زعمهم ذمَّ عثمان في آيات من سورة النجم

الشبهة:

ادَّعت الشيعة أن عثمان مذموم في كتاب الله تعالى! ومن ذلك ما ذكره بعض أهل التفسير من نزول آيات في سورة النجم تذمه، واستدلوا بما ذكره الواحدي في أسباب النزول قال: «قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالسُّدِّيُّ وَالْكَلْبِيُّ وَالْمُسَيِّبُ ابْنُ شَرِيكٍ: نَزَلَتْ فِي عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، كَانَ يَتَصَدَّقُ وَيُنْفِقُ فِي الْخَيْرِ، فَقَالَ لَهُ أَخُوهُ مِنَ الرَّضَاعَةِ عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي سَرْحٍ: مَا هَذَا الَّذِي تَصْنَعُ؟ يُوشِكُ أَنْ لَا يَبْقَى لَكَ شَيْءٌ، فَقَالَ عُثْمَانُ: إِنَّ لِي ذُنُوبًا وَخَطَايَا، وَإِنِّي أَطْلُبُ بِمَا أَصْنَعُ رِضَا اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَيَّ وَأَرْجُو عَفْوَهُ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللهِ: أَعْطِنِي نَاقَتَكَ بِرَحْلِهَا وَأَنَا أَتَحَمَّلُ عَنْكَ ذُنُوبَكَ كُلَّهَا، فَأَعْطَاهُ وَأَشْهَدَ عَلَيْهِ وَأَمْسَكَ عَنْ بَعْضِ مَا كَانَ يَصْنَعُ مِنَ الصَّدَقَةِ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: [ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ] {النجم:33-34} فَعَادَ عُثْمَانُ إِلَى أَحْسَنِ ذَلِكَ وَأَجْمَلِه»([1]).

قال الشيعي الأميني معلقًا: «إن تعجب فعجب قبول عثمان تلكم الخرافة منه، ومنحه إياه ناقته برحلها على أن يحمل عنه ذنوبه [ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ] {الأنعام:164}... إلى آيٍ كثيرة من أمثالها، وهي كلها تقرر حكم العقل بقبح أخذ أي أحد بجريمة غيره، والعدل يحكم بأن ابن أبي سرح
-وهو مثال المآثم والمخازي- إن حمل إثمًا من جراء قولته هذه فإنما هو جرأته على الله تعالى، وتصغيره عظمة نيران القسط الإلهي، ونهيه عن الصدقة، لا ما سبق لعثمان اقترافه من السيئات، لكن هلم معي إلى ضؤولة عقل من يصدق تلكم المهزأة، ويرتب عليها آثارًا عملية، حتى ندد به الذكر الحكيم»
([2]).

 

([1]) أسباب النزول (ص398) ت الحميدان.

([2]) الغدير (9/64).

الرد علي الشبهة:

الرواية التي أوردها الواحدي بلا إسناد، ومثلها لا يحتج به باتفاق، ولا يحتاج إلى جواب آخر، قال الشنقيطي في أضوائه: «وَاقْتَصَرَ الزَّمَخْشَرِيُّ عَلَى أَنَّهُ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ ا، قَالَ: رُوِيَ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ كَانَ يُعْطِي مَالَهُ فِي الْخَيْرِ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ،..، ولَا يَخْفَى سُقُوطُ هَذَا الْقَوْلِ وَبُطْلَانُهُ، وَأَنَّهُ غَيْرُ لَائِقٍ بِمَنْصِبِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ ا»([1]).

وقال الطاهر بن عاشور: «وَوَقَعَ فِي «أَسْبَابِ النُّزُول» لِلْوَاحِدِيِّ و «الْكَشَّاف» أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي عَبْدِ اللهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ حِينَ صَدَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ عَنْ نَفَقَةٍ فِي الْخَيْرِ كَانَ يَنْفِقُهَا (أَيْ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَعْدٍ) رَوَاهُ الثَّعْلَبِيُّ عَنْ قَوْمٍ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَذَلِكَ بَاطِلٌ، وَعُثْمَانُ مُنَزَّهٌ عَنْ مِثْلِهِ، أَيْ: عَنْ أَنْ يُصْغِيَ إِلَى ابْنِ أَبِي سَرْحٍ فِيمَا صَدَّهُ»([2]).

فهذا إنكار أهل العلم للقصة المزعومة، بل إن الطبري على اتساعه في نقل الأقوال لم يورد تلك القصة لا عن ابن عباس ولا عن غيره([3])، والوارد عن مجاهد تلميذ ابن عباس أنها في الوليد بن المغيرة، فـ «عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: [ﯦ ﯧ ﯨ] {النجم:34}، يَعْنِي: الْوَلِيدَ بْنَ الْمُغِيرَةِ أَعْطَى قَلِيلًا، ثُمَّ أَكْدَى، يَقُولُ: قَطَعَ عَطَاءَهُ»([4]).

فإن جاز قبول الخبر الأول خبر الواحدي والزمخشري- جاز قبول الخبر الثاني رواية مجاهد-؛ إذ ليست الأُولى أَولى من الثانية في شيء!

اعتراض الأميني على الرواية بأن العقل يحكم ببطلان حمل أحد وزر الآخر، فهذا مما نوافقه عليه ونجنح إلى صحته قطعًا، لكن يبدو أن الأميني الرافضي نسي أن هذا الذي أنكره هو من عقائده التي قررها التشيع، وهو ما يسمى بعقيدة الطينة، والتي خلاصتها أن: «الشّيعي خُلق من طينة خاصّة، والسُّنّي خُلق من طينة أخرى، وجرى المزج بين الطينتين بوجه معين، فما في الشّيعي من معاصٍ وجرائم فهو من تأثّره بطينة السُّنّيّ، وما في السُّنّي من صلاح وأمانة فهو بسبب تأثّره بطينة الشّيعي، فإذا كان يوم القيامة فإن سيّئات وموبقات الشّيعة تُوضع على أهل السُّنّة، وحسنات أهل السُّنّة تُعطى للشّيعة، وعلى هذا المعنى تدور أكثر من ستّين رواية من رواياتهم»([5]).

فهذا الصدوق في علله يبوب تبويبًا بعنوان: «العلة التي من أجلها قد يرتكب المؤمن المحارم ويعمل الكافر الحسنات»، واستدل في هذا الباب على أن الله D يُحمِّل الكافرين آثام وخطايا الشيعة، ويُحمِّل الشيعة حسنات الكافرين، واستدل على ذلك بما ساقه بسنده عَنْ إِسْحَاقَ الْقُمِّيِّ قَالَ: «إِنَّ اللهَ تَعَالَى لَمَّا كَانَ مُتَفَرِّدًا بِالْوَحْدَانِيَّةِ ابْتَدَأَ الْأَشْيَاءَ لَا مِنْ شَيْءٍ، فَأَجْرَى الْمَاءَ الْعَذْبَ عَلَى أَرْضٍ طَيِّبَةٍ طَاهِرَةٍ سَبْعَةَ أَيَّامٍ بِلَيَالِيهَا، ثُمَّ نَضَبَ الْمَاءَ عَنْهَا، فَقَبَضَ قَبْضَةً مِنْ صَفْوَةِ ذَلِكَ الطِّينِ، وَهِيَ طِينَةُ أَهْلِ الْبَيْتِ، ثُمَّ قَبَضَ قَبْضَةً مِنْ أَسْفَلِ ذَلِكَ الطِّينِ وَهِيَ طِينَةُ شِيعَتِنَا، ثُمَّ اصْطَفَانَا لِنَفْسِهِ، فَلَوْ أَنَّ طِينَةَ شِيعَتِنَا تُرِكَتْ كَمَا تُرِكَتْ طِينَتُنَا لَمَا زَنَى أَحَدٌ مِنْهُمْ وَلَا سَرَقَ وَلَا لَاطَ وَلَا شَرِبَ الْمُسْكِرَ وَلَا اكْتَسَبَ شَيْئًا مِمَّا ذَكَرْتَ، وَلَكِنَّ اللهَ تَعَالَى أَجْرَى الْمَاءَ الْمَالِحَ عَلَى أَرْضٍ مَلْعُونَةٍ سَبْعَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهَا ثُمَّ نَضَبَ الْمَاءَ عَنْهَا، ثُمَّ قَبَضَ قَبْضَةً وَهِيَ طِينَةٌ مَلْعُونَةٌ مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ، وَهِيَ طِينَةُ خَبَالٍ، وَهِيَ طِينَةُ أَعْدَائِنَا، فَلَوْ أَنَّ اللهَ D تَرَكَ طِينَتَهُمْ كَمَا أَخَذَهَا لَمْ تَرَوْهُمْ فِي خَلْقِ الْآدَمِيِّينَ وَلَمْ يُقِرُّوا بِالشَّهَادَتَيْنِ وَلَمْ يَصُومُوا وَلَمْ يُصَلُّوا وَلَمْ يُزَكُّوا وَلَمْ يَحُجُّوا الْبَيْتَ، وَلَمْ تَرَوْا أَحَدًا مِنْهُمْ بِحُسْنِ خُلُقٍ، وَلَكِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى جَمَعَ الطِّينَتَيْنِ طِينَتَكُمْ وَطِينَتَهُمْ فَخَلَطَهَا وَعَرَكَهَا عَرْكَ الْأَدِيمِ وَمَزَجَهَا بِالْمَاءَيْنِ، فَمَا رَأَيْتَ مِنْ أَخِيكَ الْمُؤْمِنِ مِنْ شَرِّ لَفْظٍ أَوْ زِنًا أَوْ شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْتَ مِنْ شُرْبِ مُسْكِرٍ أَوْ غَيْرِهِ فَلَيْسَ مِنْ جَوْهَرِيَّتِهِ وَلَا مِنْ إِيمَانِهِ، إِنَّمَا هُوَ بِمَسْحَةِ النَّاصِبِ اجْتَرَحَ هَذِهِ السَّيِّئَاتِ الَّتِي ذَكَرْتَ، وَمَا رَأَيْتَ مِنَ النَّاصِبِ مِنْ حُسْنِ وَجْهٍ وَحُسْنِ خُلُقٍ أَوْ صَوْمٍ أَوْ صَلَاةٍ أَوْ حَجِّ بَيْتٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ فَلَيْسَ مِنْ جَوْهَرِيَّتِهِ إِنَّمَا تِلْكَ الْأَفَاعِيلُ مِنْ مَسْحَةِ الْإِيمَانِ اكْتَسَبَهَا وَهُوَ اكْتِسَابُ مَسْحَةِ الْإِيمَانِ، قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ فَمَهْ؟ قَالَ لِي: يَا إِسْحَاقُ، أَيَجْمَعُ اللهُ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ؟ إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ نَزَعَ اللهُ تَعَالَى مَسْحَةَ الْإِيمَانِ مِنْهُمْ فَرَدَّهَا إِلَى شِيعَتِنَا، وَنَزَعَ مَسْحَةَ النَّاصِبِ بِجَمِيعِ مَا اكْتَسَبُوا مِنَ السَّيِّئَاتِ فَرَدَّهَا إِلَى أَعْدَائِنَا، وَعَادَ كُلُّ شَيْءٍ إِلَى عُنْصُرِهِ الْأَوَّلِ الَّذِي مِنْهُ ابْتَدَأَ، أَمَا رَأَيْتَ الشَّمْسَ إِذَا هِيَ بَدَتْ؟ أَلَا تَرَى لَهَا شُعَاعًا زَاجِرًا مُتَّصِلًا بِهَا أَوْ بَائِنًا مِنْهَا؟ قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، الشَّمْسُ إِذَا هِيَ غَرَبَتْ بَدَا إِلَيْهَا الشُّعَاعُ كَمَا بَدَا مِنْهَا، وَلَوْ كَانَ بَائِنًا مِنْهَا لَمَا بَدَا إِلَيْهَا، قَالَ: نَعَمْ يَا إِسْحَاقُ، كُلُّ شَيْءٍ يَعُودُ إِلَى جَوْهَرِهِ الَّذِي مِنْهُ بَدَا، قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، تُؤْخَذُ حَسَنَاتُهُمْ فَتُرَدُّ إِلَيْنَا وَتُؤْخَذُ سَيِّئَاتُنَا فَتُرَدُّ إِلَيْهِمْ؟ قَالَ: إِي وَاللهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، أَجِدُهَا فِي كِتَابِ اللهِ تَعَالَى؟ قَالَ: نَعَمْ يَا إِسْحَاقُ، قُلْتُ: أَيَّ مَكَانٍ؟ قَالَ لِي: يَا إِسْحَاقُ، أَمَا تَتْلُو هَذِهِ الْآيَةَ: [ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ] {الفرقان:70} فَلَمْ يُبَدِّلِ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ إِلَّا لَكُمْ وَاللهُ يُبَدِّلُ لَكُمْ»([6]).

فلماذا يتناسى الشيعي عقيدته ويرمي بها، ثم ينسبها وبإنكار لأصحاب النبي ق؟!

 

([1]) أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن (7/468) ط الفكر.

([2]) التحرير والتنوير (27/127).

([3]) يراجع: تفسير الطبري جامع البيان (22/ 541 - 543) ط دار التربية والتراث.

([4]) تفسير مجاهد (ص628).

([5]) أصول مذهب الشيعة الإمامية الاثني عشرية - عرض ونقد (2/956).

أخرج الكليني في الكافي (3/15) عَنْ عُثْمَانَ بْنِ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ كَيْسَانَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ S قَالَ: «أَمَا عَلِمْتَ يَا بْنَ كَيْسَانَ، أَنَّ اللهَ D أَخَذَ طِينَةً مِنَ الْجَنَّةِ وَطِينَةً مِنَ النَّارِ، فَخَلَطَهُمَا جَمِيعًا، ثُمَّ نَزَعَ هذِهِ مِنْ هذِهِ، وَهذِهِ مِنْ هذِهِ، فَمَا رَأَيْتَ مِنْ أُولئِكَ مِنَ الْأَمَانَةِ وَحُسْنِ الْخُلُقِ وَحُسْنِ السَّمْتِ، فَمِمَّا مَسَّتْهُمْ مِنْ طِينَةِ الْجَنَّةِ، وَهُمْ يَعُودُونَ إِلى مَا خُلِقُوا مِنْهُ، وَمَا رَأَيْتَ مِنْ هؤُلَاءِ مِنْ قِلَّةِ الْأَمَانَةِ وَسُوءِ الْخُلُقِ وَالزَّعَارَّةِ، فَمِمَّا مَسَّتْهُمْ مِنْ طِينَةِ النَّارِ، وَهُمْ يَعُودُونَ إِلى مَا خُلِقُوا مِنْهُ».

([6]) علل الشرائع (2/491).