زعمهم حِرمان عثمان مِن دفْن زوجته لذنب اقترفه

الشبهة:

ادَّعت الشيعة أن عثمان بن عفان ا اقترف ذنبًا عاقبه النبي ق عليه بالحرمان من نزول قبر زوجته؛ حتى لا ينال شرف إقبار ابنة النبي ق، واستدلوا على ذلك برواية أَنَسٍ ا، قَالَ: «شَهِدْنَا بِنْتَ رَسُولِ اللهِ ق، وَرَسُولُ اللهِ ق جَالِسٌ عَلَى القَبْرِ، فَرَأَيْتُ عَيْنَيْهِ تَدْمَعَانِ، فَقَالَ: «هَلْ فِيكُمْ مِنْ أَحَدٍ لَمْ يُقَارِفِ اللَّيْلَةَ؟» فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: أَنَا، قَالَ: «فَانْزِلْ فِي قَبْرِهَا»، فَنَزَلَ فِي قَبْرِهَا فَقَبَرَهَا»، قَالَ ابْنُ مُبَارَكٍ: قَالَ فُلَيْحٌ: «أُرَاهُ يَعْنِي الذَّنْبَ» قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: «[] {الأنعام:113} أَيْ: لِيَكْتَسِبُوا»([1]).

قال الأميني معلِّقًا: «فلا شك في أنه أمر استحق من جرائه عثمان الحرمان من النزول في قبر زوجته ابنة رسول الله ق، وكان أولى الناس بها، والمسلمون كلهم كانوا يعلمون ذلك، لكن رسول الله ص الداعي إلى الستر على المؤمنين والإغضاء عن العيوب، الناهي عن إشاعة الفحشاء في كتابه الكريم، والمانع عن التجسس عما يقع في الخلوات، المبعوث لإعزاز أهل الدين، شاء -[ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ] {النجم:3-4}- أن يستثني موردًا واحدًا تلوح بأمر عظيم حرم لأجله عثمان من الحظوة بالنزول في قبر حليلته أو معقد شرفه بصهر رسول الله صلى الله عليه وآله وواسطة مفخرِه بهاتيك الصلة، فعرف المسلمون ذلك المقتضي بالطبع الأول، وهذا المانع من المقارفة المختلف في تفسيرها، فإن كان ذنبًا أثر في رسول الله ق أن حط من رتبته بما قلناه، ولو كانت صغيرة وهي غير ظاهرة تسترها، لكنها بلغت من الكبر حدًّا لم ير صلى الله عليه وآله سترها، ولا رعى حرمة ولا كرامة لمقترفها، فإن كانت سيئة هذا شأنها فلا خير فيمن يجترح السيئات.

 وإن أريد مقارفة النساء على الوجه المحلل فهي من منافيات المروءة ومن لوازم الفظاظة والغلظة، فأي إنسان تحبذ له نفسه التمتع بالجواري في أعظم ليلة عليه هي ليلة تصرم مجده، وانقطاع فخره، وانفصام عرى شرفه؟! فكيف هان ذلك على الخليفة؟! فلم يراع حرمة رسول الله صلى الله عليه وآله واستهان بتلك المصيبة العظيمة، فتلذذ بالرفث إلى جارية، والمطلوب من الخلفاء معرفة فوق هذه من أول يومهم، ورأفة أربى مما وقع، ورقة تنيف على ما صدر منه، وحياء يفضل على ما ناء به.

 ومن العسير جدًّا الخضوع للاعتقاد بأن رسول الله صلى الله عليه وآله ارتكب ذلك الهتك والإهانة على أمر مباح، مع رأفته الموصوفة على أفراد الأمة، وإغراقه نزعًا في الستر عليهم»([2]).

وقد رووا في ذلك رواية ذكرها الكليني في الكافي([3])، وسنتعرض لها خلال بحثنا إن شاء الله تعالى.

 

([1]) صحيح البخاري (2/91).

([2]) الغدير، الأميني (٨/٢٤٧).

([3]) الكافي، الكليني (5/618).

الرد علي الشبهة:

إذا كان إقبار ابنةِ النبي ق شرفًا كبيرًا، فما الظن بالزواج منها وما يستتبعه من قرب، فهو أوثق ما يكون بين إنسان وإنسان؟!

وما الظن بكفالةِ تلك المرأةِ والإنفاق عليها؟!

فإذا كان الإقبارُ لامرأةٍ فضيلةً فمن باب أولى أن تعترف الشيعة بتلك الفضيلة لعثمان، فالنبي ق خصه بما لم يخص بها إنسانًا غيره قط، فزوجه ابنتيه([1])، ورواية الكافي التي هي محل الشبهة من كتبهم تثبت زواج عثمان من إحدى ابنتي النبي ق.

ومجرد إنكاحه ق ابنتيه لعثمان ا هو بعينه إقرار منه ق بارتضائه لدين عثمان وخُلقه، فقد روى النوري الطبرسي بسند مسلسل بالأئمة عن علي ا أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: «إذا أتاكم من ترضون دينه وأمانته فزوِّجوه، فإن لم تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير»، وفي دعائم الإسلام: «أن النبي صلى الله عليه وآله نهى أن يرد المسلم أخاه المسلم إذا خطب إليه ابنته رضي دينه، وقال: «إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير»»([2]).

فكان من المحال أن يزوِّج النبيُّ ق ابنتيه من رجل غير مؤمن!

بل إن فقهاء الشيعة قد اشترطت الكفاءة في النكاح، حتى أجازوا للفتاة أن تُنكح نفسها بغير إذن وليها إذا كان الرجل كفؤًا لها!

فهذا مرجع الشيرازية صادق الحسيني الشيرازي سُئل سؤالًا جاء فيه: «إذا أرادت فتاة بالغة وعاقلة الزواج من شاب مؤمن، ولكن والدها يرفض ذلك لأسباب مادية، فهل يجوز لها الزواج منه بغير إذْنِ الوالد إذا أصر الأخير على الرفض؟»

فكان جوابه: «جاز إذا كان الزوج كفؤًا، كما في مفروض السؤال»([3]).

فهنا جعل مرجعهم الكفاءة شرطًا إذا وُجِدَ جاز للبنت أن تتزوج بغير إذْنِ والدها، وهذه الكفاءة عندهم كما جاء في نص السؤال هي الإيمان، قال الطريحي النجفي: «الكفاءة بالفتح والمد: تَساوي الزوجين في الإسلام والإيمان»([4]).

فهذا مُلزم للشيعة أن يعتقدوا بإيمان عثمان ا إيمانًا كاملًا لا تشوبه شائبة، وإلا لزمهم في الابتداء الطعن في النبي ق.

القول بأن النبي ق قد عاقب عثمان على ذنب اقترفه لا يصح؛ إذ ليس في الحديث ما يدل عليه، فلفظ المقارفة في لغة العرب إذا جاء في سياق الرجل والمرأة فإنه لا يعني إلا الجماع، قال ابن فارس: «وَقَارَفَ امْرَأَتَهُ: جَامَعَهَا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِبَاسُ صَاحِبِه»([5]).

قال المحب الطبري: «قارف أي جامع، ومنه حديث عائشة: (كان يصبح جنبًا من قراف) أي: جماع، وأصل الاقتراف الاكتساب، ومنه: اقتراف الذنب، ومنه: [ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ] {الأنعام:113}»([6]).

وقال ابن الجوزي في كشف المشكل: «وَفِي هَذَا الحَدِيث تَفْسِير يقارِفُ عَن بضع الروَاة، وَهُوَ فليح، فَإِنَّهُ قَالَ: أرَاهُ يَعْنِي الذَّنب، وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْء لثَلَاثَة أوجه:

أَحدهَا: أَنه قد رُوِيَ مَا يمْنَع هَذَا،... ثَابت عَن أنس: أَن رقية لما مَاتَت قَالَ رَسُول الله ق: «لَا يدْخل الْقَبْر رجل قارف أَهله اللَّيْلَة».

وَأخْبرنَا إِسْمَاعِيلُ بن أَحْمد السَّمرقَنْدِي... عَن ثَابت عَن أنس قَالَ: لما مَاتَت رقية بنت رَسُول الله ق قَالَ رَسُول الله ق: «لَا يدخلن الْقَبْر أحد قارف أَهله البارحة» قَالَ: فَتنحَّى عُثْمَان بن عَفَّان.

وَالثَّانِي: أَنه لَو أَرَادَ الذَّنب كَانَ رَسُول الله ق وكبار الْمُهَاجِرين أَحَق بذلك.

وَالثَّالِث: أَن يكون أَبُو طَلْحَة قد مدح نَفسه بِهَذَا وَلم يكن ذَلِك من خصالهم، وَإِنَّمَا الْمُرَاد الْوَطْء، يُقَال: قارف الرجل امْرَأَته: إِذا جَامعهَا، والقريب الْعَهْد بالشَّيْء يتذكره، فَلهَذَا طلب من لم يقرب عَهده بذلك»([7]).

فإذا فهم الشيعة من هذا أن النبي ق يقصد الذنب فنحن لا نقول بعصمة أصحاب النبي ق عن الذنوب؟

ولزمهم أن يقولوا بأن أول مذنب هو النبي ق نفسه، ثم علي بن أبي طالب والحسن والحسين؛ إذ ليس في الخبر ما يُستثنى به هؤلاء!

ولا يمكن القول بعدم حضور أحد منهم؛ إذ إن سياق رواية الكافي يمنع ذلك، وهي أيضًا مشعرة بكون الكل قد أذنب إلا أبا طلحة.

زعْمُ الشيعة أن «فعل عثمان ينافي المروءة حين تكون المرأة تحتضر وزوجها يجامع جاريته» زعمٌ فاسد؛ وذلك أن الرواية لم يرد بها أن ابنة النبي ق كانت تحتضر، أو ظهرت عليها علامات الموت حتى يُقال إنه تركها تحتضر وجامع جاريته!

بل وإن قلنا إن فعل عثمان كان على فقه الإمام الصادق عند الشيعة لما ابتعدنا، فقد رووا عَنْ مَنْصُورِ بْنِ حَازِمٍ أنه قَالَ: «قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللهِ ع: مَا تَقُولُ فِي الصَّائِمِ يُقَبِّلُ الْجَارِيَةَ وَالْمَرْأَةَ؟ فَقَالَ: أَمَّا الشَّيْخُ الْكَبِيرُ مِثْلِي وَمِثْلُكَ فَلَا بَأْسَ، وَأَمَّا الشَّابُّ الشَّبِقُ فَلَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ، وَالْقُبْلَةُ إِحْدَى الشَّهْوَتَيْنِ، قُلْتُ: فَمَا تَرَى فِي مِثْلِي تَكُونُ لَهُ الْجَارِيَةُ فَيُلَاعِبُهَا؟ فَقَالَ لِي: إِنَّكَ لَشَبِقٌ يَا أَبَا حَازِمٍ، كَيْفَ طُعْمُكَ؟ قُلْتُ: إِنْ شَبِعْتُ أَضَرَّنِي وَإِنْ جُعْتُ أَضْعَفَنِي، قَالَ: كَذَلِكَ أَنَا، فَكَيْفَ أَنْتَ وَالنِّسَاءَ؟ قُلْتُ: وَلَا شَيْءَ، قَالَ: وَلَكِنِّي يَا أَبَا حَازِمٍ مَا أَشَاءُ شَيْئًا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنِّي إِلَّا فَعَلْتُ»([8]).

يقول المجلسي معلقًا: «قوله S: «إلا فعلت» أي: لا أكف نفسي عن الجماع، بل أتى به بقدر الشهوة»([9]).

فحال الصادق عند الشيعة أنه لا يمنع نفسه من الجماع أبدًا وقت حاجته لذلك، فهل هو حلال للصادق حرام على عثمان؟

الرواية التي يستدلون بها في ذلك قد وردت في الكافي بسند مجهول كما قال المجلسي في مرآته([10])، وقد جاء فيها أن عثمان قتل ابنة رسول الله ق([11])، وصرَّح النبي ق بذلك فقال: «مَا لَهُ قَتَلَكِ قَتَلَهُ اللهُ، وَكَانَ ذلِكَ يَوْمَ الْأَحَدِ، وَبَاتَ عُثْمَانُ مُلْتَحِفًا بِجَارِيَتِهَا، فَمَكَثَت الاثْنَيْنَ وَالثَّلَاثَاءَ، وَمَاتَتْ فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ.

فَلَمَّا حَضَرَ أَنْ يَخْرُجَ بِهَا، أَمَرَ رَسُولُ اللهِ ص فَاطِمَةَ P، فَخَرَجَتْ P وَنِسَاءُ الْمُؤْمِنِينَ مَعَهَا، وَخَرَجَ عُثْمَانُ يُشَيِّعُ جَنَازَتَهَا، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ ص قَالَ: مَنْ أَطَافَ الْبَارِحَةَ بِأَهْلِهِ أَوْ بِفَتَاتِهِ، فَلَا يَتْبَعَنَّ جَنَازَتَهَا، قَالَ ذلِكَ ثَلَاثًا، فَلَمْ يَنْصَرِفْ، فَلَمَّا كَانَ فِي الرَّابِعَةِ، قَالَ: لَيَنْصَرِفَنَّ أَوْ لَأُسَمِّيَنَّ بِاسْمِهِ، فَأَقْبَلَ عُثْمَانُ مُتَوَكِّئًا عَلى مَوْلًى لَهُ، مُمْسِكًا بِبَطْنِهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي أَشْتَكِي بَطْنِي، فَإِنْ رَأَيْتَ أَنْ تَأْذَنَ لِي أَنْ أَنْصَرِفَ، قَالَ: انْصَرِفْ، وَخَرَجَتْ فَاطِمَةُ P وَنِسَاءُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ، فَصَلَّيْنَ عَلَى الْجَنَازَةِ»([12]).

ففي هذه الرواية تصريح من النبي ق بزعمهم أن عثمان قتل رقية ب، ومع ذلك ترى النبي ق يتستر عليه ولا يذكر جريمته الكبرى للناس! بل ولم يفضحه كما زعم الأميني الكاذب!

أما زعم قتله ابنة رسول الله ق فلا يستحق أن يُلتفت إليه؛ إذ هو في غاية السذاجة، ثم نحن نسأل:

ما حكم الشرع في رجل قتل زوجته؟ أليس القصاص؟!

لماذا لم يُقم النبيُّ ق حدَّ الله على عثمان؟!

هل فقه الشيعة يُجَوِّزُ للزوج قتل زوجته ظلمًا بلا عقوبة؟!

بل وتُسقط الشيعة بهذا حكم الله -القصاص- وعلى يدي رسول الله ق فقط لتمرير تهمة ساذَجة مثل هذه!

 

([1]) أفردنا لإثبات ذلك بحثًا خاصًّا من هذا الكتاب.

([2]) مستدرك الوسائل، النوري الطبرسي (14/187 188).

([3]) المسائل الشرعية، صادق الحسيني الشيرازي (ص٤٢٣).

([4]) الخصائص الفاطمية، محمد باقر الكجوري (1/512).

([5]) مقاييس اللغة (5/75).

([6]) ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى (ص166).

([7]) كشف المشكل من حديث الصحيحين (3/295).

([8]) الكافي، الكليني (٧/483).

([9]) مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، المجلسي (١٦/277)، «الحديث الثامن: مجهول» انظر: الكافي، الكليني (5/618).

([10]) مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، المجلسي (١4/242).

([11]) وقد أفردناها ببحث خاص في هذا الكتاب.

([12]) الكافي، الكليني (5/618).