حجر بن عدي لم تثبت له الصحبة، والشيعة يعتقدون أن الصحبة لا تُوجِبُ للشخص فضيلةً ولا مَنقبةً، قال النباطي العاملي: «فالصحبة لا توجب الفضيلة؛ لقول الله: [ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ] {الكهف:37} ...»([1]).
فالشيعة يعتقدون جواز الكفر والنفاق على الصحابي، فلا تغتر قولهم بتزيينهم لاسم حجر بالصحبة! فحتى لو ثبتت له الصحبة فلن تغني عنه شيئًا عندهم، بل ثبوت الصحبة له موجب للتهمة والطعن؛ إذ يعتقدون ردة كل الصحابة إلا ثلاثة، وليس منهم حجر هذا!
ونحن نقول: إن حجر بن عدي لم تثبت صحبته، يقول الحافظ ابن حجر: «أما البخاريّ وابن أبي حاتم عن أبيه وخليفة بن خياط وابن حبان فذكروه في التابعين»([2]).
وقال ابن كثير: «وَقَدْ ذَكَرَهُ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَةِ الرَّابِعَةِ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَذَكَرَ لَهُ وِفَادَةً، ثُمَّ ذَكَرَهُ فِي الْأُولَى مِنْ تَابِعِي أَهْلِ الْكُوفَةِ ... وَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ الْعَسْكَرِيُّ: أَكْثَرُ الْمُحَدِّثِينَ لَا يُصَحِّحُونَ لَهُ صُحْبَةً»([3]).
فلم يثبت لنَا من طريقٍ صحيحٍ كونه صحابيًّا، ولم يروِ عن رسول الله ق رواية واحدة صحيحة، بل لم يرو عن غير عليٍّ شيئًا كما يقول ابن كثير([4])، فادعاء الصحبة له غير ثابت.
كل الروايات التي تكلمت عن ثورة حجر بن عدي لا تخلو من مقال، فالقصة التي ساقها الطبري كانت من طريق ابن الكلبي عن شيخه أبي مِخنف عن المجالد بن سعيد والصقعب بن زهير وفضيل بن خديج، والحسين بن عُقْبَةَ المرادي([5]).
وهذا الإسناد مسلسل بالضعفاء والكذابين المتروكين بالإجماع([6])، فلا يُمكن آنذاك أن يُطعن في أصحاب النبي ق بأمور تاريخية نقلها هؤلاء الكذابون! فما هذا إلا فعل النَّوْكَى من الرافضة.
أجمعت الروايات التي ذكرت قضية حجر بن عدي أنه رجل شغبٍ وتأليب على الحكام وعدم طاعة لهم([7])، ولم يكن هذا مع معاوية فقط، بل كان يعترض على كل حاكم ولا يسمع ولا يطيع، لكن زاد الأمر وتفاقم في خلافة معاوية ا، حتى أنه كان من المؤلّبين على عثمان ا.
يقول الأميني: «وكان حجر بن عدي فيما رواه أبو مِخنف من جملة الذين كتبوا إلى عثمان من رجال أهل الكوفة ونساكهم وذوي بأسهم ينقمون عليه أمور وينصحونه وينهونه عنها»([8]).
بل وصل أمره إلى أن اعترض على الحسن بن علي باعتراضاتٍ مهينةٍ كما سيأتي، فمثل هذا لا بد أن يكون التعامل معه بحزم وشدة حتى لا تستمر الأمة في الهرج، ولا شك أن هذا مطلب شرعي.
وفعل حجر بن عدي مع الحكام مخالف لعقيدة الشيعة؛ إذ ورد النهي عن الخروج على الحاكم، ووجوب طاعته([9])، وإلا كان إهلاكًا للنفس، فإن صح قولهم في حجر بن عدي، فنقول: «قُتل حجر بشرع الرافضة ومخالفة أهل البيت».
وزد على هذا مخالفته لعمل أهل البيت، فإن علي بن موسى الرضا لما رأى أنه قد يقتل إذا رفض الولاية خشي أن يهلك نفسه([10])، إلا أن حجرًا ألقى بنفسه إلى التهلكة وعرض نفسه وأهله للقتل، وهذا محرم لا شك([11])، فهل كان حجر أتقى وأورع من الرضى؟!
زعْمُ الرافضة أن معاوية قتله مباشرة بطشًا وظلمًا بلا شهود زعمٌ باطل؛ إذ إنه قد حذره من الشغب مرارًا وتكرارًا، ومن ذلك أن زيادًا ابن أبيه أرسل وجهاء قبائل الكوفة إلى حجر، ولكنه حقرهم واستهان بهم.
يقول ابن كثير: «فَأَعْجَلَ زِيَادٌ السَّيْرَ إِلَى الْكُوفَةِ، فَلَمَّا وَصَلَ بَعَثَ إِلَيْهِ عَدِيَّ بْنَ حَاتِمٍ وَجَرِيرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ الْبَجَلِيَّ، وَخَالِدَ بْنَ عُرْفُطَةَ فِي جَمَاعَةٍ مِنْ أَشْرَافِ أَهْلِ الْكُوفَةِ لِيَنْهَوْهُ عَنْ هَذِهِ الْجَمَاعَةِ، فَأَتَوْهُ فَجَعَلُوا يُحَدِّثُونَهُ وَلَا يَرُدُّ عَلَيْهِمْ شَيْئًا، بَلْ جَعَلَ يَقُولُ: يَا غُلَامُ، اعْلِفِ الْبَكْرَ. لِبَكْرٍ مَرْبُوطٍ فِي الدَّارِ. فَقَالَ لَهُ عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ: أَمْجَنُونٌ أَنْتَ؟ نُكَلِّمُكَ وَأَنْتَ تَقُولُ: يَا غُلَامُ، اعْلِفِ الْبَكْرَ! ثُمَّ قَالَ عَدِيٌّ لِأَصْحَابِهِ: مَا كُنْتُ أَظُنُّ هَذَا الْبَائِسَ بَلَغَ بِهِ الضَّعْفُ كُلَّ مَا أَرَى»([12]).
وذكر الطبري تمرده وإثارته للفتن وإيقاده لنار الحرب وخروجه بالسلاح على السلطان وعماله، فقال: «دعا -أي زياد- رؤوس الأرباع، فَقَالَ: اشهدوا عَلَى حجر بِمَا رأيتم مِنْهُ -وَكَانَ رءوس الأرباع يَوْمَئِذٍ: عَمْرو بن حريث عَلَى ربع أهل الْمَدِينَة، وخالد بن عرفطة عَلَى ربع تميم وهمدان، وقيس بن الْوَلِيد ابن عبد شمس بن الْمُغِيرَة عَلَى ربع رَبِيعَة وكندة، وأبو بردة بن أبي مُوسَى عَلَى مذحج وأسد- فشهد هَؤُلاءِ الأربعة أن حجرًا جمع إِلَيْهِ الجموع، وأظهر شتم الخليفة، ودعا إِلَى حرب أَمِير الْمُؤْمِنِينَ، وزعم أن هَذَا الأمر لا يصلح إلا فِي آل أبي طالب، ووثب بالمصر وأخرج عامل أَمِير الْمُؤْمِنِينَ»([13]).
روى صالحٌ ابن الإمام أحمد -بسند حسن شهادة صلحاء الكوفة على حجر لما قدم على معاوية- عن شُرَحْبِيل بن مُسلم قَالَ: «لما بعث بِحجر بن عدي بن الأدبر وَأَصْحَابه من الْعرَاق إِلَى مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان، اسْتَشَارَ النَّاس فِي قَتلهمْ، فَمنهم المشير وَمِنْهُم السَّاكِت، فَدخل مُعَاوِيَة إِلَى منزله، فَلَمَّا صلى الظُّهْر قَامَ فِي النَّاس خَطِيبًا، فَحَمِدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ، ثمَّ جلس على منبره فَقَامَ الْمُنَادِي فَنَادَى: أَيْن عَمْرو بن الْأسود الْعَنسِي؟
فَقَامَ فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ، ثمَّ قَالَ: أَلا إِنَّا بحصن من الله حَصِين لم نؤمر بِتَرْكِهِ، وقولك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فِي أهل الْعرَاق، أَلا وَأَنت الرَّاعِي وَنحن الرّعية، أَلا وَأَنت أعلمنَا بدائهم وأقدرنا على دوائهم، وَإِنَّمَا علينا أَن نقُول: [ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ] {البقرة:285}.
فَقَالَ مُعَاوِيَة: أما عَمْرو بن الْأسود فقد تَبرأ إِلَيْنَا من دِمَائِهِمْ وَرمى بهَا مَا بَين عَيْني مُعَاوِيَة، ثمَّ قَامَ الْمُنَادِي فَنَادَى: أَيْن أَبُو مُسلم الْخَولَانِيُّ؟
فَقَامَ فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ، ثمَّ قَالَ: أما بعد، فَلَا وَالله مَا أبغضناك مُنْذُ أَحْبَبْنَاك، وَلَا عصيناك مُنْذُ أطعناك، وَلَا فارقناك مُنْذُ جامعناك، وَلَا نكثنا بيعتنا مُنْذُ بايعناك، سُيُوفنَا على عواتقنا إِن أمرتنا أطعناك، وَإِن دَعوتنَا أجبناك، وَإِن سبقتنا أدركناك، وَإِن سبقناك نظرناك، ثمَّ جلس.
ثمَّ قَامَ الْمُنَادِي فَقَالَ: أَيْن عبد الله بن مخمر الشرعبي؟
فَقَامَ فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ، ثمَّ قَالَ: وقولك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فِي هَذِه الْعِصَابَة من أهل الْعرَاق إِن تعاقبهم فقد أصبت، وَإِن تَعْفُ فقد أَحْسَنت.
فَقَامَ الْمُنَادِي فَنَادَى: أَيْن عبد الله بن أَسد الْقَسرِي؟
فَقَامَ فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ، ثمَّ قَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، رعيتك وولايتك وَأهل طَاعَتك، إِن تعاقبهم فقد جنوا على أنفسهم الْعقُوبَة، وَإِن تعفُ فَإِن الْعَفو أقرب للتقوى، يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، لَا تُطِع فِينَا من كَانَ غشومًا لنَفسِهِ ظلومًا بِاللَّيْلِ نؤومًا عَن عمل الْآخِرَة، يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، إِن الدُّنْيَا قد انخَشَعت أوتادُها، ومالت بهَا عمادُها، وأحبها أَصْحَابُهَا، واقترب مِنْهَا ميعادُها، ثمَّ جلس.
فَقلت لشرحبيل: فَكيف صنع؟ قَالَ: قتل بَعْضًا واستحيى بَعْضًا، وَكَانَ فِيمَن قتل حجر بن عدي بن الأدبر، قَالَ: قدم ليضرب عُنُقه»([14]).
وقد كان قتل حجر تنفيذًا لأمر رسول الله ق في قوله: «مَنْ أَتَاكُمْ وَأَمْرُكُمْ جَمِيعٌ عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ، يُرِيدُ أَنْ يَشُقَّ عَصَاكُمْ، أَوْ يُفَرِّقَ جَمَاعَتَكُمْ، فَاقْتُلُوهُ»([15])، وفي رواية أخرى: «إِنَّهُ سَتَكُونُ هَنَاتٌ وَهَنَاتٌ، فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُفَرِّقَ أَمْرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَهِيَ جَمِيعٌ، فَاضْرِبُوهُ بِالسَّيْفِ كَائِنًا مَنْ كَانَ»([16]).
فقد ثبت في كتب الشيعة أن عبد الله بن عباس اتهم عليًّا بقتل المسلمين؛ حيث جاء في البحار: «فكتب إليه -أي علي- عبد الله بن العباس: أما بعد، فإنك قد أكثرت عليَّ، ووالله لأَنْ ألقى الله قد احتويت على كنوز الأرض كلها من ذهبها وعقيانها ولجينها أحب إليَّ من أن ألقاه بدم امرئ مسلم، والسلام»([17]).
وفي رواية سبط ابن الجوزي قال: «فكتب إليه ابن عبّاس: لأن ألقى الله بكلّ ما على ظهر الأرض وبطنها أحبّ إليَّ من أن ألقاه بدم امرئ مسلم! فكتب إليه عليّ S: «إنّ الدّماء التي أشرت إليها قد خضتها إلى ساقيك، وبذلت في إراقتها جهدك..» ...»([18]).
فهل مجرد اتهام الحاكم بالقتل ظلمًا مسقط لشرعيته؟
لماذا يدافع الشيعة عن حجر وهو على قواعدهم ناصبي نجس حلال الدم والمال والعرض؛ إذ قد سب الحسن بن علي ووصفه بصفات الكفار؟!
اخرج ابن شهرآشوب في المناقب: «فَقَالَ حُجْرُ بْنُ عَدِيٍّ: أَمَّا وَاللهِ لَوَدِدْتُ أَنَّكَ مِتَّ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَمِتْنَا مَعَكَ وَلَمْ نَرَ هَذَا الْيَوْمَ، فَإِنَّا رَجَعْنَا رَاغِمِينَ بِمَا كَرِهْنَا، وَرَجَعُوا مَسْرُورِينَ بِمَا أَحَبُّوا»([19]).
وهذا كلام لا يتفوه به إلا طاعن في أهل البيت وعصمتهم، فإن لم يكن هذا نصبًا عند الشيعة، فما عساه النصب إذًا؟!
بل وصف الحسن بأنه «مذل المؤمنين»، وهذه صفة الكفار لا المسلمين، ففي (مدينة المعاجز) عن ثقيف البكاء قال: «رأيت الحسن بن علي S عند منصَرَفه من معاوية، وقد دخل عليه حجر بن عدي، فقال: السلام عليك يا مذل المؤمنين! فقال: مه، ما كنت مذلهم، بل أنا معز المؤمنين، وإنما أردت الإبقاء عليهم»([20]).
فلأجل بغض الشيعة لمعاوية يدافعون عن مُهين أئمتهم المعصومين؟! فما الشيعة في حقيقة أمرهم إلا ناصبة، فانظر إلى مخارج علماء الرافضة لهذا الطعان في الأئمة مع اعترافهم بأنه سوء أدب!
يقول محسن الأمين: «ولا شك أن هذا الكلام فيه سوء أدب من حجر مع الحسن، ولكنه دعاه إليه شدة الحب وزيادة الغيظ مما كان»([21]).
ولا تعجب من هذا التعليل العليل، فإن الرافضة هم النواصب على الحقيقة!
([1]) الصراط المستقيم، علي بن يونس العاملي النباطي البياضي (٣/136).
([2]) الإصابة في تمييز الصحابة (2/33).
([3]) البداية والنهاية (11/228) ت التركي.
([5]) تاريخ الطبري = تاريخ الرسل والملوك، وصلة تاريخ الطبري (5/253).
([6]) يقول الدكتور سالم خليل الأقطش: «وفيما يتعلق بمصدر هذه الروايات ومن رواها، فإن معظم ما كتبه الطبري عن حجر بن عدي كان من رواية أبي مخنف لوط ابن يحيى، وهو معروف على علماء الجرح والتعديل بالتشيع والضعف وعدم الثقة، فقد قال عنه يحيى بن معين: ليس بثقة، وقال مرة: ليس بشيء، وقال أبو حاتم الرازي: متروك الحديث، وقال الدارقطني: ضعيف، وهو شيعي محترق سكن الكوفة، وثمة من قال عنه: محالك، وجاء في (لسان الميزان) أنه إخباري تالف لا يوثق به، حتى أن الناظر في تصانيف أبي مخنف ليكاد يشتم رائحة التشيع بادية منه، فمن كتبه (الفتوح العراق) (وكتاب الجمل) (وكتاب صفين) (وكتاب مقتل علي) (وكتاب مقتل حجر بن عدي وأصحابه)، وغيرها.
كما أننا تتبعنا سلسلة السند ممن كان لهم النصيب الأكبر في نقل أخبار حجر بن عدي وأصحابه وهم: هشام بن محمد السائب الكلبي، والمجالد بن سعيد، وفضيل ابن خليج، والحسين بن عقبة المرادي، ففي هشام بن محمد الكلبي.
يقول أحمد بن حنبل: ما ظننت أن أحدًا يحدث عنه، إنما هو صاحب سير، وقال الدارقطني: متروك، وجاء في (الكامل في ضعفاء الرجال) أن هشام بن السائب إنما هو صاحب سمر ونسب، وما ظننت أن أحدًا يحدث عنه، وقال ابن عساكر: رافضي ليس بثقة، وقال يحيى بن معين: ليس بثقة، وليس عن مثله يروى الحديث، وذكره العقيلي في الضعفاء. أما مجالد بن سعيد بن عمير بن ذي مران الهمذاني، فهو كوفي، ضعيف، ولا يحتج بحديثه، وقد كان يحيى القطان يضعفه، وكان ابن مهدي لا يروي عنه، وقال النسائي: مجالد بن سعيد كوفي ضعيف، وقد ذكر الأشج أنه شيعي، وقال الدارقطني: إنه ضعيف، وفيما يتعلق بالصقعب بن زهير بن عبد الله بن سليم الأزدي الكوفي (ت ١٣١-١٤٠هـ)، فهو خال أبي مخنف، قال أبو زراعة: إنه ثقة، وقال أبو حاتم: الشيخ ليس بالمشهور، وذكره أبو حيان في الثقات، وروى له البخاري حديثًا واحدًا، وهو صدوق ثقة.
أما فضيل بن خديج فقد روي عن مولى الأشتر، وروى عنه أبو مخنف، وقد قيل هو مجهول روي عنه رجل متروك الحديث، وفي الحسن بن عقبة البصري الضرير فقد كان من أعيان الشيعة، وقد قرأ القرآن على يد الشريف أبي القاسم المرتضى، وحفظه، وله سبع عشرة سنة، وكان من أذكياء بني آدم وتوفي سنة (441هـ)، وقد وثقه ابن معين، وقال أبو حاتم: شيخ يكتب حديثه، وذكره ابن حبان في الثقات.
ويتضح لنا من خلال ما سبق أن رواة الطبري منهم الشيعي المتعصب، ومنهم الضعيف المتروك وليس بالثقة، وقليل منهم الثقة، ويتكشف لنا أن سلسلة الرواة الذين يذكرون حادثة مقتل حجر بن عدي غالبًا ما تكون قصيرة، وسرعان ما تنكمش وتتلاشي، ونجد كذلك أن كثيرًا من الحلقات بين سلسلة الرواة مفقودة، مما يفصل بين الحدث التاريخي وزمن الرواية، كذلك فإن سلسلة الرواة تنتزع حسب اختلاف الأحداث، وتتنوع الروايات الخاصة بها». مطاعن الجاحظ في معاوية بن أبي سفيان في رسالة الثابتة - دراسة وتحقق في قضية مقتل حجر بن عدي، د. سالم خليل الأقطش (ص٣٠٣).
([7]) نفس الروايات التي استدلت بها الشيعة هي التي ذكرت شغب وتمرد حجر وعدم طاعته للسلطان ولو تقية كما هو دين الشيعة! فقد كانت لحجر عدة مراحل من التمرد.
المرحلة الكلامية: وقد بدأ الأمر بمعارضته لصلح الحسن، ثم انتهى بحصب زياد ابن أبيه، يقول البلاذري عن أبي مخنف وغيره قالوا: «لم يزل حجر بن عدي منكرًا على الحسن بن علي بن أبي طالب صلحه لمعاوية، فكان يعذله على ذلك ويقول: تركت القتال ومعك أربعون ألفًا ذوو نيات وبصائر في قتال عدوك، ثم كان بعد ذلك يذكر معاوية فيعيبه ويظلمه، فكان هذا هجيراه وعادته». أنساب الأشراف، البلاذري (5/243).
فهذه الرواية تبين بوضوح نية حجر في الانقلاب على الحكم ومكث البيعة، وقد حصل.
وفيما يرويه الطبري أن حجرًا قد أظهر المعارضة لما استعمل معاوية على الكوفة المغيرة بن شعبة، فكان المغيرة إذا خطب يقوم إليه حجر ويشتمه هو ومعاوية: «فكان حجر بن عدي إذا سمع ذَلِكَ قَالَ: بل إياكم فذمم الله ولعن!». تاريخ الطبري = تاريخ الرسل والملوك، وصلة تاريخ الطبري (5/254).
فلما ثار ثلثا الناس بصرخة حجر بن عدي قال المغيرة: «فدخل واستأذن عَلَيْهِ قومه، فأذن لَهُمْ، فَقَالُوا: علام تترك هَذَا الرجل يقول هَذِهِ المقالة، ويجترئ عَلَيْك فِي سلطانك هَذِهِ الجرأة! إنك تجمع عَلَى نفسك بهذا خصلتين: أما أولهما: فتهوين سلطانك، وأما الأخرى: فإن ذَلِكَ إن بلغ مُعَاوِيَة كان أسخط له عليه، وَكَانَ أشدهم لَهُ قولًا فِي أمر حجر والتعظيم عَلَيْهِ». تاريخ الطبري = تاريخ الرسل والملوك، وصلة تاريخ الطبري (5/255).
وكرر حجر ذلك في ولاية عمرو بن حريث على الكوفة، يقول ابن الأثير: «ثُمَّ تُوُفِّيَ الْمُغِيرَةُ وَوَلِيَ زِيَادٌ، فَقَامَ فِي النَّاسِ فَخَطَبَهُمْ عِنْدَ قُدُومِهِ ثُمَّ تَرَحَّمَ عَلَى عُثْمَانَ وَأَثْنَى عَلَى أَصْحَابِهِ وَلَعَنَ قَاتِلِيهِ. فَقَامَ حُجْرٌ فَفَعَلَ كَمَا كَانَ يَفْعَلُ بِالْمُغِيرَةِ، ورَجَعَ زِيَادٌ إِلَى الْبَصْرَةِ وَاسْتَخْلَفَ عَلَى الْكُوفَةِ عَمْرَو بْنَ حُرَيْثٍ، فَبَلَغَهُ أَنَّ حُجْرًا يَجْتَمِعُ إِلَيْهِ شِيعَةُ عَلِيٍّ وَيُظْهِرُونَ لَعْنَ مُعَاوِيَةَ وَالْبَرَاءَةَ مِنْهُ، وَأَنَّهُمْ حَصَبُوا عَمْرَو بْنَ حُرَيْثٍ، فَشَخَصَ زِيَادٌ إِلَى الْكُوفَةِ حَتَّى دَخَلَهَا، فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَحُجْرٌ جَالِسٌ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ غَبَّ الْبَغْيِ وَالْغَيِّ وَخِيَمٌ، إِنَّ هَؤُلَاءِ جَمُّوا فَأَشِرُوا، وَأَمِنُونِي فَاجْتَرَءُوا عَلَى اللهِ، لَئِنْ لَمْ تَسْتَقِيمُوا لَأُدَاوِيَنَّكُمْ بِدَوَائِكُمْ، وَلَسْتُ بِشَيْءٍ إِنْ لَمْ أَمْنَعِ الْكُوفَةَ مِنْ حُجْرٍ، وَأَدَعْهُ نَكَالًا لِمَنْ بَعْدَهُ، وَيْلُ أُمِّكَ يَا حُجْرُ، سَقَطَ الْعَشَاءُ بِكَ عَلَى سِرْحَانٍ، وأَرْسَلَ إِلَى حُجْرٍ يَدْعُوهُ وَهُوَ بِالْمَسْجِدِ، فَلَمَّا أَتَاهُ رَسُولُ زِيَادٍ يَدْعُوهُ قَالَ أَصْحَابُهُ: لَا تَأْتِهِ وَلَا كَرَامَةَ». الكامل في التاريخ (3/70) ت تدمري.
المرحلة الفعلية: وبعد سكوت الولاة عنه وعدم تعرّضهم له، انتقل حجر إلى المرحلة التالية وهي المرحلة الفعلية، يقول ابن كثير: «وَجَعَلَ زِيَادٌ يَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ: إِنَّ مِنْ حَقِّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ مِنْ حَقِّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ. فَقَالَ حُجْرٌ: كَذَبْتَ. فَسَكَتَ زِيَادٌ وَنَظَرُ إِلَيْهِ، ثُمَّ عَادَ زِيَادٌ: إِنَّ مِنْ حَقِّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ مِنْ حَقِّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ. يَعْنِي كَذَا وَكَذَا، فَأَخَذَ حُجْرٌ كَفًّا مِنْ حَصًا فَحَصَبَهُ، وَقَالَ: كَذَبْتَ عَلَيْكَ لَعْنَةُ اللهِ. فَانْحَدَرَ زِيَادٌ فَصَلَّى، ثُمَّ دَخَلَ الْقَصْرَ، وَاسْتَحْضَرَ حُجْرًا، وَيُقَالُ: إِنْ زِيَادًا لَمَّا خَطَبَ طَوَّلَ الْخُطْبَةَ وَأَخَّرَ الصَّلَاةَ، فَقَالَ لَهُ حُجْرٌ: الصَّلَاةَ. فَمَضَى فِي خِطْبَتِهِ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: الصَّلَاةَ. فَمَضَى فِي خِطْبَتِهِ فَلَمَّا خَشِيَ حُجْرٌ فَوْتَ الصَّلَاةِ عَمِدَ إِلَى كَفٍّ مِنْ حَصَا، وَثَارَ إِلَى الصَّلَاةِ، وَثَارَ النَّاسُ مَعَهُ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ زِيَادٌ نَزَلَ، فَصَلَّى بِالنَّاسِ». البداية والنهاية (11/231) ت التركي.
وهكذا استمر شغبه وتمرده ونقضه للبيعة إلى أن قُتل.
([8]) أعيان الشيعة، محسن الأمين (٤/585).
([9]) قال محمد المشهدي في تفسيره: «وفي أمالي الصدوق بإسناده إلى النبي صلى الله عليه وآله قال: طاعة السلطان واجبة، ومن ترك طاعة السلطان فقد ترك طاعة الله في نهيه، إن الله D يقول: [ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ] {البقرة:195}». تفسير كنز الدقائق، محمد المشهدي (1/459)، الأمالي، الصدوق (ص٤١٨).
وفي تفسير نور الثقلين: «فيمن لا يحضره الفقيه في الحقوق المروية عن علي بن الحسين R وحق السلطان أن تعلم أنك جعلت له فتنة، وأنه مبتلى فيك بما جعله الله D له عليك من السلطان، وأن عليك أن لا تتعرض لسخطه فتلقي بيدك إلى التهلكة، وتكون شريكًا له فيما يأتي إليك من سوء». نور الثقلين (1/180).
([10]) قال الحويزي: «في عيون الأخبار في باب ذكر مولد الرضا (ع)، ملك عبد الله المأمون عشرين سنة وثلاثة وعشرين يومًا، فأخذ البيعة في ملكه لعلي بن موسى الرضا S بعهد المسلمين من غير رضاء، وذلك بعد أن يهدده بالقتل وألح مرة بعد أخرى في كلها يأبى عليه، حتى أشرف من تأبيه على الهلاك، فقال (ع): (اللهم إنك قد نهيتني عن الإلقاء بيدي إلى التهلكة، وقد أكرهت واضطررت كما أشرفت من قبل عبد الله المأمون على القتل متى لم أقبل ولاية عهده». نور الثقلين (1/179).
([11]) قال الطباطبائي: «والمعنى: لا تلقوا أنفسكم بأيدي أنفسكم إلى التهلكة، والتهلكة والهلاك واحد، وهو مصير الإنسان بحيث لا يدري أين هو، وهو على وزن تفعُلة بضم العين، ليس في اللغة مصدر على هذا الوزن غيره، والكلام مطلق أريد به النهي عن كل ما يوجب الهلاك من إفراط وتفريط، كما أن البخل والإمساك عن إنفاق المال عند القتال يوجب بطلان القوة وذهاب القدرة، وفيه هلاك العدة بظهور العدو عليهم». تفسير الميزان (٢/٦٤).
([12]) البداية والنهاية (11/238) ت التركي.
([13]) تاريخ الطبري = تاريخ الرسل والملوك، وصلة تاريخ الطبري (5/268).
([14]) مسائل الإمام أحمد - رواية ابنه أبي الفضل صالح (2/328، ٩٦١).
([15]) صحيح مسلم (3/1480) ت عبد الباقي.
([16]) صحيح مسلم (3/1479) ت عبد الباقي.
([17]) بحار الأنوار، المجلسي (٤٢/187).
([18]) تذكرة الخواص من الأمة بذكر خصائص الأئمة، سبط ابن الجوزي (١/572) ط المجمع العالمي.
([19]) المناقب، ابن شهرآشوب (٤/44)، بحار الأنوار، المجلسي (٤٤/59).
([20]) مدينة المعاجز، هاشم البحراني (٣/233).
([21]) أعيان الشيعة، محسن الأمين (٤/574).