زعمهم أن معاوية أحق بالخلافة من عمر!

الشبهة:

زعمت الشيعة أن معاوية ادَّعى أنه أحق بالخلافة من عمر بن الخطاب ا، وهذا منصوص عليه في صحيح البخاري.

فيقول صالح الورداني: «يروَى أن عبد الله بن عمر دخل على أخته حفصة وقال: قد كان من أمر الناس ما تريْن، فلم يُجعل لي من الأمر شيء، قالت: الحق فإنهم ينتظرونك، وأخشى أن يكون احتباسك عنهم فرقة، فلم تدعه حتى ذهب، فلما تفرق الناس خطب معاوية فقال: من كان يريد أن يتكلم في هذا الأمر فليطلع لنا قرنه، فلنحن أحق به ومن أبيه.

قال حبيب بن مسلمة: فهلا أجبته؟ قال ابن عمر: فحللت حبوتي وهممت أن أقول: أحق بهذا الأمر منك من قاتلك وأباك على الإسلام، فخشيت أن أقول كلمة تفرق بين الجمع وتسفك الدم ويحمل عني غير ذلك، فذكرت ما أعد الله في الجنان. قال حبيب: حُفظت وعُصمت.

وهذه الرواية وقعت أحداثها حين طرح معاوية فكرة تولية ولده يزيد من بعده، ويظهر منها أن معاوية عرض بابن عمر وبأبيه، واستهان بالجميع، ولم يجد له معارضًا»([1]).

 

([1]) دفاع عن الرسول ضد الفقهاء والمحدثين، صالح الورداني (1/295).

الرد علي الشبهة:

هذه الروايات صحيحة لا غبار عليها، ولكن الغبار كله فهم الرافضة لها، وذلك من عدة أوجه:

* الوجه الأول:

ادعاء الشيعة أن ذلك وقع عند ترشيح معاوية ابنه للخلافة غير صحيح؛ فإنما كان ذلك في دُومة الجندل ليلة اجتماع الحكمين بعد انقضاء معركة صفين، وهذا يُثبت كذب دعوى الرافضة أن معاوية رأى أنه أحق بالخلافة من عمر بن الخطاب، والأدلة على ذلك كثيرة منها:

  • رواية الطبراني عن حَبِيب بن أبي ثابت، عن ابن عمر قال: «لمَّا كان اليومُ الذي اجتَمَعَ فيه عليٌّ ومعاويةُ بدُومَةِ الجَنْدَل، قالت لي حفصةُ: إنه لا يَجْمُل بك أن تتخلَّفَ عن صُلحٍ يُصْلِحُ اللهُ به بين أمَّة محمد ق، أنت صِهرُ رسول الله وابنُ عمر بن الخطَّاب، فأقبلَ يومئذ معاويةُ على بُخْتِيٍّ عظيم، فقال: من يطمَعُ في هذا الأمر أو يَرجوه أو يَمدُّ إليه عُنقَه؟ قال ابن عمر: فما حدَّثتُ نفسي بالدنيا قبل يَومِئذٍ، فهَمَمتُ أن أقولَ: يطمَعُ فيه مَنْ ضرَبَكَ وأباك على الإسلام حتى أدخَلَكُما فيه، فذكرتُ الجنةَ ونعيمَها فأعرَضتُ عنه»([1]).

فهذا نص الرواية قاطع في أنه كان عند حادثة التحكيم، لا عند تولية يزيد.

  • ذكر ابن الأثير الجزري (ت٦٠٦هـ) تلك القصة تحت عنوان «‌‌‌أمر الحَكَمْين»([2]).
  • الرواية ذكرت حبيب بن مسلمة وأم المؤمنين حفصة، وكلاهما لم يدرك زمان يزيد، فحبيب توفي «سَنَة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ»([3])، وأم المؤمنين حفصة «تُوُفِّيَتْ سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ، عَامَ الجَمَاعَةِ»([4])، وقد سعى معاوية في أخذ البيعة ليزيد سنة ٥٦هـ، كما ذكرها الطبري في أحداث هذه السنة فقال: «ثُمَّ دخلت ‌‌سنة ست وخمسين.... وفيها دعا مُعَاوِيَة الناس إِلَى بيعة ابنه يَزِيد من بعده، وجعله ولي العهد»([5]).

لم يكن معاوية يرى أنه أحق بالخلافة من عمر بن الخطَّاب قط، بل كان مُعَظِّمًا لعمر أشد التعظيم، قال ابن أبي الدنيا: «لما قدم عمر الشام، تلقَّاه معاوية في موكب عظيم، فلما دنا منه قال له عمر: أنت صاحب الموكب العظيم؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، قال: مع ما يبلغني من طول وقوف ذوي الحاجات ببابك؟ قال: مع ما يبلغك من ذاك، قال: ولم تفعل هذا؟ قال: نحن بأرض جواسيس العدو بها كثر، فيجب أن نظهر من عز السلطان ما نرهبهم به، فإن أمرتني فعلت، وإن نهيتني انتهيت»([6]).

فمع أن معاوية يرى أن هذه هي السياسة الشرعية إلا أنه ينزل على رأي أمير المؤمنين عمر تعظيمًا، ومن ثناء معاوية عليه وعلى فقهه قوله: «كَانَ وَاللهِ عَالِمًا بِرَعِيَّتِهِمْ»([7])، قال الحافظ ابن حجر تعقيبًا على تلك الرواية: «قِيلَ: أَرَادَ عَلِيًّا وَعَرَّضَ بِالْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ، وَقِيلَ: أَرَادَ عُمَرَ وَعَرَّضَ بِابْنِهِ عبد الله وَفِيه بعد؛ لِأَنَّ مُعَاوِيَةَ كَانَ يُبَالِغُ فِي تَعْظِيمِ عُمَرَ»([8]).

وأما الجواب عن كلام معاوية فمن وجهين:

* الوجه الأول: ذكْرُ الأبِ في الكلام أسلوب عربي غرضه التأكيد على الأمر ولا يُراد به ظاهره، فمعاوية لم يكن يرى نفسه أحق بالخلافة من علي، فكيف بعمر؟! فقد أخرج ابن عساكر في تاريخه بسند جوده الحافظ([9]): «قال جاء أبو مسلم الخولاني وأناس معه إلى معاوية، فقالوا له: أنت تنازع عليًّا أو أنت مثله؟ فقال معاوية: لا والله، إني لأعلم أن عليًّا أفضل مني، وأنه لأحق بالأمر مني، ولكن ألستم تعلمون أن عثمان قُتل مظلومًا؟ وأنا ابن عمه، وإنما أطلب بدم عثمان، فائْتوه فقولوا له فليدفع إليَّ قتلة عثمان وأسلم له، فأتوا عليًّا فكلموه بذلك فلم يدفعهم إليه»([10]).

فهذا معاوية لم يكن يرى أنه أحق من علي بالخلافة، فكيف بعمر؟

* الوجه الثاني: هذا اللفظ صدر من معاوية في شدة الغضب فلا يؤاخذ به، وكان سبب غضبه ظنه أن ابن عمر جاء وقت التحكيم يتسلم الخلافة بعد أن اتفق الحكمان على توليته([11]) وتنحية علي ومعاوية معًا([12])، في الوقت الذي كان فيه ابن عمر قد اعتزل الأمر كله فلم يطالب بدم عثمان مع من طالبوا، فخاف معاوية أن تضيع جهوده في ذلك هدرًا، بعد أن بذل الأرواح والأموال.

الرافضة تعتقد أن معاوية له من المقامات العظيمة في الإسلام أكثر من أبي بكر وعمر وعثمان! فيقول المفيد: «لا خلاف بين الأمة أن أبا سفيان أسلم قبل الفتح بأيام، وجعل رسول الله ص الأمان لمن دخل داره تكرمة له وتمييزًا عمن سواه، وأسلم معاوية قبله في عام القضية، وكذلك كان إسلام يزيد بن أبي سفيان، وقد كان لهؤلاء الثلاثة من الجهاد بين يدي رسول الله ص ما لم يكن لأبي بكر وعمر وعثمان؛ ...»([13])، وبالرغم من ذلك سلموا بالخلافة للصديق والفاروق ب بلا نزاع! ومن كان في كيسه غير ذلك فليخرجه لنا.

 

([1]) المعجم الكبير، الطبراني (١٣/١٤- 151)، مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (4/208).

([2]) جامع الأصول (10/93).

([3]) سير أعلام النبلاء (3/189) ط الرسالة.

([4]) سير أعلام النبلاء (2/229) ط الرسالة.

([5]) تاريخ الطبري = تاريخ الرسل والملوك، وصلة تاريخ الطبري (5/301).

([6]) حلم معاوية، ابن أبي الدنيا (ص19).

([7]) تاريخ الطبري = تاريخ الرسل والملوك، وصلة تاريخ الطبري (4/226).

([8]) فتح الباري بشرح البخاري (7/404) ط السلفية.

([9]) فتح الباري بشرح البخاري (13/86) ط السلفية.

([10]) تاريخ دمشق، ابن عساكر (59/132)، سير أعلام النبلاء (2/262) ط الرسالة.

([11]) عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «لَمَّا كَانَ أَمْرُ الْحَكَمَيْنِ قَالَتْ لِي حَفْصَةُ: إِنَّهُ لَا يَجْمُلُ بِكَ إِلَّا الصُّلْحُ، يُصْلِحُ اللهُ بِكَ بَيْنَ هَذِهِ الْأُمَّةِ، أَنْتَ صِهْرُ رَسُولِ اللهِ وَابْنُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، قَالَ: فَخَرَجْتُ فَانْتَهَيْتُ إِلَيْهِمْ وَقَدِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يُوَلُّونِي، فَخَرَجَ مُعَاوِيَةُ فَظَنَّ أَنِّي قَدِمْتُ لِذَلِكَ عَلَى جَمَلٍ أَحْمَرَ جَسِيمٍ... ». معجم شيوخ ابن الأعرابي (2/801) ط ابن الجوزي.

([12]) عن حَبيب بن أبي ثابت، عن ابن عمر قال: «لما كان من مَوْعد عليّ ومعاوية بدومة الجندَل ما كان أشفق معاوية أن يخرج هو وعليّ منها، فجاء معاوية يومئذٍ على بُخْتيّ عظيم طويل». الطبقات الكبرى (4/169) ط الخانجي.

وقد رفض ابن عمر هذا الأمر، كما روى البلاذري عَنْ جُوَيْرِيَةَ بْنِ أَسْمَاءَ عَنْ نَافِعٍ: «أَنَّ ابْنَ عُمَرَ شَهِدَ مُجْتَمَعَهُمْ بِأَذْرُحَ لِلْحُكُومَةِ، وَأَنَّ عَمْرًا قَالَ لَهُ: مَا تَجْعَلُ لِي إِنْ صَرَفْتُهَا إِلَيْكَ؟ قَالَ: لا أَجْعَلُ لَكَ وَاللهِ شَيْئًا وَلا أَقْبَلُهَا حَتَّى لا يَخْتَلِفَ عَلَيَّ فِيهَا اثْنَانِ». أنساب الأشراف، البلاذري (2/345).

فهذا زهد ابن عمر ب في كل الدنيا بعد أن أتته بحذافيرها راغمة عن أنفها، قال الذهبي: «فَرَضِيَ اللهُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَأَبِيهِ، وَأَيْنَ مِثْلُ ابْنِ عُمَرَ فِي دِينِهِ وَوَرَعِهِ وَعِلمِهِ وَتَأَلُّهِهِ وَخَوْفِهِ مِنْ رَجُلٍ تُعرَضُ عَلَيْهِ الخِلَافَةُ فَيَأبَاهَا، وَالقَضَاءُ مِنْ مِثْلِ عُثْمَانَ فَيردُّهُ، وَنِيَابَةُ الشَّامِ لِعَلِيٍّ فِيهربُ مِنْهُ؟! فَاللهُ يَجْتبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ، وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ». سير أعلام النبلاء (3/235) ط الرسالة.

([13]) الإفصاح في الإمامة، المفيد (1/154)، وتتمة الكلام: «... لأن أبا سفيان أبلى يوم حنين بلاء حسنًا، وقاتل يوم الطائف قتالًا لم يُسمع بمثله في ذلك اليوم لغيره، وفيه ذهبت عينه وكانت راية رسول الله ص مع ابنه يزيد بن أبي سفيان وهو يقدم بها بين يدي المهاجرين والأنصار، وقد كان أيضًا لأبي سفيان بعد النبي ص مقامات معروفة في الجهاد، وهو صاحب يوم اليرموك وفيه ذهبت عينه الأخرى، وجاءت الأخبار أن الأصوات خفيت فلم يسمع إلا صوت أبي سفيان وهو يقول يا نصر الله اقترب، والراية مع ابنه يزيد، وقد كان له بالشام وقائع مشهورات، ولمعاوية من الفتوح بالبحر وبلاد الروم والمغرب والشام في أيام عمر وعثمان وأيام إمارته وفي أيام أمير المؤمنين ع وبعده ما لم يكن لعمر بن الخطاب».