجُوز الِاحْتِجَاج بِهِ، تَركه أَحْمد بن حَنْبَل وَيحيى بن معِين»([44])، وقال الآجُرّي: «سألت أبا داود عنه فقال: كان يضع الحديث»، وقال الدارقطني: «متروك»، وذكره الساجي والعقيلي وابن الجارود وابن شاهين في الضعفاء([45]).
رواه الطبراني في المعجم الكبير([46]) حدثنا العباس بن الفضل الأسفاطي، ثنا موسى بن اسماعيل ح وحدثنا عبدالرحمن بن الحسين العابوري التستري، ثنا عقبة بن سنان الدارع قالا: ثنا غسان بن مضر عن سعيد بن يزيد أبي مسلمة عن نصر بن عاصم الليثي عن أبيه قال: «دخلت مسجد المدينة فإذا الناس يقولون: نعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله، قال: قلت: ماذا؟ قالوا: كان رسول الله يخطب على منبره فقام رجل فأخذ بيد ابنه فأخرجه من المسجد، فقال رسول الله ق: لعن الله القائد والمقود، ويل لهذه الأمة من فلان ذي الأستاه».
ورواه ابن أبي عاصم([47]) مختصرًا، وابن عبد البر بنحوه([48])، وليس لمعاوية فيه ذكر! وشك بعض أهل العلم في صحية أبي نصر عاصم بن عمرو الليثي، قال أحمد: «لا أدري أسمع عاصم هذا عن رسول الله أم لا؟!»([49]) وقال البغوي: «ولا أدري له صحبة أم لا؟»([50]) على أن الخبر ليس فيه ذكر لمعاوية ا!
رواها نصر بن مزاحم عَنْ تَلِيدِ بْنِ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنِي الْأَعْمَشُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْأَقْمَرِ قَالَ: «وَفَدْنَا عَلَى مُعَاوِيَةَ وَقَضَيْنَا حَوَائِجَنَا ثُمَّ قُلْنَا: لَوْ مَرَرْنَا بِرَجُلٍ قَدْ شَهِدَ رَسُولَ اللهِ ص وَعَايَنَهُ، فَأَتَيْنَا عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ فَقُلْنَا: يَا صَاحِبَ رَسُولِ اللهِ ص، حَدِّثْنَا مَا شَهِدْتَ وَرَأَيْتَ قَالَ: إِنَّ هَذَا أَرْسَلَ إِلَيَّ يَعْنِي مُعَاوِيَةَ فَقَالَ: لَئِنْ بَلَغَنِي أَنَّكَ تُحَدِّثُ لَأَضْرِبَنَّ عُنُقَكَ.
فَجَثَوْتُ عَلَى رُكْبَتَيَّ بَيْنَ يَدَيْهِ ثُمَّ قُلْتُ: وَدِدْتُ أَنَّ أَحَدَّ سَيْفٍ فِي جُنْدِكَ عَلَى عُنُقِي فَقَالَ: وَاللهِ مَا كُنْتُ لِأُقَاتِلَكَ وَلَا أَقْتُلَكَ، وَايْمُ اللهِ مَا يَمْنَعُنِي أَنْ أُحَدِّثَكُمْ مَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ص قَالَ فِيهِ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ ص أَرْسَلَ إِلَيْهِ يَدْعُوهُ وَكَانَ يَكْتُبُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَجَاءَ الرَّسُولُ فَقَالَ: هُوَ يَأْكُلُ فَقَالَ: لَا أَشْبَعَ اللهُ بَطْنَهُ فَهَلْ تَرَوْنَهُ يَشْبَعُ قَالَ: وَخَرَجَ مِنْ فَجٍّ فَنَظَرَ رَسُولُ اللهِ إِلَى أَبِي سُفْيَانَ وَهُوَ رَاكِبٌ وَمُعَاوِيَةُ وَأَخُوهُ أَحَدُهُمَا قَائِدٌ وَالْآخَرُ سَائِقٌ فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللهِ ص قَالَ «اللهُمَّ الْعَنِ الْقَائِدَ وَالسَّائِقَ وَالرَّاكِبَ» قُلْنَا: أَنْتَ سَمِعْتَ رَسُولَ اللهِ ص؟ قَالَ: نَعَمْ، وَإِلَّا فَصَمَّتَا أُذُنَايَ كَمَا عَمِيَتَا عَيْنَايَ».
قال ابن الجوزي: «نصر بن مُزَاحم الْمنْقري الْكُوفِي الْعَطَّار، قَالَ أَبُو خثيمَةَ: كَانَ كذابًا. قَالَ يحيى: لَيْسَ حَدِيثه بِشَيْء، وَقَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ: واهي الحَدِيث، مَتْرُوك الحَدِيث، وَقَالَ الدارقطني: ضَعِيف، وَقَالَ إِبْرَاهِيم بن يَعْقُوب الجُوزَجَاني: كَانَ زائغًا عَن الْحق. قَالَ أَبُو بكر الْخَطِيب: يُرِيد بذلك غلوَّه فِي الرَّفْض، وَقَالَ صَالح بن مُحَمَّد: روى عَن الضُّعَفَاء أَحَادِيث مَنَاكِير، وَقَالَ أَبُو الْفَتْح الْأَزْدِيّ: كَانَ غاليًا فِي مذْهبه غير مَحْمُود فِي حَدِيثه»([51]).
وفي تشيعه واعتراف الشيعة به يقول النجاشي: «نصر بن مزاحم المنقري العطار أبو المفضل، كوفي، مستقيم الطريقة، صالح الأمر، غير أنه يروي عن الضعفاء»([52])، وهذا ليس توثيقًا له، وإنما هو شهادة بأنه رافضي على طريقتهم.
وتليد بن سُلَيْمَان أَبُو إِدْرِيس الْمحَاربي الْكُوفِي قال ابن الجوزي: «قَالَ أَحْمد وَيحيى: كَانَ كذابًا، وَقَالَ يحيى فِي رِوَايَة: لَيْسَ بِشَيْءٍ، كَانَ يشْتم عُثْمَان أَو أحدًا من الصَّحَابَة، فَهُوَ دجال، وَقَالَ أَبُو دَاوُد: رَافِضِي خَبِيث، وَقَالَ النَّسَائِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ: ضَعِيف»([53]).
فالرواية يرويها كذاب رافضي عن كذاب رافضي.
* الرواية السادسة: «رواية المهاجم بن قنفذ»
أخرجها الطبراني في المعجم الكبير قال: حَدَّثَنَا الْمِقْدَامُ بْنُ دَاوُدَ، ثنا أَسَدُ ابْنُ مُوسَى، ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ مُحَمَّدُ بْنُ خَازِمٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنِ الْمُهَاجِرِ بْنِ قُنْفُذٍ، قَالَ: «رَأَى رَسُولُ اللهِ ق ثَلَاثَةً عَلَى دَابَّةٍ فَقَالَ: الثَّالِثُ مَلْعُونٌ»([54]).
✍ قلت: شديدة الضعف.
فيها مقدام بن داود، قال ابن أبي حاتم: «تكلموا فيه»، وقال النسائي: «ليس ثقة»، وقال الكندي: «كان فقيهًا، ولم يكن بالمحمود في الرواية»([55]).
وفيها إِسْمَاعِيل بن مُسلم المَخْزُومِي الْمَكِّيّ، قال ابن الجوزي: «ضعَّفه ابْنُ الْمُبَارك وَقَالَ سُفْيَان: كَانَ يخطئ فِي الحَدِيث، وَقَالَ أَحْمد: مُنكر الحَدِيث، وَقَالَ يحيى: لم يزل مختلطًا وَلَيْسَ بِشَيْء، وَقَالَ عَليّ: ضَعِيف لَا يُكْتب حَدِيثه، أجمع أَصْحَابنَا على ترك حَدِيثه، وَقَالَ النَّسَائِيّ وَعلي بن الْجُنَيْد: مَتْرُوك الحَدِيث»([56]).
وفي مسند ابن قانع قال: «حَدَّثَنَا الْعَنَزِيُّ، نا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، نا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، نا أَشْعَثُ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ مُهَاجِرِ بْنِ قُنْفُذٍ ... ثُمَّ ذَكَرَ الْحَدِيثَ»([57]).
وهذا إسناد منقطع؛ إذ إن الحسن لم يرو عن مهاجر إلا بواسطة، وهي هنا ساقطة([58]).
هذا فضلًا عن أن الرواية مبهمة الأسماء، فلا حجة فيها من أي وجه كان.
([1]) مسند البزار = البحر الزخار (9/286).
([2]) مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (1/113).
([3]) مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (7/192).
([4]) سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة (11/806).
([5]) تقريب التهذيب (ص178).
([6]) شرح علل الترمذي (2/781).
([7]) سير أعلام النبلاء (7/107) ط الحديث.
([8]) المغني في الضعفاء (1/256).
([9]) ديوان الضعفاء (ص156).
([10]) تهذيب الكمال في أسماء الرجال (10/377).
([11]) أنساب الأشراف، البلاذري (5/129).
([12]) تهذيب التهذيب (3/157).
([13]) الجرح والتعديل، إبراهيم عبد الله اللاحم (ص414).
([14]) المعجم الكبير ـ الطبراني (3/71).
([15]) قاله أبو حاتم في الجرح والتعديل (5/354).
([16]) بيان الوهم والإيهام في كتاب الأحكام، أبو الحسن بن القطان (2/282).
([17]) إكمال تهذيب الكمال (12/271 ) ط. الفاروق.
([18]) طبقات المدلسين= تعريف أهل التقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس (ص27).
([25]) قال البخاري في التاريخ الكبير، الدباسي والنحال (5/88) (ت4894): «له مناكير..، وهَّنَهُ عليٌّ»، وجاء تفسيره لعبارة «وَهَّنَهُ عليٌّ» في التاريخ الأوسط (2/268) (ت2560) فقال: «قَالَ علي: رمينَا بحَديثه قبل أَن يخرج من الرّيّ، وَضَعفه إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم».
([27]) التاريخ الكبير (1/274).
([28]) في أطراف الغرائب والأفراد (2/285) قال: «الحديث تفرد به سلمة بن كهيل عنه، وتفرد به عنه محمد بن إسحاق».
([30]) الجرح والتعديل (8/468).
([32]) أحوال الرجال (ص132) (ت109).
([34]) الضعفاء والمتروكون، ابن الجوزي (3/160) (ت3518).
([35]) ميزان الاعتدال (4/253).
([36]) الكامل (8/285) (ت1972).
([37]) قال المقدمي: «وكان أستاذ شعبة في الحديث، تُرك حديثُه كان رديء المذهب شديد الغلو». التاريخ وأسماء المحدثين وكناهم (ص134).
([38]) قاله علي بن المديني. انظر الكامل (7/18).
([39]) تاريخ ابن معين – رواية الدوري (3/366) (ت1778).
([41]) الجرح والتعديل (6/53).
([43]) الضعفاء والمتروكون، النسائي (ص70) (ت388).
([44]) المجروحين (2/143).
([45]) سل السنان (ص١٣٠، ١٣٤).
([47]) الآحاد والمثاني (2/192) ح (938).
([48]) الاستيعاب (2/784).
([51]) الضعفاء والمتروكون، ابن الجوزي (3/160).
([52]) رجال النجاشي (ص٤٢٧)، معجم رجال الحديث، الخوئي (٢٠/١٥٧).
([53]) الضعفاء والمتروكون، ابن الجوزي (1/155).
([54]) المعجم الكبير، الطبراني (20/330).
([55]) التكميل في الجرح والتعديل ومعرفة الثقات والضعفاء والمجاهيل (1/168)، المغني في الضعفاء (2/675).
([56]) الضعفاء والمتروكون، ابن الجوزي (1/120).
([57]) معجم الصحابة، ابن قانع (3/60).
([58]) تهذيب الكمال (٢٨/٥٧٨).