كان معاوية ا هو ولي الدم، فله أن يقتص وله أن يعفو، وليس لأحد أن ينازعه في ذلك؛ إذ هو صاحب الحق.
عامة من شارك في قتل عثمان ا قُتل قبل أن يستتب الأمر لمعاوية ا، ومنهم من قُتل في زمانه، فقُتل «كنانة بن بشر التجيبي» سنة ثمان وثلاثين بعد مقتل عثمان بثلاث سنين([1])، وقُتل «عبد الرحمن بن عديس» سنة ست وثلاثين([2])، و«عمرو بن الحمق» قتل زمانَ معاوية.
قال ابن كثير: «كانَ مِنْ جُمْلَةِ الَّذِينَ قَامُوا مَعَ حُجْرِ بْنِ عَدِيٍّ، فَتَطَلَّبَهُ زِيَادٌ، فَهَرَبَ إِلَى الْمَوْصِلِ، فَبَعَثَ مُعَاوِيَةُ إِلَى نَائِبِهَا، فَطَلَبُوهُ فَوَجَدُوهُ قَدِ اخْتَفَى فِي غَارٍ، فَنَهَشَتْهُ حَيَّةٌ، فَمَاتَ فَقَطَعَ رَأْسَهُ، فَبَعَثَ بِهِ إِلَى مُعَاوِيَةَ، فَطِيفَ بِهِ فِي الشَّامِ وَغَيْرِهَا، فَكَانَ أَوَّلَ رَأْسٍ طِيفَ بِهِ»([3]).
وقال محب الدين الخطيب: «إن سطوة الله وعدله الأعلى نزل بأكثر قتلة عثمان، فلم يبق منهم في ولاية معاوية إلا المشرد الخائف الباحث عن جحر يختبئ فيه، وبزوال سطوتهم وتقلص شرهم لم يبق بمعاوية حاجة إلى تتبعهم»([4]).
ثالثًا: شروط الصلح بين الحسن ومعاوية تمنع تتبع مَن قتل عثمان
بنود الصلح بين الحسن ومعاوية ي قضت بتأمين الناس في شامهم وعراقهم، فجاء فيه: «أن الناس آمنون حيث كانوا من أرض الله، في شامهم وعراقهم وتهامهم وحجازهم»([5]).
فكان من أهم شروط الصلح العفو العام عن كل ما كان قبل الصلح من سفك للدماء أو إتلاف للأموال؛ قطعًا للفتنة وإيقافًا للحرب، وقد تم ذلك على أكمل وجه، والشيعة يعترفون بذلك:
يقول راضي آل ياسين: «الحسن أغرق الصحيفة المختومة في أسفلها بشتى شروطه التي أرادها فيما يتصل بمصلحته أو يهدف إلى فائدته، سواء في نفسه أو في أهل بيته أو في شيعته أو في أهدافه»([6]).
ثم قال وهو يعدد بنود الصلح: «المادة الخامسة:
على أن الناس آمنون حيث كانوا من أرض الله، في شامهم وعراقهم وحجازهم ويمنهم، وأن يؤمّنَ الأسود والأحمر، وأن يحتمل معاوية ما يكون من هفواتهم، وأن لا يتبع أحدًا بما مضى، وأن لا يأخذ أهل العراق بإحنة.
وعلى أمان أصحاب عليّ حيث كانوا، وأن لا ينال أحدًا من شيعة علي بمكروه، وأن أصحاب علي وشيعته آمنون على أنفسهم وأموالهم ونسائهم وأولادهم، وأن لا يتعقب عليهم شيئًا، ولا يتعرض لأحد منهم بسوء، ويوصل إلى كل ذي حق حقه، وعلى ما أصاب أصحاب عليّ حيث كانوا ...
وعلى أن لا يبغي للحسن بن علي ولا لأخيه الحسين ولا لأحد من أهل بيت رسول الله غائلةً، سرًّا ولا جهرًا، ولا يخيف أحدًا منهم في أفق من الآفاق»([7]).
فهذا شرط الحسن على معاوية، مع ملاحظة أمر هو في غاية الأهمية، وهو أن الشيعة يعترفون أنهم هم من قتلوا عثمان وأباحوا دمه بمباركة من علي -وهو منهم بريء- يقول محمد طاهر القمي: «أقول: كفانا معشر الشيعة إباحة دمه؛ لأن إباحة دمه دليل على بطلان خلافته وبيعته، وعلى أن الشورى العمرية لم تكن صوابًا، بل يدل على أن عثمان لم يكن مؤمنًا»([8]).
ويروي الحر العاملي عن أبي حمزة أن أبا جعفر قال: كان أمير المؤمنين S يقول: «من أراد أن يقاتل شيعة الدجال فليقاتل الباكي على دم عثمان، وعلى دم أهل النهروان، وإن لقي الله مؤمنًا بأن عثمان قتل مظلومًا لقي الله ساخطًا عليه»([9]).
- فشروط الحسن تقتضي أن قتلة عثمان هم الشيعة
قالت الشيعة: إن الذين قتلوا عثمان إنما هم المؤمنون الصالحون! فروى نصر بن مزاحم، عن عمر قال: حدثني عبد الرحمن بن جندب، عن جندب ابن عبد الله قال: قام عمار بن ياسر بصفين فقال: «امضوا معي عباد الله إلى قوم يطلبون فيما يزعمون بدم الظالم لنفسه، الحاكم على عباد الله بغير ما في كتاب الله، إنما قتله الصالحون المنكرون للعدوان، الآمرون بالإحسان»([10]).
وطالما أن الصالحين المؤمنين هم من قتلوا عثمان فلا شك أنهم هم الشيعة الخلص في عقيدتهم، فلفظ المؤمن عندهم خاص بالشيعي الإمامي الاثني عشري.
قال البحراني: «المؤمن وهو المسلم المعتقد لإمامة الأئمة الاثني عشر»([11])، وقال الخوانساري: «الإيمان بمعنى كونه قائلًا بإمامة الأئمة الاثني عشر»([12])، وقال كاظم الحائري: «الإيمان، بمعنى كونه شيعيًّا اثني عشري»([13]).
وبموجب ذلك فإن الحسن يكون قد اشترط على معاوية عدم قتْلِ قتلة عثمان، فكان لا بد من: إما الحرب وعدم قبول الصلح وإراقة الدماء، وإما قبول الصلح على ترك ما تبقَّى من قتلة عثمان، فكان الواجب ارتكاب أخف الضررين، فهل يلام معاوية على تنفيذه شرط الحسن؟!
([1]) البداية والنهاية (10/661)
([3]) البداية والنهاية (11/219).
([4]) العواصم من القواصم (ص171) ط دار الجيل.
([6]) صلح الحسن S، راضي آل ياسين (1/258).
([7]) صلح الحسن S، راضي آل ياسين (1/260).
([8]) كتاب الأربعين، محمد طاهر القمي الشيرازي (ص٦١١).
([9]) الإيقاظ من الهجعة بالبرهان على الرجعة، الحر العاملي (ص٢٦٧).
([10]) وقعة صفين، ابن مزاحم المنقري (ص٣١٩).
([11]) الحدائق الناضرة، المحقق البحراني (١٠/359).
([12]) جامع المدارك، الخوانساري (١/490).
([13]) القضاء في الفقه الإسلامي، كاظم الحائري (ص٣١٢).