نحن نسلم بتواتر حديث مقتل عمار بن ياسر، وأما لفظة «يدعوهم إلى الله ويدعونه إلى النار»، أو «يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار» فقد توقف فيها بعض أهل العلم وأنكروها، وقالوا: إنها مدرجة من كلام أبي سعيد الخدري باعترافه هو أنه لم يسمعها من النبي ق.
قال الحافظ ابن حجر: «وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ لَمْ يَذْكُرْهَا الْحُمَيْدِيُّ فِي الْجَمْعِ، وَقَالَ: إِنَّ الْبُخَارِيَّ لَمْ يَذْكُرْهَا أَصْلًا، وَكَذَا قَالَ أَبُو مَسْعُودٍ، قَالَ الْحُمَيْدِيُّ: وَلَعَلَّهَا لَمْ تَقَعْ لِلْبُخَارِيِّ أَوْ وَقَعَتْ فَحَذَفَهَا عَمْدًا، قَالَ: وَقَدْ أَخْرَجَهَا الْإِسْمَاعِيلِيُّ وَالْبَرْقَانِيُّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ.
قُلْتُ: وَيَظْهَرُ لِي أَنَّ الْبُخَارِيَّ حَذَفَهَا عَمْدًا؛ وَذَلِكَ لِنُكْتَةٍ خَفِيَّةٍ، وَهِيَ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ اعْتَرَفَ أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ هَذِهِ الزِّيَادَةَ مِنَ النَّبِيِّ ق، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ مُدْرَجَةٌ، وَالرِّوَايَةُ الَّتِي بَيَّنَتْ ذَلِكَ لَيْسَتْ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ، وَقَدْ أَخْرَجَهَا الْبَزَّارُ مِنْ طَرِيقِ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنِ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي بِنَاءِ الْمَسْجِدِ وَحَمْلِهُمْ لَبِنَةً لَبِنَةً، وَفِيهِ: فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ فَحَدَّثَنِي أَصْحَابِي -وَلَمْ أَسْمَعْهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ ق- أَنَّهُ قَالَ: يَا ابن سميَّة تقتلك الفئة الباغية. اهـ، وابن سُمَيَّةَ هُوَ عَمَّارٌ، وَسُمَيَّةُ اسْمُ أُمِّهِ، وَهَذَا الْإِسْنَادُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَقَدْ عَيَّنَ أَبُو سَعِيدٍ مَنْ حَدَّثَهُ بِذَلِكَ، فَفِي مُسْلِمٍ وَالنَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي -أَبُو قَتَادَةَ- فَذَكَرَهُ، فَاقْتَصَرَ الْبُخَارِيُّ عَلَى الْقَدْرِ الَّذِي سَمِعَهُ أَبُو سَعِيدٍ مِنَ النَّبِيِّ ق دُونَ غَيْرِهِ، وَهَذَا دَالٌّ عَلَى دِقَّةِ فَهْمِهِ وَتَبَحُّرِهِ فِي الِاطِّلَاعِ عَلَى عِلَلِ الْأَحَادِيثِ»([1]).
إن كانت هذه الزيادة في الحديث معتبرةً، فكيف يكون جماعة من أصحاب النبي ق يدعون إلى النار؟!
قلنا: إن هذا الفعل كان باجتهاد منهم، وبظنهم أنهم على الحق ومن خالفهم كان على الباطل، فاجتهدوا في ذلك فأخطأوا فكان لهم أجر الاجتهاد، والخطأ مغفور لهم([2])، وبذلك يظهر أن قوله: «يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار» معناه الدعوة إلى سبب من أسباب الجنة والدعوة إلى سبب من أسباب النار، وإلا فإن عليًّا ومن كان معه ليسوا هم عين الجنة!
قال الحافظ: «فَإِنْ قِيلَ كَانَ قَتْلُهُ بِصِفِّينَ وَهُوَ مَعَ عَلِيٍّ، وَالَّذِينَ قَتَلُوهُ مَعَ مُعَاوِيَةَ وَكَانَ مَعَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ، فَكَيْفَ يَجُوزُ عَلَيْهِمُ الدُّعَاءُ إِلَى النَّارِ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّهُمْ كَانُوا ظَانِّينَ أَنَّهُمْ يَدْعُونَ إِلَى الْجَنَّةِ، وَهُمْ مُجْتَهِدُونَ لَا لَوْمَ عَلَيْهِمْ فِي اتِّبَاعِ ظُنُونِهِمْ، فَالْمُرَادُ بِالدُّعَاءِ إِلَى الْجَنَّةِ الدُّعَاءُ إِلَى سَبَبِهَا وَهُوَ طَاعَةُ الْإِمَامِ، وَكَذَلِكَ كَانَ عَمَّارٌ يَدْعُوهُمْ إِلَى طَاعَةِ عَلِيٍّ وَهُوَ الْإِمَامُ الْوَاجِبُ الطَّاعَةُ إِذْ ذَاكَ، وَكَانُوا هُمْ يَدْعُونَ إِلَى خِلَافِ ذَلِكَ، لَكِنَّهُمْ مَعْذُورُونَ لِلتَّأْوِيلِ الَّذِي ظَهَرَ لَهُم»([3]).
وهذا شأن كل مخالفة في الدين صغيرة كانت أو كبيرة، فإن كان صاحبها من أهل الاجتهاد فهو معذور بالتأويل، ودعوة معاوية كانت إلى الإسلام والقرآن والحق مجملًا (القصاص)، فقد أخرج البخاري في صحيحه عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ ا قال: قال رَسُولُ اللهِ ق: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَقْتَتِلَ فِئَتَانِ دَعْوَاهُمَا وَاحِدَةٌ»([4])، ولكن في ثنايا ذلك كانت هناك مخالفة للصواب في مسألة فقهية لا غير (تقديم القصاص أم البيعة).
وفي صحيح مسلم عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ق: «تَمْرُقُ مَارِقَةٌ عِنْدَ فُرْقَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، يَقْتُلُهَا أَوْلَى الطَّائِفَتَيْنِ بِالْحَقِّ»([5]).
قال ابن كثير: «فَهَذَا الْحَدِيثُ مِنْ دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ وَقَعَ الْأَمْرُ طِبْقَ مَا أَخْبَرَ الرَّسُولُ ق، وَفِيهِ الْحُكْمُ بِإِسْلَامِ الطَّائِفَتَيْنِ، أَهْلِ الشَّامِ وَأَهْلِ الْعِرَاقِ، لَا كَمَا يَزْعُمُهُ فِرْقَةُ الرَّافِضَةِ، أَهْلُ الْجَهْلِ وَالْجَوْرِ، مِنْ تَكْفِيرِهِمْ أَهْلَ الشَّامِ»([6]).
لو سلم الروافض بحديث عمار وأن الفئة الباغية هو معاوية ومن معه، كما قال علي هجراني التبريزي: «فمن البغاة الذين خرجوا على الإمام أمير المؤمنين بعد وفاة النبي ق وقاتلوه في صفين معاوية وأصحابه»([7]).
لوقعوا في إبطال قاعدتهم التي اتفقوا عليها وانفردوا بها عن سائر المسلمين في حكمهم على من قاتل الإمام العادل بالكفر، يقول الشريف المرتضى: «ومما انفردت به الإمامية: القول بأن من حارب الإمام العادل وبغى عليه وخرج عن التزام طاعته يجري مجرى محارب النبي صلى الله عليه وآله، وخالع طاعته في الحكم عليه بالكفر»([8]).
وقال أيضًا: «نقول: من جملة ضروب الكفر محاربة الإمام ومدافعته وممانعته. وما كانوا بهذا الضرب كافرين بدفع النص، ولا مستحقين لعذاب المحاربة والمدافعة، فإذا خرج بهم إلى الحرب فحاربوا ومانعوا، كفروا بذلك واستحقوا به العذاب بعد أن لم يكونوا عليه في الأول، ولذلك إن نطقوا وأظهروا وأعلنوا جحد الإمامة والشريعة وطعنوا فيها طعنًا مسموعًا متحققًا، فكل ذلك كفر ما كانوا عليه ولا مستحقي عقابه»([9]).
وبذلك فإن تسليم الشيعة بحديث الفئة الباغية يُلزمهم بالحكم على معاوية ومن كان معه بالإسلام؛ لأن البغي غير مخرج عن الإسلام، قال النجفي: «والقتال قتالان: قتال الفئة الباغية حتى يفيئوا، وقتال الفئة الكافرة حتى يسلموا»([10]).
وقد كان علي يقاتل معاوية ومن معه من أهل الشام قتال البغاة لا الكفار، فقد أخرج الحميري في قرب الإسناد عن جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ: «أَنَّ عَلِيًّا S كَانَ يَقُولُ لِأَهْلِ حَرْبِهِ: إِنَّا لَمْ نُقَاتِلْهُمْ عَلَى التَّكْفِيرِ لَهُمْ، وَلَمْ نُقَاتِلْهُمْ عَلَى التَّكْفِيرِ لَنَا، وَلَكِنَّا رَأَيْنَا أَنَّا عَلَى حَقٍّ، وَرَأَوْا أَنَّهُمْ عَلَى حَقٍّ»([11]).
وفي النهج من قول علي بن أبي طالب ا: «وَكَانَ بَدْءُ أَمْرِنَا أَنَّا الْتَقَيْنَا وَالْقَوْمُ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ رَبَّنَا وَاحِدٌ، وَنَبِيُّنَا وَاحِدٌ، وَدَعْوَتَنَا فِي الإسْلَامِ وَاحِدَةٌ، وَلَا نَسْتَزِيدُهُمْ فِي الإيمَانِ بِاللهِ وَالتَّصْدِيقِ بِرَسُولِهِ وَلَا يَسْتَزِيدُونَنَا، الأمْرُ وَاحِدٌ، إِلَا مَا اخْتَلَفْنَا فِيهِ مِنْ دَمِ عُثْمانَ، وَنَحْنُ مِنْهُ بَرَاءٌ!»([12]).
بل والقرآن الكريم قد أطلق اسم الإيمان على من وقع في البغي، كما في قوله تعالى: [ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ] {الحجرات: 9-10}.
فأثبت الإيمان والأخوة لكلتا الطائفتين([13])، فهل ثَمَّ من شيعي يستطيع أن ينطق بنص القرآن الكريم ويقول بإيمان معاوية ومن كانوا معه، على الرغم من بغيهم وقتالهم لعلي بن أبي طالب ي؟!
وإذا حكمنا على طائفة معاوية بالبغي فهذا ليس اسم ذم عند أهل السنة، قال الرملي: «وَالْبَغِيُّ لَيْسَ اسْمَ ذَمٍّ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا خَالَفُوا بِتَأْوِيلٍ جَائِزٍ فِي اعْتِقَادِهِمْ، لَكِنَّهُمْ مُخْطِئُونَ فِيهِ، فَلَهُمْ لِمَا فِيهِمْ مِنْ أَهْلِيَّةِ الِاجْتِهَادِ نَوْعُ عُذْرٍ، وَمَا وَرَدَ مِنْ ذَمِّهِمْ وَمَا وَقَعَ فِي كَلَامِ الْفُقَهَاءِ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ مِنْ عِصْيَانِهِمْ أَوْ فِسْقِهِمْ مَحْمُولَانِ عَلَى مَنْ لَا أَهْلِيَّةَ فِيهِ لِلِاجْتِهَادِ أَوْ لَا تَأْوِيلَ لَهُ أَوْ لَهُ تَأْوِيلٌ قَطْعِيُّ الْبُطْلَانِ»([14]).
ومعلوم أن طائفة معاوية كان لها تأويل سائغ، وقد كان جيش علي يحوي قتلة عثمان، فلم يكن الأمر واضحًا حتى لأصحاب النبي ق الكبار؛ لذلك جعل النبيُّ ق حديثَ عمار علامة على معرفة الطائفة الأقرب للحق، وقد كان حديث عمار علامة لجيش الشام ليكفوا عن القتال؛ لأنهم لو رأوا عمارًا قد قُتل ولم يكفوا عن القتال أخذوا حكم البغي، قال الحافظ: «إِذَا عُلِمَتِ الْبَاغِيَةُ فَلَا تُسَمَّى فِتْنَةً، وَتَجِبُ مُقَاتَلَتُهَا حَتَّى ترجع إِلَى الطَّاعَة، وَهَذَا قَول الْجُمْهُور»([15]).
وقد كان أصل الأمر هو مطالبة علي بالقصاص من بغاة ليس لهم تأويل وهم قتلة عثمان، فكانت مطالبة معاوية حقًّا، لكن الخطأ كان في الوسيلة لا في أصل المطالبة بالإجماع؛ لأن الله تعالى قد شرع القصاص من القاتل بلا خلاف، لكن الوسائل لها أحكام المقاصد، ولذلك اختلف الحكم لخطأ الوسيلة لا لخطأ المطالبة بالقصاص، وهذا تأويل سائغ باتفاق.
قال الطباطبائي: «قوله تعالى: [ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ] {الحجرات:10} استئناف مؤكد لما تقدم من الإصلاح بين الطائفتين المتقاتلتين من المؤمنين، وقصر النسبة بين المؤمنين في نسبة الأخوة مقدمة ممهدة لتعليل ما في قوله: [ﯟ ﯠ ﯡ] {الحجرات:10} من حكم الصلح، فيفيد أن الطائفتين المتقاتلتين لوجود الأخوة بينهما يجب أن يستقر بينهما الصلح، والمصلحون لكونهم إخوة للمتقاتلتين يجب أن يسعوا في إصلاح ما بينهما، وقوله: [ﯟ ﯠ ﯡ] ولم يقل: فأصلحوا بين الأخوين من أوجز الكلام وألطفه؛ حيث يفيد أن المتقاتلتين بينهما أُخوة، فمن الواجب أن يستقر بينهما الصلح، وسائر المؤمنين إخوان للمتقاتلتين، فيجب عليهم أن يسعوا في الإصلاح بينهما، وقوله: [ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ] {الحجرات:10} موعظة للمتقاتلتين والمصلحين جميعًا»([16]).
وقال جعفر السبحاني: «وقال سبحانه: [ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ] {الحجرات: 9} ترى أنّه سبحانه أطلق المؤمن على الطائفة العاصية، وقال ما هذا مثاله: فإن بغت إحدى الطائفتين من المؤمنين على الطائفة الأُخرى منهم، والظاهر أنّ الإطلاق بلحاظ كونهم مؤمنين حال البغي لا بلحاظ ما سبق وانقضى، أي بمعنى أنّهم كانوا مؤمنين»([17]).
وفي قرب الإسناد عن جَعْفَر، عَنْ أَبِيهِ S: «أَنَّ عَلِيًّا S لَمْ يَكُنْ يَنْسُبُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ حَرْبِهِ إِلَى الشِّرْكِ وَلَا إِلَى النِّفَاقِ، وَلَكِنَّهُ كَانَ يَقُولُ: «هُمْ إِخْوَانُنَا بَغَوْا عَلَيْنَا»»([18]).
وبذلك كله تعلم أن البغي ليس ذمًّا، لا عند السنة ولا عند الشيعة، بل يثبت أن صاحبه مأجور أجرًا واحدًا على اجتهاده.
قول ق: «تقتلك الفئة الباغية» ليس نصًّا في أن جيش معاوية باغٍ، بل هو نص في أن قتلة عمار هم الفئة الباغية، ولم يكن جيش معاوية هو قاتل عمار، بل قاتِلُهُ مِنْ جيش معاوية، وبذلك فنحن نقول إن هؤلاء القتلة الذين كانوا من جيش معاوية وقتلوا عمارًا ا هم الفئة الباغية الذين يدعون إلى النار.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: «ثُمَّ «إنَّ عَمَّارًا تَقْتُلُهُ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ» لَيْسَ نَصًّا فِي أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ لمعاوية وَأَصْحَابِهِ، بَلْ يُمْكِنُ أَنَّهُ أُرِيدَ بَهْ تِلْكَ الْعِصَابَةُ الَّتِي حَمَلَتْ عَلَيْهِ حَتَّى قَتَلَتْهُ، وَهِيَ طَائِفَةٌ مِنَ الْعَسْكَرِ، وَمَنْ رَضِيَ بِقَتْلِ عَمَّارٍ كَانَ حُكْمُهُ حُكْمَهَا، وَمِن الْمَعْلُومِ أَنَّهُ كَانَ فِي الْعَسْكَرِ مَنْ لَمْ يَرْضَ بِقَتْلِ عَمَّارٍ، كَعَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العاص وَغَيْرِهِ، بَلْ كُلُّ النَّاسِ كَانُوا مُنْكِرِينَ لِقَتْلِ عَمَّارٍ، حَتَّى مُعَاوِيَةُ، وَعَمْرٌو.
وَيُرْوَى أَنَّ مُعَاوِيَةَ تَأَوَّلَ أَنَّ الَّذِي قَتَلَهُ هُوَ الَّذِي جَاءَ بِهِ دُونَ مُقَاتِلِيهِ، وَأَنَّ عَلِيًّا رَدَّ هَذَا التَّأْوِيلَ بِقَوْلِهِ: فَنَحْنُ إذًا قَتَلْنَا حَمْزَةَ.
وَلَا رَيْبَ أَنَّ مَا قَالَهُ عَلِيٌّ هُوَ الصَّوَابُ، لَكِنْ مَنْ نَظَرَ فِي كَلَامِ الْمُتَنَاظِرِينَ مِن الْعُلَمَاءِ الَّذِينَ لَيْسَ بَيْنَهُمْ قِتَالٌ وَلَا مُلْكٌ، وَأَنَّ لَهُمْ فِي النُّصُوصِ مِن التَّأْوِيلَاتِ مَا هُوَ أَضْعَفُ مِنْ مُعَاوِيَةَ بِكَثِيرِ.
وَمَنْ تَأَوَّلَ هَذَا التَّأْوِيلَ لَمْ يَرَ أَنَّهُ قَتَلَ عَمَّارًا، فَلَمْ يَعْتَقِدْ أَنَّهُ بَاغٍ، وَمَنْ لَمْ يَعْتَقِدْ أَنَّهُ بَاغٍ وَهُوَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ بَاغٍ فَهُوَ مُتَأَوِّلٌ مُخْطِئٌ، وَالْفُقَهَاءُ لَيْسَ فِيهِمْ مَنْ رَأْيُهُ الْقِتَالُ مَعَ مَنْ قَتَلَ عَمَّارًا، لَكِنْ لَهُمْ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ كَمَا كَانَ عَلَيْهِمَا أَكَابِرُ الصَّحَابَةِ: فمِنْهُمْ مَنْ يَرَى الْقِتَالَ مَعَ عَمَّارٍ وَطَائِفَتِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَرَى الْإِمْسَاكَ عَنِ الْقِتَالِ مُطْلَقًا، وَفِي كُلٍّ مِن الطَّائِفَتَيْنِ طَوَائِفُ مِنَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ، فَفِي الْقَوْلِ الْأَوَّلِ عَمَّارٌ، وَسَهْلُ بْنُ حنيف، وَأَبُو أَيُّوبَ، وَفِي الثَّانِي سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ مسلمة، وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ وَنَحْوُهُمْ، وَلَعَلَّ أَكْثَرَ الْأَكَابِرِ مِنَ الصَّحَابَةِ كَانُوا عَلَى هَذَا الرَّأْيِ، وَلَمْ يَكُنْ فِي الْعَسْكَرَيْنِ بَعْدَ عَلِيٍّ أَفَضْلُ مِنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَكَانَ مِنَ الْقَاعِدِينَ»([19]).
إن الذي ذهب للقتال لم يكن معاوية، وإنما علي بن أبي طالب الذي خرج إلى الشام لإخضاعها بجيش قوامه مائة ألف، وذاك أن معاوية لما امتنع عن البيعة، استخلف علي ا على الكوفة أبا مسعود عقبة بن عامر البدري الأنصاري، وخرج بجيشه إلى صِفِّين في الشام، وبلغ معاوية أن عليًّا تجهز وخرج بنفسه لقتاله، فأشار عليه رجاله أن يخرج هو أيضًا بنفسه، فخرج الشاميون نحو صفين، والتقى الجيشان، ونشب القتال([20]) فلم يكن جيش معاوية صائلًا، بل كان يدفع الصائل، ولم يكونوا قاصدين لقتال أحد، إنما خرجوا مدافعين عن أنفسهم وأرضهم وما ظنوه حقًّا وصدقًا.
بل لما كان الماء تحت يد معاوية ممنوعًا عن أهل حربه، وجاءه رسول علي يطلب الماء لأهل العراق، أمر معاوية بالتخلية بين الماء وبين إخوانه من جيش علي، فعن أبي الصَّلْتِ سُلَيْمٍ الْحَضْرَمِيِّ قَالَ: «شَهِدْتُ صِفِّينَ مَعَ عَلِيٍّ، فَإِنَّا عَلَى صُفُوفِنَا وَقَدْ حِيلَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِرَاقِ وَبَيْنَ الْمَاءِ، فَأَتَانَا فَارِسٌ مُقَنَّعٌ بِالْحَدِيدِ، فَأَقْبَلَ حَتَّى وَقَفَ ثُمَّ حَسَرَ عَنْ رَأْسِهِ، فإذا هُوَ الْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ فَقَالَ: اللهَ اللهَ يَا مُعَاوِيَةُ فِي أُمَّةِ مُحَمَّدٍ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: مَا الَّذِي تُرِيدُ؟ قَالَ: نُرِيدُ أَنْ تُخَلُّوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْمَاءِ، فقَالَ مُعَاوِيَةَ لِأَبي الْأَعْوَرِ عَمْرِو بْنِ سُفْيَانَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ خَلِّ بَيْنَ إِخْوَانِنَا وَبَيْنَ الْمَاءِ، قَالَ أَبُو الْأَعْوَرِ لِمُعَاوِيَةَ: كَلَّا وَاللهِ يَا مُعَاوِيَةُ لَا نُخَلِّي بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمَاءِ، فَعَزَمَ عَلَيْهِ مُعَاوِيَةُ حَتَّى خَلَّى بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمَاءِ، قَالَ: فَلَمْ يَلْبَثُوا بَعْدَ ذَلِكَ إِلَّا قَلِيلًا حَتَّى كَانَ الصُّلْحُ بَيْنَهُمْ»([21]).
ولم يكن التمييز سهلًا ميسورًا آنذاك كما يتصور البعض، حتى أن أبا العالية قال كما عند ابن سعد عن أبي خَلْدة: «لمَّا كان زمن علي S ومعاوية وإني لشابٌّ القتالُ أحبُّ إليَّ من الطّعام الطيّب، فتجهّزتُ بجهاز حسن حتّى أتيتهم، فإذا صَفّان لا يُرى طرفاهما إذا كبَّر هؤلاء كبَّر هؤلاء وإذا هَلَّلَ هؤلاء هَلَّل هؤلاء، قال: فراجعت نفسي، فقلت: أيُّ الفريقين أنزله كافرًا، وأيّ الفريقين أنزله مؤمنًا؟ أوَمَنْ أكرهني على هذا؟ فما أمسيت حتّى رجعت وتركتهم»([22]).
وقال عبد الله بن عمرو: «ما لي ولصفين؟ وما لي ولقتال المسلمين؟ لوددت أني مت قبله بعشرين سنة، أما والله إني على ذلك ما ضربت بسيف ولا طعنت برمح ولا رميت بسهم، وما كان رجل أجهد مني من رجل لم يفعل شيئًا من ذلك، وذكر أنه كانت الراية بيده»([23]).
وتأويل معاوية لمقتل عمار بقوله: «إن الذي قتله هو من جاء به» يدل على أنه لم يكن راضيًا بقتله ولا آمرًا بذلك، لكنه بيّن أنه لم يرض ولم يأمر به، وكان تأويله تأويل رجل عسكري محنك، يريد أن لا يختلف عليه جيشه، وكانت تلك هي النتيجة التي يعترف بها الشيعة، أن جيش معاوية كان أطوعَ من جيش علي.
إن سلمنا بكفر معاوية ومن كانوا معه من أهل الشام على مذهب الرافضة، فلماذا يطلب علي البيعة من الكافرين؟! فالكافر إنما يطلب منه الدخول في الإسلام لا البيعة التي لا تطلب إلا من المسلمين.
وبلاد الشام هذه إنما فُتحت في زمان الخليفة الراشد أبي حفص عمر بن الخطاب ا، وهي فتوحات تعتقد الشيعة أنها باطلة؛ لكون قائديها مغتصبين للخلافة وحق أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، فكان الأولى بعلي أن يعتبر تلك البقعة تبعًا للإمبراطورية الرومانية، ولا علاقة لها بدولة الإسلام إذًا!
فلماذا إذًا يقاتل علي معاوية على البيعة ولا يقاتله على الإسلام؟ إلا إذا كان يعتقد بعقيدة أهل السنة في معاوية؟! وأنه مسلم، بل مؤمن.
علمنا أن حكم علي بن أبي طالب على أهل حربه مغاير تمامًا لحكم الشيعة عليهم، فعليٌّ ا قد حكم على أهل حربه أنهم إخوانه ودينهم وربهم ودعوتهم واحدة لا يستزيدهم في الإيمان، وهذا إقرار بإيمانهم وأُخوتهم! ولم يكفرهم كما تفعل الشيعة الآن!!
لكننا نقول: إن الشيعة تعتقد أن الصحابة ي قد ارتدوا جميعًا بعد موت النبي ق ولم يسلم منهم إلا ستة! فيكون بذلك جيش علي هو جيش المرتدين من الصحابة، وزد على هذا أن أكثر هذا الجيش كان عاصيًا لعلي ابن أبي طالب.
فيلزم من هذا كله مسألتان:
المسألة الأولى: أن جيش معاوية كان هو الفئة الباغية.
المسألة الثانية: في مقابل هذه الفئة الباغية كانت الفئة الكافرة المرتدة
–وهو حكم على التغليب- من جيش علي بن أبي طالب.
فتكون النتيجة الحتمية المؤسفة أن علي بن أبي طالب تبعًا لذلك كان أميرًا للكافرين لا المؤمنين!!
([1]) فتح الباري، ابن حجر (1/42 و 542).
([2]) رواه البخاري من حديث عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ ق يَقُولُ: «إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ». صحيح البخاري (9/108) ط السلطانية.
([3]) فتح الباري، ابن حجر (1/542).
([4]) صحيح البخاري (4/200) ط السلطانية.
([5]) صحيح مسلم (2/745) ت عبد الباقي.
([6]) البداية والنهاية (10/563) ت التركي.
([7]) سيرة الإمام أمير المؤمنين في البغاة، علي هجراني التبريزي (ص٣٣).
([8]) الانتصار في انفرادات الإمامية، الشريف المرتضي (1/476).
([9]) رسائل الشريف المرتضى (3/321).
([10]) جواهر الكلام، محمد حسن النجفي الجواهري (21/342).
وحرب أهل البغي أحكام تختلف عن أحكام الكفار، يقول الشريف المرتضى: «أهل البغي لا يجوز غنيمة أموالهم وقسمتها كما تقسم أموال أهل الحرب، ولا أعلم خلافًا بين الفقهاء في ذلك، ومرجع الناس كلهم في هذا الموضع على ما قضى به أمير المؤمنين S في محاربي البصرة، فإنه منع من غنيمة أموالهم، فلما روجع S في ذلك قال: «أيكم يأخذ عائشة في سهمه؟». مسائل الناصريات، الشريف المرتضي (1/443).
وفي سرائر ابن إدريس الحلي: «عن مروان بن الحكم قال: لما هزمنا علي بالبصرة، رد على الناس أموالهم، من أقام بينة أعطاه، ومن لم يقم بينة أحلفه، قال: فقال له قائل: يا أمير المؤمنين، قسّم الفيء بيننا والسبي، قال: فلما أكثروا عليه، قال: أيكم يأخذ أم المؤمنين في سهمه، فكفوا». السرائر، ابن إدريس الحلي (٢/17).
وحتى لو قالت الشيعة بأن عليًّا أخذ أموال أهل الشام وقتل مدبرهم، فإن ذلك يخرجهم من كونهم بغاةً لا كفارًا، قال الحلي: « أهل البغي قسمان: أحدهما: أن لا يكون لهم فئة يرجعون إليها ولا رئيس يلجؤون إليه، كأهل البصرة وأصحاب الجمل، والثاني: أن يكون لهم فئة يرجعون إليها ورئيس يعتضدون به ويجيش لهم الجيوش، كأهل الشام وأصحاب معاوية بصفين، فالأول لا يجهز على جريحهم، ولا يتبع مدبرهم، ولا يقتل أسيرهم، والثاني يجهز على جريحهم، ويتبع مدبرهم، ويقتل أسيرهم سواء كانت الفئة حاضرة أو غائبة بعيدة أو قريبة، ذهب إلى هذا التفصيل علماؤنا أجمع». تذكرة الفقهاء، الحلي (1/456) ط القديمة.
وهذا الحكم ورد في روايات الشيعة عن المعصوم، وأن أهل البيت حتى مع قتل المدبر والإجهاز على الجريح وغيره، فإن ذلك لا يخرجه من كونه مسلم موحد، روى الحسن بن علي بن شعبة في تحف العقول عن أبي الحسن الثالث S أنه قال في جواب مسائل يحيى بن أكثم: «وأما قولك: إن عليًّا S قتل أهل صفين مقبلين ومدبرين، وأجهز على جريحهم، وأنه يوم الجمل لم يتبع موليًا، ولم يجهز على جريح، ومن ألقى سلاحه آمنه، ومن دخل داره أمَّنه، فإن أهل الجمل قُتل إمامهم ولم يكن لهم فئة يرجعون إليها وإنما رجع القوم إلى منازلهم غير محاربين ولا مخالفين ولا منابذين، ورضوا بالكف عنهم، فكان الحكم فيهم رفع السيف عنهم والكف عن أذاهم إذ لم يطلبوا عليه أعوانًا، وأهل صفين كانوا يرجعون إلى فئة مستعدة وإمام يجمع لهم السلاح والدروع والرماح والسيوف، ويسني لهم العطاء ويهيئ لهم الإنزال، ويعود مريضهم ويجبر كسيرهم، ويداوي جريحهم، ويحمل راجلهم، ويكسو حاسرهم ويردهم فيرجعون إلى محاربتهم وقتالهم، فلم يساو بين الفريقين في الحكم، لما عرف من الحكم من قتال أهل التوحيد»، وسائل الشيعة، الحرّ العاملي (11/56) ط الإسلامية.
فهذا قتال أهل التوحيد بنص المعصوم، وفي الكافي عن حفص بن غياث قال: «سألت أبا عبد الله S عن الطائفتين من المؤمنين إحداهما باغية، والأخرى عادلة، فهزمت الباغية العادلة، قال: ليس لأهل العدل أن يتبعوا مدبرًا، ولا تقتلوا أسيرًا، ولا يجهزوا على جريح، وهذا إذا لم يبق من أهل البغي أحد، ولم يكن فئة يرجعون إليها، فإذا كانت لهم فئة يرجعون إليها فإن أسيرهم يُقتل، ومدبرهم يُتبع، وجريحهم يجهز عليه». الكافي، الكليني (9/422) ط دار الحديث، وسائل الشيعة الحرّ العاملي (11/54) ط الإسلامية.
وفي تهذيب الأحكام عن جعفر عن أبيه قال: قال علي S: «القتال قتالان، قتال لأهل الشرك، لا ينفر عنهم حتى يسلموا أو يؤدُّوا الجزية عن يد وهم صاغرون، وقتال لأهل الزيغ، لا ينفر عنهم حتى يفيئوا إلى أمر الله أو يقتلوا». تهذيب الأحكام، الطوسي (٤/114).
([11]) قرب الإسناد، الحميري، (ص93) ط الحديثة.
([12]) نهج البلاغة (ص305).
([13]) قال الشافعي: «وأمر الله D بقتال الفئة الباغية وهي مسماة باسم الإيمان حتى تفيء إلى أمر الله، فإن فاءت لم يكن لأحد قتالها؛ لأن الله D إنما أذن في قتالها في مدة الامتناع بالبغي إلى أن تفيء». الأم، الشافعي (4/227) ط الفكر.
وقال النووي: «قَوْلُهُ ق: (يَقْتُلُهُمْ أَوْلَى الطَّائِفَتَيْنِ إِلَى الْحَقِّ)، وَفِي رِوَايَةٍ: (أَوْلَى الطَّائِفَتَيْنِ بِالْحَقِّ)، وَفِي رِوَايَةٍ: (تَكُونُ أُمَّتِي فِرْقَتَيْنِ، فَتَخْرُجُ مِنْ بَيْنِهِمَا مَارِقَةٌ، تَلِي قَتْلَهُمْ أَوْلَاهُمَا بِالْحَقِّ).
هَذِهِ الرِّوَايَاتُ صَرِيحَةٌ فِي أَنَّ عَلِيًّا ا كَانَ هُوَ الْمُصِيبَ الْمُحِقَّ، وَالطَّائِفَةُ الْأُخْرَى أَصْحَابُ مُعَاوِيَةَ ا كَانُوا بُغَاةً مُتَأَوِّلِينَ، وَفِيهِ التَّصْرِيحُ بِأَنَّ الطَّائِفَتَيْنِ مُؤْمِنُونَ لَا يَخْرُجُونَ بِالْقِتَالِ عَنِ الْإِيمَانِ وَلَا يَفْسُقُونَ، وَهَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ مُوَافِقِينَا». شرح النووي على مسلم (7/167).
وقال ابن كثير: «يَقُولُ تَعَالَى آمِرًا بِالْإِصْلَاحِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ الْبَاغِينَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ: [ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ] {الحجرات:9}، فَسَمَّاهُمْ مُؤْمِنِينَ مَعَ الِاقْتِتَالِ، وبِهَذَا اسْتَدَلَّ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنَ الْإِيمَانِ بِالْمَعْصِيَةِ وَإِنْ عَظُمَتْ، لَا كَمَا يَقُولُهُ الْخَوَارِجُ وَمَنْ تَابَعَهُمْ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَنَحْوِهِمْ». تفسير ابن كثير (7/374) ت السلامة.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: «[ﯜ ﯝ ﯞ] {الحجرات:10}، فجعلهم إخوة مع وجود القتال والبغي والأمر بالإصلاح بينهم. فليتدبر المؤمن الفرق بين هذين النوعين، فما أكثر ما يلتبس أحدهما بالآخر، وليعلم أن المؤمن تجب موالاته وإن ظلمك واعتدى عليك، والكافر تجب معاداته وإن أعطاك وأحسن إليك». مجموع الفتاوى (28/208).
([14]) نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج، الرملي (7/402).
([15]) فتح الباري، ابن حجر (13/42 و 47).
([16]) الميزان في تفسير القرآن، الطباطبائي (18/315).
([17]) الايمان والكفر، جعفر السبحاني (1/18).
([18]) قرب الإسناد، الحميري (1/94) ط الحديثة.
([19]) مجموع الفتاوى (35/77).
([20]) حصان طروادة الغارة الفكرية على الديار السنية (ص473).
([21]) الكنى والأسماء، الدولابي (2/663)، تاريخ دمشق، ابن عساكر (9/137)، بغية الطلب في تاريخ حلب (4/489) ت الرواضية.
([22]) الطبقات الكبير (9/113) ط الخانجي، تاريخ دمشق، ابن عساكر (18/182).
([23]) معجم الصحابة، البغوي (3/500)، تاريخ دمشق، ابن عساكر (31/278).