هذه الرواية -الفاسدة- تقتضي إيمان عثمان بن عفان ا؛ إذ الشيعة تشترط الكفاءة في النكاح، والكفاءة تقتضي الديانة والإيمان.
يقول الروحاني: «القاعدة العامّة التي شيّدها الإسلام لتأسيس العلاقة الزوجيّة هي: الكفاءة في الدين والإيمان، وهذا ما صدع به النبيُّ الأعظم صلى الله عليه وآله عندما قال له رجل: يا رسول الله، مَن نزوِّج؟ فقال صلى الله عليه وآله: الأكْفَاء، فقال: ومَن الأكفاء؟ فقال: المؤمنون بعضهم أكْفَاء بعض»([1]).
فإن لم يكن بنات النبي ق هن أكفأ الناس في الإيمان، فمن إذًا؟! ولذا فإنه لا ينكحهن إلا من كانوا أكفاء لهن في الإيمان، فيكون بذلك عثمان من أكثر الأمة إيمانًا على مقتضى تخريج الرافضة؛ إذ إن النبي ق قد ارتضاه كفؤًا لابنتيه فأنكحه إياهما.
-
- مخالفة الرافضة لقواعدهم
ومع هذا ترى الرافضة تخالف ما روته عن النبي والأئمة، وتخالف ما اعتمدته في فقهها؛ إذ نصوا على إكفار عثمان بن عفان، واختلقوا في ذلك الروايات!
فقد أخرج المجلسي وغيره عن أمير المؤمنين في قوله D: [ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ] {الحجر:2} قال: «هو أنا إذا خرجت أنا وشيعتي وخرج عثمان بن عفان وشيعته ونقتل بني أمية، فعندها يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين»([2]).
وفي نور الأفهام: «وكان حذيفة ا وهو من خواصِّ الصحابة يقول: ما في كفر عثمان -بحمد الله- أشكّ، لكنّي أشك في قاتله»([3]).
مع إقرارهم باشتراط كفاءة الإيمان في النكاح، يقول علي المشكيني: «الكفاءة في الإيمان بالمعنى المصطلح عندنا أي الاعتقاد بالولاية للأئمة المعصومين (ع)، فليس للمؤمن نكاح المسلمة غير المؤمنة ولا للمؤمنة الزواج بالمسلم غير المؤمن، وقالوا: إن الثاني أشد منعًا؛ لأن المرأة تأخذ من دين الرجل»([4]).
وفي إجماعات فقهاء الإمامية ما نصه: «لا يجوز أن يزوج المرأة المسلمة المؤمنة بالكفار»([5]).
وقال صاحب الينابيع الفقهية: «الكفاءة معتبرة في النكاح، والكفوء في الدين وفي النسب روايتان، والذي يذهب إليه أصحابنا أن الكفاءة في الدين معتبرة؛ لأنه لا خلاف بين الأمة في أنه لا يجوز أن يزوج المرأة المسلمة المؤمنة بالكفار»([6]).
فيقررون هذا في كل أحد من نسائهم نظريًّا ثم ينفونه عن بنات النبي ق نظريًّا وعمليًّا، فيجعلون بعلَ بنتي النبي ق كافرًا، مع منعهم نكاح الكافر من المؤمنة، فلا يبقى للرافضة آنذاك إلا أن يقولوا بإيمان عثمان بن عفان إيمانًا مطلقًا، أو أن يُكفروا بنتي النبي ق، ولا يخفاك ما في ذاك من الطعن في أبيهما S! ولا طريق لهم للخروج من هذا المأزق المتأزم إلا إسقاط الرواية حتى لا يثبتوا إيمان عثمان! وعليه فقد حكم المجلسي على الرواية بجهالة إسنادها([7]).
والأمر كما قال المجلسي، فإبراهيم بن هاشم القمي والد علي بن إبراهيم لم يوثقه أحد من المتقدمين، يقول الحلي عنه: «ولم أقف لأحد من أصحابنا على قول في القدح فيه، ولا على تعديله بالتنصيص»([8]).
والعبرة عند الشيعة إنما تكون بتوثيق المتقدمين فقط كما قال الحلي نفسه في ترجمة إسحاق بن يزيد بن إسماعيل الطائي قال: «ولا حجية لتوثيق المتأخرين ومدحهم»([9]).
وأما أحمد بن محمد الكوفي فمجهول([10])، ويزيد بن خليفة الخولاني مجهولٌ أيضًا([11])، هذا فضلًا عن جَهالة الواسطة بين محمد الكوفي وصفوان ابن يحيى، وعليه فالرواية ساقطة حتى عند الشيعة أنفسهم، فاندحرت حجتهم من أصلها!
- ثانيًا: النبي ق لا يرضى ببعيرٍ ملعونٍ، ويرضى بصهرٍ ملعونٍ لابنتيه!
كيف يرضى النبي ق أن تعاشر ابنته رجلًا ملعونا! وهو الذي أنِف أن يصحب في سفره دابة ملعونة، ففي صحيح مسلم عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ: «بَيْنَمَا رَسُولُ اللهِ ق فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، وَامْرَأَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ عَلَى نَاقَةٍ، فَضَجِرَتْ فَلَعَنَتْهَا، فَسَمِعَ ذَلِكَ رَسُولُ اللهِ ق فَقَالَ: «خُذُوا مَا عَلَيْهَا وَدَعُوهَا، فَإِنَّهَا مَلْعُونَةٌ»».
قَالَ عِمْرَانُ: «فَكَأَنِّي أَرَاهَا الْآنَ تَمْشِي فِي النَّاسِ، مَا يَعْرِضُ لَهَا أَحَدٌ»([12]).
وقد روت الشيعة في دعائم الإسلام عن أبي جعفر محمد بن علي: «أن رسول الله صلّى الله عليه وآله، سمع رجلًا يلعن بعيرًا، فقال صلّى الله عليه وآله: ارجع لا تصحبنا على بعير ملعون»([13]).
فإن كان النبي ق لا يرضى بصحبة بعيرٍ ملعونٍ معه في سفره، فكيف يرضى لابنتيه بعلًا ملعونًا؟! أكانت أسفَارُه أولى عنده من ابنتيه!
-
- ثم كيف يلعن النبي ق عثمان لمجرد جواره مشركًا، وهو الذي أجازه له؟!
الجوار في الإسلام جائز باتفاق، وقد أجاز النبي ق هذا الجوار لعثمان وأمضاه بقوله: «قد جعلت لك ثلاثًا، فإن قدرت عليه بعد ثلاث قتلته»، فكيف يلعن النبي ق عثمان لفعل أجازه هو؟
وهل هذا إلا لعنٌ لنفسه –نعوذ بالله من ذلك-؟ فالعلة من اللعن في زعمهم هو جوار الكافر، والرواية تنص على أن النبي ق الذي أجاز ذلك الجوار! فيكون اللعن مردودًا على اللاعن ابتداءً!
-
- طعن الرواية في بنت النبي ق
ثم ترى النبي ق يقبح شكوى ابنته من عثمان، ويقول لها في حال شكواها من رجل ملعون بزعم الرافضة: «اقْنَيْ حَيَاءَكِ مَا أَقْبَحَ بِالْمَرْأَةِ ذَاتِ حَسَبٍ وَدِينٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ تَشْكُو زَوْجَهَا».
قبَّح اللهُ من يقبّح بنات نبينا ق ورضوان الله عليهن، فهذه امرأة مظلومة، والنبي ق يعلم أنها مظلومة وأن ظالمها ملعون، هو بنفسه قد لعنه، ويرجعها لهذا الظالم الملعون ليزداد الظلم عليها؟! تالله هذا شأن الظلمة لا شأن الأنبياء.
جاء في تلك الرواية: «فَقَالَ لِابْنَةِ رَسُولِ اللهِ ص: لَا تُخْبِرِي أَبَاكِ بِمَكَانِهِ، كَأَنَّهُ لَا يُوقِنُ أَنَّ الْوَحْيَ يَأْتِي مُحَمَّدًا! فَقَالَتْ: مَا كُنْتُ لِأَكْتُمَ رَسُولَ اللهِ ص عَدُوَّهُ».
وهذا عصيان من المرأة لبعلها، ولا يتصور صدوره من امرأة تعرف الله ورسوله، قال الله تعالى: [ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ] {التوبة:6}.
فالحق سبحانه وتعالى قد أجاز جوار المشرك، وليس لأحد أن يخفر جواره، بل والمرأة لا يجوز إخفار جوارها؛ ففي الصحيحين أن أم هانئ أجارت رجلًا وأراد علي أن يقتله، فجاءت النبي ق وقالت: «زَعَمَ ابْنُ أُمِّي أَنَّهُ قَاتِلٌ رَجُلًا قَدْ أَجَرْتُهُ، فُلَانَ ابْنَ هُبَيْرَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ق: «قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ يَا أُمَّ هَانِئٍ»»([14]).
وحتى الشيعة لم تخالف في هذا الحكم، قال الطوسي: «وإن كان العاقد -للأمان- آحاد المسلمين جاز أن يعقد لآحادهم والواحد والعشرة، ولا يجوز لأهل بلد عام ولا لأهل إقليم؛ لأنه ليس له النظر في مصالح المسلمين، فإذا ثبت جواره لآحاد المسلمين فإن كان العاقد حرًّا مكلفًا جاز بلا خلاف، وإن كان عقدًا صح، سواء كان مأذونًا له في القتال أو غير مأذون، وفيه خلاف لقوله صلى الله عليه وآله: يسعى بذمتهم أدناهم، وأدناهم عبيدهم، وأما المرأة فيصح أمانها بلا خلاف»([15]).
وعليه فإن مجرد عقد الأمان جائز من عثمان، ولا يجوز لامرأته أن تعترض عليه أو أن تخفر جواره أو تُفشي أسراره، فهذه إساءة أخرى وطعن في ابنة رسول الله ق؛ أنها لا تعرف دينها ولا تعرف حق زوجها!
إذا كان عثمان قد قتل ابنة رسول الله ق عندما ضربها، فأين القصاص أو الضمان؟ قال الأنصاري: «ضمان المسرف في التأديب: قال العلامة: «...، ولا خلاف في أنه لو أسرف في التأديب وشبهه، أو زاد على ما يحصل به الغرض، أو ضرب من لا عقل له من الصبيان، فعليه الضمان...» بل ادعى صاحب الجواهر الاتفاق على ضمان الأب والجد لو ضربا الابن ضربًا سائغًا فمات منه، ثم ألحق بهما المعلم وغيره بالأولوية.
هذا بالنسبة للضرب السائغ، وهو يدل على الضمان في غير السائغ - وهو الضرب المسرف فيه - بالأولوية.
ومثل ذلك ضرب الزوجة للتأديب عند نشوزها، فالظاهر لا كلام في الضمان في صورة الإسراف غير المشروع، وإن تردد بعضهم في الضرب الجائز والمشروع.
هذا إذا كان الضرب للتأديب والمصلحة، وأما الضرب للتشفِّي فلا يجوز، قال صاحب الجواهر -بعد الكلام عن تأديب الصبي والمملوك-: ينبغي أن يعلم أن مفروض الكلام في التأديب الراجع إلى مصلحة الصبي مثلًا، لا ما يثيره الغضب النفساني، فإن المؤدب حينئذ قد يؤدب»([16]).
فإن قلنا: إن لعثمان حقَّ ضرب زوجته للتأديب فقد تعدى في الضرب
–أي أسرف حتى بلغ به القتل- فأين الضمان إذًا؟ أو أين القصاص؟
وإذا قلنا: ليس له أن يؤدبها فلا شك في تحقق الضمان بالقصاص أو الدية على خلاف، فلماذا لم يطبق النبي ق شريعة الإسلام في عثمان؟!
([1]) أجوبة المسائل في الفكر والعقيدة والتاريخ والأخلاق، محمد صادق الروحاني (٢/٣٣٠)، والرواية في الكافي (5/337) ط الإسلامية.
([2]) بحار الأنوار (٥٣/٦٨)، رياض الأبرار في مناقب الأئمة الأطهار (ع) (٣/٢٥٥)، مختصر بصائر الدرجات، حسن بن سليمان الحلي (ص٢٢)، المعجم الموضوعي لأحاديث الإمام المهدي (ع)، علي الكوراني العاملي (ص٦١٩).
([3]) نور الأفهام في علم الكلام، حسن الحسيني اللواساني (١/٥٤٦).
([4]) مصطلحات الفقه، علي المشكيني (ص٤٤٠).
([5]) الناصريات، الشريف المرتضى (327، 330) مسألة (153) كتاب النكاح.
([6]) الينابيع الفقهية، علي أصغر مرواريد (١٨/٧٦).
([7]) مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، المجلسي (١٤/٢٤٢).
([9]) خلاصة الأقوال، الحلي (1/58).
([10]) المفيد من معجم رجال الحديث، محمد الجواهري (ص٤٧).
([11]) المفيد من معجم رجال الحديث (ص٦٧٠).
([12]) صحيح مسلم (4/2004).
([13]) مستدرك الوسائل، النوري (8/261).
([14]) صحيح البخاري (1/80)، صحيح مسلم (1/498).
([15]) المبسوط في فقه الإمامية، الطوسي (2/14).
([16]) الموسوعة الفقهية الميسرة، محمد الأنصاري (3/238).