ادعاؤهم سوء أخلاق عثمان في قصة الأعمى

الشبهة:

ادَّعت الشيعة أن قوله تعالى: [ﭑ ﭒ ﭓ ] {عبس:1} نزل في عثمان؛ لأن العبوس كان من صفاته الملازمة له، ونقل المجلسي عن القمي في البحار قوله: «[ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ] {عبس:1-2} قال: نزلت في عثمان وابن أم مكتوم، وكان ابن أم مكتوم مؤذن رسول الله صلى الله عليه وآله وكان أعمى، وجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وعنده أصحابه وعثمان عنده، فقدَّمه رسول الله صلى الله عليه وآله على عثمان، فعبس عثمان وجهه وتولى عنه، فأنزل الله: [ﭑ ﭒ ] {عبس}»([1]).

ويقول أحمد الماحوزي: «الجملة الثانية: فإنها تدل بصراحة على استمرارية العبس في الوجوه، وأن ذلك عادة متبعة وملكة راسخة في عثمان»([2]).

وقد يقولون: إن هذا يؤدي إلى غضب الله على عثمان، ويستدلون برواية مستدرك الوسائل التي فيها عن علي قوله: «كان رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: إن الله يبغض العابس في وجه إخوانه»([3]).

وقد جمع الشريف المرتضى أغلب الإشكالات لدفع توجيه الخطاب للنبي ق فقال: «أما ظاهر الآية فغير دالٍّ على توجهها إلى النبي صلى الله عليه وآله، ولا فيها ما يدل على أنه خطاب له، بل هي خبر محض لم يصرح بالمخبر عنه، وفيها ما يدل عند التأمل على أن المعنيَّ بها غير النبي صلى الله عليه وآله؛ لأنه وصفه بالعبوس وليس هذا من صفات النبي صلى الله عليه وآله في قرآن ولا خبر مع الأعداء المنابذين، فضلًا عن المؤمنين المسترشدين، ثم وصفه بأنه يتصدى للأغنياء ويتلهى عن الفقراء، وهذا مما لا يوصف به نبينا S لمن يعرفه، فليس هذا مشبهًا مع أخلاقه الواسعة وتحننه على قومه وتعطفه، وكيف يقول له: [ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ] {عبس:7} وهو صلى الله عليه وآله مبعوث للدعاء والتنبيه، وكيف لا يكون ذلك عليه، وكأن هذا القول إغراء بترك الحرص على إيمان قومه»([4]).

 

([1]) بحار الأنوار، المجلسي (30/174) ط مؤسسة الوفاء.

([2]) أسطورة العبوسة، أحمد الماحوزي (1/10).

([3]) مستدرك الوسائل، حسين النوري الطبرسي (٨/٣٢١).

([4]) تنزيه الأنبياء، الشريف المرتضى (1/118).

الرد علي الشبهة:

قالت طائفة من علماء الشيعة بنزول الآية في النبي ق، منهم: الطبرسي في تفسيره (3/728)، وابن أبي جامع العاملي في الوجيز (3/425)، والمجلسي في البحار (17/ 78)، والطريحي في غريب القرآن (1/307)، ومحسن الأمين في أعيان الشيعة (1/235)، وهاشم معروف الحسني في سيرة المصطفى (1/193)، ومكارم الشيرازي في تفسيره «الأمثل» (19/364) وغيرهم.

وأما نزول الآية في النبي ق من كتب أهل السنة فقد جاءت في روايات عديدة، منها ما أخرجه ابن حبان في صحيحه عَنْ عَائِشَةَ أنها قالت: «أُنزلت [ﭑ ﭒ] في ابنِ أُمِّ مَكْتُومٍ الْأَعْمَى، قَالَتْ: أَتَى النَّبِيَّ ق فَجَعَلَ يَقُولُ: يَا نَبِيَّ اللهِ، أَرْشِدْنِي، قَالَتْ: وَعِنْدَ النَّبِيِّ ق رَجُلٌ مِنْ عُظَمَاءِ الْمُشْرِكِينَ، فَجَعَلَ النَّبِيُّ ق يُعْرِضُ عَنْهُ وَيُقْبِلُ عَلَى الْآخَرِ، فَقَالَ النَّبِيُّ ق: «يَا فُلَانُ، أَتَرَى بِمَا أَقُولُ بأسًا» فيقول: لا، فنزلت: [ﭑ ﭒ]»([1]).

وأما عن اعتراضات المرتضى فقد أجاب عنها محسن الأمين، فقال ما نصه: «أقول: لا مانع من وقوع العتاب منه تعالى للنبي ص على ترك الأولى، وفعل المكروه أو خلاف الأولى لا ينافي العصمة، والقول بأن العبوس ليس من صفاته ص إنما يتم إذا لم يكن العبوس لأمر أخروي مهم، وهو قطع الحديث مع عظماء قريش الذين يرجو إسلامهم، وأن يكون بإسلامهم تأييد عظيم للدين، وكذلك القول بأن الوصف بالتصدي للأغنياء والتلهي عن الفقراء لا يشبه أخلاقه الكريمة، إنما يتم إذا كان تصديه للأغنياء لغناهم لا لرجاء إسلامهم، وتلهية عن الفقراء لفقرهم لا لقطعهم حديثه مع من يرجو إسلامه، ومع ذلك لا ينافي العتاب له، وكون الأولى خلافه.

 أما ما روي عن الصادق ع فقد ينافي صحة هذه الرواية قوله تعالى: [ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ] {عبس:3} فإن ذلك الرجل إنما عبس في وجه الأعمى تقذرًا له لا لأنه لا يرجو تزكية أو تذكرة، فالمناسب أن يقال: وما يدريك لعله خير من أهل النظافة والبصر، وكذا قوله: [ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ] {عبس:7} فإن تصدى الأموي للغني لغناه لا لرجاء أن يزكى، وكذا قوله: [ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ] {عبس:8-10} فإن ابن أم مكتوم إنما جاء رسول الله ص لا الأموي، والأموي إنما تقذره وانكمش منه، لا أنه تلهى عنه، فالمناسب أن يكون الخطاب للنبي ص، وذلك يبطل صدور هذه الرواية من معدن بيت الوحي»([2]).

الروايات التي وردت عند الشيعة بشأن نزول الآية في عثمان لا تصح، فعمدة ما استدلوا به ما ذكره القمي في تفسيره بلا إسناد، فقال: «بسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ [ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ] {عبس:1-2} قَالَ: نَزَلَتْ فِي عَثْمان([3]) وابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ، وَكَانَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ مُؤَذِّنًا لِرَسُولِ اللهِ ص، وَكَانَ أعْمى، وَجَاءَ إِلَى رَسُولِ اللهِ ص وَعِنْدَهُ أَصْحَابُهُ وَعَثْكَنَ عِنْدَهُ، فَقَدَّمَهُ رَسُولُ اللهِ ص عَلَيْهِ، فَعَبَسَ وَجْهُهُ وَتَوَلَّى عَنْهُ، فَأَنْزَلَ اللهُ: [ﭑ ﭒ ] {عبس}»([4]).

وهذا الخبر ساقط عند السنة والشيعة على السواء؛ إذ إنه بلا إسناد، فهو لا يعدو أن يكون مجرد كلام للقمي لا قيمة له ولا عبرة به! وجاءت رواية أخرى عند الطبرسي، قال: «وقد روي عن الصادق (ع) أنها نزلت في رجل من بني أمية»([5]).

وهذه أيضًا تلحق صاحبتها؛ حيث إنها بلا إسناد؛ وهنا يقول شيخهم أحمد الماحوزي: «لا توجد إلا روايتان مرسلتان»([6])، وزد عليه أن رواية الطبرسي جاءت بإبهام الرجل الذي نزلت فيه الآية.

الشيعة أرادت أن تذم عثمان ا فمدحته، فإن غاية ما أفاده كلام الشيعة أن عثمان كان يتصدر للإفتاء والدعوة إلى الحق، وأن النبي ق والوحي كانا يُقِرَّانه على ذلك، فأما إقرار النبي ق فبدليل عدم إنكاره ق على عثمان، وسكوته إقرار، وهو حجة باتفاق، وأما إقرار الوحي له فتمثل في عدم إنكاره عليه إلا «مجرد العبوس»، فدل سكوت الوحي في غيره
-العبوس- على الموافقة والتأييد، ودل على صحة أخذ الدين عن عثمان
ا، وإلا يكون الوحي قد سكت عن الباطل، وتسبب في التلبيس على الناس!

وإذا كان مجرد العبوس بحق أو باطل- قادحًا في الشخص وفي خلقه، فلزمهم ذلك في علي بن أبي طالب ا، فقد رووا عنه أنه عبس أيضًا في وجه رجل.

 روى الكليني في الكافي عَنْ صَالِحِ بْنِ أَبِي حَمَّادٍ، وَعِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِه، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، وغَيْرِهِمَا بِأَسَانِيدَ مُخْتَلِفَةٍ: «فِي احْتِجَاجِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ S عَلى عَاصِمِ بْنِ زِيَادٍ حِينَ لَبِسَ الْعَبَاءَ، وتَرَكَ الْمُلَاءَ، وشَكَاهُ أَخُوهُ الرَّبِيعُ بْنُ زِيَادٍ إِلى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ S أَنَّهُ قَدْ غَمَّ أَهْلَهُ، وَأَحْزَنَ ولْدَهُ بِذلِكَ، فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ S: «عَلَيَّ بِعَاصِمِ بْنِ زِيَادٍ»، فَجِيءَ بِهِ، فَلَمَّا رَآهُ عَبَسَ فِي وجْهِهِ، فَقَالَ لَهُ: «أَمَا اسْتَحْيَيْتَ مِنْ أَهْلِكَ؟»([7]).

 فعلى هذا يلزمهم في علي كل ما قالوه عن عثمان، وإلا سقطت شغائبهم!

 

([1]) صحيح ابن حبان (2/٢٩٤) قال الشيخ الألباني: «صحيح»، صحيح سنن الترمذي (3566)، التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان (2/32) وقال الشيخ مصطفى العدوي: «للآية سبب نزول بمجموع الطرق، ولسياق آيات الكتاب العزيز يصح». سلسلة التفسير (٢/٨٤).

([2]) أعيان الشيعة، محسن الأمين (1/230).

([3]) فيها خطأ في المصدر؛ إذ جاءت (عثكن).

([4]) تفسير القمي (2/404).

([5]) مجمع البيان في تفسير القرآن، الطبرسي (10/266) ط مؤسسة الأعلمي للمطبوعات.

([6]) أسطورة العبوسة (1/42).

([7]) الكافي (2/357)، وقال المجلسي عن الرواية في مرآة العقول (4/363): «الحديث الثالث: مرسل معتبر، بل هو كالمتواتر روي بأسانيد، وفي متنه اختلاف والمضمون مشترك».