زعمهم أن عثمان لا يعرف الخلاص من النار

الشبهة:

قالت الشيعة: إن عثمان لم يكن يعرف الخلاص من النار بعد وفاة رسول الله ق! واستدلوا على ذلك بما رواه ابن عساكر في تاريخه عن نبيط ابن شريط قال: «مر عمر على عثمان بن عفان فسلم عليه فلم يرد السلام، فجاء عمر إلى أبي بكر الصديق فقال: يا خليفة رسول الله ق، ألا أخبرك بمصيبة نزلت بنا من بعد رسول الله ق؟ قال: وما هي؟ قال: مررت على عثمان فسلمت عليه فلم يرد عليَّ السلام، فقال أبو بكر: أوَ كان ذلك؟ قال: نعم، فأخذ بيده وجاء إلى عثمان فسلما عليه فرد عليهما السلام، فقال أبو بكر: جاءك عمر فسلَّم عليك فلم ترد عليه؟ فقال: والله يا خليفة رسول الله ما رأيته، قال: وفي أي شيء كانت فكرتك؟ قال: كنت مفكرًا في رسول الله ق، فارقنا ولم نسأله كيف الخلاص والمخلص من النار، فقال أبو بكر: والله لقد سألت رسول الله ق فأخبرني، فقال عثمان: ففرج عنا، قال أبو بكر: قال رسول الله ق: تمسكوا بالعروة الوثقى؛ قول: لا إله إلا الله»، قال الباطرقاني: قال لنا أبو عبد الله محمد بن إسحاق: «وهذا حديث غريب؛ كان أبو علي الحافظ حدثناه عن ابن مكحول، يعني أحمد بن محمد بن عبد السلام، ثم لقيته فحدثني به»([1]).

قال الأميني: «أكان في أذن الرجل وقر على عهد النبوة عما كان يتهالك دونه رسول الله صلى اللّه عليه وآله ويهتف به آناء الليل وأطراف النهار منذ بدء البعثة إلى أن لقي ربه من الإشادة بكلمة التوحيد، وأن الإخلاص بها هو المنقذ الفذ، والسبب الوحيد للنجاة من الهلكة التي من ورائها النار، وأن من يسلم وجهه لله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى؟ [ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ] {البقرة:256}»([2]).

 

([1]) تاريخ دمشق، ابن عساكر (5/387).

([2]) الغدير، الأميني (9/65).

الرد علي الشبهة:

الرواية من طريق أحمد بن إسحاق بن إبْرَاهِيم بن نبيط بن شَريط، وهو كذاب، قَالَ الذهبي: «لا يحل الاحتجاج به؛ فإنه كذاب، حدث عن أبِيهِ عن جده بنسخة فيها بلايا، وقال الصفدي: صاحب النسخة الموضوعة المشهورة»([1]).

فهذا رجل كذاب لا يحتج به عاقل، لكن هذه بضاعة الشيعة عادة؛ لأنهم لا يجدون مطعنًا بحق، فيضطرون للطعن بالباطل نصرة لباطلهم.

زعْمُ الأميني أن عثمان جهل العروة الوثقى وأنها «لا إله إلا الله» جهلٌ وسفاهةٌ من الأميني، وذلك أن العروة الوثقى في دين هذا الرافضي ليست «لا إله إلا الله» كما زعم الأفاك، إنما هي «ولاية علي بن أبي طالب».

روى الصدوق بسنده عن عبد الله بن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: «من أحب أن يستمسك بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها، فليستمسك بولاية أخي ووصيي علي بن أبي طالب، فإنه لا يهلك من أحبه وتولاه، ولا ينجو من أبغضه وعاداه»([2]).

فهذا جهل الأميني بدينه، وتلبيسه على الناس بدعوى جهل الصحابي بكلمة التوحيد، ولو كانت النجاة بكلمة التوحيد فقط عند الشيعة لما صح دينهم أصلًا؛ لأنه قائم على أن النجاة بالإمامة لا بكلمة التوحيد، بل إن كل آيات التوحيد جعلوها في الإمامة المزعومة!

إن كان الجهل عيبًا فيمن هو دون المعصوم، فإنه أشد عيبًا في حق المعصوم، فإن أئمة الشيعة قد جهلوا أشياءَ لا يجهلها صغار طلبة العلم، كجهل علي بن أبي طالب حكم المذي، وجهله تحريم البنت من الرضاع.. وغير ذلك، بل وجهل الحسن بن علي أمورًا كثيرةً.

ففي نهج البلاغة من وصية علي للحسن ب: «فَإِنْ أَشْكَلَ عَلَيْكَ شَيْءٌ مِنْ ذلِكَ فَاحْمِلْهُ عَلَى جَهَالَتِكَ بِهِ، فَإِنَّكَ أَوَّلُ مَا خُلِقْتَ جَاهِلًا ثُمَّ عَلِمْتَ، وَمَا أَكْثَرَ مَا تَجْهَلُ مِنَ الأمْرِ، وَيَتَحَيَّرُ فِيهِ رَأيُكَ، وَيَضِلُّ فِيهِ بَصَرُكَ ثُمَّ تُبْصِرُهُ بَعْدَ ذلِكَ! فَاعْتَصِمْ بِالَّذِي خَلَقَكَ وَرَزَقَكَ وَسَوَّاكَ، وَلْيَكُنْ لَهُ تَعَبُّدُكَ، وَإِلَيْهِ رَغْبَتُكَ، وَمِنْهُ شَفَقَتُكَ»([3]).

بل إن الرافضة نسبت الجهل لرب العالمين -تبارك اسمه- عندما نسبوا إليه سبحانه البَدَاء، وقد قرر المرتضى صراحةً أنها بمعنى الجهل من الله، يقول مسلم الحلي: «وذكر سيدنا الأجل المرتضى (قدس سره) وجهًا آخر في ذلك، وهو أنه قال: يمكن حمل ذلك على حقيقته، بأن يقال: بدَا له تعالى، بمعنى أنه ظهر له من الأمر ما لم يكن ظاهرًا له، وبدا له من النهي ما لم يكن ظاهرًا له؛ لأن قبل وجود الأمر والنهي لا يكونان ظاهرين مدركين، وإنما يعلم أنه يأمر وينهى في المستقبل، فأما كونه آمرًا وناهيًا، فلا يصح أن يعلمه إلا إذا وجد الأمر والنهي، وجرى ذلك مجرى أحد الوجهين المذكورين في قوله تعالى: [ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ] {محمد:31} بأن نحمله على أن المراد به حتى نعلم جهادكم موجودًا؛ لأن قبل وجود الجهاد لا يعلم الجهاد موجودًا، وإنما نعلم ذلك بعد حصوله، فكذلك القول في البَدَاء، وهذا وجه حسن جدًّا، انتهى موضع الحاجة من الكلام، وأنت ترى أن هذا الكلام صريح كل الصراحة في أن البَدَاء في نظر السيد المرتضى (قدس سره) ليس هو المراد من النسخ، كما أن الشيخ نفسه جعله مقابلًا للمعنى المذكور للنسخ المعروف فيه، لكن فيه: أنه يرى أنه تعالى غير عالم بالأشياء قبل الوقوع، كما ترى صريحه وتصريحه»([4]).

وبغض النظر عن قول الحلي أنه مذهب مهجور عند الإمامية، إلا أننا نقول: ما حكم الشريف المرتضى الذي اتهم رب العالمين بالجهل، عياذًا بالله؟

فصار الاتهام بالجهل ليس فقط لعثمان، إنما تطاول هؤلاء الأقزام كذلك على المقام العلي لرب العزة تبارك اسمه، واتهموه بتلك التهمة التي سبقهم إليها اليهود.

 

([1]) المنتظم (6/52)، تذكرة الحفاظ (2/146)، الوافي بالوفيات (6/242)، ميزان الاعتدال (1/28)، لسان الميزان (1/404).

([2]) معاني الأخبار، الصدوق (1/368).

([3]) نهج البلاغة، الشريف الرضي (3/37- 46).

([4]) القرآن والعقيدة، مسلم الحلي (ص١٢٦- ١٢٥).