زعمهم أن معاوية كان يتاجر في الأصنام
الشبهة:
قال كمال الحيدري: «الواقع أن معاوية ليس فقط يرى جواز بيع الأصنام، وإنَّما هو يتاجر بها!! وهذه مرحلة متقدّمة في مخالفة السنّة النبوية؛ إذ قد يعتقد الشخص بالجواز فيخالف السنّة، ولكنه لا يتّخذ ذلك عملًا ولا يفعله خارجًا، إلَّا أن معاوية لم يكتفِ بتجويز بيعها، وإنَّما مارسه فعلًا وطبَّقه! وللتدليل على ذلك أنقل الرواية المهمّة التالية: قال الحافظ ابن جرير الطبري في كتابه «تهذيب الآثار» ما يلي:
(وحدّثنا محمّد بن بشّار قال: حدّثنا عبد الرحمن قال: حدّثنا سفيان، عن الأعمش، عن أبي وائل قال: كنت مع مسروق بالسلسلة، فمرّت عليه سفينة فيها أصنام ذهب وفضة، بعث بها معاوية إلى الهند تباع، فقال مسروق: لو أعلم أنّهم يقتلوني لَغرَّقتُها، ولكنّي أخشى الفتنة)»([1]).
([1]) السلطة وصناعة الوضع والتأويل - دراسة تحليلية تطبيقية في حياة معاوية بن أبي سفيان، كمال الحيدري (ص١٤٣).
الرد علي الشبهة:
فقد أخرج الطبري في تهذيبه من طريق سفيان([1])، والبلاذري في الأنساب من طريق جرير([2])، وبحشل في تاريخه من طريق حماد بن أسامة([3]) جميعًا -سفيان، جرير، وحماد- عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: «كُنْتُ مَعَ مَسْرُوقٍ بِالسِّلْسِلَةِ، فَمَرَّتْ عَلَيْهِ سَفِينَةٌ فِيهَا أَصْنَامُ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ، بَعَثَ بِهَا مُعَاوِيَةُ إِلَى الْهِنْدِ تُبَاعُ، فَقَالَ مَسْرُوقٌ: لَوْ أَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقْتُلُونِي لَغَرَّقْتُهَا، وَلَكِنِّي أَخْشَى الْفِتْنَةَ»([4]).
✍ قلت: ضعيف.
فالأعمش ثقة حافظ، إلا أنه مشهور بالتدليس عن الضعفاء، قال ابن حبان: «يُدَلس عَن الضُّعَفَاء»([5])، وقال: « كَانَ مدلسًا»([6])، وقال السيوطي: «مشهور به»([7])، وقال العلائي: « مشهور بالتدليس مكثر منه»([8])، ولا يكون المدلس حجة حتى يصرح بالتحديث([9]) وقد كان فيه تشيع، قال الحافظ: «وكان فيه تشيع»([10])، وقال المامقاني: «سليمان بن مهران الأعمش الكوفي المشهور، ذكره الشيخ في كتاب الرجال في أصحاب الصادق S، وهو أبو محمّد سليمان بن مهران الأسدي [الأزدي] مولاهم، معروف بالفضل والثقة والجلالة والتشيع والاستقامة، والعامّة أيضًا مُثْنُون عليه، مُطْبِقُون على فضله وثقته، مقرُّون بجلالته مع اعترافهم بتشيعه»([11]).
ولذا قال الجُوزَجَاني: «وكان قوم من أهل الكوفة لا يحمد الناس مذاهبهم، هم رؤوس محدثي الكوفة مثل: أبي إسحاق، ومنصور، والأعمش، وزبيد وغيرهم من أقرانهم، احتملهم الناس على صِدق ألسنتهم في الحديث، ووقفوا عندما أرسلوا لما خافوا ألا تكون مخارجها صحيحة»([12]).
وقد كان الأعمش يروي عن أبي وائل بواسطة الضعفاء ويسقطها بالعنعنة موهمًا السماع، كما فعل في حديث: «كنا لا نتوضأ من موطأ»، قال الإمام أحمد: «كان الأعمش يدلس، هذا الحديث لم يسمعه من أبي وائل، قال مهنا: قلت له: وعمن هو؟ قال: كان الأعمش يرويه عن الحسن بن عمرو الفقيمي عن أبي وائل، فطرح الحسن بن عمرو وجعله عن أبي وائل ولم يسمعه منه»([13])، ونظير هذا أيضًا ما فعله في حديثه عَنْ أَبِي وَائِلٍ «أَنَّ مُعَاوِيَةَ لَعِبَ بِالأَصْنَامِ»، قال الإمام أحمد: «ما أغلط أهل الكوفة على أصحاب رسول الله، وَلَمْ يُصَحِّحِ الْحَدِيثَ، وَقَالَ: تَكَلَّمَ بِهِ رَجُلٌ مِنَ الشِّيعَةِ»([14]).
ولكن الشيعة أرادت أن تشغب على تصحيحنا لبعض روايات الأعمش عن أبي وائل مع عدم تصريحه بالسماع فيها، وهذا جهل منهم بأصول الحديث عند أهل السنة، فإنهم مع تأكيدهم على أن التدليس قادح في الرواية، إلا أن هذا القدح قد ينجبر بأمور وعلامات أخرى في السند والمتن.
وأما نَكارة المتن فساطعة؛ إذ إن معاوية ا هو من أزال الأصنام من بلاد الشرك والمشركين التي فتحها، وكانت له المساهمات العظيمة في نشر رسالة التوحيد، وقد اعترفت الشيعة بذلك.
يقول المفيد: «أكثر فتوح الشام وبلاد المغرب والبحرين والروم وخراسان كانت على يد معاوية بن أبي سفيان وأمرائه كعمرو بن العاص وبسر بن أرطاة ومعاوية بن حديج وغير من ذكرناه، ومن بعدهم على أيدي بني أمية وأمرائهم بلا اختلاف»([15])، ويقول أيضًا: «ولمعاوية من الفتوح بالبحر وبلاد الروم والمغرب والشام في أيام عمر وعثمان وأيام إمارته وفي أيام أمير المؤمنين S وبعده ما لم يكن لعمر»([16])، ويقول اليعقوبي: «افتتح معاوية بن أبي سفيان عسقلان»([17])، وقال أيضًا: «وافتتح معاوية بن أبي سفيان قبرص»([18]).
فهذا اعتراف الشيعة ببعض فتوحات معاوية ا، وهذا تحقيقٌ لقول النبي ق فيه عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمِيرَةَ الْأَزْدِيِّ، عَنهُ ق أَنَّهُ ذَكَرَ مُعَاوِيَةَ فَقَالَ: «اللهُمَّ اجْعَلْهُ هَادِيًا مَهْدِيًّا، وَاهْدِ بِهِ»([19]).
فهذا الواقع العملي الذي لا تنكره الشيعة يدل على أن دولًا عظيمةً قد دخلت في الإسلام على يديه، ثم يريدون منا أن نقبل رواية إسنادها ساقط؟!
جاء في فتاوى السيستاني: «سئل عن بيع وشراء التماثيل المجسمة للإنسان والحيوان، وعرضها للزينة؟ فقال: جائز»([20])، ومثله قال محمد تقي الحيكم([21]).
وأجاز الشهرودي بيع الصنم مع عدم تغيير شيء منه فقال: «الأصنام والصلبان وشعائر الكفر يجب إعدامها، ويجوز بيع مادتها من الخشب والنحاس والحديد بعد تغيير هيئتها، بل قبله، لكن لا يجوز دفعها إلى المشتري إلَّا مع الوثوق بأنَّ المشتري يغيّرها، أمَّا مع عدم الوثوق بذلك فالظاهر جواز البيع، وإن أثم بترك التغيير مع انحصار الفائدة في الحرام، أمَّا إذا كانت لها فائدة أخرى محلّلة لم يجب تغييرها»([22]).
ويقول الدكتور عبد الكريم بي آزار شيرازي: «يجوز بيع الأصنام والصليب باعتبار مادتهما إذا كان لهما مادة»([23]).
([1]) تهذيب الآثار - مسند علي (3/241).
([2]) أنساب الأشراف، البلاذري (5/130).
([4]) لفظ سفيان عند ابن جرير الطبري (3/241).
([5]) الرواة الثقات المتكلم فيهم بما لا يوجب ردهم (ص105).
([6]) الثقات، ابن حبان (4/302).
([7]) أسماء المدلسين، السيوطي (ص٥٥).
([8]) التحصيل، صلاح الدين العلائي (ص١٨٨).
([9]) جاء في الكفاية للخطيب البغدادي (صـ362): «مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ يَعْقُوبَ، ثنا جَدِّي قَالَ: سَأَلْتُ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ عَنِ التَّدْلِيسِ، فَكَرِهَهُ وَعَابَهُ، قُلْتُ لَهُ: أَفَيَكُونُ الْمُدَلِّسُ حُجَّةً فِيمَا رَوَى أَوْ حَتَّى يَقُولَ: حَدَّثَنَا وَأَخْبَرَنا؟ فَقَالَ: لَا يَكُونُ حُجَّةً فِيمَا دَلَّسَ، وقَالَ جَدِّي: سَأَلْتُ عَلِيَّ بْنَ الْمَدِينِيِّ عَنِ الرَّجُلِ يُدَلِّسُ، أَيَكُونُ حُجَّةً فِيمَا لَمْ يَقُلْ حَدَّثَنَا؟ قَالَ: إِذَا كَانَ الْغَالِبُ عَلَيْهِ التَّدْلِيسَ فَلَا، حَتَّى يَقُولَ: حَدَّثَنَا».
([10]) التهذيب، ابن حجر (4/223).
([11]) تنقيح المقال في علم الرجال، عبد الله المامقاني (الثاني) (٣٣/290).
([12]) إكمال تهذيب الكمال (5/567) ط العلمية.
([13]) جامع التحصيل في أحكام المراسيل (ص189).
([14]) المنتخب من علل الخلال (1/227).
([15]) الإفصاح، المفيد (ص130).
([16]) الإفصاح، المفيد (ص154).
([17]) تاريخ اليعقوبي (2/157).
([18]) تاريخ اليعقوبي (2/166).
([19]) مسند أحمد ط الرسالة (29/426)، سنن الترمذي - ت شاكر (5/687)، وقال الشيخ الألباني: «الحديث صحيح». سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها (4/618).
([20]) الفتاوى الميسرة، السيستاني (ص٤١٠).
([21]) حواريات فقهية، محمد تقي الحكيم (1/317).
([22]) منهاج الصالحين، الشاهرودي (2/9).
([23]) المسائل الاقتصادية المعالجات الفقهية الحديثة، الدكتور عبد الكريم بي آزار شيرازي (1/161).