لا يوجد في مصادر أهل السنة أي أثر لتلك الفرية الرافضية، وقد اعترف الشيعة أنفسهم بذلك، فقال شيخهم علي الكوراني: «ولم تفصح مصادر الخلافة كيف توفيت عائشة»([1]).
وجاء في موقع الرصد العقائدي سؤال: «ممكن رواية قتل عائشة على يد معاوية من كتب أهل السنه؟».
فجاء الجواب كالتالي: «بحسب تتبُّعنا في مصادرِ التاريخِ السُّنِّيَّةِ لم نظفَر بمصدرٍ موثوقٍ يمكنُ الركونُ إليه في هذه القضيّة؛ حيث لم تُشِر كتبُ التّاريخِ المعروفةُ إلى أنَّ معاوية قامَ بقتلِ عائشة»([2]).
لكن الشيعة قوم بُهت، يدلسون في ذلك ويذكرون كلامًا مرسلًا في مواقعهم وكتبهم، ثم يحيلون لبعض المصادر السنية، كما فعل نجاح الطائي في كتابه «اغتيال أبي بكر»، ومن ذلك قوله:
«اغتيال أم المؤمنين عائشة سنة 58ه في زيارة معاوية للمدينة لأخذ البيعة لابنه يزيد، عارضه الكثير من الصحابة لفسق يزيد وجهله، وعندها قرر معاوية الانتقام منهم وبالخصوص من قتلة عثمان بن عفان، فأمر بقتل عبد الرحمن بن أبي بكر وأخته عائشة بنت أبي بكر، وقد قَتَل الاثنين غيلة؛ إذ قتل عبد الرحمن بالسم وقيل بدفنه حيًّا، وقد يكون معاوية قد استخدم الوسيلتين معًا، أي: سمه ودفنه حيًّا»([3]).
وكتب المؤلف الكذاب في الهامش: «البداية والنهاية، ابن كثير (٨/١٢٣)، المستدرك، الحاكم (٣/٤٧٦)».
وهذا كله من البهتان والكذب الفاضح المعهود عن الشيعة؛ فتلك الصفحات التي أشار إليها الكاتب خالية تمامًا من الكلام في تلك الأمور، وحتى لا يقال إنها اختلاف طبعات، فإليك ما جاء في الحادثة من الكتابين:
وفيها: «وَتُوُفِّيَتْ ل زَمَنَ مُعَاوِيَةَ سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْسِينَ»([4]).
وفيها: «وَمَاتَتْ عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ لَيْلَةَ الثُّلَاثَاءِ بَعْدَ صَلَاةِ الْوِتْرِ، وَدُفِنَتْ مِنْ لَيْلَتِهَا بِالْبَقِيعِ لِخَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةٍ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ، وَصَلَّى عَلَيْهَا أَبُو هُرَيْرَةَ ا»([5]).
وفيها: «مَاتَتْ عَائِشَةُ لَيْلَةَ السَّابِعَ عَشْرَةَ مِنْ رَمَضَانَ بَعْدَ الْوِتْرِ، فَأَمَرَتْ أَنْ تُدْفَنَ مِنْ لَيْلَتِهَا، وَاجْتَمَعَ الْأَنْصَارُ وَحَضَرُوا فَلَمْ تُرَ لَيْلَةً أَكْثَرَ نَاسًا مِنْهَا، نَزَلَ أَهْلُ الْعَوَالِي، فَدُفِنَتْ بِالْبَقِيعِ»([6]).
قَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَحَدَّثَنِي ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ نَافِعٍ قَالَ: «شَهِدْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ صَلَّى عَلَى عَائِشَةَ ل بِالْبَقِيعِ، وَابْنُ عُمَرَ فِي النَّاسِ لَا يُنْكِرُهُ، وَكَانَ مَرْوَانُ اعْتَمَرَ تِلْكَ السَّنَةَ، فَاسْتَخْلَفَ أَبَا هُرَيْرَةَ»([7]).
وليس في الكتاب أي إشارة من قريب أو بعيد لما زعمه الكاتب الشيعي!
فقد قال: «وَالْأَحَادِيثُ فِي فَضَائِلِهَا وَمَنَاقِبِهَا كَثِيرَةٌ جِدًّا، وَقَدْ كَانَتْ وَفَاتُهَا فِي هَذَا الْعَامِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ، وَقِيلَ: قَبْلَهُ بِسَنَةٍ، وَقِيلَ: بَعْدَهُ بِسَنَةٍ، وَالْمَشْهُورُ فِي رَمَضَانَ مِنْهُ، وَقِيلَ: فِي شَوَّالٍ، وَالْأَشْهَرُ لَيْلَةَ الثُّلَاثَاءِ السَّابِعُ عَشَرَ مِنْ رَمَضَانَ، وَأَوْصَتْ أَنْ تُدْفَنَ بِالْبَقِيعِ لَيْلًا، وَصَلَّى عَلَيْهَا أَبُو هُرَيْرَةَ بَعْدَ صَلَاةِ الْوِتْرِ، وَنَزَلَ فِي قَبْرِهَا خَمْسَةٌ، وَهُمْ: عَبْدُ اللهِ وَعُرْوَةُ ابْنَا الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ مِنْ أُخْتِهَا أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ، وَالْقَاسِمُ وَعَبْدُ اللهِ ابْنَا أَخِيهَا مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، وَكَانَ عُمْرُهَا يَوْمَئِذٍ سَبْعًا وَسِتِّينَ سَنَةً؛ لِأَنَّهُ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ ق وَعُمْرُهَا ثَمَانِي عَشْرَةَ سَنَةً، وَكَانَ عُمْرُهَا عَامَ الْهِجْرَةِ ثَمَانِ سِنِينَ أَوْ تِسْعَ سِنِينَ»([8]).
ولا تجد في الكتاب بأسره ما قاله الشيعي لا تصريحًا ولا حتى تلميحًا! وعلى ذلك فقِس كل كلام الرافضة في تلك القضية.
هذه الأكذوبة الرافضية لها مصدران من كتب الشيعة:
كتاب الصراط المستقيم للنباطي العاملي، وقد أحال إلى كتاب «المصالت».
✍ ونقول: مَنْ صاحب هذا الكتاب؟ وأين إسناده للواقعة؟ وأين ذلك الكتاب حتى نتحقق من النقل؟
وكل هذه أسئلة مشروعة، فلا نعرف مؤلف الكتاب ولا دينه! ولا نعلم إسناده الذي ساق به الخبر! ونحن نعرف أن الرافضة أكذب الخلق على الإطلاق، فحتى على مبانيهم لا يمكن قبول ذلك؛ إذ إن صاحب الكتاب
-وهو النباطي العاملي- متوفًّى سنة 877 هـ كما ذكر محسن الأمين([9])، فبينه وبين الواقعة أكثر من ثمانمائة سنة، ولو كان ذلك صحيحًا لَمَا سكت الرافضة على مثل ذلك طيلة هذه السنين، خاصة وأن الطعن في معاوية دينهم، بل من أخص خصائص دينهم.
ذكره نجاحٌ الطائي في هامش تعليقه على قوله: «وقتل معاوية عائشة بحفر بئر لها، وغطى فتحة ذلك البئر عن الأنظار»([10])، فذكر في الهامش المصدر الذي نقل منه قائلًا: «كتاب حبيب السير، غياث الدين بن همام الدين الحسيني ص 425».
وهنا تعجب أشد العجب! فهذا كتاب رافضي مؤَلَّف من قِبَل الدولة الصفوية الرافضية، قال حاجي خليفة صاحب «كاشف الظنون»: «حبيب السير، في أخبار أفراد البشر فارسي لغياث الدين: محمود بن همام الدين، المدعو بخواند أمير، المتوفى بأكبر آباد سنة 583، وهو تاريخ كبير لخصه من تاريخ والده المسمى بروضة الصفا، وزاد عليه: ألفه بالتماس خواجة، حبيب الله، من أعيان دولة شاه: إسماعيل بن حيدر الصفوي سنة 927 سبع وعشرين وتسعمائة»([11]).
وكذلك قد ترجم له محسن الأمين في أعيان الشيعة([12])، وله ترجمة في خلاصة عبقات الأنوار، لحامد النقوي (١/253).
وزد على هذا كله أن متن الرواية ساقط عقلًا، ولَوْ فَطِنَ الرويفضي علي الكوراني لما قال: «على أن معاوية لا يحتاج لأن يحفر لها حفرة ويغطيها لتسقط فيها»([13]).
فالثابت أن أم المؤمنين عائشة ا لم تقتل، بل توفيت وفاة طبيعية لا قتلًا، ففي صحيح البخاري عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ: «أَنَّ عَائِشَةَ اشْتَكَتْ، فَجَاءَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَقَالَ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، تَقْدمِينَ عَلَى فَرَطِ صِدْقٍ، عَلَى رَسُولِ اللهِ ق، وَعَلَى أَبِي بَكْرٍ»([14]).
ثم لماذا تشغب الشيعة على معاوية بذلك، وقد كان الأَوْلى أن يصنعوا له ضريحًا ويزورونه ويعظمونه كما عظموا أبا لؤلؤة المجوسي قاتل عمر؟!
فهم يزعمون أن أم المؤمنين قد قَتَلت رسول الله ق، وحاربت عليًّا، ومن فعل ذلك فالقتل في حقه قليل، فكان الأولى تعظيم معاوية لا القدح فيه بذلك؛ تحقيقًا لدينهم قبحهم الله.
العلاقة بين أم المؤمنين عائشة ومعاوية ب كانت علاقة حسنة فيها كل ود وتقدير وبر، ومعرفة بحق أم المؤمنين عائشة ل، فلم يكن هناك داعٍ لهذا الفعل!
فقد ذكر الترمذي في سننه بسند صحيح قال: «كَتَبَ مُعَاوِيَةُ إِلَى عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ أَنِ اكْتُبِي إِلَيَّ كِتَابًا تُوصِينِي فِيهِ، وَلَا تُكْثِرِي عَلَيَّ، فَكَتَبَتْ عَائِشَةُ إِلَى مُعَاوِيَةَ: سَلَامٌ عَلَيْكَ، أَمَّا بَعْدُ: فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ق يَقُولُ: «مَنِ التَمَسَ رِضَاءَ اللهِ بِسَخَطِ النَّاسِ كَفَاهُ اللهُ مُؤْنَةَ النَّاسِ، وَمَنِ التَمَسَ رِضَاءَ النَّاسِ بِسَخَطِ اللهِ وَكَلَهُ اللهُ إِلَى النَّاسِ»، وَالسلام عَلَيْكَ»([15]).
وكان يرسل لها الهدايا والعطايا كما كان يفعل مع الحسنين وغيرهم من أصحاب النبي ق وآل بيته، روى الحاكم عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ: «أَنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ بَعَثَ إِلَى عَائِشَةَ ل بِمِائَةِ أَلْفٍ فَقَسَمَتْهَا حَتَّى لَمْ تَتْرُكْ مِنْهَا شَيْئًا، فَقَالَتْ بَرِيرَةُ: أَنْتِ صَائِمَةٌ، فَهَلَّا ابْتَعْتِ لَنَا بِدِرْهَمٍ لَحْمًا؟ فَقَالَتْ عَائِشَةُ: لَوْ أَنِّي ذُكِّرْتُ لَفَعَلْتُ»([16]).
وعَنْ حَجَّاجٍ، عَنْ عَطَاءٍ: «أَنَّ مُعَاوِيَةَ بَعَثَ إِلَى عَائِشَةَ بِقِلَادَةٍ بِمائَةِ أَلْفٍ، فَقَسَمَتْهَا بَيْنَ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ»([17])، وقال سعيد بن عبد العزيز: «قضى معاوية عن عائشة ثمانية عشر ألف دينار»([18]).
وعن عبد الرحمن بن القاسم أنه قال: «أهدى معاوية لعائشة ثيابًا وورِقًا وأشياءَ توضع في أسطوانتها، فلما خرجت عائشة نظرت إليه فبكت، ثم قالت: لكن رسول الله ق لم يكن يجد هذا، ثم فرقته ولم يبق منه شيء، وعندها ضيف، فلما أفطرت -وكانت تصوم من بعد رسول الله ق- أفطرت على خبز وزيت، فقالت المرأة: يا أم المؤمنين، لو أمرت بدرهم من الذي أهدي لك فاشْتُرِيَ لنا به لحمٌ فأكلناه، فقالت عائشة رضي الله تعالى عنها: كلي، فو الله ما بقي عندنا منه شيء»([19]).
وفي الطبقات عن عَلْقمة بن أبي عَلْقمة عن أمه قالت: «قدم معاوية بن أبي سفيان المدينة فأرسل إلى عائشة أن أرسلي إليَّ بأَنْبِجَانِيَّة رسول الله ق وشَعره، فأرسلت به معي أحمله حتَّى دَخلتُ به عليه فأخذ الأنبجانية فلبسها، وأخذ شعره فدعا بماء فغسله فشَربه وأفاضَ على جلده»([20]).
([1]) جواهر التاريخ، علي الكوراني العاملي (2/318).
([2]) موقع مركز الرصد العقائدي:
https://alrasd.net/arabic/islamicheritagee/2482
([3]) اغتيال أبي بكر، نجاح الطائي (ص١٠٧).
([4]) المستدرك على الصحيحين، الحاكم (4/5) ط العلمية.
([8]) البداية والنهاية (11/342) ت التركي.
([9]) أعيان الشيعة، محسن الأمين (8/309).
([10]) اغتيال أبي بكر، نجاح الطائي (ص١٠٧).
([11]) كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون (1/629).
([12]) أعيان الشيعة، محسن الأمين (٩/402).
([13]) جواهر التاريخ، علي الكوراني العاملي (2/319).
([14]) صحيح البخاري (5/29) ط السلطانية.
([15]) حكم الألباني: صحيح. سنن الترمذي (4/609) ت شاكر.
([16]) المستدرك على الصحيحين، الحاكم (4/15) ط العلمية، صححه الذهبي في سير أعلام النبلاء (2/186) ط الرسالة.
([17]) سير أعلام النبلاء (2/187) ط الرسالة.
([18]) تاريخ دمشق، ابن عساكر (59/192).
([19]) حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (2/48) ط السعادة.
([20]) الطبقات الكبير (6/18) ط الخانجي.