زعمهم أن معاوية يستحل الربا

الشبهة:

قال البياتي الرافضي: «فإن معاوية بن أبي سفيان الصحابي الذي يفترض أنه ممن يأخذ المسلمون دينهم عنهم، لا يتورع عن أكل الربا، وليس هذا من تخرّصات أحد مخالفيه أو من أكاذيب أهل البدع -كما يسميهم البعض- ولا هو من تقوّلات التاريخية الذين يكتبون للملوك المناوئين لبني أُمية، بل هو بشهادة الصحابة من أولي الفضل والتُّقى، أخرجها عنهم أئمة الحديث من علماء الجمهور.

 فعن عطاء بن يسار: أن معاوية بن أبي سفيان باع سقاية من ذهب أو ورق بأكثر من وزنها، فقال أبو الدرداء: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله ينهى عن مثل هذا إلَّا مثلًا بمثل، فقال له معاوية: ما أرى بمثل هذا بأسًا! فقال أبو الدرداء: من يعذرني من معاوية؟ أنا أخبره عن رسول الله صلى الله عليه وآله ويخبرني عن رأيه، لا أُساكنك بأرض أنت بها.

ثم قدم أبو الدرداء على عمر بن الخطاب فذكر له ذلك، فكتب عمر بن الخطاب إلى معاوية: أن لا تبيع ذلك إلَّا مثلًا بمثل، وزنًا بوزن»([1]).

 

([1]) الصحوة، صباح البياتي (ص419).

الرد علي الشبهة:

لا يختلف مسلم في حرمة الربا قط، ولكن الشيعة يصورون معاوية على أنه يستحل الربا مطلقًا، كما فعل الأميني([1])؛ إذ ساق الآيات والأحاديث الدالة على حرمة الربا، وذكر أن حرمته من ضروريات الدين ومن المتواتر الذي لا يمكن لمسلم أن يدعي الجهل به، وهذا كله ذكره تحت عنوان «معاوية يأكل الربا»!

وهذا من الكذب والبهتان العظيم؛ إذ إن الربا لم يخالف في حرمته أحد قط من أمة الإسلام، لا معاوية ولا غيره، لكن هذه عادة الرافضة التدليس والتلبيس على المسلمين وعلى أصحاب النبي ق.

ضوابط الربا هي التي حصل فيها الخلاف، وسنعرض خلال البحث استحلال مراجعة الشيعة لبعض أنواع الربا، ومع ذلك فلا نستجيز أن نقول إن المرجع الفلاني يستجيز الربا بإطلاق، وينكر المعلوم من الدين بالضرورة لأجل ذلك.

يقول النووي: «وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى تَحْرِيمِ الرِّبَا فِي الْجُمْلَةِ وَإِنِ اخْتَلَفُوا فِي ضَابِطِهِ وَتَفَارِيعِهِ»([2])، وقال الموفق في «المغنى»، وابن أبي عمر في «الشرح الكبير»: «وأجمَعَتِ الأمَّةُ على أنَّ الرِّبَا مُحَرَّمٌ»([3])، فهذا الإجماع لم يتخلف عنه، ولم يختلف فيه لا معاوية ولا غيره، وإنما الخلاف في بعض الأنواع التي لم تثبت بصريح كتاب الله تعالى، وإنما ثبتت بالسنة كما سنبينه.

الرواية التي أوردها الشيعة فيها انقطاع واضح؛ إذ إنها كانت في زمان عمر، والحاكي لها هو عطاء بن أبي رباح، قال ابن عبد البر: «ظاهرُ هذا الحديثِ الانقطاعُ؛ لأنّ عطاءً لا أحفظُ له سماعًا من أبي الدَّرداءِ، وما أظنُّه سمِع منه شيئًا؛ لأنَّ أبا الدَّرداءِ تُوفِّي بالشام في خلافةِ عثمانَ لسنَتَين بَقِيَتا من خلافتِه، وذكَر ذلك أبو زُرعةَ، عن أبي مُسْهِرٍ، عن سعيدِ بن عبد العزيز.

وقال الواقديُّ: تُوفِّي أبو الدَّرداء سنةَ اثنتين وثلاثين، ومولدُ عطاءِ بن يسارٍ سنةَ إحدى وعشرين. وقيل: سنةَ عشرين.

قال أبو عُمر: وقد روَى عطاءُ بن يسارٍ، عن رجلٍ من أهل مصرَ، عن أبي الدَّرداءِ حديثَ: [ﭡ ﭢ ] {يونس:64}.

وممكن أن يكونَ سمِع عطاءُ بن يسارٍ من مُعاويةَ؛ لأنّ معاويةَ تُوفِّي سنةَ ستِّينَ، وقد سمِع عطاءُ بن يسار من أبي هريرةَ، وعبدِ الله بنِ عَمْرو بن العاص، وعبدِ الله بنِ عُمرَ، وجماعةٍ من الصحابة هم أقدمُ موتًا من معاويةَ، ولكنّه لم يشهَدْ هذه القصةَ؛ لأنّها كانت في زمنِ عمرَ، وتُوفِّيَ عمرُ سنةَ ثلاثٍ وعشرين أو أربعٍ وعشرين من الهجرة.

واختُلِف في وقتِ وفاةِ عطاءِ بن يسارٍ، فقال الهيثمُ بن عديٍّ: توفِّي سنةَ سبعٍ وتسعين، وقال الواقديُّ: توفِّي عطاءُ بن يسارٍ سنةَ ثلاثٍ ومئة، وهو ابنُ أربعٍ وثمانين سنةً، أخبَرني بذلك أُسامةُ بن زيدِ بن أسلمَ، عن أبيه.

على أنَّ هذه القصةَ لا يعرِفُها أهلُ العلم لأبي الدَّرداءِ إلّا من حديثِ زيدِ ابن أسلمَ، عن عطاءِ بن يسارٍ، وأنكَرها بعضُهم؛ لأنّ شبيهًا بهذه القصةِ عرَضت لمعاويةَ مع عُبادة بن الصَّامت، وهي صحيحةٌ مشهورةٌ محفوظةٌ لعبادةَ مع معاويةَ من وجوهٍ وطرقٍ شَتّى»([4]).

وبذلك يثبت أن الشيعة أجهل الناس بطرق الاستدلال على أهل السنة، فيتركون الرواية الصحيحة في المسألة ويذهبون إلى الضعيف!

المروي عن معاوية ا أنه باع آنيةً من ذهب أو من فضة من غنائم غنموها بأكثر من وزنها، كما في صحيح مسلم عَنْ أَبِي قِلَابَةَ قَالَ: «كُنْتُ بِالشَّامِ فِي حَلْقَةٍ فِيهَا مُسْلِمُ بْنُ يَسَارٍ، فَجَاءَ أَبُو الْأَشْعَثِ، قَالَ: قَالُوا: أَبُو الْأَشْعَثِ، أَبُو الْأَشْعَثِ، فَجَلَسَ، فَقُلْتُ لَهُ: حَدِّثْ أَخَانَا حَدِيثَ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، قَالَ: نَعَمْ، غَزَوْنَا غَزَاةً وَعَلَى النَّاسِ مُعَاوِيَةُ، فَغَنِمْنَا غَنَائِمَ كَثِيرَةً، فَكَانَ فِيمَا غَنِمْنَا آنِيَةٌ مِنْ فِضَّةٍ، فَأَمَرَ مُعَاوِيَةُ رَجُلًا أَنْ يَبِيعَهَا فِي أَعْطِيَاتِ النَّاسِ، فَتَسَارَعَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ، فَبَلَغَ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ، فَقَامَ، فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ق: «يَنْهَى عَنْ بَيْعِ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرِّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرِ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرِ بِالتَّمْرِ، وَالْمِلْحِ بِالْمِلْحِ، إِلَّا سَوَاءً بِسَوَاءٍ، عَيْنًا بِعَيْنٍ، فَمَنْ زَادَ، أَوِ ازْدَادَ، فَقَدْ أَرْبَى»، فَرَدَّ النَّاسُ مَا أَخَذُوا، فَبَلَغَ ذَلِكَ مُعَاوِيَةَ فَقَامَ خَطِيبًا، فَقَالَ: أَلَا مَا بَالُ رِجَالٍ يَتَحَدَّثُونَ عَنْ رَسُولِ اللهِ ق أَحَادِيثَ قَدْ كُنَّا نَشْهَدُهُ وَنَصْحَبُهُ فَلَمْ نَسْمَعْهَا مِنْهُ، فَقَامَ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ فَأَعَادَ الْقِصَّةَ، ثُمَّ قَالَ: «لَنُحَدِّثَنَّ بِمَا سَمِعْنَا مِنْ رَسُولِ اللهِ ق، وَإِنْ كَرِهَ مُعَاوِيَةُ -أَوْ قَالَ: وَإِنْ رَغِمَ- مَا أُبَالِي أَنْ لَا أَصْحَبَهُ فِي جُنْدِهِ لَيْلَةً سَوْدَاءَ»([5]).

وجواب الإشكال في الرواية واضح جلي لكل ذي لب أراد الحق وطرَحَ الهوى، وهو أن الخلاف لم يكن على تحريم الربا، فذلك لا يختلف فيه أحد، وإنما وقع الخلاف في صورة واحدة من صور الربا وهي ربا الفضل.

يقول ابن عبد البر: «وأجمع العلماء من السلف والخلف أن الربا الذي نزل القرآن بتحريمه هو أن يأخذ صاحب الدين لتأخير دينه بعد حلوله عوضًا عينًا أو عرضًا، وهو معنى قول العرب: إما أن تقضي وإما أن تربي»([6]).

فهذا هو الربا المعلوم من الدين بالضرورة الذي لم يخالف فيه أحد قط.

بل إن معاوية يقول بتحريم ربا الفضل أيضًا إذا اقترن به النَّساء، أما إذا لم يقترن به النَّساء ففيه خلاف، ولم ينفرد بالقول بحله معاوية ا، قال النووي: «وَقَدْ أَطْبَقَت الْأُمَّةُ عَلَى تَحْرِيمِ التَّفَاضُلِ إذَا اجْتَمَعَ مَعَ النَّسَاءِ، وَأَمَّا إذَا انْفَرَدَ نَقْدًا فَإِنَّهُ كَانَ فِيهِ خِلَافٌ قَدِيمٌ صَحَّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ ب إبَاحَتُهُ، وَكَذَلِكَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ ب مَعَ رُجُوعِهِ عَنْهُ، وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ ا وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ ا وَفِيهِ عن معاوية شَيْء مُحْتَمَلٌ، وَزَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ وَالْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ مِنَ الصَّحَابَةِ ي، فَأَمَّا التَّابِعُونَ فَصَحَّ ذَلِكَ أَيْضًا عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَفُقَهَاءِ الْمَكِّيِّينَ، وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدٍ وَعُرْوَةَ ثُمَّ رُوِيَ عَن ابْنِ عَبَّاسٍ مَا يَقْتَضِي رُجُوعَهُ عَنْ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وانتُدِبَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ لِتَبْيِينِ رُجُوعِ مَنْ قَالَ بِذَلِكَ مِن الصَّدْرِ الْأَوَّلِ وَالتَّشَوُّفِ إلَى دَعْوَى الْإِجْمَاعِ عَلَى التَّحْرِيمِ»([7]).

فهؤلاء كلهم قالوا بحل ربا الفضل إذا لم يقترن به النَّساء، ولم يكن القول بالحلِّيَّة عن هوًى، بل لعدم وصول الدليل لا غير، ومذهب ابن عباس ب كان أشد من قول معاوية؛ إذ كان يرى أنه لا بأس بالدرهم مقابل درهمين في المجلس، وعلة الربا في ذلك أوضح من قول معاوية الذي كان مذهبه كما قال النووي: «وَهَذَا الْمَنْقُولُ عَنْ مُعَاوِيَةَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ كان لا يرى الربا في البيع الْعَيْنِ بِالتِّبْرِ وَلَا بِالْمَصُوغِ، وَكَانَ يُخَيِّرُ فِي ذَلِكَ التَّفَاضُلِ وَيَذْهَبُ إلَى أَنَّ الرِّبَا لَا يَكُونُ فِي التَّفَاضُلِ إلَّا فِي التِّبْرِ بِالتِّبْرِ وَفِي الْمَصُوغِ بِالْمَصُوغِ وَفِي الْعَيْنِ بِالْعَيْنِ»([8]).

وعدم اعتبار الصنْعة كفارق في السعر أشد غموضًا وأقل وضوحًا من مسألة الدرهم بالدرهمين، ومع أن كليهما باطل إلا أننا نقول إن الشارع هو الذي ألغى اعتبار الصنعة، وهذه لا تدرك إلا من قبله؛ ولذلك كان ابن مسعود ا: «عَامِلَ عُمَرَ ا بِالْكُوفَةِ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ، فَكَانَ مِنْ مَذْهَبِهِ فِي الِابْتِدَاءِ أَنَّ اخْتِلَافَ الصَّنْعَةِ كَاخْتِلَافِ النَّوْعِ، وَكَانَ يَجْعَلُ الْبِقَايَةَ مَعَ الْجَيِّدِ نَوْعَيْنِ، فَيُجَوِّزُ التَّفَاضُلَ بَيْنَهُمَا عَمَلًا بِقَوْلِهِ ق: «إذَا اخْتَلَفَ النَّوْعَانِ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ يَدًا بِيَدٍ»، ثُمَّ سَأَلَ عُمَرَ ا فَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ الْكُلَّ نَوْعٌ وَاحِدٌ، فَإِنَّ الْكُلَّ فِضَّةٌ، وَقَالَ ق: «الْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ مِثْلٌ بِمِثْلٍ يَدٌ بِيَدٍ، وَالْفَضْلُ رِبًا»، فَرَجَعَ ابْنُ مَسْعُودٍ إلَى قَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ بَيَّنَ لَهُ الْحَقَّ فِي مَقَالَتِهِ»([9]).

فألغى الشارع قيمة الصنعة في البيع الربوي بجنسه، وهذا مما يحتاج إلى نص ولا يفهم من مجرد تحريم الربا، على أن أهل العلم قد ذكروا أن نهي عمر عن ذلك مع القول بصحة الرواية، دليل على رجوع معاوية عن قوله.

يقول النووي: «وَأَمَّا مُعَاوِيَةُ فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ غَيْرُ قَائِلٍ بِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَعَ شُذُوذِ مَا قَالَ بِهِ أَيْضًا، وَالظَّنُّ بِهِ لَمَّا كَتَبَ إلَيْهِ عُمَرُ ا أَنَّهُ يَرْجِعُ عَنْ ذَلِكَ»([10]).

يلزم الشيعة -على مذهبهم- أنه لا يجوز لمعاوية أن يرجع عن قوله، وذلك أن التحريم لتلك الصورة من البيع، ودخولها في مفهوم الربا المحرم إنما ثبت عند معاوية بقول عُبادة بن الصامت، وهذا خبر واحد ولا يفيد علمًا ولا عملًا عندهم.

يقول الشريف المرتضى: «نعلم علمًا ضروريًّا لا يدخل في مثله ريب ولا شك أن علماء الشيعة الإمامية يذهبون إلى أن أخبار الآحاد لا يجوز العمل بها في الشريعة ولا التعويل عليها، وأنها ليست بحجة ولا دلالة.

وقد ملؤوا الطوامير وسطروا الأساطير في الاحتجاج على ذلك، والنقض على مخالفيهم، ومنهم من يزيد على هذه الجملة ويذهب إلى أنه مستحيل من طريق العقول أن يتعبد الله تعالى بالعمل بأخبار الآحاد.

ويجري ظهور مذهبهم في أخبار الآحاد مجرى ظهوره في إبطال القياس في الشريعة وخطره وتحريمه، وأكثرهم يحظر القياس والعمل بأخبار الآحاد عقلًا.

وإذا كان الأمر على ما ذكرناه من الظهور والتجلي، فكيف يتعاطى متعاطي ضربًا من الاستدلال في دفع هذا المعلوم؟ إلا كمن تكلف وضع كلام في أن الشيعة الإمامية لا تبطل القياس في الشريعة، أو لا تعتقد النص على أمير المؤمنين S بالإمامة.

فلما كان هذا كله معلومًا اضطرارًا لم يجز الالتفات إلى من يتعاطى استدلالًا على خلافه»([11]).

وكذلك قرر شيخ الطائفة الطوسي قائلًا: «وفي الآية دلالة على أن خبر الواحد لا يوجب العلم ولا العمل؛ لأن المعنى إن جاءكم فاسق بالخبر الذي لا تأمنون أن يكون كذبًا فتوقفوا فيه، وهذا التعليل موجود في خبر العدل؛ لأن العدل على الظاهر يجوز أن يكون كاذبًا في خبره، فالأمان غير حاصل في العمل بخبره»([12]).

ومعلوم أن معاوية لم يكن يعلم بتحريم تلك الصورة من البيع، ودليل عدم معرفته أحاديث النهي هو نفس رواية مسلم التي فيها: «فَبَلَغَ ذَلِكَ مُعَاوِيَةَ فَقَامَ خَطِيبًا، فَقَالَ: أَلَا مَا بَالُ رِجَالٍ يَتَحَدَّثُونَ عَنْ رَسُولِ اللهِ ق أَحَادِيثَ قَدْ كُنَّا نَشْهَدُهُ وَنَصْحَبُهُ فَلَمْ نَسْمَعْهَا مِنْهُ»([13]).

فإذا كان العمل بخبر الواحد لا يفيد علمًا ولا عملًا ولا يجوز العمل به عند الشيعة، مع العلم أن معاوية لم يبلغه تحريم تلك الصورة إلا من صحابي واحد وهو عُبادة بن الصامت، فلم يجز بناء على مذهب الشيعة أن يعمل معاوية بقوله! فيذهب تشنيعهم على مذهبهم أدراج الرياح، أو يذهب مذهبهم كله أدراج الرياح!

لئن شنع الشيعة على معاوية ا لأجل الخلاف في صورة من صور الربا، فقد وجب عليهم التشنيع على مراجعهم بل ومعصوميهم؛ لوقوعهم فيما هو أشنع مما عابوه على معاوية ا.

فقد رووا عن معصوميهم أن الربا لا يجري في المعدود، وإنما يجري فقط في الكيل والوزن، روى شيخهم الطوسي عن منصور بن حازم عن أبي عبد الله (ع) قال: «سألته عن الشاة بالشاتين والبيضة بالبيضتين قال: لا بأس ما لم يكن فيه كيل ولا وزن»([14]).

وبناء على هذه الرواية فقد قالوا بجواز بيع الدرهم بالدرهمين، ومعلوم أنه من نفس الجنس!!

يقول السيستاني: «الأوراق النقدية بما أنها من المعدود يجوز بيع بعضها ببعض متفاضلًا مع اختلافهما جنسًا نقدًا ونسيئةً، وأما مع الاتحاد في الجنس فيجوز التفاضل في البيع بها نقدًا، وأما نسيئة فلا يخلو عن إشكال كما تقدم.

وعلى ذلك، فيجوز للدائن عشرة دنانير عراقية مثلا أن يبيع دينه بالأقل منها كتسعة دنانير نقدًا، كما يجوز له بيعه بالأقل منها من عملة أخرى كتسعة دنانير أردنية نقدًا ونسيئة»([15]).

وخُلاصةُ كلامه أنه إذا أراد شخصٌ أن يبيع مئة دينار عراقي بمئةٍ وعشرين دينار عراقي وفي الحالِ يُسلِّم فهذا جائزٌ بحسبِ هذهِ الفتوى، وهذا عين الربا المحرم.

بل وجوَّز الشيعة جميع أنواع الربا بالحيل اليهودية، ولا عجب، فمؤسس دينهم يهودي!

يقول أعظم مراجعهم أبو القاسم الخوئي: «لا يجوز الاقتراض منه بشرط الفائض والزيادة؛ لأنه ربا محرم وللتخلص من ذلك الطريق الآتي وهو: أن يشتري المقترض من صاحب البنك أو من وكيله المفوض بضاعة بأكثر من قيمتها الواقعية 10% أو 20% مثلًا على أن يقرضه مبلغًا معينًا من النقد، أو يبيعه متاعًا بأقل من قيمته السوقية، ويشترط عليه في ضمن المعاملة أن يقرضه مبلغًا معينًا لمدة معلومة يتفقان عليها، وعندئذ يجوز الاقتراض ولا ربا فيه، ومثل البيع الهبة بشرط القرض»([16]).

ثم يقول في المسألة الرابعة والخامسة ما نصه: «لا يجوز الاقتراض منه (البنك الحكومي) بشرط الزيادة؛ لأنه ربا، بلا فرق بين كون الإقراض مع الرهن أو بدونه، نعم يجوز قبض المال منه بعنوان مجهول المالك لا القرض بإذن الحاكم الشرعي أو وكيله، ولا يضرُّه العلم بأن البنك يستوفي الزيادة منه قهرًا، فلو طالبه البنك جاز له دفعها حيث لا يسعه التخلف.

(مسألة 5): لا يجوز إيداع المال فيه بعنوان التوفير بشرط الحصول على الربح والفائدة؛ لأنه ربا، ويمكن التخلص منه بإيداع المال بدون شرط الزيادة، بمعنى أنه يبني في نفسه على أن البنك لو لم يدفع له الفائدة لم يطلبها منه، فلو دفع البنك له فائدة جاز له أخذها بعنوان مجهول المالك بإذن الحاكم الشرعي أو وكيله»([17]).

فانظر لهذا التحايل الواضح مع إقرارهم أن الربا حرامٌ وأن القرض أو الإقراض بالربا هو عين الربا المحرم في كتاب الله تعالى، فإنهم جوَّزوه بحيلة أن أموال الدولة مجهولة المالك! أو بحيلة عدم نية الربا! وهذه الحيل واضحة البطلان، مسقطة لعلة تحريم الربا، ضاربة بشريعة رب العالمين عُرْض الجدار.

بل وذكر الشيعة أنه لا ربا بين الزوجين! فللمرأة أن تُقرض زوجها بالربا، وكذلك بين الوالد وولده! فيقول الخميني: «(مسألة 9): لا ربا بين الوالد وولده، ولا بين الرجل وزوجته»([18])، ويقول ابن الجنيد: «(مسألة 2): لا ربا بين الوالد وولده، ولا بين الرجل وزوجته، ذهب إليه علماؤنا»([19])، وهو قول خامنئي([20]) والسيتساني([21])، وسئل مرجع الشيرازية في موقعه: «هل يجوز الربا بين الزوجين؟

إجابة: الربا بين الزوجين حلال»([22])، وبمثل ذلك قال علماء الشيعة([23]).

فهؤلاء علماء الشيعة! لم يتركوا بابًا من أبواب الربا إلا وأحلُّوه، إما بحيلة أو بغيرها، فرَدَّ الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرًا، بل نالوا فضيحةً فوق فضيحة، والحمد لله رب العالمين.

 

([1]) الغدير (١٠/١٨٦).

([2]) شرح النووي على مسلم (9/11).

([3]) المغني، ابن قدامة (4/3) ط مكتبة القاهرة، الشرح الكبير (6/12) ت التركي.

([4]) التمهيد، ابن عبد البر (3/176) ت بشار.

([5]) صحيح مسلم (3/1210) ت عبد الباقي.

([6]) الكافي في فقه أهل المدينة (2/633).

([7]) المجموع شرح المهذب (10/26) ط المنيرية.

([8]) المجموع شرح المهذب (10/31) ط المنيرية.

([9]) المبسوط، السرخسي (8/14).

([10]) المجموع شرح المهذب (10/40) ط المنيرية.

([11]) رسائل المرتضي (١/٢٤ ٢٥).

([12]) التبيان (٩/٣٤٣).

([13]) صحيح مسلم (3/1210) ت عبد الباقي.

([14]) الاستبصار، الطوسي (٣/101).

([15]) منهاج الصالحين، السيستاني (١/٤٤٥).

([16]) منهاج الصالحين، الخوئي (1/406).

([17]) منهاج الصالحين، الخوئي (1/407).

([18]) تحرير الوسيلة، الخميني (١/٥٣٩).

([19]) فتاوى ابن الجنيد، الاشتهاردي (ص١٧١).

([20]) قال: «لا ربا بين الوالد وولده، ولا بين الرجل وزوجته، ولا بين المسلم والكافر». منتخب الاحكام، الخامنئي (ص١٩٧).

([21]) قال: «لا ربا بين الوالد وولده، ولا بين الرجل وزوجته، فيجوز لكل منهما أخذ الزيادة من الآخر». منهاج الصالحين، السيستاني (٢/٧٤).

([22]) https://alshirazi.org/estefta?ShareEstefta=7633

([23]) زبدة الأحكام، جعفر السبحاني (1/173)، منتخب الاحكام، محمد علي الأبطحي (1/1979)، تحرير التحرير، محمد رضا (2/43)، الينابيع الفقهية، علي أصغر مرواريد (14/434)، وسيلة النجاة محمد تقي البهجة (1/471)، جامع المقاصد، المحقق الكركي (4/280).